الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تمساح النيل

تمساح النيل
عدد : 07-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

عبد اللطيف خميس أبو هيف والمعروف بإسم عبد اللطيف أبو هيف سباح مصري شهير كان من أصحاب الأسماء الرنانة في رياضة السباحة الطويلة وقد لقب بسباح القرن العشرين وبتمساح النيل بعدما سطع نجمه في فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الماضي في هذه الرياضة الشاقة التي تحتاج إلي جلد ومثابرة وإلي قدرة كبيرة علي التحمل بالإضافة إلي التدريب الشاق والمتواصل وتمكن من أن يضع نفسه في مكانة عالمية متميزة وعرف كواحد من أبرز سباحي المسافات الطويلة على مستوى العالم وكبطل في السباقات الدولية في هذه الرياضة وإستطاع أن يحقق العديد من الإنجازات والبطولات العالمية فيها وأن ينال العديد من الجوائز والأوسمة على مدار مشواره الرياضي الطويل الذى تخطي الثلاثين عاما والتي يعد من أهمها عبوره بحر المانش ثلاث مرات خلال المدة من عام 1951م وعام 1953م محققا رقما قياسيا عالمياً في عام 1953م ومتحديا جميع الصعوبات وأولها البرودة القاتلة والتيارات المائية الجارفة وهذا البحر هو البحر الذى يفصل بريطانيا عن فرنسا ويربط بحر الشمال بالمحيط الأطلسي ويبلغ طوله حوالي 563 كيلو متر أما عرضه فيبلغ 240 كيلو متر عند أوسع نقطة بينما يبلغ 34 كيلو متر عند أضيق نقطة بين مضيق دوفر وحد نيز جريس وهي المسافة التي يعبرها السباحون وكان مثله الأعلى البطل إسحاق حلمي رائد وعميد السباحين المصريين وأول سباح مصري يتمكن من عبور المانش في عام 1928م وإستحق أن ينال حينذاك نوط الجدارة من الملك فؤاد الأول ووسام الإستحقاق من الرئيس الراحل أنور السادات وأن يلقب بفرعون النيل والذى كان له الفضل في الأخذ بيد أبو هيف في مشواره الرياضي .

وكانت عائلة أبو هيف تعد من أشهر عائلات الإسكندرية وهي تعد عائلة قانونية ورياضية وهى وفقا للوثائق والمستندات الموجودة بين أيدى أبنائها تنتمى إلى السادة الأشراف من سلالة آل بيت النبي الكريم محمد ﷺ وقد جاءت هذه العائلة الكريمة إلى مصر وإستوطنت بها من بلاد المغرب العربى عن طريق أحد أجدادهم وهو الجمالى يوسف أبو هيف الذى أسس العائلة فى مدينة الإسكندرية وكان لقب هذه العائلة أحد الأسماء المنتشرة بين العرب قديما ويعنى صاحب القامة الطويلة ويوجد من أبناء هذه العائلة عدد كبير من المستشارين والقانونيين إلي جانب أن عدد كبير من أبنائها يدرسون بكليات الحقوق وفضلا عن ذلك يوجد إنتشار لأبناء هذه العائلة فى كندا وأمريكا وبعضهم متزوج من دول عربية ومن أجنبيات وفي مصر تمركز أبناء عائلة أبوهيف فى الإسكندرية ويوجد فيها وقف بإسم العائلة فى شوارع مثل شارع فرنسا وميدان المنشية وسوق الطباخين والمسافرخانة كما توجد شوارع بإسم العائلة مثل شارع عبد اللطيف أبو هيف قرب محطة ترام السرايا وشارع مصطفى أبوهيف فى بولكلى كما يوجد شاطئ بإسم عبد اللطيف أبو هيف بالإسكندرية وهو الشاطئ الذى كان يتدرب فيه ويستعد لبطولاته من خلاله ويوجد كذلك شارع بإسم مصطفى أبو هيف فى منطقة باب اللوق بالقاهرة علاوة علي أنه يوجد مدفن خاص لأبناء العائلة بجوار عمود السوارى بالإسكندرية في المدافن المعروفة بإسم مدافن العمود وهو المدفن الذى يوارى فيه كل أموات العائلة حتى المقيمين فى المحافظات الأخرى بل والمقيمين فى دول أجنبية أيضا .

ولد عبد اللطيف أبو هيف في يوم 30 يناير عام 1929م بحي الأنفوشى بمدينة الإسكندرية وعشق السباحة منذ الصغر وبدأ ممارستها وهو في سن 10 سنوات وتمكن من الحصول على بطولة الإسكندرية وهو ما يزال صغيرا ثم توالت نجاحاته وبطولاته ليتوج بطل محلى لمدة عشر سنوات متتالية وفي عام 1951م نجح في أول محاولة له في عبور المانش وجاء ترتيبه في المركز الأول على 13 سباحا وغرق يومها السباح الإنجليزي ماتيوس ويب من شدة برودة الماء والتيارات وللأسف كان يسبح بمفرده بدون مركب مرافق وبالتالي لم يمكن إنقاذه من الغرق فما كان من أبو هيف سوى أن تبرع بجائزة السباق وكانت يومها 1000 جنيه إسترليني لأسرة السباح الغريق المكونة من زوجة وسبعة أولاد وسط تقدير الشعب الإنجليزي لهذا الموقف النبيل منه وفي العام التالي 1952م أحرز المركز الأول في سباق نهر السين في فرنسا مع السباح المصري مرعي حماد وفي العام نفسه وقبل سباق المانش قام بزيارة بطل فرنسا في السباحة جورج فليبري الذي أصيب بشلل ووعده بأنه سيمنحه جائزة السباق إذا فاز وفعلا فاز بالسباق ونال خمسة آلاف جنيه إسترليني ومنحها للسباح الفرنسي المشلول ووفي بوعده له وبعد عودته لمصر إستقبله الملك فاروق الذي بادره قائلا شبيك لبيك ما هي طلباتك فقال أريد أن أدخل أحسن كلية عسكرية في العالم وفعلا أوفده الملك فاروق إلي كلية سانت هيرست الحربية بإنجلترا وإجتمع هناك مع الملك حسين بن طلال والأمير زيد بن شاكر والأمير دوق كينيت إبن عم ملكة بريطانيا وفي أثناء دراسته بكلية سانت هيرست وفي عام 1953م نجح في عبور المانش للمرة الثالثة على التوالي مسجلا رقماً عالمياً للسباق وفي عام 1955م أحرز المركز الأول في سباق دولي للمانش وكان منافسه في هذا السباق السباح الأميريكي الشهير توم بارك والذى كان مرشحا للفوز في هذا السباق ولكن أبو هيف تمكن من الفوز عليه وفي العام التالي 1956م تخرج أبو هيف من كلية سانت هيرست وأصبح ضابطا في القوات البحرية المصرية .

إكتسح أبو هيف السباقات الدولية في رياضة سباحة المسافات الطويلة في حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الماضي وفاز بأكثر من 20 سباقا دوليا شهيرا على رأسها سباق كابري نابولي بإيطاليا والذى يبلغ مسافته حوالي 36 كيلو متر وسباق سنتافي روساريو الذى يقام في مدينة روساريو عاصمة إقليم سانتافي بالأرجنتين والتي تقع شمال غرب العاصمة بيونس آيرس علي بعد حوالي 310 كيلو متر منها وفي عام 1963م فاز بأطول وأعظم سباق للسباحة الطويلة حول العالم وكان ذلك بالسباحة لمدة 36 ساعة في بحيرة ميتشجان بالولايات المتحدة وقطع مسافة 135 كيلو متر وفي هذا العام تم إختياره أفضل رياضي في العالم وكان قد سبقه على ذلك قبل عام نجم الكرة الإيطالي ريفيرا وقبله بعام نجم الكرة البرازيلي بيليه وفي العام نفسه إختاره الإتحاد الدولي للسباحة أحسن سباح في التاريخ وعاد وإختاره مرة أخرى في عام 1997م وفي عام 1965م أقيم سباق مونتريال الدولي بطريقة التتابع مدة 30 ساعة حيث يقوم كل سباح بالسباحة مدة ساعة بالتبادل مع زميله وكان يشارك أبو هيف السباح الإيطالي جوليو ترافاليو الذي لم يستطع إكمال السباق لإصابته بنـزلة برد حادة من شدة برودة المياه ليخرج من الماء إلى المستشفى وليبقي أبو هيف وحيدا ولكنه أصر على متابعة السباق وحده وسبح 29 ساعة ونصف الساعة ليحرز بعدها المركز الأول محققا شبه معجزة لأن باقي السباحين كانوا يتناوبون عليه في حين سبح هو وحيدا وكان هذا السباق هو أحد الأسباب التى دفعت الإتحاد الدولى فيما بعد لإعلانه أعظم سباح فى التاريخ فى المسافات الطويلة كما كان له دور فى فوزه بلقب سباح القرن ومن الطريف أن أبو هيف إقتسم الجائزة مع السباح الإيطالي المنسحب مناصفة وكان مقدارها خمسة آلاف جنيه إسترليني فتزوج بها فتاة من الأرجنتين وإشترى منـزلا هناك وأقام في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس وذلك بفضل أبو هيف وكانت كل هذه الأحداث والمواقف النبيلة والمشرفة وغيرها الكثير تعبر عن مدى الأخلاق والروح الرياضية التي تحلي وتمتع بها أبو هيف طوال حياته وجعلته يستحوذ على إعجاب وتقدير وإحترام الكثيرين حول العالم .

وفي فترة تحقيق أبو هيف للبطولات العديدة المذكورة ونظرا لشهرته فقد عرض المخرج حسام الدين مصطفى عليه القيام ببطولة أحد أفلامه ولأنه كان ضابطاً في الجيش فقد سأل قائد القوات البحرية لأخذ رأيه في هذا الأمر فطلب منه تأجيل الفكرة في حينه فضاعت عليه فرصة التمثيل التي أراد من خلالها تجسيد دور بطل أو فدائي يقود وطنه نحو الإستقلال والتحرير ومما يذكر عن خلقه وطباعه أنه كان ضد التعصب وكان خيرا يحب الناس ويساعد المحتاجين والفقراء ويحسن إليهم كثيرا وكان عندما يجد منحرفا فى الفكر أو في السلوك يحاول أن يقومه ولا ييأس من تقديم النصائح والإرشادات له حتى إذا لم يتم الإستماع له أو أدى فعل الخير إلى تعرضه لمواقف حرجة وقام بتخصيص دور كامل فى منزله بالزمالك لمساعدة الفقراء والمحتاجين ومن المواقف التى يتذكرها له أبناء العائلة أنه وجد ذات يوم شابا يكلم نفسه فى الشارع ويهذى بكلمات غير مفهومة فإصطحبه إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية وأودعه فيه ووقع على إستمارة تسليمه للمستشفى وكان هذا الشاب إبنا لأحد المستشارين الذى أضناه البحث عن نجله قرابة الشهرين وبعدما علم بما فعله أبو هيف رفع دعوى قضائية ضده وطالبه بتعويض مادى كبير وعلي الرغم من هذا الموقف وغيره إلا أنه لم يترك عمل الخير قط فعلي سبيل المثال لا الحصر كان ذات يوم راكبا سيارته ووجد أمام مجمع التحرير رجلا مسنا يربو على التسعين عاما يرقد أمام المجمع والمارة يلقون عليه نقودا فنزل من سيارته وحمل الرجل داخل السيارة قائلا إن هذا الرجل لا يريد نقودا ولكنه يحتاج إلي عناية ورعاية وذهب به إلى إحدى المستشفيات التى أخبره أطباؤها بعد فحص الرجل فحصا شاملا أنه لا يعانى أمراضا سوى أعراض الشيخوخة فصحبه إلى بيته وغير له ملابسه وألبسه بيجامته وكان أبو هيف في هذا اليوم متفقا مع بعض أقاربه الذين حضروا من الإسكندرية لزيارته أن يخرج معهم لتناول العشاء خارج المنزل لكنه لم يخرج قبل أن يخلط للشيخ الخضار فى الخلاط ويؤكله له بالملعقة لأنه كان بلا أسنان ولا يستطسع مضغ الطعام ولم يبت هذا الشيخ العجوز سوى ليلة واحدة في منزل أبو هيف ثم وافته المنية في اليوم التالي فكفنه أبوهيف ودفنه وبعد يومين جاء إلى منزله رجل يعمل موظفا فى أحد البنوك ويحمل حقيبة فى إحدى يديه وقال لأبو هيف أين ذهب ابي وتبين له أن الشيخ العجوز كان فاقدا للذاكرة ولم يستطع العودة إلى منزله وكان إبنه يبحث عنه طوال هذين اليومين .

وبوجه عام كان عبد اللطيف أبوهيف نموذجا إنسانيا بمعني الكلمة ولم يختلف عليه أحد وكان محبوبا ومقربا من جميع الزعماء الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ الملك فاروق وحتى الرئيس حسنى مبارك وقد كرمه الرئيس محمد نجيب وأعفى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سيارته التى فاز بها فى إحدى المسابقات العالمية من الجمارك وكانت ماركة فورد وسارت على كورنيش الإسكندرية فى إحتفال شعبى بالبطل أبو هيف ومنحه وسام الرياضة من رئاسة الجمهورية تكريما له أما الرئيس الراحل أنور السادات فقد أنهى له مشكلة أرضه التى كان يمتلكها بحى المقطم بالقاهرة وكان حولها نزاع مع الدولة وما حدث كما يقول أبناء من العائلة أن السادات كان فى عوامته بالنيل وفكر وقتها عبد اللطيف كيف يصل إليه فذهب إليه عائما فى النيل حتى وصل إلى عوامته غير عابئ بحرس الرئيس فخرج له السادات قائلا يا أبو هيف إنت جاى بتكلمنى من الميه عايز إيه فقال له يا ريس أرض المقطم فرد عليه السادات بقوله ميكونش عندك أى فكرة اللى إنت عايزه همشيهولك وعندما إشتد المرض على أبو هيف كان الرئيس مبارك يتابع حالته الصحية أولا بأول تليفونيا وذات مرة إتصل مبارك على الهاتف المحمول لأبو هيف وفرغت بطارية الهاتف أثناء المكالمة وإنقطع الإتصال بينهما فعاود الرئيس الإتصال بالمستشفى الذى حوله على هاتف غرفة أبو هيف وأكمل معه المكالمة .

وعن الحياة الشخصية لأبو هيف فقد تزوج من السيدة منار محمد محفوظ وكانت بطلة في رياضة الفروسية وكانت أول سيدة فى الوطن العربى والشرق الأوسط تحصل على رخصة محترف فى سباقات الفروسية وكانت خبيرة محترفة بسباقات قفز السدود وقد أنجبا إبنهما الوحيد رجل الأعمال ناصر وكان واحدا من أبطال سباقات السيارات فى مصر وقد أعلن أبو هيف إعتزال السباحة عام 1975م وكان حينئِذ فى السادسة والأربعين من عمره وكان بعد ذلك ولسنوات عديدة يرافق بعض السباحين المصريين في سباقات سباحة المسافات الطويلة التي يشاركون فيها مثل سباق النيل بالقاهرة وسباق كابرى نابولي بإيطاليا ويتابعهم من القارب المصاحب لهم ويقوم بتوجيههم وإسداء النصائح والإرشادات لهم حتي لا ينحرفوا عن مسار السباق وظل يمارس السباحة الخفيفة في حمام سباحة نادى الجزيرة الرياضي طوال العام صيفا وشتاءا كما كان يهوى تنظيم الصالون الموسيقي بالنادى المذكور ويدعو أعضاء النادى لحضوره وفي السنوات الأخيرة من حياته مر بعدد من الأزمات الصحية الخطيرة وخضع للعديد من الجراحات وكان قد رفض السفر إلى الخارج للعلاج على نفقة الدولة ووجه الشكر للمسئولين بالحكومة المصرية على إهتمامهم بصحته قائلا علاجى متوفر فى مصر والأطباء المصريون على درجة عالية من الكفاءة وإذا قدر لى الموت فإننى أفضل أن أموت على فراشي وفي بلدى وكانت وفاته في يوم 21 أبريل عام 2008م عن عمر يناهز 79 عاماً بعد صراع طويل مع المرض .