كتبت / ريهام البربري
Rehamelbarbary2006@yahoo.com
" لقد اِجتازت مصر فترة عصيبة، والآن نحن على أعتابِ فجر جديد".، جملة واحدة عبر أثير الإذاعة المصرية فى أكثرِ اللحظات الحاسمة في تاريخ مصر الحديث جاءت على لسان اللواء أركان حرب محمد نجيب- رحمه الله- لخصت فيها حلم الأمة، معلنة فيها نهاية حقبة زمنية من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، والبدء نحو مرحلة جديدة لتغيير المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر.
لقد جاء يوم 23 يوليو عام 1952 بثورةِ بيضاءِ نقلت العهد المصرى من الملكية إلى الجمهورية، على أيدي الضباط الأحرار وبتأييد شعبي جارف فأصبح الوطن حراً أبياً فيه يمكن تحقيق الحلم والإرادة.
فقد نجحت الثورة في تأميم قناة السويس عام 1956، ومواجهة العدوان الثلاثي، والانتصار ببسالة بانسحاب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، واِنهاء الوجود الاستعماري المباشر في مصر، كما نجحت في إجراء العديد من الإصلاحات الاقتصادية، منها تأميم كبري الشركات والبنوك، وهدم عرش ملكيات الإقطاعيين، وإعادة توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين، وإعادة بناء الجيش المصري ليصبح قوة إقليمية لايستهان بها، كما نجحت في تقديم فرص التعليم والرعاية الصحية بالمجان، وكان من بين أهدافها اِرساء قواعد ديمقراطية لحياة مجتمعية سليمة إلا أن هذا الهدف لم يتحقق ولازال حلماً ممتداً طويلاً.
72 عاماً مضت على ذكرى تلك الأهداف النبيلة، فيها تقوم الحكومة والشعب كل عام بتعظيم انجازاتها وتفهم إخفاقاتها، إلا أن ما اعتبروه انجازاً حينها واستمر جيلاً ورا جيل بات هم أنفسهم الأن يتجرعون مرارة نقيضه بسبب تفشي أساليب الغش والكذب والخداع والنفاق وخيانة الأمانة والواسطة والمحسوبية والمجاملات والرشاوى وتراخى الأداء بمختلف صوره خلف العديد من أبواب الشركات والهيئات والبنوك والمؤسسات.
فمنذ تخطيطى لتأسيس جريدة " أبو الهول" منذ أكثر من 18 عاماً وأنا كما يقول المثل أعطى الخبز لخبازه، لأنجو ببراءة معاملاتى وبريق طموحاتى من قسوة وصعوبة وعراقيل معاملات الموظفين لأفراد المجتمع، لكن دوام الحال من المحال، ولامفر من حين لأخر أن تسوقنى الأقدار إلى وجوب التعامل الإضطراري مع أحدهم، لأتفاجىء فى كل مرة أن أساليب الإدارة من سىء إلي أسوأ، والمراوغة والتسويف منهج لا أخلاقي عند البعض مثمنًا عقلياً ونفسياً لديهم، باحثة يميناً وشمالاً عن طوق النجاة، في ظل التغييب الحكومى التام لذوى الكفاءات والمهارات الخاصة في كل مناحى المجتمع، مما أدى إلى تفشي التبلد والإهمال سنوات طوال حتى أصبحوا نسيج عنكبوتي متغلغل بثقة وتأييد فيما بينهم دون إدراك ودراية أنهم باتوا فعلياً موظفون بائسون لايدرون ماذا يفعلون سوى عرقلة قاصد الخدمة وبث شكواهم إليه!!!
إن الخطأ والصواب لا يحتاج لكثير من الوقت ليفهمه ذو الفطرة السليمة. وهذه الأمة عريقة فى تاريخها، عرفت وقدرت قيمة العمل منذ آلاف السنيين، فأسست الحضارة المصرية القديمة، ولم يكن أبداً العمل لديها مجرد وسيلة لكسب العيش، بل كان يُنظر إليه باعتباره واجباً مقدساً.
"اجتهد في كل وقت، أفعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضيع الوقت إذا كنت قادراً على العمل، مكروه كل من يسيء اِغتنام وقته. لا تهدر فرصة تعزز ثروة بيتك، العمل يأتي بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هجرت العمل"، هذا جزء من أحد التعاليم الأدبية التي أعلت من شأن العمل وقيمته في الفكر المصري القديم، وكشفت عمق إيمانه بأن العمل سبيل تقدم الوطن وإزدهاره.
وانطلاقاً من مبادئنا الراسخة أنه لا حرج من مجابهة مزيد من صعوبات الطريق لبعض الوقت، فالصراط جسر فوق جهنم، لكنه طريق إلى الجنة،ومصرنا تستحق الأفضل، ومصير الإصلاح وتنفيذه يجب أن يكون أمانة في أيدي الأوفياء فقط، فلا يمكننا نسيان الدروس المستفادة من تاريخ الماضي، واستخدامها في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مستندين إلى شرف الواقع الحضارى للأمة والأهداف الأصيلة التى قامت من أجلها عدة ثورات. |