الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان سليمان القانوني
-ج2-

السلطان سليمان القانوني
-ج2-
عدد : 08-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


وإلي جانب التطور الكبير الذى تحقق في عهد السلطان سليمان القانوني في صفوف الجيوش البرية العثمانية كان هناك أيضا بالتوازى معه تطور كبير تحقق في القوات البحرية العثمانية وفي واقع الأمر فقد كانت القوات البحرية العثمانية قد نمت نموا كبيرا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني مرورا بعهد السلطان سليم الأول وأصبحت مسؤولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة وفي عهد السلطان سليمان القانوني إزدادت قوة البحرية العثمانية على نحو لم تشهده من قبل بعد أن تم تعيين القبطان خير الدين باربروسا قائدا للأسطول البحرى العثماني والذى كان قبل ذلك يتمركز في بلاد الجزائر أو المغرب الأوسط وكان يقود أسطولا قويا يهاجم به سواحل أسبانيا والسفن الصليبية في البحر الأبيض المتوسط وإستطاع أن ينقذ الآلاف من المسلمين واليهود المطرودين من بلاد الأندلس وذلك بدعم ومساعدة السلطانين المذكورين بايزيد الثاني وسليم الأول حيث قام خير الدين باربروسا بفضل هذا الدعم وتلك المساعدات بضرب السواحل الأسبانية وإنقاذ آلاف من المسلمين واليهود المطرودين من أسبانيا من خلال عدد سبع رحلات قام بها إلى السواحل الأسبانية تم خلالها إنقاذ سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الأسبانية المسيحية الكاثوليكية وعرف حينذاك خير الدين باربروسا في دول أوروبا بإسم ملك الجزائر وفي عام 939 هجرية الموافق عام 1533م أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني فرمانا سلطانيا إليه يأمره بأن يستخلف من يعتمد عليه نائبا في إمارة الجزائر والقدوم إلى العاصمة العثمانية إسطنبول وشرع خير الدين يتأهب للسفر وتذكر المصادر التاريخية أن القائد الجنوى أندريا دوريا حاول قطع الطريقِ عليه والحيلولة دون خروجه بأمر من الملك شارلكان لكنه فشل في ذلك وبالفعل خرج خير الدينِ من الجزائر ومعه عدد 26 سفينة كبيرة تاركا باقي أسطوله في الجزائر وغرب البحر المتوسط ومستخلفا ربيبه حسن أغا الطواشي على الجزائر وفي طريقه إلي إسطنبول أغار علي سواحل جنوب إيطاليا وسواحل جزيرة سردينية الإيطالية وأوغل شمالا حتى مشارف جنوة كما سنشرح في السطور القادمة بإذن الله وحقق العديد من المكاسب وغنم الكثير من الغنائم وليتوج دخوله إلي إسطنبول بالنصر والغنائم بعد أن توجه نحو الجنوب فقدم سواحلَ المورة وكان كامنكاش أحمد باشا قبطان باشا الأسطولِ العثماني راسيا بقسم من هذا الأسطول في ميناء نافارين بجنوب غرب المورة فتوجها معا إلى إسطنبول وعند وصوله قام بإستعراض كبير أمام سكانها وإستضافه كامنكاش أحمد باشا في قصره مع ثمانيةَ عشر ريسا من رياس البر المشاهير الذين كانوا بصحبته وفي اليوم التالي دعي مع بحارته للمثول في مجلس الديوانِ الهمايوني وهو ما يماثل مجلس الوزراء أمام السلطان العثماني سليمان القانوني الذي بالغ في مدحه والثناء عليهم وأصدر فرمانا بتعيين خير الدين باربروسا في منصب قائد القوات البحرية العثمانية أي أميرا علي الأسطول ومنحه لقب القبودان إلي جانب إستمراره واليا علي إمارة الجزائر وبوصفه قد أصبح قائدا وأميرا للأسطول العثماني أصبح أيضا عضوا في الديوانِ الهمايونِي العثماني ومنحه السلطان العثماني سليمان القانوني صلاحيات وسلطات واسعةً فيما يتعلق بصناعة السفن وتنظيم الأسطول وتذكر المصادر التاريخية أنه غدا من أقرب مستشارى السلطانِ سليمان القانوني ومعتمدا على خبرته قام القبودان خير الدين ببناء عدد 61 سفينة حربية كبيرة في مدة وجيزة في الترسانة العامرة والتي تضم مصانع بناء السفنِ في إسطنبول وكان القبودان خير الدين يستهدف من ذلك تعزيزِ الأسطول العثماني بحيث يكون أقوى من مجموعِ باقي الأساطيل الأوروبية في البحر المتوسط وتعهد للسلطان العثماني بأنه في حالة إحتمالِ تعذر ذلك من حيث عدد السفن بتأمين ذلك من حيث تفوق مرمى المدافعِ وتدريب الأفراد وفي نفس الوقت الذى بني فيه القبودان خير الدين سفنا جديدة وضع خطة لتجديد السفن والمدافعِ القديمة وتجهيزها بصورة متفوقة خلال بضعِ سنوات مع تكهين وبيعِ القديمِ منها وبالفعل فقد تمكن القبودان خير الدين باربروسا من أن يجعل الأسطول البحرى العثماني يضارع قوة جميع الأساطيل الأوروبية بالبحر الأبيض المتوسط مجتمعة وأن يفرض سيطرته علي البحار التي تطل عليها الأراضي العثمانية وهي البحر المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر وأن يؤمن طرق التجارة بتلك البحار وأن يخوض العديد من المعارك البحرية مع الأسبان والبنادقة والجنويين وغيرهم وأن يحقق عليهم الإنتصار تلو الإنتصار .


وتعالوا بنا الآن نستعرض الفتوحات والمعارك البحرية التي تمت في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني ونبدأ مع أولي الفتوحات والتي قادها السلطان المذكور وهو فتح مدينة بلجراد عاصمة الصرب ومما يذكر أنه كانت هناك محاولة أولى لفتح بلجراد قد جرت في عهد السلطان العثماني السادس مراد الثاني عام 845 هجرية الموافق عام 1441م عندما أعلن البابا أوجينيوس الرابع حملة صليبية ضد الدولة العثمانية لطردها من قارة أوروبا لكنها لم تنجح وقد تبع هذه المحاولة محاولتان جديدتان لفتح بلجراد لكنهما لم تنجحا أيضا إلى أن إعتلى السلطان سليمان القانوني الحكم ولم تمض علي سلطنته إلا ثمانية أشهر فقط حتى قام بحملته الأولى التي أراد أن تكون وجهتها بلجراد وكانت هذه هي المحاولة الرابعة من جانب العثمانيين لفتح المدينة المذكورة وهي المحاولة التي كتب لها النجاح وكانت نقطة البداية لهذه المحاولة عندما نقضت دول أوروبا عهودها مع الخلافة العثمانية فعندما أرسل السلطان العثماني سليمان القانوني سفارة للملك المجرى الصغير لويس الثاني يطلب منه أداء الجزية السنوية فكان الرد المجرى أحمقا بشكل غير مسبوق حيث رفض الملك الصغير دفع الجزية وقطع رأس السفير العثماني وكانت هذه جريمةً في كل الأعراف وتعتبر إعلانا صريحا للحرب وبالتالي فقد منحت هذه الجريمة السلطان سليمان القانوني السبب الشرعي والقانوني الدولي الذي يبرر الهجوم العسكري على بلجراد وكان ذلك في شهر شعبان عام 927 هجرية الموافق عام 1521م حيث إستشاط السلطان العثماني سليمان القانوني غضبا لما وصله خبر مقتله سفيره وقال أيقتل سفير الإسلام وأنا حي غدا ستعلم قارة أوروبا عاقبة أمرها وأمر بتجهيز الجيوش الإسلامية وجمع كل ما يلزم من المؤن والعتاد والسلاح والذخائر وسار هو بنفسه لمحاربتهم وقام بإستئجار حوالي ثلاثين ألف جمل من إقليم الأناضول وشبه الجزيرة العربية لزوم نقل الأسلحة العسكرية والعتاد والجنود وفضلا عن ذلك تم تجهيز حوالي عشرة آلاف عربة لزوم نقل الطحين والشعير من حوض نهر الطونة وهو نهر الدانوب بالإضافة إلي عدد 50 سفينة حربية أبحرت إلي جبهة القتال عبر نهر الدانوب وقد تم فتح مدينة بلجراد خلال الفترة ما بين شهرى شعبان ورمضان عام 927 هجرية الموافقين لشهرى يوليو وأغسطس عام 1521م وأثناء تحرك الجيوش العثمانية نحو بلجراد تم السيطرة على مدينة شابتس ببلاد الصرب والواقعة على نهر سافا أحد روافد نهر الدانوب وحين وصلت إلي ميدان المعركة نصبوا مدافعهم نحو قلعة بلجراد الحصينة وبعد أن حاصر السلطان العثماني سليمان القانوني قلعة بلجراد وتم تقويض جدرانها بالألغام وقذائف المدفعية بعد قصفها لمدة أسبوع وبعد شهرين ونصف الشهر من الحصار تم غزو المدينة وفتحها دون صعوبة كبيرة مع فقدان القليل من الجنود وبفتح المدينة دخلها السلطان العثماني سليمان القانوني وصلى في إحدى كنائسها وحولها إلي مسجد طبقا للعادة التي كانت متبعة في ذلك الزمان من تحويل بعض الكنائس لمساجد في المدن التي كانت تفتح عنوة وبفتح مدينة بلجراد أصبحت قاعدة عسكرية مهمة لمزيد من العمليات في قارة أوروبا كما أصبحت بلجراد أيضا واحدة من أكبر المدن في قارة أوروبا وقد أدي هذا الفتح في نهاية المطاف إلى نشوب معركة تسمي معركة موهاج أو موهاكس والتي ترتب عليها الإستيلاء على أجزاء كبيرة من مملكة المجر وضمها إلي أملاك العثمانيين وقد أعلن السلطان سليمان القانوني هذا الإنتصار بالكتابة إلى جميع الولاة وإلى ملوك دول أوروبا ورئيس جمهورية البندقية الإيطالية ثم عاد إلى عاصمته إسطنبول مكللا بالنصر والظفر على الأعداء وأرسل إليه قيصر الروس يهنئه بالفوز والظفر وكذلك فعل رئيس جمهورية راجوزة الإيطالية وبلا شك فقد كان الإنتصار الذى حققه العثمانيون في هذه المعركة وتمكنهم من فتج مدينة بلجراد إنتصارا مجيدا فقد حقق آثارا إيجابيةً كبيرة أكثر بكثير من مجرد إسقاط مدينة حصينة حيث فتح هذا النصر الطريق إلى مملكة المجر وأحدث هزة عظيمةً للنظام السياسي في المجر فصار متوقعا لضربة قاضية أخرى قريبة كما عزز هذا النصر ثقة السلطان العثماني الشاب في نفسه وجيشه حيث كانت هذه الحملة هي أولي حملاته العسكرية فإذا به يحقق ما لم ينجح جده الأعظم السلطان محمد الفاتح في تحقيقه قبل حوالي مائة عام وأخيرا فقد كان هذا الإنتصار بمثابة رسالةٌ قويةٌ إلى إمبراطورية النمسا تجعلها تعيد حساباتها في تقييم الوضع الجديد للدولة العثمانية كما أنه حقق رهبةً عند القوى الأوروبية المختلفة وأهمها بالنسبة إلى الدولة العثمانية هي جمهورية البندقية الإيطالية التي سارعت بطلب تجديد المعاهدة التجارية مع الدولة العثمانية وهو ما كان يريده السلطان العثماني سليمان القانوني ليضمن حياد جمهورية البندقية أثناء تجهيزه لفتح جزيرة رودس وكذلك لحربه المرتقبة مع المجر في مواطن أخرى وبالفعل تم إبرام هذه المعاهدة في شهر ديسمبر عام 1521م وكانت نصرا جيدا أيضا للعثمانيين حيث كانت شروط المعاهدة في صالحهم بشكل لافت للنظر .

وكان ثاني فتوحات السلطان سليمان القانوني فتح جزيرة رودس حيث كان فرسان الإسبتارية الصليببين يتخذون من الجزيرة المذكورة مقرا لهم وكانوا مدعومين من الكنيسة الكاثوليكية في روما ودائما ما كانوا يتعرضون للسفن الإسلامية ويسلبون محتوياتها ثم حدث أن تعرضوا لإحدى سفن الحجاج وبعض السفن التجارية وقتلوا عددا من الركاب المسلمين ومع تكرار هذه الأعمال العدائية عزم السلطان سليمان القانوني على فتح الجزيرة وجدير بالذكر أنه كانت هناك إستعدادات لفتحها في أواخر عهد أبيه السلطان سليم الأول لكن القدر لم يمهله في تحقيق ذلك وعندما سمع أمير الجزيرة بالحملة التي يعدها السلطان سليمان القانوني عرض عليه دفع الجزية ليتمكن من طلب العون من دول أوروبا المسيحية لكن السلطان تنبه لهذا الأمر ورفض طلبه ولما وصل الجيش العثماني إلي الجزيرة قام الجنود بحفر أنفاق تحت الحصن المحيط بها لإضعافه والذي كان يعد أحد أمنع الحصون في العالم في ذلك الحين وتم قصفه بالمدفعية الثقيلة ومن ثم تمكن العثمانيون من السيطرة علي عدة أبراج منه ولكن القوات المدافعة تفانت في الدفاع عن الجزيرة وردت هذا الهجوم المفاجئ كما دافعوا بكل قوة عن حصن جزيرتهم ويروي أن نساء رودس كانت تعاون رجالها ورهبانها في الدفاع عن أسوار الجزيرة لكن في النهاية تقطعت الحلول من أمام رئيس الرهبان مع نفاذ مؤونته وذخيرته وإزاء هذا الموقف المتأزم طلب أمير الجزيرة عقد مفاوضات من أجل إنهاء الحرب فوافق السلطان العثماني سليمان القانوني وفي يوم 21 يناير عام 1522م تم إنهاء المفاوضات التي سمحت للفرسان الإسبتاريين والمعروفين أيضا بفرسان القديس يوحنا بالخروج من الجزيرة وأوصلتهم السفن العثمانية إلي جزيرة مالطة التي إختاروا الإنتقال إليها وبعد إنتصار الجيش العثماني ودخوله لجزيرة رودس تم بناء مسجد جامع في الجزيرة والذى يتميز بمئذنته المبنية علي الطراز العثماني والتي ترتفع حوالي 35 متر عن سطح الأرض وسمي بمسجد سليمان تيمنا بإسم السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قاد الحملة الناجحة والتي إنتهت بالإستيلاء علي الجزيرة وضمها لأملاك الدولة العثمانية ومما يذكر أنه قد تم تجديد هذا المسجد في عام 1808م في عهد السلطان العثماني التاسع والعشرين مصطفي الرابع .


وبعد فتح جزيرة رودس تحولت طموحات السلطان سليمان القانوني إلى بلاد المجر لاسيما بعد تدهور العلاقات معها والمراسلات التي دارت مع الفرنسيين والذين تقدموا بطلب لدى السلطان لكي يهاجم المجر لإضعاف الملك الأسباني وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة شارلكان ورفع شئ من الضغط عن الفرنسيين في غرب القارة الأوروبية وكان رد فعل السلطان سليمان القانوني في البداية أن إكتفي بكتاب من طرفه يعد فيه بالمساعدة لكنه كان في الوقت نفسه يريد الإستفادة من هذه الفرصة من أجل تسديد ضرباته لمملكة النمسا وتشديد الخناق على دول أوروبا ومما يجدر الإشارة إليه أن إستعانة فرنسا بما لها من قوة وثقل كاثوليكي مسيحي في أوروبا آنذاك بالدولة العثمانية المسلمة من شأنه أن يعطينا فكرة عما وصل إليه العثمانيون من قوة وصيت وعالمية في ذلك الزمان وحينذاك قال السلطان العثماني مخاطبا ملك فرنسا أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين أنا متوج الملوك ظل الله في الأرضين أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملي وقرمان الروم وولاية ذى القدرية وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة إفتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر وبعد هذا الكتاب وجد السلطان العثماني سليمان القانوني أن طلب الملك الفرنسي يعد فرصة ثمينة من أجل تحقيق طموحاته في التوسع بالقارة الأوروبية مما أعطاه حافزا لمهاجمة المجر ومن ثم حشد السلطان العثماني سليمان القانوني الجيوش وسار بها نحو بلاد المجر عبر بلجراد التي كانت تحت سلطة العثمانيين منذ فتحها كما ذكرنا في السطور السابقة في عام 1521م وإحتفل بعيد الفطر في بلجراد وفي طريقه صوب بلاد المجر فتح عدد من القلاع والحصون وقطع أكثر من ألف كيلو متر من أجل الوصول إلى مكان المعركة المرتقبة وذلك خلال 128 يوما وفي أثناء سير الجيش العثماني لمواجهة التقدم العثماني هذا أرسل الملك لويس الثاني ملك المجر دبلوماسييه إلى العواصم الأوروبية طالبا النجدة ومد يد العون والمساعدة ولكن نشاطه وقف عند هذا الحد في حين تحركت الدول الأوروبية ضمن دائرة مصالحها فحث البابا كليمنت السابع ملوك أوروبا لمساعدة المجر إلا أن الراهب الألماني مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي نصح الأمراء البروتستانت أن يلزموا أوطانهم وبقي الملك الأسباني وإمبراطور الإمبراطورية المقدسة شارلكان عاجزا عن تقديم المساعدة لملك المجر بفعل المشاكل التي كان يواجهها في أوروبا كما لم يحرك ملك إنجلترا ساكنا .


وإلتقي الجيش العثماني بالجيش المجري في منطقة موهاكس بالمجر وهو سهل مفتوح غير مستو مع بعض البرك والمستنقعات يقع علي الضفة الغربية لنهر الدانوب جنوبي المجر قرب الحدود الكرواتية ومن الناحية النظرية كانت للجيش المجري الأفضلية في الإستفادة من التضاريس وإختيار مناطق الإشتباك مع الجيش العثماني وكانت لديهم أيضا ميزة أن قواتهم كانت في وضع جيد على عكس الجيش العثماني الذي أكمل توا مسيرة طويلة وشاقة في حرارة الصيف الحارقة لكن الجيش المجرى بدلا من مهاجمة الجيش العثماني المتعب على الفور تركه فإستطاع أن يستريح من عناء السفر والخوض في التضاريس الطبيعية للسهل المذكور ويستعيد نشاطه وحيويته وكان عدد جنود الجيش العثماني مائة ألف وعدد جنود الجيش المجرى مائتي ألف مدعومين من كل ممالك أوروبا وكان معهم البابا وفرسانهم الذين تدرعوا بالحديد وجرت معركة موهاكس الفاصلة في يوم 21 ذي القعدة عام 932 هجرية الموافق يوم 29 من شهر أغسطس عام 1526م وكان الجيش المجرى جيشا كبير العدد لكنه كان قديم الطراز وعفا عليه الزمن حيث إعتمد على فرسان مدججين بدروع من الطراز القديم وعلى خيول مدرعة وتألفت جبهة القتال المجرية من خطين الأول تمركز للمشاة ومدفعية المرتزقة وأما الفرسان فكانوا بالأجنحة والخط الثاني كان مزيج من مشاة الضباط والفرسان أما تشكيلات الجيش العثماني فكانت أكثر تنظيما وحداثة حيث إعتمدت على المدفعية والنخبة المسلحة من القوات الإنكشارية أما باقي الجيش فكان مزيج من سلاح الفرسان السباهية الأشداء ثقيلي التدريع والقوات المجندة من مناطق الروملي والبلقان وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني الذي إصطف على ثلاثة صفوف وكان السلطان العثماني سليمان القانوني ومعه إبراهيم باشا الفرنجي الصدر الأعظم ومعهم مدافعهم الجبارة التي بلغ عددها 300 مدفع وجنودهم من الإنكشاريين في الصف الثالث فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والشجاعة والإقدام أمر إبراهيم باشا صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل وهو التكتيك المعروف بإسم جذب وإستدراج العدو إلي أرض قتل حتى إذا وصلوا قريبا من المدافع أمر بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدا وإستمرت المعركة بين الجيش العثماني وجيش المجر حوالي ساعتين وفي نهايتها أصبح الجيش المجري في حالة تقهقر وفوضي عارمة بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس ومعهم الملك لويس الثاني ملك المجر وسبعة من الأساقفة وجميع القادة الكبار ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفا من الجنود في حين كانت خسائر الجيش العثماني عدد ألف وخمسمائة قتيل فقط وبضعة آلاف من الجرحى .


ومما يذكر أن المقاومة المجرية قد حاولت الصمود أمام العثمانيين لكنها فشلت وبهذا الإنتصار الساحق للعثمانيين أصبحوا هم القوة المسيطرة في أوروبا الشرقية وعندما رأى السلطان العثماني سليمان القانوني جثة الملك لويس الثاني الهامدة وسط قتلى جيش المجر عبر عن أسفه قائلا قدمت بالفعل مسلحا إليه ولكن لم تكن نيتي أن يقتل هكذا وهو لم يذق حلاوة الحياة والملك بعد ويقول المؤرخ الفرنسي إرنست لافيس يصف آثار تلك المعركة إنه لم يشهد التاريخ حربا كمعركة موهاكس والتي هزم أحد أطرافها وحسمت نتيجتها على هذه الصورة في مصادمة واحدة لم تستغرق سوى ساعتين مما ترتب عليه محو مستقبل شعب كبير لعصور طويلة وترتب عليها أيضا ضياع إستقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة بعد أن تعرض لهزيمة مروعة وبعد المعركة بيومين وفي يوم 23 ذي القعدة عام 932 هجرية الموافق يوم 31 أغسطس عام 1526م قام الجيش العثماني بعمل إستعراض أمام السلطان العثماني سليمان القانوني وقام بأداء التحية له وتهنئته وقام القادة بدءا من الصدر الأعظم بتقبيل يده ثم تحرك الجيش العثماني نحو الشمال بمحاذاة ساحل نهر الدانوب الغربي حتى بلغ مدينة بودابست عاصمة المجر فدخلها في يوم 3 ذي الحجة عام 932 هجرية الموافق 10 سبتمبر عام 1526م قبل أسبوع واحد فقط من عيد الأضحي والذى إحتفل به العثمانيون في المدينة المفتوحة وتم تسليم السلطان العثماني سليمان القانوني مفاتيح عاصمة المجر بودابست والتي مكث بها ثلاثة عشر يوما يرتب وينظم شئونها وعين يانوش زابوليا أمير ترانسلفانيا والتي تعد إحدى المقاطعات بجمهورية رومانيا حاليا ملكا على المجر التي أصبحت إمارة تابعة للدولة العثمانية وعاد السلطان العثماني سليمان القانوني بعد ذلك إلى إسطنبول عاصمة بلاده بعد أن دخلت المجر للدولة العثمانية وتقلص نفوذ الملك الأسباني شارلكان وعند عودة السلطان العثماني سليمان القانوني من بلاد المجر إصطحب معه الكثير من نفائس البلاد وخاصة كتب كنيسة ماتياس كورفن وهي كنيسة إعتاد الأوروبيون على تسميتها بكنيسة التتويج لأن الملوك الأوروبيين كانوا يتوجون فيها عادة وقد حول المسلمون تلك الكنيسة إلى مسجد وأُضيفت إليها النقوش والزخارف والكتابات العربية وفيما بعد أُعيد المسجد ليكون كنيسة مرة أخرى عندما خرج العثمانيون من بلاد المجر ولكن بقيت النقوش والزخارف والكتابات العربية بها حتى يومنا هذا .


وفي عام 935 هجرية الموافق عام 1529م ضرب السلطان سليمان القانوني الحصار علي مدينة فيينا وكان ذلك أكثر عمل عثماني طموحا في قارة أوروبا وأكثرها إمتدادا نحو الغرب وقد أقدم السلطان العثماني علي هذا الحصار بعدما أرسل الملك المجرى يانوش زابوليا الذى كان قد عينه السلطان العثماني ملكا علي المجر بعد الإستيلاء عليها وتحويلها إلي إمارة عثمانية رسائل تفيد بأن أرشيدوق النمسا فرديناند يخطط لغزو المجر بعد أن أبرم سرا عدة إتفاقات مع عدد من أمراء المجر يتولى بموجبها عرش المجر وقام فرديناند بمباشرة خطته وإستولى على مقاطعة بودين وعلي عدد من الحصون وإنتزعها من يد الملك المذكور فهبت على الفور الجيوش العثمانية من العاصمة العثمانية إسطنبول والتي بلغ تعدادها 120 ألف مقاتل ومعهم عدد 300 مدفع حديث في يوم 10 مايو عام 1529م تحت قيادة السلطان سليمان القانوني وبرفقته الصدر الأعظم إبراهيم باشا والذى كان قد عينه في منصب سر عسكر وهذا المنصب يتيح لصاحبه سلطات إعطاء أوامر بإسم السلطان ووصل الجيش العثماني إلى مدينة أوسييك التي تقع شرقي كرواتيا حاليا في يوم 6 أغسطس عام 1529م وبعد 12 يوم وصل في يوم الثامن عشر من الشهر المذكور إلى سهل موهاكس حيث إستقبلته قوة فرسان كبيرة قادها الملك يانوش زابوليا الذي سيرافق السلطان سليمان القانوني لاحقا إلى فيينا وساعده السلطان في إستعادة العديد من الحصون المفقودة التي إستولي عليها النمساويون ولم يتعرض الجيش العثماني لمقاومة قوية وجاءت المقاومة الوحيدة في براتيسلافا عاصمة دولة سلوفاكيا حاليا والتي يمر بها نهر الدانوب وتقع قرب الحدود الكرواتية المجرية والكرواتية النمساوية حيث تم قصف الأسطول التركي أثناء صعوده إلى نهر الدانوب وكان المدافعون مدعومين من قبل مجموعة متنوعة من المرتزقة الأوروبيين من المانيا وأسبانيا وإكتشفت قوات الدفاع بعض الألغام العثمانية ونجحت في تفجير العديد منها والتي كان الهدف منها إسقاط أسوار المدينة وتم إرسال عدد ثمانية آلاف رجل في يوم 6 أكتوبر عام 1529م لمهاجمة القوات العثمانية لكنها تكبدت خسائر فادحة عندما حاولت الإنسحاب إلى المدينة وفي يوم 12 أكتوبر عام 1529م وبعد مرور أسبوعين منذ بداية الحصار عقد السلطان سليمان القانوني مجلسا رسميا لبحث الموضوع وتقرر إجراء محاولة واحدة نهائية كبيرة لإقتحام المدينة المحاصرة تنتهي إما بدخول المدينة أو فك الحصار عنها ويقول بعض المؤرخين إن الهجوم النهائي للعثمانيين لم يكن هدفه فتح المدينة ولكن كان الهدف هو إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر وإضعاف المدينة تمهيدا لهجوم لاحق وهو تكتيك كان قد إتبعه العثمانيون عند الإستيلاء علي العاصمة المجرية بودابست في عام 1526م وبالفعل لم يتم إقتحام المدينة بيد أن الجيش العثماني قد ألحق خسائر كبيرة بضواحيها والمزارع المحيطة وبعد 25 يوم إنتهى الحصار وتوجهت بعض من قوات الجيش العثماني نحو المانيا لمهاجمة قوات ملكها شارلكان وإظهار مدى قوتها له بينما عاد معظم الجنود العثمانيون من أسوار فيينا بسبب قيام الصفويين الشيعة بالإستيلاء على مدينة بغداد والسيطرة عليها فإضطر الجيش العثماني لفك الحصار عن مدينة فيينا من أجل التصدى للصفويين الشيعة وتحرير مدينة بغداد وإنتهت بذلك المحاولة الأولي للإستيلاء علي مدينة فيينا .


وجدير بالذكر أنه كانت هناك محاولة أخرى للإستيلاء علي مدينة فيينا عام 1532م وتم حصارها أيضا لكن باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل ومن الأمور الطريفة أنه بسبب عمليات حصار العثمانيين لمدينة فيينا قام أهلها بخبز عجينة على شكل هلال والذي كان رمزا للجيش العثماني وكانوا يلتهمونها إنتقاما لمدينتهم التي تعرضت لحصار العثمانيين وقد أصبح إسم هذه العجينة حاليا كرواسون وعموما فلقد أوضحت الحملات العثمانية علي فيينا القدرة اللوجستية العالية للدولة العثمانية على إدخال جيوش كبيرة في عمق وسط قارة أوروبا في ذلك الوقت أما أسباب فشل العثمانيين في فتح مدينة فيينا خلال المحاولتين المذكورتين فكانت بسبب بعد فيينا عن حاضرة الإمبراطورية العثمانية في إسطنبول وإمتداد خطوط النقل وراء الجيش العثماني الضخم لمسافة طويلة وكان الصدر الأعظم إبراهيم باشا قد إقترح حلا لهذه المشكلة أن يتم إقامة مستودعات للطعام والسلاح بطول الطريق ما بين إسطنبول وفيينا لإمدادات الجيش قبل الخروج للحملة لكن السلطان العثماني سليمان القانوني رفض هذا الإقتراح خوفا منه من أن ينهبها النمساويون قبل خروج الجيش العثماني وبالإضافة إلي ذلك كان حلول فصل الشتاء أثناء وقت الحصار وإنخفاض درجات حرارة الجو إلي ما دون الصفر مع تساقط الثلوج يعد عاملا سلبيا يعيق الجيوش العثمانية حيث كان الجنود العثمانيون غير معتادين على القتال في مثل هذه الأجواء الصعبة مما تسبب في حالة من السخط في نفوس الجنود نتيجة هذه الأجواء ونتيجة طول فترة الحملة وبعدهم عن العاصمة إلي جانب إنتشار الأمراض بينهم وثمة عامل آخر تسبب أيضا في فشل فتح فيينا وهو قلق العثمانيين من إحتمال وصول إمدادات من قبل الملك شارلكان شقيق فرديناند ملك النمسا وعدم قدرتهم على مواجهة تلك القوات في ظل ظروفهم الصعبة وبالطبع كان أيضا للتطورات التي إستجدت في الشرق من قبل الصفويين الشيعة وقيامهم بمهاجمة بغداد وقتلهم والي بدليس ما أجبر السلطان سليمان القانوني على سحب القوات العثمانية إلى العاصمة وإسطنبول وإعادة حشدها وتجهيزها لمواجهة اى غزو محتمل للأناضول من قبل الصفويين الشيعة وفيما بعد وفي عهد السلطان سليمان القانوني في عام 1553م وقعت معاهدة صلح وإتفاق سلام بين العثمانيين والنمساويين بعد أن كان العثمانيون قد رفضوا التسوية من جانبهم في بادئ الأمر ولاحقا وفي عام 1683م وفي عهد السلطان العثماني محمد الرابع وبعد مرور أكثر من 150 عام قام العثمانيون بمحاولة ثالثة لفتح مدينة فيينا لكنها باءت بالفشل نتيجة نفس الأسباب المذكورة إضافة إلي خيانة أحد حلفاء العثمانيين .



وفي عام 1533م وبعد العودة من حصار فيينا إتجه السلطان العثماني سليمان القانوني نحو قارة آسيا حيث قاد حملات كبرى ضد الدولة الصفوية الشيعية لتندلع بذلك حرب عثمانية صفوية جديدة ويرجع السبب في ذلك لحدثين بارزين وكان الحدث الأول هو مقتل والي بدليس بشرق الأناضول الموالي للسلطان العثماني سليمان القانوني على يد الشاه طهماسب الصفوى الذى خلف أباه الشاه إسماعيل الصفوى مؤسس الدولة الصفوية الشيعية وقام هذا الشاه بإستبدال والي بدليس المقتول بوال آخر موال له أما الحدث الثاني فكان تحالف هذا الوالي الجديد مع الصفويين الشيعة ضد العثمانيين وأصبح الأمر ليس الولاء للشاه الصفوى فقط بل أصبح الأمر يعد تهديدا مباشرا لإستقرار الحكم العثماني شرقي الأناضول وقد بدأت المواجهة العثمانية الصفوية في عام 941 هجرية الموافق عام 1533م وقد نجحت الحملة الأولى في إسترداد بدليس وكل المناطق الواقعة بين أرضروم وبحيرة ڤان التي تقع في شرق إقليم الأناضول إلى سيطرة الدولة العثمانية من جديد دون أى مقاومة تذكر تحت قيادة الصدر الأعظم إبراهيم باشا وبذلك يكون قد أعاد الوضع في المناطق المذكورة إلى ما كان عليه قبل التعدى الصفوى الأخير وقضى الجيش العثماني الشتاء في شرق الأناضول وفي ربيع عام 1534م تابع الجيش العثماني التقدم عبر الحدود العثمانية الصفوية ليخترق بلاد فارس فاتحا كل ما في طريقه من مدن وقلاعٍ كقلعتي فان وأريوان حتى وصل إلى تبريز العاصمة وإختار الشاه طهماسب الأول سياسة عدم المواجهة فإنسحب بجيشه من المدينة المهمة فدخلها إبراهيم باشا دون قتال في يوم 13 يوليو عام 1534م وعمل الصدر الأعظم على بناء قلعة في تبريز وترك فيها حامية منظمة بما يكفي لحفظ الأمن العمومي بالمنطقة وفي شهر سبتمبر من نفس العام 1534م وصل السلطان العثماني سليمان القانوني إلى مدينة تبريز عاصمة الصفويين ومكث بها فترة قصيرة ينظم أمورها الداخلية ثم عزم على مطاردة الشاه طهماسب الصفوى في داخل بلاد فارس فتحرك في شهر أكتوبر عام 1534م إلى زانچان شمالي غرب بلاد فارس والتي تبعد بمسافة مائتين وخمسين كيلو مترا إلى الجنوب الشرقي من مدينة تبريز ثم توغل إلى مدينة سلطانية في شرق البلاد لكن الشاه كان مصرا على الإنسحاب والهروب المستمر من أمام العثمانيين وأدرك السلطان العثماني سليمان القانوني أن عملية المطاردة غير ذات جدوى خاصة مع أحوال الطقس السيئة في هذا التوقيت من السنة إضافة إلي سوء الطرق وكثرة الأوحال مما جعل نقل المدفعية العثمانية الضخمة أمرا صعبا للغاية ولذلك قفل راجعا إلى تبريز ومنها مباشرةً توجه إلى بلاد العراق وسار بجيشه نحو مدينة بغداد وبالفعل دخلها بعد هروب حاميتها الصفوية في يوم 30 نوفمبر عام 1534م .


وإستقبل الشعب العراقي السلطان العثماني وسط إحتفالات بهيجة وكانت بلا شك لحظةٌ خالدةٌ في تاريخ المدينة التي ظلت عاصمةً للدولة العباسية خمسة قرون متتالية وكان هذا الحدث هو بداية العصر الحديث للعراق حيث وضع العثمانيون بتلك البلاد التقاسيم الجغرافية والترتيبات الإدارية والأوضاع الإقتصادية والتي إستمرت إلى القرن العشرين وفي غضون أسابيع قليلة إنضمت مدينتا النجف وكربلاء ومن ثم تأسست ولاية بغداد لتشمل وسط بلاد العراق ولم تتوغل القوات العثمانية في جنوب بلاد العراق حيث كان أمير البصرة رشيد قد أرسل ولاءه للعثمانيين من قبل وقد أظهر العثمانيون التسامح الديني الذى إشتهروا به في فتوحاتهم ولم يعاملوا شيعة العراق بالطريقة التي مارسها الشاه إسماعيل الصفوي أو إبنه وخليفته الشاه طهماسب الأول مع سنة العراق بل على العكس زار السلطان العثماني مراقد الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسين رضي الله عنهما كما فعل مع مراقد الإمام أبي حنيفة النعمان والإمام الچيلاني كنوع من التأكيد علي أحقية السلطان سليمان القانوني في قيادة العالم الإسلامي وحمل شعلة الخلافة من العباسيين ولم يفرق السلطان في تعامله بين أفراد الشعب إنما كانوا جميعا سواء أمام القضاء والدولة في إطار ما كان يعرف بالسلم العثماني والذى كان مطبقا في جميع أنحاء الدولة العثمانية كلها من شرقها إلى غربها وقد إستغل الشاه طهماسب بعد الجيش العثماني عن مدينة تبريز بمسافة تبلغ حوالي 500 كيلو متر فدخلها مرة أخرى في يوم 9 ديسمبر عام 1534م وكانت إستعادة الصفويين الشيعة لها متوقعة لضعف الحامية العثمانية بها ومكث السلطان سليمان القانوني في بغداد أربعة شهور كاملة حتي إنتهي من تنظيم أمورها وغادرها في أول أبريل عام 1535م متوجها إلي بلاد فارس ليستخلص مدينة تبريز مرة أخرى من يد الشاه وبمجرد دخول السلطان سليمان القانوني إلى بلاد فارس بادر الشاه بإتباع سياسته التقليدية ضد الجيوش العثمانية وهي سياسة الأرض المحروقة والهرب المستمر من العثمانيين حيث كان يدرك أنه لا قدرة ولا طاقة له على مواجهة الجيش العثماني القوى وكان يدرك في الوقت نفسه أن العثمانيين لا يستطيعون البقاء كثيرا في بلاد فارس ولا يستطيعون ترك جيوش كبيرة العدد فيها لكونهم مشغولين في الأساس بالجبهات الأوروبية الواسعة التي يصطدمون فيها مع القوى العالمية الكبرى ولهذا كان ينتهج سياسة الهرب المؤقت وتحاشي الصدام مع الجيش العثماني لكي يحتفظ بقوته وبمجرد عودة الجيش العثماني إلى قواعده يقوم بإسترداد ما فقده وعموما فقد دخل السلطان العثماني سليمان القانوني مدينة تبريز بسهولة في يوم 30 يونيو عام 1535م وكالعادة خرج بعدها في مطاردة الشاه الذي هرب إلى مدينة أصفهان التي تقع جنوبي العاصمة الإيرانية طهران حاليا وعاد السلطان إلى تبريز في شهر أغسطس من العام المذكور وقضى بها بعض الوقت لتنظيمها ثم تركها متجها إلى شرق إقليم الأناضول وتجول في مدنه المختلفة بجيشه الكبير ليؤكد ويضمن إستتباب الأمن في ربوعه بل وصل في تجواله إلى مدينة حلب في شمال بلاد الشام وذلك في شهر نوفمبر عام 1535م ثم قفل عائدا إلي العاصمة العثمانية إسطنبول بعد أن كان قد قضي حوالي عام ونصف العام تقريبا خارجها وكالمعتاد عاد الصفويون الشيعة لإسترداد عاصمتهم تبريز بمجرد وصول السلطان سليمان القانوني إلى عاصمته وجدير بالذكر أن هذه الحملة التي قادها السلطان العثماني سليمان القانوني كانت هي الحملة السادسة من الحملات الشهيرة في تاريخ الدولة العثمانية بينها وبين الدولة الصفوية الشيعية وكانت بلا شك من إنجازات السلطان العثماني سليمان القانوني الهامة لأنها حققت أمرين كبيرين وهامين للغاية الأول هو ضم بلاد العراق بالكامل إلي أملاك الدولة العثمانية وهو الوضع الذي سيستمر عدة قرون بعد ذلك مع إستثناءات قليلة ضاع فيها الحكم من الدولة العثمانية بتلك البلاد والأمر الثاني هو توطيد الحكم والنفوذ العثماني في منطقة شرق الأناضول بالصورة القوية التي رسمت حدود الدولة العثمانية بحسم إلى درجة أن هذه الحدود تكاد تعتبر هي حدود الجمهورية التركية الآن مع دولتي إيران وأرمينيا وجدير بالذكر أنه علي الرغم من هذه الإنجازات المهمة التي تحققت فإن الحملة العثمانية علي الدولة الصفوية الشيعية لم توقف الخطر الصفوي وستظل الحروب مستمرة فيما بعد كل فترة مع هذه الدولة ولمدة قرنين من الزمان .


وقد قام السلطان العثماني سليمان القانوني بحملة أخرى علي الصفويين الشيعة ما بين عام 1548م وعام 1549م وقد تفادى طهماسب المواجهة المباشرة مع الجيش العثماني خلالها كالعادة وإختار التراجع فأحرق أرمينيا فلم يجد العثمانيون مكانا يقيهم من شتاء القوقاز القاسي فأنهى السلطان العثماني حملته بعد أن حقق عدة مكاسب عثمانية مؤقتة في تبريز وأرمينيا وبلاد الكرج وهي جمهورية جورجيا حاليا وأيضا بمحافظة فان شرقي الأناضول وفي عام 1553م كانت الحملة العثمانية الثالثة علي الصفويين الشيعة حيث كان الصفويون قد إستولوا علي إمارة أرضروم التابعة للعثمانيين وإستهل السلطان العثماني سليمان القانوني الحملة بإعادتها إلي السيادة العثمانية ثم عبر نهر الفرات العلوي وصولا إلى بلاد فارس وأكمل جيش الشاه تراجعه وفضل عدم الإشتباك مع العثمانيين مما أدى إلى حالة جمود في الموقف فلم يكن هناك لا غالب ولا مغلوب وفي عام 1555م أجبر السلطان سليمان القانوني الشاه طهماسب الصفوى على الصلح وأحقية العثمانيين في كل من أريوان وتبريز وشرق الأناضول وأمن بذلك مدينة بغداد وجنوب بلاد الرافدين ومصبات نهرى الفرات ودجلة وأخذ أجزاء من الأراضي المطلة علي الخليج العربي كما حصل علي وعد من الشاه أيضا بوقف هجماته المتكررة علي الأراضي العثمانية .



وعلي الجانب الآسيوى فقد حدث في عام 1538م أن أرسل حاكم مدينة أحمد آباد وما حولها وهي مدينة بشمال غرب بلاد الهند رسالة إستغاثة إلى الخلافة العثمانية طالبا المساعدة ضد البرتغاليين الذين إجتاحوا بلاده وتمكنوا من السيطرة على أهم ثغورها فأرسل السلطان العثماني سليمان القانون خطابا إلى والي مصر آنذاك سليمان باشا الخادم يأمره ببناء عمارة بحرية كبيرة بأسرع ما يمكن وبالفعل قام الوالي ببناء عدد 70 سفينة حربية بميناء السويس وإتجه العثمانيون مواجهين نفوذ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي بداية من ميناء عدن وسيطروا عليها في شهر سبتمبر عام 1538م لتشكل قاعدة لهجماتهم ضد الممتلكات البرتغالية في الهند لكنهم أخفقوا في إسقاط موقع ديو ببلاد الهند والذى كان تحت يد البرتغاليين لكنهم عادوا إلى ميناء عدن وحصنوه بمائة قطعة مدفعية وإستطاع القائد العثماني أويس باشا أن يستولي على اليمن بداية من عدن وحتي قلعة تعز في عام 953 هجرية الموافق عام 1546م كما أدخل العثمانيون أيضا مناطق عمان والإحساء وقطر بشبه الجزيرة العربية تحت نفوذهم كما سيطر العثمانيون كذلك علي البحر الأحمر وبدا السلطان العثماني سليمان القانوني يشن هجمات على الطرق التجارية للسفن البرتغالية المارة نحو بلاد الهند عبر المحيط الهندى وبدأ حركة تجارية مهمة مع هذه البلاد وبعد ذلك وفي عام 1564م تلقى السلطان العثماني سليمان القانوني إستغاثة من بعثته في آتشيه وهي تقع بجزيرة سومطرة بدولة إندونيسيا حاليا تستدعي تدخلا عثمانيا ضد البرتغال وإستجاب السلطان العثماني سليمان القانوني وقام بإرسال البعثة العثمانية إلى هناك والتي قدمت الدعم العسكري اللازم للرد علي الإعتداءات البرتغالية كذلك كان الصراع محتدما في منطقة القرن الأفريقي ببلاد الحبشة فبعد عدة معارك مع القوات البرتغالية تمكن العثمانيون من دخول بلاد الحبشة التي كانت تسيطر عليها البرتغال وتتخذ منها مركزا لها في قارة أفريقيا وقد أدت هذه السياسة من جانب السلطان العثماني إلى الحد من نفوذ البرتغاليين في مياه الشرق الأوسط وتأمين طرق التجارة البحرية في المحيط الهندى وما يتصل به من خلجان مابين بلاد الهند وجنوب شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط كما إستطاع سليمان باشا الخادم المذكور أن يسيطر أيضا على كافة الحصون والقلاع التي بناها البرتغاليون في العديد من الأماكن المذكورة .


وما بين عام 1542م وعام 1546م نشب نزاع ما بين فرانسوا الأول ملك فرنسا والسلطان سليمان القانوني سلطان الدولة العثمانية وبين الإمبراطور الروماني المقدس شارلكان وهنري الثامن ملك إنجلترا وشهدت الحرب قتالا مكثفا في إيطاليا وفرنسا والبلدان المنخفضة والمقصود بها بلجيكا وهولندة بالإضافة إلى أنه قد جرت محاولات لغزو أسبانيا وإنجلترا لكن هذا الصراع كان غير حاسم ومكلف للغاية للمشاركين الرئيسيين به وقد ثارت هذه الحرب بسبب فشل هدنة نيس التي أنهت الحرب الإيطالية التي وقعت بين عام 1536م وعام 1538م والتي كان الغرض منها تسوية النزاع طويل الأمد بين شارلكان وفرانسوا الأول لا سيما مطالباتهما المتضاربة بضم دوقية ميلانو بشمال إيطاليا إلي أملاكهما وبعد أن وجد ذريعة مناسبة أعلن فرانسوا الأول الحرب مرة أخرى ضد عدوه الدائم في عام 1542م وبدأ القتال على الفور في جميع أنحاء البلاد المنخفضة وشهد العام التالي هجوم التحالف الفرنسي العثماني على نيس بجنوب فرنسا بالإضافة إلى سلسلة من المناورات في شمال إيطاليا والتي بلغت ذروتها في معركة سيريسول الدامية التي وقعت في يوم 11 أبريل عام 1544م بين الجيش الفرنسي وقوات مشتركة من أسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة خارج قرية سيريسول ألبا في منطقة بيدمونت بشمال غرب إيطاليا وشرع شارلكان وهنري بعد ذلك في غزو فرنسا لكن الحصار الطويل لمدينة بولوني بشمال فرنسا وسان ديزييه بشمال شرق فرنسا حال دون هجوم حاسم على الفرنسيين وتوصل شارلكان إلى تفاهم مع فرانسوا الأول بموجب معاهدة كريبي في أواخر عام 1544م لكن وفاة الإبن الأصغر لفرانسوا دوق أورليان الذي كان تقدمه للزواج من أحد أقارب الإمبراطور هو الأساس لهذه المعاهدة جعلها غير فعالة وبعد عام إستمر الملك الإنجليزى هنرى الذى ترك وحده في القتال حتى عام 1546م وظل غير راغب في إعادة مدينة بولوني إلى الفرنسيين وعندما أعادت معاهدة أردريس السلام أخيرا بين فرنسا وإنجلترا ترك موت فرانسوا الأول وهنري في أوائل عام 1547م قرار الحروب الإيطالية في أيدي خلفائهم ونظرا للعلاقة الحسنة التي كانت تربط السلطان العثماني سليمان القانوني بفرانسوا الأول ملك فرنسا فقد كان قد تم عقد معاهدة بين الدولتين بعد إستعادة ميناء نيس في يوم 16 جمادى الآخرة عام 950 هجرية الموافق يوم 16 سبتمبر عام 1543م تنازلت فيها فرنسا عن ميناء تولون المطل علي البحر الأبيض المتوسط بجنوب فرنسا للإدارة العثمانية لفترة مؤقتة وبذلك تحول الميناء الحربي الرئيسي علي البحر المتوسط لفرنسا إلى قاعدة حربية إسلامية للدولة العثمانية التي كانت في حاجة ماسة إليه حيث كان الأسطول العثماني يهاجم في غير هوادة الأهداف العسكرية الأسبانية التي كانت تهدد دول المغرب الأقصى والأوسط والملاحة في البحر الأبيض المتوسط وفي الفترة التي تم فيها تسليم ميناء تولون للدولة العثمانية أُخلي الثغر الفرنسي من جميع سكانه بأوامر من الحكومة الفرنسية وتحولت تولون إلى مدينة إسلامية عثمانية ورفع عليها العلم العثماني وإرتفع صوت الآذان في جنبات المدينة وظل العثمانيون ثمانية أشهر بالميناء شنوا خلالها هجمات بحرية ناجحة بقيادة القبودان العثماني الشهير وقائد الأسطول البحرى العثماني الشهير خير الدين باربروسا على سواحل أسبانيا وإيطاليا ومما يذكر أن السلطان العثماني سليمان القانوني أراد فتح إيطاليا بسبب ثراء المدن الإيطالية وإزدهار ثقافاتها بالإضافة إلى وجود مقر البابا قائد النصرانية في روما وبالفعل توجه السلطان سليمان القانوني بمائة ألف جندي لمهاجمة إيطاليا من الشرق وهبط القبودان خير الدين باربروسا من جهة الجنوب في ميناء أوترانة الإيطالي كما تقدم الفرنسيون من جهة الغرب الإيطالي وكان الهدف من هذا هو هجوم واحد وكبير من ثلاث جهات إلا أن توجس الملك الفرنسي من أن يتهم بالردة عن النصرانية من قبل العامة ورجال الدين لتعاونه عسكريا مع الدولة العثمانية المسلمة جعله يعلق عملياته العسكرية ويكتفي بمهادنة الملك شارلكان ولو كانت هذه الحملة العسكرية المشتركة قد تمت كما خطط لها لكانت إيطاليا بكاملها قد غدت ولاية عثمانية .