الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تانيس الأثرية

  تانيس الأثرية
عدد : 07-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


مدينة تانيس هي حاليا مدينة صان الحجر ويعتقد أن إسمها في التوراة كان صوعن كما ذكرت في الكتابات المصرية القديمة بإسم جعنت وهناك أقوال أخرى مفادها أن أصل كلمة تانيس تنسب إلى تانيس بن حام بن نوح عليه السلام وأنه هو أول من بناها وتانيس هو شقيق مصرايم بن حام بن نوح ويقال إنه أول من سكن بأرض مصر وإليه تنسب حيث إشتق إسم مصر من إسمه ولكن الأرجح والأصح هو ما ورد فى كتاب فتح العرب لمصر عن إسم تانيس بأنه مشتق من الكلمة اليونانية نيس وقد أضيف فى أولها علامة التعريف المؤنثة باللغة القبطية وهي تى وبذلك أصبحت تينيس وهذا الرأى أقرب للصواب حيث أن معنى كلمة نيسوس فى اللغة اليونانية المشتق منها إسم تينيس يعنى الجزيرة وكان هذا أقرب لحالها حينذاك ثم تم تحريف خفيف الإسم فأصبح تانيس وكانت تمتد على شاطىء بحيرة المنزلة بداية من حدود مدينة دمياط الحالية حتى مدينة الحسينية التابعة اليوم لمحافظة الشرقية وكانت ملاصقة لمدينة بيلوز التى عرفت فيما بعد بإسم الفرما والتي تقع شرقي بورسعيد حاليا والبعض يرى أن ضاحية بيلوز كانت جزء من تانيس وما زال إسم تانيس يطلق على جزيرة صغيرة فى بحيرة المنزلة ضمن منطقة محمية أشتوم الجميل التي تقع إلي الغرب من مدينة بورسعيد حاليا علي الطريق الساحلي الذى يربطها بمدينة دمياط وتوجد فى هذه الجزيرة بعض الأطلال الباقية من آثار منشآت تانيس القديمة التى ترجع إلى عصر الدولة الأيوبية .

إزدهرت مدينة تانيس في أواخر عهد الأسرة العشرين وأصبحت عاصمة شمال مصر خلال عهد الأسرة الحادية والعشرين وكانت المدينة مسقط رأس سمندس مؤسس الأسرة الحادية والعشرين وخلال عهد الأسرة الثانية والعشرين ظلت تانيس لفترة عاصمة مصر السياسية ثم إنتقلت العاصمة إلي منطقة تل بسطة وظلت المدينة ذات أهمية تجارية وإستراتيجية كبرى ومما يقال عن مدينة صان الحجر إنها المدينة التي ولد فيها نبي الله سيدنا موسى عليه السلام وتربى في قصر فرعون ومنها خرج إلي مدين هاربا بعد قتله أحد الرعية ثم مكث في مدين بضع سنين وتزوج فيها ثم عاد إلي مصر مرة أخرى وفي أثناء عودته أبلغه الله سبحانه وتعالى بالرسالة وهو في طور سيناء ثم بلغ الرسالة إلي قومه وإلي فرعون مصر وخرج منها مرة أخرى بعد أن رفض فرعون الإيمان برب موسى وهارون وقام بقتل السحرة الذين آمنوا به وخرج وراءه هو وجنوده فأغرقهم الله سبحانه وتعالي في اليم بينما نجا سيدنا موسي عليه السلام وقومه كما يذكر لنا القرآن الكريم في أكثر من سورة وكانت منطقة تانيس أيضا فى وقت ما عاصمة لملوك مصر من الهكسوس خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد حيث كان لها أهمية إستراتيجية كبرى من الناحية العسكرية ولذلك إتخذوا منها قاعدة لملكهم ولقد شهدت معارك الملك أحمس الأول ضد الهكسوس وطردهم من مصر ومطاردتهم عبر سيناء وعلاوة علي ذلك كانت للمنطقة أيضا أهمية عظيمة فى التاريخ وذلك لإنتماء وإنتساب مجموعة من الفراعنة الأقوياء إليها والذين ترك كل واحد منهم بصماته على المنطقة من خلال الأعمال المعمارية أو التماثيل الرائعة التى أمروا ببنائها ونحتها .

وتمتد منطقة أثار تانيس على مساحة 4 كيلو متر مربع تقريبا ولكن لم يتم التنقيب عن الآثار بها إلا فى جزء من هذه المساحة والآثار التى تم إكتشافها بها ترجع إلى عصور مختلفة تبدأ من حوالى عام 2330 ق.م وحتى وقت البطالمة وبالتحديد من عهد الملك بيبى الأول والذى وجد له هرم بجبانة سقارة فى القرن الأول قبل الميلاد كما إكتشفت بها أيضا أساسات العديد من المعابد وجبانة ملكية والعديد من التماثيل والزخارف والنقوش وعدد من أنقاض المعابد بما في ذلك معبد كان مكرسا لعبادة الإله آمون وبعض المقابر الملكية من الفترة الإنتقالية الثالثة ومنها مقابر الفراعنة بسوسنس الأول وشوشنق الثاني والتي نجت من النهب من لصوص المقابر طوال العصور القديمة والتي إكتشفها عالم المصريات الفرنسي بيير مونيه خلال عام 1939م وعام 1940م في عهد الملك فاروق وكانت تحتوي على كمية كبيرة من الذهب والمجوهرات واللازورد والأحجار الكريمة الأخرى بما في ذلك الأقنعة الجنائزية لهؤلاء الملوك كما توجد بقايا لمعبد شيده الملك أوسركون الأول إبن الملك شوشنق الأول والذى كان ثاني ملك لمصر من الأسرة الثانية والعشرين وحكم خلال الفترة من حوالي عام 922 ق.م وحتي عام 887 ق.م وقد خلف والده شوشنق الأول الذي توفي غالبا بعد حوالي من سنتين إلي ثلاث سنوات من حملته الناجحة التي قام بها عام 925 ق.م ضد مملكتي إسرائيل وجوداه وقد تميز عهده بالعديد من مشاريع تشييد المعابد وكان عهدا طويلا مزدهرا في تاريخ مصر إمتد حوالي 35 عاما وأيضا قد تم إكتشاف بحيرتين مقدستين بتلك المنطقة الأولى فى عام 1928م في عهد الملك فؤاد الأول والثانية عام 2009م .

وجدير بالذكر أنه في عام 1988م تم إفتتاح متحف صان الحجر الأثرى وهو متحف صغير عبارة عن صالة وحيدة تعرض فيها العديد من المقتنيات التي عثر عليها في المدينة متمثلة في قطع فخارية وأوانٍ حجرية إضافة إلى بعض التمائمَ وبعض الحلي القديمة وتعرض أيضا في المتحف تماثيل لأشخاص وفيه بعض التوابيت القديمة وأيضا لوحاتٍ جنائزية إضافة إلى بعض القطع التي تشير لفن العمارة القديمة والزخرفة ويعرض به أيضا أكواب نادرة تعود إلى عهد الفراعنة كما توجد الكثير من آثار مدينة تانيس معروضة في المتحف المصرى بميدان التحرير بمدبنة القاهرة وجدير بالذكر أيضا أنه كانت قد أقيمت بتلك المنطقة إستراحة ملكية صغيرة للملك فاروق في وقت تلك الإكتشافات حيث كان مهتما بمتابعتها وكان يزور المنطقة للتعرف علي سيرها بين حين وآخر وللأسف الشديد فقد تم إهمال آثارهذه المنطقة الأثرية في الوقت الحاضر وهي الآن علي وشك السقوط والإنهيار وللأسف الشديد لا تلقي منطقة صان الحجر الأثرية الإهتمام الكافي من المسؤولين عن الآثار ولذلك فهي تعاني من الإهمال الجسيم حيث تجد بها الآثار ملقاة علي الأرض وبلا حراسة ومعرضة للنهب والسرقة كما أنه تحت وهم حلم الثراء السريع يقوم بعض الأهالي المقيمين بالمنطقة بالحفر تحت منازلهم بدون التأكد من وجود آثار تحت الأرض وبدون إستخدام الأجهزة الحديثة وإتباع الأصول الفنية لعمليات الحفر وسند جوانبه قد حدث أنه قام ثلاثة أشخاص بالحفر وإنهارت جوانب الحفر على أحدهم ولم يستطع زميلاه إنقاذه فقاما بلا رحمة بالردم عليه وتركه خوفا من كشف الأمر وتعرضهما للمساءلة الجنائية ولكن مع خوف أحدهم من إكتشاف الواقعة إعترف لوالد القتيل وكانت النتيجة تدمير حياة ومستقبل ثلاثة شباب دفن أحدهم حيا والإثنان الآخران دخلا السجن كما أنه يحدث أحيانا أن يعثر البعض علي بعض الآثار مصادفة ويحاولون بيعها مما يعرضهم أيضا لتهمة الإتجار في الآثار حيث يتم القبض عليهم ويعرضون أنفسهم للسجن طبقا للقانون .

وفى العصر القبطى كانت تانيس ملاذا للأساقفة والرهبان والنساك الفارين من بطش الدولة الرومانية حيث عرفت وقتها بإضطهادها لرجال الدين المسيحى ولقد كانت مدينة تانيس إيبارشية من كبرى إيبارشيات الكرازة المرقسية منذ أواخر القرن الثالث الميلادي في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء والبطريرك السابع عشر من بطاركة الإسكندرية ولقد جاء ذلك في كتاب قصة الكنيسة القبطية الجزء الثاني كما جاء فيه أيضا أنه في عهد البابا مرقس الثاني البطريرك التاسع والأربعين حمل رسالة الشركة التي بعث بها لأخيه البطريرك الأنطاكي عدد 2 من الآباء الأساقفة كان أحدهما أسقف تانيس وقد زار الرحالة يوحنا كاسيان إيبارشية تانيس وشاهد الكثير من رهبانها ونساكها وكتب الكثير عنهم ومن أقوالهم وقد ظلت تانيس عامرة بالكنائس والأديرة وحتى القرن العاشر الميلادي كان بها عدد 72 دير وكنيسة كما جاء فيما كتبه المؤرخون أما فى العصر الإسلامى فقد إزدادت أهمية تانيس من الناحية العسكرية خاصة في عهد الدولة الأيوبية بداية من عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى وخلفائه من بعده حيث لم ييأس الصليبيون لحظة واحدة من محاولة غزو مصر حيث كانوا يدركون تماما ضرورة وأهمية أن تكون مصر تحت أيديهم ضمانا وتأمينا لوجودهم بالشام ودعما لإستقرار نفوذهم وسلطانهم في تلك المنطقة فسعوا دوما للإستيلاء على مصر وإحتلالها عقب تأسيسهم إماراتهم بالشام فقام جوديفري دي بوايون أول حاكم صليبي على بيت المقدس بأول المحاولات لإستكشاف الأوضاع في مصر عام 493 هجرية الموافق عام 1099م ثم تبعه أخوه بلدوين الأول ملك بيت المقدس الذى حاول غزو مصر عام 509 هجرية الموافق عام 1116م ووصل إلى مدينة الفرما فوجدها خالية بعد أن هجرها أهلها من المصريين وهذا يدل علي أن منطقة تانيس فى عهد السلطان صلاح الدين الأيوبى كانت قد أخليت تماما من سكانها ويروى عن ذلك إن جزيرة تانيس كانت مكشوفة للغزو من البحر مع أنها كانت محصنة وفيها رباط قوي فأمر السلطان صلاح الدين الأيوبي بإخلائها عام 1192م ثم جاء الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب عام 624 هجرية الموافق عام 1227م فهدم حصونها وقلاعها ومبانيها وأسوارها وتركها أطلالا وذلك لكي لا يتمكن الصليبيون من الإقامة فيها وهكذا إختفت إلى الأبد تلك المدينة الهامة ولم يبق منها سوى بعض الآثار الموجودة بجزيرة تانيس الواقعة غرب مدينة بورسعيد ببحيرة المنزلة حاليا ويروي إبن الأثير أن بلدوين الأول وصل إلى مدينة تانيس جنوبي بحيرة المنزلة ثم كر راجعا ولم يستكمل حملته العسكرية لصغر قواته ولمرضه الذي حل به ونستنتج من هذا أن الحملات الصليبية لم تدخل تانيس ولم تكمل غزوها لمصر من ناحيتها .

ولقد كانت تانيس موضع إعجاب المؤرخين ومحل حديثهم فرووا عنها الكثير والكثير فقد قال الجغرافي العربي الشهير المسعودي في كتابه أخبار الزمان إن تانيس كانت مدينة عظيمة لها مائة باب وفيها آثار كثيرة للأوائل وكان أهلها مياسير أصحاب ثراء وبها خياطون يقومون بحياكة الثياب التي لا يصنع مثلها في الدنيا ويذكر أحد المؤرخين أن مدينة تانيس كانت تصدر إلى العراق وحدها من الأقمشة ما يبلغ قيمته 30 ألف دينار كما يرد إلى ميناء تانيس نفسها كل عام ما يقرب من 500 مركب من موانئ الشام لشراء منسوجاتها وبالرغم من قوة المنازعات السياسية بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية بعد الفتح الإسلامي لمصر عام 642م فإن العلاقات التجارية لم تنقطع بين البيزنطيين وبين تانيس فقد كانوا حريصين على شراء منسوجات ملوكهم وأمرائهم وأباطرتهم وأساقفهم وباباواتهم ونسائهم واعيان الدولة البيزنطية من تانيس وقد إشتهرت مدينة تانيس بإنتاج نوع شهير من الثياب للخلفاء الفاطميين عرف بإسم البدنة ويقال إن ملك فارس أرسل رسله الى تانيس بعشرين ألف دينار للحصول على مثل هذه الأثواب كما إشتهرت مدينة تانيس بإنتاج نوع من القماش يسمى البقلمون إلي جانب نوع من النسيج يعرف بإسم القصب وكانا يصدران الى الشرق والغرب كما كانت تانيس ودمياط والفيوم هي أهم مناطق زراعة الكتان وصناعته وتذكر المصادر التاريخية إنه كان يوجد بتانيس ما يقرب من 5 الآف منسج عدد عمالها 10 آلاف ويقال إنه ليس هناك بيت فى الدنيا حينذاك إلا وكان به قطعة نسيج أو ثياب من صنع تانيس وكان بها صناع متخصصون بصناعة الملابس السلطانية ويذكر بعض المؤرخين إن تانيس كما إشتهرت بصناعة المنسوجات فقد إشتهرت أيضا بصناعة الرماح والسيوف والدروع وغيرها من أدوات الحروب .
 
 
الصور :