الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

كفر البداماص

كفر البداماص
عدد : 03-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"

كفر البداماص كانت في الأصل قرية قديمة تأسست في عهد البطالمة الذين حكموا مصر من عام 323 ق.م بعد وفاة الإسكندر الأكبر وحتي عام 30 ق.م أي أن عمرها حوالي 2300 سنة أي أنها أنشئت قبل مدينة المنصورة التي أضيفت إلي زمامها هذه القرية في عام 1932م بحوالي 1500 عام ويعتبرها أهل المنصورة هي أصل المدينة وكانت تسمي بوتاموس وهي كلمة إغريقية تعني النهر لأنها كانت آنذاك تقع على نهر النيل مباشرة ولكن النهر ذهب بعيدا عنها فأصبحت على ترعة البحر الصغير وأسماها الأقباط بدموس وفي هذا العصر أنشئت فيها كنيسة صغيرة كانت تعد من أوائل الكنائس التي أنشئت في دلتا مصر وبعد الفتح العربي لمصر عام 21 هجرية الموافق عام 642م أصبح إسمها بدماس وكانت مشهورة كقرية هامة على طريق دمياط ولكن في العصر العثماني تدهور حالها وأصبحت مجرد كفر صغير وتغير إسمها إلى كفر البداماس لكن المصريين لم يعجبهم الإسم حيث وجدوا فيه ميوعة فتحول مع الزمن إلى كفر البداماص ومما يذكر أن مشايخ كفر البداماص كانوا مسؤولين عن تبطين وتقوية وتدعيم جسور ترعة البحر الصغير حتي لا تغرق مياه الفيضان القرى المجاورة وأحيانا كانت تحدث مشاكل بين أهالي كفر البداماص وأهالي القرى الأخرى فيقومون بإهمال عمليات التقوية للجسور فتغرق تلك القرى بالمياه عقابا لأهاليها ومدينة المنصورة التي تضم كفر البداماص حاليا مدينة مصرية قديمة وعريقة وهي عاصمة محافظة الدقهلية حاليا ويطلق عليها عروس الدلتا وهي تطل على الضفة الشرقية لفرع دمياط بنهر النيل وتواجه مدينة طلخا أحد مراكز محافظة الدقهلية أيضا والتي لها إدارة مستقلة عن مدينة المنصورة ويربط بينهما كوبرى المنصورة طلخا المعدني القديم والمخصص للمشاة وللسيارات غير كوبرى المنصورة طلخا المعدني للسكك الحديدية والذى يربط محافظات منطقة وسط الدلتا بمحافظات شرق الدلتا حيث يربط مابين محافظات الغربية وكفر الشيخ والمنوفية والقليوبية ومن وراءهما محافظات غرب الدلتا البحيرة والإسكندرية ومطروح وبين محافظات الدقهلية والشرقية ودمياط ومن وراءهما محافظات القناة الثلاثة بور سعيد والإسماعيلية والسويس ومحافظتي شمال وجنوب سيناء وتبعد مدينة المنصورة مسافة حوالي 120 كيلو متر عن مدينة القاهرة عاصمة مصر في الإتجاه الشمالي الشرقي منها ويربط بينها وبين مدينة القاهرة طريق القاهرة / قليوب / بنها / ميت غمر / أجا / المنصورة وأيضا طريق القاهرة / بنها / قويسنا / بركة السبع / طنطا / المحلة الكبرى / المنصورة .

وكان تأسيس مدينة المنصورة في عهد الملك الكامل محمد بن الملك العادل من ملوك الدولة الأيوبية عام 616 هجرية الموافق عام 1219م وكان يطلق عليها إسم جزيرة الورد لأنها كانت محاطة بالمياه من ثلاث جهات وكانت بها أكبر حدائق ورد في مصر وقد سميت بالمنصورة بعد النصر الكبير الذي حققه الشعب المصري على الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع الفرنسي والتي إنتهت بأسره هو وقواده وسجنه في دار القاضي إبن لقمان بمدينة المنصورة حتي إفتدى نفسه وقواده بالمال مع الإنسحاب بقواته والعودة إلي بلاده وقد ظهرت أول خريطة لمدينة المنصورة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادى في عهد الخديوى توفيق عام 1887م بمقياس رسم 1 : 2000 ويتضح منها أن العمران كان مقصورا على الرقعة المحصورة ما بين نهر النيل شمالا والمدافن القديمة مكان الساحة الشعبية حاليا وقد ذكرها المؤرخ الكبير تقي الدين المقريزى في مخطوطاته فقال إن هذه البلد على رأس بحر أشموم والذى سمي فيما بعد البحر الصغير وبناها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في عام 616 هجرية عندما نزل الفرنجة الصليبيون مدينة دمياط وإحتلوها فنزل في موضع هذه البلدة وخيم به وبنى قصرا لسكناه وأمر من معه من الأمراء والعساكر بالبناء فبنيت هناك عدة دور ونصبت الأسواق وأدار عليها سورا مما يلي البحر يقصد فرع النيل الشرقي وستره بالآلات الحربية والستائر ولم يزل بها حتى دحر الفرنجة الصليبيين وإسترجع مدينة دمياط ثم صارت المنصورة مدينة كبيرة بها المساجد والقصور والحمامات والأسواق وجدير بالذكر أن الحملة الصليبية التي يشير إليها مؤرخنا الكبير تقي الدين المقريزى في مخطوطاته هي الحملة الصليبية الخامسة التي قادها حاكم عكا الصليبي جان دى برين والتي إنتهت بهزيمته وطلبه الصلح وإنسحابه إلي عكا مرة أخرى بعدما تكبد خسائر فادحة وكبيرة في أفراد جيشه وعدته وعتاده .

وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادى كانت قرية كفر البداماص شبه جزيرة تقع على ضفاف البحر الصغير ومكانه اليوم شارع الجيش وعلى ضفاف فرعه الذي أصبح شارع قناة السويس وكان الوصول إليها إما بالمراكب أو الكباري فكان هناك كوبري الهويس أمام المحافظة وكان الأهالي يسمونه كوبري حمودة نسبة إلى عمدة القرية وكان هناك كوبري آخر أمام شارع المديرية إسمه كوبري كفر البداماص وسماه الأهالي الكوبري الأخضر والبعض سماه كوبري العجواني لأن بائع عجوة مشهور كان يقف عليه وحدث آنذاك أن زار الخديوى عباس حلمي الثاني مدينة المنصورة بعد أن وصل إليها باليحت الخديوى عبر نهر النيل قادما من العاصمة القاهرة ورسا اليخت أمام القصر الخاص بأمينة هانم إلهامي والدة الخديوى والذى كان موقعه بشارع البحر حاليا ونزل الخديوى من اليخت وسار مترجلا في شوارع المدينة وسط أهلها الذين كانوا يرحبون به ويقتربون منه ويصافحونه ويقدمون له التحية وهو أمر كان نادر الحدوث حينذاك أن يقترب العامة من حاكم البلاد بهذا الشكل وعاد الخديوى بعد ذلك إلي يخته الذى تحرك نحو البحر الصغير نحو قرية كفر البداماص وكان عمدتها وكان إسمه عبد الله سمك واقفا علي شاطئه في إنتظاره وهو يحمل حفيدته الصغيرة المسماة أمينة فوق كتفيه والتي ما أن شاهدت الخديوي عباس حلمي الثاني حتى صاحت بأعلى صوتها شوق على شوق يا أفندينا فأوقف الخديوى عباس اليخت وسأل الرجل عن إسمه فقال له إسمي عبد الله سمك فقال له الخديوي أنت من النهارده عبد الله بك سمك أما الطفلة أمينة فبسبب هذه الواقعة إشتهرت بإسم أمينة هانم ولما كبرت وتزوجت من عمدة قرية كفر البداماص وأصبح إبنها حمودة إبراهيم آخر عمدة لكفر البداماص قبل أن يتم ضمها لزمام مدينة المنصورة كما ذكرنا في عام 1932م وأصبح إبنها الآخر المستشار بدوي حمودة اول رئيس للمحكمة الدستورية العليا وفي البداية تم ضم كفر البداماص إلي شياخة ميت حدر لكن بعد أن توسعت عمرانيا وأضيفت إليها مساحات أخرى من الأراضي أصبحت شياخة مستقلة .

ومن الطرائف التي إرتبطت بكفر البداماص أنه لما زار الفنان نجيب الريحاني مدينة المنصورة في بدايات حياته الفنية وقدم بها أحد مسرحياته لكنها لم تحقق النجاح المطلوب وأصبح مديونا بإيجار المسرح الذى قدم عليه هذه المسر حية وأصبح موقفه سيئا إلا أن أحد أعيان كفر البداماص وكان إسمه كشك بك جاء إليه وأنقذه من ورطته وسدد نيابة عنه إيجار المسرح وإمتن له نجيب الريحاني وشكره شكرا جزيلا وبعد سنوات من الفشل الذى تعرض له نجيب الريحاني وذات يوم من صيف عام 1916م خطرت للريحاني فكرة جديدة في وقت حل به الإرهاق بِسبب جهوده المستميتة وإنتابه فيه إحساس مرير بالفشل والخيبة لإعراض الجمهور عنه وكانت هذه الفكرة هي شخصية عمدة ريفي سماه كشكش بك والتي إستوحاها من إسم صديقه كشك بك بعد أن حرف الإسم ليصبح كشكش بك عمدة كفر البلاص بدلا من كفر البداماص وكانت هذه الشخصية علي عكس شخصية كشك بك الذى كان رجلا جادا وملتزما بينما كان كشكش بك عمدة عجوز شهواني محبوب لطيبته وسذاجته ومرحه وشغفه بالحياة وكان يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ووفد حديثا من الريف إلى القاهرة وبجعبته الكثير من المال فإلتف حوله فريق من الحسان كن يضيعن ماله ويتركونه مفلسا فيعود إلى قريته يعض بنان الندم ويقسم بأغلظ الأيمان بأن يعود إلى رشده وألا يعود إلى إرتكاب ما فعل فهو إنسان فيه براءة الريفيين وخفتهم الفطرية وعلى الرغم من مكره ودهائه إلا أنه برئ من زيف المدينة وخداعها ونفاقها وبإبتكار الريحاني لهذه الشخصية بدأت مرحلة جديدة في حياته الفنية التي بدأ يلمع فيها كفنان كوميدي أصيل وفي هذه المرحلة أيضا إبتكر ما يعرف بإسم الكوميديا الفرانكوعربية أو الفرانكوآراب وفي أول شهر يوليو من عام 1916م كتب نجيب الريحاني وأخرج أولى مسرحيات كشكش بك وكانت بعنوان تعالي لي يا بطة التي إستغرق عرضها بملهي الأبيه دى روز بالقاهرة عشرين دقيقة وكان يشعر بالقلق الشديد مخافة فشلها ولكن لم يكن هناك ما يدعو للقلق فقد إبتهج جمهور حفل الإفتتاح وتعهد الريحاني لصاحب الملهي والذى رفع أجره لما نجحت مسرحيته الأولي بإخراج مسرحية جديدة كل أُسبوع فأخرج بعد تعالي لي يا بطة مسرحيتي بستة ريال وبكره في المشمش وسرعان ما ذاعت أنباء هذه المسرحيات وتهافت الناس على مشاهدتها مما دعا صاحب الملهي إلى فرض رسم لدخول الملهى وقد تألفت مسرحيات الريحاني المبكرة من أحداث كوميدية بسيطة وكانت تتخللها أغان ورقصات وكان حوارها مزيج من اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية بحيث يقع سوء تفاهم لفظي مضحك وكان هذا الأسلوب من أهم عناصر الإضحاك في المسرحيات الفرانكوعربية في ذلك الزمان وكان من نتيجة ذلك أن أصبح الريحاني فنانا كوميديا مشهورا ولما زار المنصورة مرة أخرى ظل يبحث عن كشك بك لكي يرد له دينه إلا أنه لم يعثر عليه وذكر الريحاني ذلك في مذكراته .

وكان موقع قرية كفر البداماص يقع بالقرب من محالج القطن الرئيسية بمدينة المنصورة ولذا فقد كان الكثير من العاملين في هذه المحالج يسكنون في المنطقة وخاصة العاملين في دائرة محمد الشناوى باشا وعندما تم تأسيس خط السكة الحديد البلجيكية وسط أراضي منطقة كفر البداماص كانت معظم الأراضي التي مر بها ملك لعائلة حمودة والتي تنازلت عنها للحكومة وفي الوقت الحالي حل محل هذا الخط شارع كلية الدراسات وكانت كفر البداماص تشتهر بالفتوات مثلها مثل كل أحياء المنصورة وكافة المدن المصرية حتي العاصمة القاهرة وكانت هناك أغنية شهيرة يغنيها هؤلاء الفتوات في الأفراح والموالد والمناسبات السعيدة تقول كلماتها إحنا أولاد كفر البداماص ميهمناش ضرب الرصاص أجدع تخين نديله بالراس ومما يذكر أيضا عن كفر البداماص أنه قد زارها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1960م وخطب في الجماهير المحتشدة من شرفة مبني المديرية القديم وبهذه المناسبة تم تسمية شياخة كفر البداماص الناصرية نسبة للرئيس الراحل وما يزال هناك نادى بإسم نادى الناصرية الرياضي في موقعه داخل شارع قناة السويس بكفر البداماص لكن كما هي عادة المصريين فإنهم لا يعترفون بالأسماء الجديدة سواء التي تطلق علي الشوارع أو الميادين أو الأحياء وما يزال الإسم المعروف به الشياخة حتي الوقت الحاضر هو إسمها القديم أى كفر البداماص وفي السنين الأخيرة أصبحت منطقة كفر البداماص منطقة شعبية مكتظة بالسكان وإنتشرت بها المساكن العشوائية الغير مخططة وأصبحت المنطقة في غاية الإزدحام خاصة مع وجود أكبر سوق للخضروات يمتد بداية من شمال الحي حتي جنوبه وجدير بالذكر أن هذا السوق يحكي قصص كفاح عدد من السيدات والرجال اللذين أرادوا من الحياة العيش بكرامة وعزة وراحة بال وأن يوفروا لأبنائهم حياة كريمة من عرق جبينهم ببيع الخضروات والفواكه والأسماك والدواجن واللحوم والخبز بهذا السوق مفترشين الأرض باحثين عن لقمة العيش والحياة الكريمة راضين بقسمة الله لهم مهما كانت فهى بالنسبة لهم الحياة وما فيها وتعلو وجوههم إبتسامة الرضا التي لا تفارقهم وحامدين الله على نعمه الكثيرة من ستر وصحة ويقول هؤلاء الرجال والسيدات عن رحلة كفاحهم إنه يجب على كل إنسان أن يكافح فى الحياة ويشقى معتمدا على نفسه دون التواكل على أحد وإن الحياة رحلة عمل وكفاح وإجتهاد حيث أن متطلبات الحياة التي يسعون إليها تستلزم أن يحاولوا شق الصخر حتي يتخطي كل منهم كل ما في الحياة من أعباء مما يستلزم السعى وراء الرزق وتحمل المسؤولية.
 
 
الصور :