كتبت دكتورة/ ريهام البربري
في ذكرى "أبو الهول" التاسعة عشرة، طرأ على قلبي وعقلي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ".
هذا بالضبط ما حدث معي، منذ أن ساقتني الظروف القاسية والتحديات على وضع أول صخرة لبناء "أبو الهول" بمفردي؛ بعد أن كان حلماً جماعياً بزغ نوره على يد الإذاعي المبدع "ابن النور"، وفي أولى جلسات عملنا الطويلة ؛ بحضور فريق كبير من مبدعي الصحافة والاذاعة المصريين والعرب، أعرب بصفته التي أختارها لنفسه كرئيس مجلس إدارة للجريدة عن رغبته في أن أتولى أنا رئاسة التحرير التنفيذي لها، بعد أن رأى مني همّة وحماساً مفرطاً في اقتراح كل تفاصيل بناء كيان الجريدة تحريرياً ،وقدرتي على اتخاذ القرار في توزيع مهامها بحب وصفاء وثقة على السادة الحاضرين واستثارة همّتهم ليضع كل منهم تصوراته النهائية بحماس منقطع النظير.
لكن جموح طموحات "ابن النور" أوصلته لفكرة إسناد العبء الأكبر من المسؤوليات القانونية والإدارية والتحريرية على عاتقي مما أثار لديّ الخوف والرهبة ، فقد كنت أرغب في العمل بصحبه الزملاء دون أدنى طموح لديّ في أن أتجاوز سنوات الخبرة المطلوبة في إدارة وتحرير جريدة شاملة.
ولقد كنت مع اصراره الشديد، أجد نفسي تنأى وتزهد وتخشى تحمل أعباء ومسؤوليات هذا المنصب، وأثناء تنفيذ اجراءات إصدار الجريدة قانونياً بمعرفته الشخصية ، جاء هدي الله وانسحبت من تلك المنظومة التي لم يكتب لها الخروج للنور، ناجية بنفسي من جنوح طموحات الأستاذ.
وبعد مرور شهرين تقريباً، وأثناء تكليفي بالتغطية المهنية لنشاط أحدى المعاهد الخاصة بالتأهيل الحركي والعصبي، فوجئت بأحد المسؤولين فيها، يسألني عن أهم طموحاتى؟! .. ووسط دهشتي من غرابة السؤال وتوقيته، وجدت نفسي أحدثه عن فشل طموحي السابق مع "ابن النور" ؛ واهتزاز ثقتي في مصداقية الكثير من الأشخاص .. فاستمع لى باهتمام واخلاص ؛ ووجدته لا يستنكر الحلم أو يستعظمه؛ بل شجعني على احياءه بداخلي مجدداً معرباً عن رغبته في مساعدتي؛ شرط أن أكون هذه المرة سيدة قراراتي الإدارية وقائدة أحلامي التحريرية، وأن أتعلم التمهل والصبر عندما أتلقي دروس الحياة!!!
ولا أخفي عليكم سراً، قمت بإنهاء مهام عملي التي كنت ذاهبة هناك من أجلها ، ثم تركت وهج أهم طموحاتي يخفت على أعتاب مكتبه بالمعهد؛ ماضية بقناعة أن الحياة عمرها ما كانت ولا ستكون مثالية.
ومضى بي الحال ثلاثة أيام ساخرة فيها من سذاجتي أن كل من يكبرني في العمر يكون محله عندي أهل ثقة واحترام ومودة، حتي تلقيت اتصالاً هاتفياً من مسؤول المعهد، يطالبني فيه أن أذهب لمقابلة أستاذنا المجاهد الكبير بنقابة الصحفيين؛ وهو الجدير بمنحي وثيقة إصدار "أبوالهول" رسمياً.
ولاحترامي لجهده وسعيه وصدق نواياه، ذهبت في الموعد المحدد، وبعد جلسه غنية بالتفاصيل مع الأستاذ الكبير ؛ تم الاتفاق على كل الإجراءات وتوضيح كافة الإلتزامات ، وصدرت "أبو الهول" قوية ومختلفة في أيام معدودة، ولكن هذه المرة قمت بتغيير تفاصيل الحلم الأول؛ لتصبح الجريدة متخصصة في السياحة والآثار والسفر وليست شاملة.
وشاءت الأقدار أن يكون موقع مكتبي الأول في محيط منطقة الأهرامات بالجيزة ، إذ ربما ينبهني القدر أنه حينما تباغتني مشاعر الإحباط واليأس أثناء منحدرات الطريق أن أتأمل عظمة وحضارة أجدادي، فاستمد من مجدهم قوتي وأستعيد معهم أملي في الصمود لتأدية رسالتي كما ينبغي لها أن تكون!!
وهكذا انطلقت أضع حجرا فوق حجر ، عاماً بعد عام، برفقة المخلصين من السادة الزملاء والكتاب والصحفيين والعلماء المتخصصين وبدعم كريم من كل مهتم وقارىء لنا من شتى بقاع الأرض ، حتى تحققت أهم طموحاتي وآتتني مرغمه، وهان كل جهد وشقاء ومعاناة في الحفر على صخرة الحياة بلا هوادة طوال ال 19 عاماً، أنها يا سادة يد الله الحانية الكريمة المبسوطة بكل الخير والفضل والإحسان لعباده المخلصين!!
وأخيراً.. نصيحتي لكل من يقرأ سطوري أن ينتصر لحلمه مهما ضاقت عليه الدنيا، وانقطعت الأسباب ، فالله وحده إن أراد شيئاً، قال له :"كن فيكون"، فاقتربوا من الله عز وجل بقلوب صافية ، وجددوا نواياكم ، وتوكلوا على الله، وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخير على يديه، وويل لمن جعل اللهُ مفاتيح الشر على يديه).. كل عام ونحن وحضراتكم والأمة العربية والاسلامية بخير ومحبة وسلام. |