الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شاعر النيل

شاعر النيل
عدد : 08-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


محمد حافظ إبراهيم فهمي المهندس والمعروف بإسم حافظ إبراهيم شاعر مصري كبير لقب بشاعر النيل وشاعر الشعب وهو يعد أحد أعضاء مدرسة الإحياء والبعث الخاصة بالشِعر التي إشتهرت بإنتماء العديد من الشعراء إليها مثل محمود سامي البارودي باشا وأمير الشعراء أحمد شوقي وغيرهما وكانت له صداقة قوية مع هذا الأخير إستمرت حتي مماته وقد شارك في مبايعته أميرا للشعراء في دار الأوبرا القديمة بقصيدة رائعة ومن الجدير بالذِّكر أنه تمتع بإحترام عال عند من كانوا يؤيدونه وأيضا عند خصومه فهو على الرغم من إختلافه مع عباس العقاد وخليل مطران في المذهب الشِعري إلا أنهما ما كانا يكنان إليه إلا كل تقدير وإنصاف لموقعهِ في الأدب الشِعري وفضلا عن جزالة وتميز شعره كان حافظ إبراهيم يتمتع بقوة الذاكرة وبروح الفكاهة والكرم وقد ولد حافظ إبراهيم قي يوم 24 فبراير عام 1872م على متن سفينة أو ما كان يطلق عليه ذهبية كانت راسية على شاطئ النيل أمام مدينة ديروط وهي مدينة بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية كانت تنتمي إلي أسرة كريمة حيث كان الأب إبراهيم فهمي مهندس ري وكان أحد المشرفين على قناطر ديروط وكان تاريخ ميلاده المذكور غير معروف بالتحديد من واقع شهادة ميلاد او أي أوراق رسمية وما حدث أنه في شهر يناير عام 1911م عندما تقدم حافظ إبراهيم للتعيين في دار الكتب طلب منه تحديد تاريخ ميلاده ومن ثم تم تحويله للقومسيون الطبي الذى قدر عمره بتسع وثلاثين عاما وتأسس على هذا أنه تم تحديد تاريخ ميلاده في التاريخ المذكور وعاش حافظ إبراهيم في كنف أبيه أربع سنوات ثم وافته المنية فعادت والدته بطفلها حافظ من ديروط إلى بيت أسرتها في القاهرة بحي المغربلين وتولى خاله محمد نيازي الذي كان مهندسا بمصلحة التنظيم أمره حيث قام بإلحاقه بأحد الكتاتيب وبعد ذلك إنتقل إلي المدرسة الإبتدائية لكنه كان يعيش حياة مضطربة لأنه كان يتنقل بين مدارس مختلفة حتى إلتحق أخيرا بالمدرسة الخديوية .

وحدث أن توفيت والدته وهو في مرحلة التعليم الثانوى وفي نفس الوقت تم نقل خاله إلى بلدة طنطا عاصمة محافظة الغربية فإنتقل معه لكنه لم يلتحق هناك بالمدرسة إذ التحق بالجامع الأحمدي بشكل غير منتظم فحظي في هذا الجامع بالعديد من الدروس التي تشابه تلك التي تلقى في الجامع الأزهر وكان مما يتم مناقشته في الجامع الأحمدي بين الطلاب إستعراضهم لأصحاب طرائف الشِعر القديم والحديث مثل البارودي وغيره وأثناء ذلك لوحظ ميل حافظ إبراهيم للشِعر والأدب وإستطاع خلال هذه الفترة من أن يطور نفسه فيهما لكنه أحس بضيق خاله به حيث كان رزقه ضيقا مما أثر في نفسه ونظرا لأنه كان لديه عزة نفس كبيرة قرر أن يحاول الحصول على قوته بنفسه فرحل عن خاله وترك له رسالة كتب فيها ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية فإفرح فإني ذاهب متوجه في داهية وبعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله هام على وجهه في طرقات مدينة طنطا حتى إنتهى به الأمر إلى مكتب المحامي محمد أبو شادي الذى أصبح فيما بعد وكيلا لنقابة المحامين وأحد زعماء ثورة عام 1919م وقرر أن يعمل بالمحاماة نظرا لما يملكه من طلاقة في اللسان وتميز في الإلقاء ومنطقا سليما وكانت المحاماة آنذاك مهنة حرة وفي مكتب المحاماة المشار إليه إطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر الكبير محمود سامي البارودي باشا والمعروف بلقب رب السيف والقلم لكونه كان رجلا عسكريا وشاعرا مبدعا والذى كان له فضل كبير مع شاعرنا حافظ إبراهيم وأمير الشعراء أحمد بك شوقي وشيخ الشعراء إسماعيل صبرى وغيرهم في ريادة مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث حيث وثبوا به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه حيث فكوه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة ووصلوه بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة وربطوه بحياتهم وحياة أمتهم .

وبعد أن عمل حافظ إبراهيم بالمحاماة لفترة من الزمن إلتحق بالمدرسة الحربية في عام 1888م وتخرج منها في عام 1891م ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية وكان ملاحظا لمركز بني سويف ثم لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية وفي عام 1896م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية التي كانت مهمتها إعادة فتح السودان التي كانت تحت حكم المهديين حينذاك إلا أن الحياة لم تطب له هنالك فثار مع بعض الضباط ونتيجة لذلك أحيل على الإستيداع بمعاش ضئيل وفي عام 1906م تزوج حافظ إبراهيم من إبنة أحد أغنياء حي عابدين إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلا حيث دام أربعة أشهر فقط وبعدها إنفصلا ولم يقبِل بعدها على زواج آخر حيث لم يكن للمرأة مكان في مسيرته إلا زواجه ذاك وذلك بسبب ما لاقاه من ظروف حياته ووطنه ففضل أن يتجه بهذه العاطفة إلى هموم وطنه وشعبه وظهر أثر ذلك في ديوانه الشِعري الذي لا يحتوي إلا على ثلاث صفحات من شِعر الغزل حتي أنها ليست أبياتا طويلة فهي لا تتجاوز البيتين للمقطوعة الواحدة ومنها ما هو مترجم عن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وفي عام 1911م عين رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب ووصل إلى منصب وكيل دار الكتب أي الرجل الثاني وحصل على البكوية عام 1912م وفي هذه المرحلة من حياته أخذ حافظ إبراهيم العلم والمعرفة من أشهر علماء الأدب والعلم في عصره فكان يحضر مجالسهم التي كان يتواجد فيها العديد من العلماء والشعراء والأدباء فكان يسمع منهم وكان من هؤلاء السيد توفيق البكري الذي لم يتوان حافظ في الذهاب إلى بيته الواقع في حي الخرنفش وكان يلتقي هناك بالعديد من العلماء الذين يتحدثون في الأدب واللغة وكونه صاحب ذاكرة تعي ما تسمع بالإضافة إلى ملكة الحفظ لديه فقد أدى ذلك إلى جعله ملما بمفردات اللغة وتراكيبها على قدر جيد مما كان يتلقاه كما كان ممن يترددون على بيت السيد توفيق البكرى أيضا الشيخ الشنقيطي والشيخ محمد الخضري والشاعر اللغوي حفني ناصف وأيضا لم يسلم بيت إسماعيل صبري شيخ الشعراء من حافظ إبراهيم حيث كان الأخير كثير التردد عليه ليرى العديد من الشعراء الكبار الذين كانوا يعدون الشاعر إسماعيل صبرى أستاذهم ومعلمهم فكانوا يأخذون برأيه في أشعارهم وكان منهم أحمد شوقي وخليل مطران ومحمد عبد المطلب وعبد الحليم المِصري وغيرهم من الشعراء الشباب آنذاك وقد أقر حافظ بما للشاعر إسماعيل صبرى من فضل عليه في نضج شعره وصقله ويجب الإشارة إلى أستاذين كذلك كان أيضا لهما فضل كبير في ثقافة حافظ وعقله وشِعره وهما الشاعر محمود سامي البارودي باشا والأستاذ الإمام المجدد محمد عبده والذى يقول عنه حافظ إبراهيم إنه قد لازمه وإنه كان ألصقَ الناس به يغشى داره ويرد أنهاره ويلتقط ثماره .

وكان حافظ إبراهيم يعد أحد أعاجيب زمانه ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التى قاومت السنين ولم يصبها الوهن والضعف على مر 60 عاما هى عمر حافظ إبراهيم حيث إنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإستطاعته بشهادة أصدقائه أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عدة دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان وروى عنه أيضا بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن الكريم في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التى سمع القارئ يقرأ بها وكان شعره يعتبر سجل للأحداث يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره وللأسف مع تلك الهبة الرائعة التى قلما يهبها الله عز وجل لإنسان فإن حافظ رحمه الله أصابه في فترة إمتدت من عام 1911م حتي عام 1932م عام وفاته داء اللامبالاة والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وعلي الرغم من أنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتابا واحدا من آلاف الكتب التى تذخر بها دار المعارف الذى كان الوصول إليها يسير بالنسبه لحافظ ولا ندرى حقيقة سبب ذلك ولكن إحدى الآراء تقول إن هذه الكتب المترامية الأطراف كانت مملة بالنسبة لحافظ ومنهم من قال بأن نظر حافظ كان قد بدأ في الذبول خلال فترة عمله بدار الكتب وخاف من المصير الذى لحق بالبارودى في أواخر أيامه ومن جانب آخر فقد كان حافظ إبراهيم رجل مرح وإبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته وفكاهاته الطريفة التى لا تخطئ مرماها وأيضا تروى عن حافظ إبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه إستأجر قطار كامل ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية ومثلما يختلف الشعراء في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه إستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالإضافة إلي أن الجميع إتفقوا على أنه كان أحسن خلق الله إنشادا للشعر ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ إبراهيم فيها شعره بكفاءة هى حفلة تكريم أحمد بك شوقى ومبايعته أميرا للشعر في دار الأوبرا وأيضاً القصيدة التى أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل الزعيم مصطفى كامل باشا التى خلبت الألباب وساعده على ذلك الأداء المسرحى الذى قام به للتأثير علي الحضور من خلال بعض الأبيات ومما يبرهن ذلك المقال الذى نشرته إحدى الجرائد والذى تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ ومن الجدير بالذكر أن أحمد بك شوقى لم يلق في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء بينما كان حافظ يلقي شعره بطريقته التي كانت تجذب الإنتباه مما جعل له بصمة في قلوب الكثير ممن حوله . وقد نظم حافظ إبراهيم العديد من ألوان الشعر كان أولها الشعر السياسي وقد إتضح هذا اللون في شِعر حافظ إبراهيم في طابعه الوطني والمتمثل في الآمال الحالمة لأمته فإستخدم فيه مفردات كان يشكو فيها ما يتعرض له وطنه من قضايا ومشاكل بالإضافة إلى الأحداث التي تزعزع الأخلاق وتزرع حالة من الحماس فيه ليكتب في إصلاح ما هو فاسد بالإضافة إلى أنه كان لِشِعره موقف مساعد للصحافة الوطنية والرأي السياسي والإجتماعي للقادة فقد كان يتردد على مجالسهم التي تثير مشاعره فيكتب ما لا تستطيع المقالات والخطب توصيله للعامة فهو شاعر الحياة السياسية والإجتماعية فلا تخلو قضية سياسية أو إجتماعيّة إلا وتتعلق كتاباته بها والعكس كذلك وهكذا كان شِعر حافظ بين الجانبين وليس عجيبا أن يكون حافظ إبراهيم شاعر الشعب نظرا لما حمله من حب لوطنه وأهله ومما قال فيه :-

مـتـى أرى اللـيـل لا تـحلـو مـوارده لـغـيـر مــرتـهــب لله مـرتــقِــبِ
فقد غدت مِصر في حال إذا ذكرتْ جاءت جفوني لها باللؤلؤ الرطبِ
كـأنـي عــنـد ذكـري مـا ألـم بـهـا قـرم تـردد بـيـن الـمـوت والـهـربِ

وكان أيضا مما كتبه حافظ إبراهيم الشِعر الاجتماعي والذى تميز عند حافظ إبراهيم بوضوح بسبب البيئة التي نشأ فيها بين العلماء والعباقرة رغم ظروفه الصعبة بالإضافة إلى مخالطته لأبناء بلده في مِصر وإنخراطه في عاداتهم وتقاليدهم وآدابهم وأخلاقهم فكان يجيد إضفاء حالة من الضحك على وجوههم تارة والبكاء في أخرى أثناء نقده للواقع الذي يعيشون فيه كما أنه لم يتوان عن إبراز تلك القضايا بأي شكل من الأشكال فقد كان جريئا في طرحه لأوجاع الشعب وقضاياه بين الأسى والدهشة ومستعرضا فيه غفلة الناس عن مصالح حياتهم وحقوقهم المهملة بسببهم أنفسهم وذلك تجاه حياتهم ووطنهم وذلك من أجل إثارة نفوسهم وتهذيبها نحو الإصلاح وما كانت القضايا التي يتناولها خاصة في وطنه فقط إنما في الوطن العربي كافة ومن الجدير بالذِّكر أن حافظ إبراهيم تأثر بالأفكار التي يعرضها كل من البارودي والشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وغيرهم وكان اللون الثالث من شعر حافظ إبراهيم هو شِعر الرِثاء وقد إعتبر هذا اللون في شِعر حافظ إبراهيم الأكثر بروزا في شِعره وأشعار معاصريه إذ إتضحت في رِثائه مشاعره الوافرة بالوفاء حيث كان شديد التأثر عند موت أحد أصدقائه فما وجد إلا الشِعر كمخرج يعبر فيه عن حزنه الشديد ويعود هذا الإبداع في شِعر الرِثاء إلى أمور مختلفة منها نفسه الراضية والمصاحبة للإحساس القوي حيث كان يحسن إلى الناس خيرا ومعروفا وبرا على قدرٍ جعل الناس تشيد به وتثني عليه شخصيّته المنطوية على الحزن والأسى نظرا لما قاساه في حياته ولعل اليتم كان أبرزها .

وكان اللون الرابع من شعر حافظ إبراهيم هو شعر المديح للغة العربية وقد إتضح أهمية هذا اللون في شِعر حافظ إبراهيم جليا بعد محاولات إلغاء وجود اللغة العربية وذلك أثناء فترة الإحتلال البريطاني لمصر وفي المقابل تعزيز وجود اللغة الإنجليزية كبديل لها لجعل مِصر مفصولة تماما عن الدول العربية الأخرى ومن ثم فقد كتب قصيدة على لسان اللغة العربيّة عام 1903م مادحا فيها اللغة العربية الفصحي ومدعما بأنها لغة القرآن الكريم ويتحدث بلسانها وهي تستهجن أفعال أبنائها ومثيراً بذلك المِصريين ليقفوا تجاه التحديات الداعية لإلغاء وجودها بالإضافة إلى إشارته إلي أن إلغاء وجود اللغة العربية ما هي إلا محاولة لإلغاء القومية وإبعاد الناس عن تراثهم وثقافتهم التي يعتزون بها وكان من الأبيات التي كتبها في قصيدته تلك :_

رجعت لنفسي فإتهمت حصاتي وناديت قومي فإحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجـزع لقول عداتـي
ولـدت ولـمـا لــم أجــد لـعرائـسـي رجـالا وأكفـاء وأدت بـنـاتـي

ويمكننا القول بأن الشاعر حافظ إبراهيم كانت لديه سمات مميزة لشعره فكان طبعه حاد في النظم ولم يستخدم أساليب الإختراع في شعره وقصائده فشعره كان ليس به خيال بل كان واقعيا علي الدوام وكان ينظم كل نوع من الشعر على حسب الموضوع المطلوب منه ونظرا لأنه عمل في الكثير من الصحف لذا كانت له فصاحة في كتابة الشعر تميزه عن غيره وكان أسلوبه في إلقاء الشعر سلسا وكان قادرا علي أن يوصل المعلومة لمستمعيه ببساطة شديدة وكانت صياغته للشعر نقية ومميزة مستمدة من الطبيعة فتحدث عن المجتمع ومشاكله بطريقة ساخرة وسلسة كما كان شعره منظم بطريقة كبيرة وجادة وكان لا يعيبه سوى أن الألفاظ من كثرة الإعتناء بها كانت تجعل المعاني تضيع في بعض الأحيان ولقد ظل شعر حافظ إبراهيم حبيس الأدراج حتى جاء علي زكي العرابي باشا وزيرا للمعارف في وزارة مصطفى النحاس باشا الثالثة التي حكمت البلاد من يوم 9 مايو عام 1936م حتي يوم 31 يوليو عام 1937م وأصدر قرارا بتشكيل لجنة برئاسة أحمد أمين عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وعضوية كل من أحمد الزين وإبراهيم الإبياري وعهد الوزير إلى اللجنة بجمع قصائد حافظ إبراهيم وشرحها في ديوان لتقوم وزارة المعارف بطباعته على نفقتها وكتب مقدمة الطبعة الأولى أحمد أمين ونشرت الديوان دار الكتب التي كانت تابعة وقتذاك لوزارة المعارف وكان ذلك عام 1937م وفضلا عن ذلك فقد جمع الأديب الدمشقي السيد أحمد عبيد طائفة من شعره لم تنشر في ديوانه ونشرها بدمشق كما صدرت الطبعة الثانية من ديوانه فيما بعد عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1980م .

وبخلاف هذا الديوان كان لحافظ إبراهيم بعض المؤلفات منها سؤال وجواب ويعد هذا الكتاب بمثابة الطريقة المثلى التي ود حافظ إبراهيم أن يكون العالم بها والمتمثلة في رغبته لبناء جيل يسعى لتحقيق هذه الطريقة فجعلها في هيئة أسئلة وأجوبة على لسان أبٍ وإبنه بشكل مختصر وبسيط ويتناولان العديد من مفرادت الحياة ومعانيها مثل النجاح والسعادة والإخلاص وغيرها من معاني الحياة كما أن القارئ لهذا الكتاب يخيل له أنه في عالم لا إختلال فيه حيث كانت الدقة والوضوح سمات هذه الإجابات الواردة في الكتاب بالإضافة إلى سمة البساطة التي جعلت منه كتابا خاطب من خلاله الفئات العمرية المختلفة دون أن يكون معقدا وهذه علامة الفِكر الراقي واللغة السليمة كما يعد هذا المصنف أحد أهم أعمال حافظ إبراهيم النثرية وكان من مؤلفاته أيضا كتاب ليالي سطيح ويتناول هذا الكتاب حالة نقدية للقضايا الإجتماعية والأدبية لِما يحمله من الأخلاق والعادات المنتشرة في مِصر حيث تدور أحداث هذا الكتاب حول أحد سكان النيل مع أحد الكهنة القدماء العرب وإسمه سطيح كما إن الطابع الأدبي العام للكتاب طابع نثري يقترب من كونه مقامة أدبية لثبات المكان فيها وغلبة أسلوب الحوار فيه بالإضافة إلي أن الشخصيات فيه لا تظهر بشكل حقيقي إنما إستعرضها حافظ إبراهيم لتوصيل أفكاره من خلالها بالإضافة إلى إعتماده الأساليب التقريرية وليست التصويرية فيه ومن الجدير بالذِّكر أن هذا الكتاب يعد محاكاة للمقامات الأدبية لعيسى بن هشام في أسلوبه الكتابي إلا أن حافظ إبراهيم يقل عنه في الجانب التخيلي وبخلاف هذين المؤلفين قام حافظ إبراهيم بتعريب رواية البؤساء لصاحبها الأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو عام 1903م حيث كان يجيد اللغة الفرنسية إجادة تامة وكان من مؤلفاته أيضا كتاب الموجز في علم الإقتصاد الذي كتبه بمشاركة شاعر القطرين خليل مطران في عام 1913م وهو يتكون من جزئين وكتاب التربية والأخلاق وهو مكون من جزئين أيضا وكتاب عمر مناقبه وأخلاقه والمسمى بعمرية حافظ ونشره في عام 1918م .

وكان مما قاله معاصرو حافظ إبراهيم عنه ما قاله الشاعر خليل مطران أنه كان كالوعاء المحتوي جميع الأحاسيس ومشاعر الناس بداخله فكان كل شعر يلقيه يكون ممزوج بالأحاسيس والمشاعر التي تصل للمستمع سريعا وقال عنه أيضا إن أساليبه في تلقي الشعر أفضل من أساليب العرب فهو يتصفح كل قصيدة يلقيها بعناية ويظهرها بطريقة مميزة ليس لها مثيل أما العقاد فقد قال عنه إن شعره يعد صيغة حديثة أعجبته لأن عباراته متناسقة وتلفت الإنتباه ويذكره الشاعر العراقي فالح الحجية في الجزء الثالث من كتابه الموجز في الشعر العربي فيقول يتميز شعر حافظ إبراهيم بالروح الوطنية الوثابة نحو التحرر ومقارعة الإستعمار سهل المعاني واضح العبارة قوي الأسلوب متين البناء وقد أجاد في كل الأغراض الشعرية المعروفة ويقول أيضا الأستاذ أحمد أمين تعليقا علي وِلادته على صفحة النيل كما ذكرنا في مقدمة هذا المقال إن ذلك كان إرهاصا لطيفا وإيماءا طريفا حيث شاء القدر ألا يولد شاعر النيل إلا على صفحة نهر النيل وقيل عنه أيضا إنه من أعاجيب الزمان فأخلاقه ونجاحه وتميزه جعلته يخطف قلوب الكثيرين في حياته وعموما فقد ترك الشاعر حافظ إبراهيم بصمة مميزة في كل من تعامل معه في حياته وكانت وفاته في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس 21 يونيو عام 1932م عن عمر يناهز 60 عاما وكان قد وجه دعوة لعدد 2 من أصحابه لتناول العشاء معه لكنه لم يشاركهما لمرض أحس به وبعد مغادرتهما منزله شعر بالمرض يشتد عليه فنادى غلامه الذى أسرع لإستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الأخير ولم تمر سوى دقائق وصعدت روحه إلي بارئها ودفن في مقبرة بجوار مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها ومما يذكر أنه عندما توفى حافظ إبراهيم كان أحمد شوقى يصطاف في الإسكندرية وبعدما أبلغه سكرتيره بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاثة أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عنه ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ والتي كان مطلعها قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء وجدير بالذكر أن الشاعر أحمد شوقي كان صديقا مقربا لحافظ إبراهيم وكان لديهما الكثير من الرحلات التي ذهبا إليها سويا وكان لشوقي أياد بيضاء على حافظ حيث ساهم في منحه لقب بك وحاول أن يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الجريدة نحو الإنجليز وخشيته من أن يغضب المبعوث البريطاني اللورد كرومر إذا إستجاب لطلب شوقي وتشاء الأقدار بعد ذلك أن يلحق أحمد شوقي بصديقه حافظ إبراهيم حيث لم يعش بعده إلا حوالي 3 شهور وكانت وفاته في يوم 14 أكتوبر عام 1932م وكأنهما كانا علي موعد للقاء في السماء كما كانا يتواعدان للقاء علي الأرض .
ولا يفوتنا في نهاية مقالنا أن نذكر أنه كان من أهم القصائد التي نظمها حافظ إبراهيم قصيدة عن محبوبته مصر سماها مصر تتحدث عن نفسها والتي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1951م ولحنها الموسيقار رياض السنباطي والتي كان من أبياتها :-

وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي

وبناة الأهرام فـي سالف الدهر كـفوني الكلام عـند التحـدي

أنــــــــا تاج العلاء في مـفرق الشرق ودراته فرائـد عقـدي
أي شئ في الغرب قد بهر الناس جمالا ولم يكن مِنه عندي
فـترابـي تبـر ونـهري فـرات وسـمـائي مـصقولةٌ كالفـرنــد
أيـنمـا سرت جـدول عـند كـرم عـند زهـر مـدنـر عـند رنــد
إن مـجدي فـي الأوليـات عريق من له مثل أولياتي ومجدي

أنـا إن قـدر الإلـه مماتـي لا تـرى الشـرق يرفع الرأس بعدي

مـا رمـاني رام وراح سليمـا مــــــن قـديم عنـايـة الله جنـدي

كم بـغت دولـة عـلي وجـارت ثم زالـت وتـلك عـقبى التـعدي

إنني حــرة كسـرت قيـودي رغـم أنـف الـعدا وقطـعـت قيـدي

أتراني وقد طويت حياتي فـي مـراس لـم أبـلغ اليـوم رشـدي

أمـن الـعدل أنـهم يـردون المـاء صـفـوا وأن يــكـــدر وردي

أمن الحق أنـــهـم يـــطلقـون الأســــد منهم وأن تقيد أسدي

نظـر الله لـي فأرشـد أبنائـي فشـــــدوا إلـى العـلا أي شـــــد

إنمـا الحـق قـوة من قـوى الديان أمضي من كل أبيض هندي