الجمعة, 19 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على أشهر من كتب ووثق تاريخ مصر

تعرف على أشهر من كتب ووثق تاريخ مصر
عدد : 04-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

عبد الرحمن بن حسن بن برهان الدين الجبرتي والمعروف بإسم عبد الرحمن الجبرتي هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار والمعروف إختصارا بإسم تاريخ الجبرتي والذي يعد مرجعا أساسيا لتلك الفترة الهامة في تاريخ مصر وكان جد عبد الرحمن الجبرتي قد هاجر من قرية جبرت التي تقع في أرتيريا في الوقت الحالي إلى مدينة القاهرة من أجل الدراسة بالأزهر ثم إستقر بها ويرى البعض أن نسب أجداده يرجع إلى بني هاشم وكانوا قد نزحوا من الجزيرة العربية إلى أرتيريا والصومال وكان أبوه من أعلام علماء الأزهر الشريف في عصره وكان متخصصا في الفلك والرياضيات وكان يقوم بالتدريس فيه وفي مدرسة السنانية ببولاق بجامع سنان باشا وكان على جانب كبير من الثراء وكان يعد أحد التجار الأثرياء وينتمي إلى طبقة الملاك حيث كان له 3 بيوت في القاهرة بالصنادقية أمام الجامع الأزهر وعلى النيل ببولاق وبمصر القديمة وكانت مكتبته عامرة بالكتب القيمة والمخطوطات النادرة كما كانت دوره آهلة في كل وقت بالعلماء والمجاورين وهم طلاب الأزهر الذين كان يطلق عليهم هذا اللقب نظرا لتجاورهم في السكنى إلي جوار بعضهم البعض وكان منهم الطالب السورى سليمان الحلبي الذى قتل الجنرال جان باتيست كليبر قائد الحملة الفرنسية بعد رحيل نابليون بونابرت إلي فرنسا وكان ميلاد مؤرخنا الكبير عبد الرحمن الجبرتي في القاهرة في عام 1167 هجرية أي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجرى والموافق عام 1754م أي في بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادى في بيت عامر بالأدب والدين والعلوم وكان هو الذكر الوحيد الذي عاش من أبناء االشيخ حسن الذكور فإهتم به كثيرا لما وجد فيه من فهم عميق وذكاء ورجاحة في العقل فقد حفظ عبد الرحمن الجبرتي وهو في الحادية عشرة من عمره القرآن الكريم كما حفظ عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة والأخبار والروايات التي كان يقصها والده على العلماء والمشايخ الذين يجتمعون في منزله بشكل مستمر ثم أولاه والده إهتماما أكبر وصار يروي أخبار العلماء والولاة وحوادث العصر وغير ذلك وكما ذكرنا في السطور السابقة كان عند والده مكتبة كبيرة زاخرة بالكتب والمخطوطات كانت بمثابة كنز عظيم وملجأ للجبرتي نهل منها علومه ولما توفي والده عام 1188 هجرية الموافق عام 1774م وكان ما يزال يدرس في الأزهر ترك له أموالا طائلة وصداقات عديدة أكثرها من المشايخ والمريدين والأمراء والحكام كان أبرزهم الشيخ محمد المرتضى الزبيدي الذي قدم من اليمن وإليه يرجع الفضل في إهتمام مؤرخنا الكبير عبد الرحمن الجبرتي بالتاريخ .

وتابع الجبرتي دراسته في الأزهر بعد وفاة والده حيث درس اللغة والفقه وتخرج منه ثم إنكب على مكتبة والده ينهل من مختلف العلوم وخصوصا الحساب والهندسة والفلك ثم بدأ يعقد حلقات تدريس كعادة علماء الأزهر في ذلك الوقت وفي هذه الفترة بدأ يكتشف ويطلع على أخلاق وأخبار العلماء ولم يكن يشعر بالرضا عن أخلاق وأعمال زملائه فقد أخذ على هؤلاء العلماء عدة مآخذ منها إفتتانهم بالدنيا وعدم إخلاصهم للعلم وحرصهم على جمع الأموال وإستخدامهم لكثير من الخدم والأعوان ومخاصماتهم الكثيرة مع بعضهم البعض ومن هنا تولدت عند الشيخ الجبرتي جذور الإدراك والفهم لأخلاق الرجال وطبيعة المشكلات التي يمرون بها في تلك الفترة وربما كان هذا ما دفعه للخوض في مجال النقد والتحليل الذي مارسه في كتابة تراجم الرجال وكان عمر الجبرتي 21 عاما عندما بدأ يتنقل في أنحاء مصر للتعرف على مواقع المدن ويكون على تواصل مع العلماء والكبار فيها وليتمكن من التعرف على تفاصيل وطبيعة الحياة التي يعيشها الناس في القرى والأرياف وما يعانيه الفلاحون من شظف العيش وقد كان بطبيعته محبا للتنقل والترحال وقد ساعدته ثروته التي ورثها عن والده على نفقات تلك الرحلات الطويلة بالإضافة إلى رغبته في الإطلاع والمعرفة التي شكلت له دافعا دائما في سبيل المعرفة وكان على علم كبير بأخبار العباد والبلاد مما جعله دقيقا وصادقًا في أحكامه وفي تحليل الأمور مستوعبا لكل صغيرة وكبيرة من حياة الشعب المصري في الفترة التي تحدث عنها وتعامل معها ولاشك أن الجبرتي قد إستغرق في هذا العمل ليله ونهاره وإستمر يبحث عن مصادره ومراجعه وبدأ يدون الأسماء وكان من الطبيعي أن يبدأ بالمشايخ ومن كان منهم شيخا للأزهر والمشايخ الآخرين من كان أبوه يطلق عليهم الطبقة العليا ثم الطبقة التي تليها ممن إشتهروا بالعلوم الفقهية والعقلية والنقلية والشعر والأدب والخطابة وغير ذلك كما شرع يدون أسماء الأمراء ومن بلغ منهم مشيخة البلد ومن شاركه في الحكم وإستعان الجبرتي في علمه هذا بكل من إعتقد أن عندهم عونا ومن هؤلاء رفيق دربه وصديقه المشهور إسماعيل الخشاب والذى كان مشهورا بالعلم والأدب في عصره وكانت المشكلة الكبرى التي واجهها الجبرتي في عمله هذا هي غموض المائة سنة الماضية عليه أي من عام 1070 هجرية وحتى عام 1170 هجرية لأن هذه السنوات سابقة على حياته ولذلك حرص على أن يدون الأسماء من الدواوين الرسمية أما بعد ذلك فهو عليه هين ويقول في شرح ذلك لرفيقه الخشاب إنها تستبهم علي المائة الماضية إلى السنة السبعين وأما ما بعدها فأمور شاهدتها وأناس عرفتهم على أني سوف أطوف بالمقابر وأقرأ المنقوش على القبور وأحاول جهدي أن أتصل بأقرباء الذين ماتوا فأطلع على إجازات الأشياخ عند ورثتهم وأراجع أوراقهم إن كانت لهم أوراق وأسأل المعمرين ماذا يعرفون عمن عايشوهم ولا أرى بعد ذلك مرجعا أعتمده غير ما طلبت منك أي من الخشاب وبوجه عام فقد كان الجبرتي دقيقا لا يكتب عن حادثة إلا بعد أن يتأكد من صحتها وقد يؤخر التدوين حتى يحيط بالمصادر التي تصححها سواء بالتواتر أو بالشهادة .

وقد ظل الجبرتي مشتغلا بجمع أخباره وتقييدها ونبتت في ذهنه فكرة تأليف كتاب يؤرخ لمصر بداية من عام 1203 هجرية الموافق عام 1688م حيث طلب منه أستاذه الشيخ محمد مرتضى الزبيدي أن يساعده على الترجمة لأعلام القرن الثاني عشر الهجري وحدد له المنهج الذي يسير عليه وقال له لا تتعجل الأمر ولا تتباطأ فيه ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة وأوصيك بالإلتفات إلى الأعلام المشهورين وإذكر من أحبك في الله وأحببته وإستفدت منه شيئا وكان مفتي دمشق محمد خليل المرادي قد سأل الزبيدي معاونته في معجم يضم أولئك الأعلام ولم يلبث الزبيدي أن توفي في عام 1205م هجرية الموافق عام 1790م ولحق به المرادي بعد عام واحد فقط وظلت فكرة كتابة تاريخ مذيل بالتراجم على عادة المؤرخين في ذلك الوقت مهيمنة على عقل الجبرتي حتى فاجأته وفاجأت المصريين جميعهم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م وكان الجبرتي في وقتها في الرابعة والأربعين من عمره ولم ينقطع خلال فترة بقاء الفرنسيين في مصر عن كتابة مذكرات تسجل أعمالهم وترصد تحركاتهم والتعليق على أقوالهم وأفعالهم وكان أكثر العلماء الأزهريين دقة في تدوين ملاحظاته على نظام الحياة في مجتمع الجنود الفرنسيين وطرائقهم في تنظيم حياتهم وذلك منذ بدء تواتر الأخبار عن وصول الفرنسيس إلى سواحل الإسكندرية حتي تشعر أنك تقرأ رواية أو تشاهد أحد الأفلام وهو يرسم لك لحظات الهرج والمرج خلال دخول الحملة إلى الإسكندرية ثم إلي القاهرة فضلا عن خريطة للقوى الفاعلة في المدينة وتفاعلها مع الحملة حتى أنه يصف لك مواقع الدور المخربة والبيوت المهجورة وما حدث للهاربين من المدينة وقد إنقسمت ملاحظات الجبرتي إلى قسمين كان القسم الأول عبارة عن ملاحظات سياسية تتعلق بنظم الحكم الذي إتبعه الفرنسيون ومنشوراتهم وتقاريرهم وتحليل أقوالهم ورصد أهدافهم من الحملة ووجودهم في مصر وفي هذا القسم لم يكن الجبرتي على إلمام كامل بالحياة الفرنسية وبالعالم الخارجي فلم يستطع تحليل الأحداث تحليلا عميقا مثل ما فعل في القسم الثاني من ملاحظاته وهي الملاحظات الإجتماعية خلال تلك الفترة حيث تحدث الجبرتي عن مشاهداته الشخصية وتجاربه العملية الحياتية وقد تفاوتت مواقفه من الحياة الإجتماعية والثقافية للفرنسيين فأحيانا نراه معجبا ولا يتمالك نفسه من الإنبهار تجاه ما جلبه الفرنسيون معهم من علوم ومعارف وببعض مظاهر السلوك ولا سيما فيما يتعلق بالمعرفة وحب العلم وإجراء التجارب وإستخدام الأجهزة والأدوات فضلا عن أنظمتهم الإدارية فيما يتعلق بتسجيل المواليد والوفيات وإدخالهم لفكرة الحجر الصحي في حالة إنتشار الأوبئة وهي الفكرة التي لم تكن معروفة آنذاك في مصر وأحيانا نراه ساخطا علي الفرنسيس خاصة فيما يتعلق بأخلاقهم وما قاموا به من أعمال عنف شديد خلال ثورتي القاهرة الأولى والثانية ويرصد تأثير الحملة كإحتلال وثقافة مغايرة في سلوكيات مختلف طبقات الشعب ولا يتورع من منطق الشغف بالجديد المغاير أن يذهب إلى المجمع العلمي الذى أنشأه علماء الحملة ليشاهد أعمالهم وتجاربهم وفضلا عن ذلك يعبر عن سخطه بتصرفات النساء منهم وخروجهن للعمل سافرات على غير المعهود في المجتمعات الإسلامية في ذلك الوقت وكان الجبرتي وقت وجود الحملة الفرنسية في مصر يتردد على بعض المنشآت الفرنسية في مصر غير المجمع العلمي وكان يلتقي ببعض رجالهم ولعل أبرز إحتكاكه بالفرنسيين مما أهله لما صار عليه من العلم بأحوالهم أنه كان عضوا في الديوان الوطني الذي أنشأه الجنرال مينو الذى عين قائدا للحملة بعد مقتل الجنرال كليبر . وقد أطلق الجبرتي علي ما كتبه من مذكرات خلال فترة الحملة الفرنسية علي مصر مدة الفرنسيس بمصر وهي أصل كتابه الذى كتبه بعد رحيل الحملة تحت إسم مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس وإشترك في كتابته معه الشيخ حسن العطار وقد تعرض الجبرتي إلى النقد في موقفه من الفرنسيين من المصريين ومن الفرنسيين كذلك فقد إتهمه المصريون بالتعاون مع الفرنسيين والولاء لهم في سياق تأريخه بينما إتهمه الفرنسيون بالتعصب ضد مظاهر الحضارة الحديثة التي كانوا يدعون تقديمها للعالم الإسلامي والمجتمع المصري وعموما فقد نال كتابه مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس ثناءا كبيرا في أوساط الشعب المصرى ومن الحكام الأتراك العثمانيين أيضا حيث وصل ما كتبه الجبرتي إلى الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية وتم عرضه على السلطان العثماني سليم الثالث الذي أمر كبير أطبائه مصطفى بهجت بنقله إلى اللغة التركية وتم ذلك بالفعل في عام 1807م وقد حفز هذا الثناء والتكريم الذي قوبل به كتاب الجبرتي عن الحملة الفرنسية علي مصر على أن يجمع تاريخ مصر الذي إنشغل به طوال خمسة عشر عاما قبل مجئ الحملة الفرنسية في كتاب واحد ولذا فقد عقد العزم على كتابة تاريخ مصر كاملا جاعلا كتابه مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس أحد فصوله الرئيسية وأطلق علي هذا الكتاب إسم عجائب الآثار في التراجم والأخبار والمعروف بتاريخ الجبرتي وقام بتقسيم هذا الكتاب إلي ثلاثة أجزاء الجزء الأول حتى آخر عام 1189 هجرية الموافق بداية عام 1775م وهذا الجزء يعد المرجع الأساسي لمحاولة النهضة المؤودة التي قادها علي بك الكبير ما بين عام 1168م وعام 1773م والذي حاول الإستقلال بمصر عن السيطرة العثمانية بينما الجزء الثاني فهو يتناول الفترة حتي آخر عام 1212 هجرية الموافق منتصف عام 1798م وقت قدوم الحملة الفرنسية علي مصر أما الجزء الثالث فهو يتناول الفترة حتى آخر عام 1220 هجرية الموافق لأوائل عام 1806م وهي الفترة التي قدمت فيها الحملة الفرنسية إلي مصر ثم خروجها عام 1801م وما أعقبها من فترة إضطربت فيها الأحوال في مصر وإتسمت بالصراع بين المماليك والولاة العثمانيين حتي إنتهي الأمر بتولي محمد علي باشا حكم مصر في شهر مايو عام 1805م .

وقد إنتهى الجبرتي من تدوين هذه الأجزاء الثلاثة في عام 1236هجرية الموافق عام 1822م في عهد محمد علي باشا وكان مما دفع الجبرتي علي كتابة تاريخه هو أنه وقف موقف المعارضة لحكم والي مصر محمد علي باشا منذ بداية حكمه لمصر وإنشقاقه على الدولة العثمانية وظل سنوات يترقب ما ستؤول إليه الأحداث في عهد هذا الرجل وكان خلال ذلك يرصد كل شئ ويدون الحوادث والمتفرقات ويسند كل ما يقول ويدون إلى مصدر ثقة أو شاهد عيان عاصر الحدث أو سمع عنه وكان يحرص علي أن يعاين الأحداث العامة بنفسه ليتوخى الصدق ويتجنب نقل الأخبار الكاذبة ولقد تعرض الجبرتي في سياق ذلك لكل شئ فقد ذكر الأحوال الإقتصادية من زراعة وتجارة وفلاحة وإلى أنواع النقود المتداولة في الدولة وإلى الأسعار وأنواع المقايضات التي كانت تحكم العلاقات التجارية وتعرض إلى الحياة الإجتماعية بكل ما فيها من أحوال شخصية وعادات أسرية وقيم سائدة في المجتمع آنذاك كما تعرض إلى الحياة الدينية والثقافية وأخبار الأدباء والعلماء المشهورين والمشايخ البارزين وبصفة عامة يمكننا إعتبار هذا الكتاب الهام المصدر الوحيد الذي تناول أحداث تلك الفترات الزمنية المذكورة بصدق ودون تحيز أو محاباة لأي شخص أو حاكم ويمكننا أن نقول إن الجبرتي لم يكن في الواقع يؤرخ لإحتلال أجنبي لبلاده ولكنه كان يؤسس لكل المطروح في الساحة الثقافية العربية بعد لحظته الزمنية ولا يمكنك أن تستحضر قضية واحدة من إشكاليات الفكر العربي الراهن إلا ويطل من ورائها الجبرتي بقوة ففيما كتبه نجد جذور مختلف التيارات الفكرية الإصلاحية والليبرالية المنعزلة والمنفتحة وفيما كتبه أيضا تقفز إلى أذهاننا مراوغة مفهوم الآخر والأهم صعوبة إدراكه والتعامل معه فهو المستعمر القادم بالمدفع وفي نفس الوقت فهو النموذج الحضاري الذي جلب معه المطبعة وعلاوة علي ذلك فإننا نقرأ دائما بين سطور الجبرتي نقدا عنيفا للذات ونجد في لفتاته والكثير من كلماته حس مبكر بضرورة النهضة ونجد أيضا في سيرته ذلك المثقف الذي يمتلك رأيا قويا تجاه مختلف الحكام فهو يقترب منهم أحيانا ويرفض سطوتهم في أحيان أخرى .

ويقول عبد الرحمن الجبرتي ملخصا فكرة كتابه ومواضيعه في مقدمة كتابه إني كنت سودت أوراقًا في حوادث آخر القرن الثاني عشر الهجرى وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن أدركناها وأمور شاهدناها وإستطردت ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين وذكر الكثير من أخبارهم وأحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم فأحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والأعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد ما يرومه من المنفعة ومن المؤكد أن الجبرتي قد إستغرق وقتا طويلا في تدوين هذا الكتاب فيما يخص البحث عن المراجع وتدوين الأسماء والمعلومات عنها حيث بدأ بالمشايخ ثم من يليهم الذين إشتهروا بالفقه والعلوم العقلية والنقلية والأدب والشعر وغيرها وممن ساعده في العمل صديقه الشهير إسماعيل الخشاب والذى كان مشهورا بالأدب والعلم والذى أشرنا إليه في السطور السابقة وبذلك كان الكتاب بهذه الكيفية شاهدا على حوادث تاريخية هامة في تلك المرحلة من تاريخ مصر أهمها الحملة الفرنسية على مصر والسنوات التي تلتها بالإضافة إلى التراجم التي تناولها بدقة وموضوعية وإسهاب بدايةً من فتح السلطان سليم الأول العثماني لمصر في عام 1517م وإنتهاء حكم دولة المماليك لمصر وتحويلها إلي ولاية عثمانية وإنتهاءا بمنتصف حقبة العشرينيات من القرن التاسع عشر الميلادى في منتصف مرحلة حكم محمد علي باشا تقريبا وقد رتبه ونسقه على شكل أحداث ووقائع يومية وهو يعد تكملةً لكتاب تاريخ إبن إياس والذي هو بدوره يعد تكملةً لكتاب تاريخ المقريزي الشهير وقد كانت لغة الجبرتي وتراكيبها وبدائعها وأسلوبه في الكتابة متميزةً بقدر تميز أسلوبه الرصين في سبك الأحداث وصدقها ودقتها وهذا هو السبب في أنها قد إحتاجت إلى وقت طويل لإتقانها هذا ولا بد وأن نذكر أنه لم يتسن للجبرتي مراجعة كتابه وتهذيبه ولو إستطاع ذلك لأضاف إلى صناعة التاريخ الكثير والكثير بالإضافة إلي ما أضافه بالفعل ويمكننا أن نقول إن كتاب الجبرتي عجائب الآثار في التراجم والأخبار إنه قد تحول إلى عمل مؤسس لكل من يريد القراءة أو التأليف عن علي بك الكبير أو الحملة الفرنسية أو السنوات الأربع اللاحقة لها وفضلا عن ذلك فهو كتاب فكري مؤسس في الثقافة العربية الحديثة كتاب يحتاج إلى أكثر من قراءة والنظر إليه من أكثر من زاوية .

وبعد أن أبدع عبد الرحمن الجبرتي هذا الكتاب وفي عام 1237 هجرية الموافق عام 1822م وقعت على رأسه مصيبة لم تكن في الحسبان بعد أن قتل ولده خليل وقد قصمت هذه الفاجعة ظهره وهدته هدا وإختلفت الأقاويل في سبب وظروف مقتل ولده خليل حيث ذكر أن السبب هو موقفه الذي تبناه ضد حكم محمد علي باشا وموقفه ضد ثورته على العثمانيين كما أنه قد إنتقد موقف طبقة كبار رجال العلماء من تصرفات الوالي محمد علي باشا التي كان يراها ظالمة حتى يقول عن نفي هذا الأخير لعمر مكرم بعد أن ساعده على الوصول إلى السلطة فإن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن أعان ظالما سلط عليه ولا يظلم ربك أحدا وقد روي أيضا وليس لدينا دليل للنفي أو الإثبات أن محمد علي باشا كان قد أمره بتأليف كتاب في مدحه والحديث عن أعماله لكنه رفض هذا الأمر فهدده إذا لم يكتب وينصاع للأمر لكن الجبرتي رفض مرة أخرى مما زاد من نقمة محمد علي باشا عليه مما دفعه لتدبير مؤامرة لقتل ولده خليل وعموما فمنذ تلك الحادثة إزدادت حالة الجبرتي الصحية سوءا حيث أهلكته تلك الحادثة وفطرت فؤاده فلم يعد يملك القدرة على متابعة كتابه التاريخي الشهير الذى توقفت أحداثه عند عام 1822م ولم يعد قادرا على إستكمال مسيرة التدوين التي بدأها قبل سنين طويلة من حياته وكان حزنه وألمه على فراق ولده شديدا وظل يبكيه حتى ذهب بصره وعند ذلك إمتنع عن الكتابة نهائيا ولزمَ بيته لا يكتب ولا يقرأ ولا يتابع الأخبار ولا الحوادث التي تدور حوله في مصر إلى أن ضعفَ جسمه وتدهورت صحته وتوفي في عام 1240 هجرية الموافق عام 1825م عن عمر يناهز 71 عاما وذلك بعد مقتل إبنه بثلاث سنوات تقريبا وتم دفنه بمقابر المجاورين بالقاهرة وتكريما له فيما بعد أطلق إسمه علي أحد الشوارع في منطقة منشية البكرى بالقاهرة ويكفيه تكريما وشرفا أن إسمه يطلق حتي اليوم كلقب علي كتاب التاريخ في جميع المجالات فيقال جبرتي الطب وجبرتي المهندسين وجبرتي الرسامين وهكذا .