بقلم المهندس: طارق بدراوى
من موسوعة (كنوز أم الدنيا)
مدينة صالحجر كانت في العصر الفرعوني حاضرة لعاصمة مصر في عهد الأسرة السادسة والعشرين إبان عصور الإضمحلال ومن أشهر ملوكها أبسماتيك الأول الذي طرد شراذم الفرس من مصر. وهي تقع حاليا في نطاق مركز بسيون بمحافظة الغربية وكانت تسمى فيما سبق ساو أو سايس ولكن الإسم الأقرب للحقيقة هو “صاو” ولذا فإنه يطلق على عصر الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية العصر الصاوى نسبة إلى صاو ولما جاء العرب نطقوها صاء ولوجود بقايا المعابد بها سميت بصاء الحجر ومن ثم خففت إلى صالحجر .
وبسيون مدينة ومركز من مراكز محافظة الغربية الثمانية في مصر وهي تعد من أقدم مدن محافظة الغربية وتقع على ضفة فرع نيل رشيد من الناحية الشرقية ويحدها من الشمال محافظة كفر الشيخ ومن الجنوب مركزى كفر الزيات وطنطا التابعين لمحافظة الغربية ومن الشرق مركز قطور التابع لمحافظة الغربية أيضا وكلمة بسيون كلمة هيروغليفية قديمة وتعنى الحمام وكانت هي طريق مرور التجارة بين القاهرة والإسكندرية طوال عصور الحكم الإسلامي وكانت فيها إدارة المنطقة من منية جناج وحتى مشارف تلا وكانت كفر الزيات قرية صغيرة آنذاك تسمى قرية جريس وجاءت الأيام على بسيون وتحول الإهتمام عنها عندما تم البدء في إنشاء خط السكك الحديدية القاهرة الإسكندرية في عهد عباس باشا الأول عام 1852م والذى إنتهي وتم تشغيله في عهد خليفته محمد سعيد باشا عام 1856م والذى يعبر نهر النيل عند كفر الزيات فإنتقلت الأهمية من بسيون إلي كفر الزيات وأصبحت كفر الزيات هي مركز الإدارة وصارت بسيون قرية كبيرة من توابع كفر الزيات بداية من هذا التاريخ ولم تستقل بسيون إداريا إلا على يد رجال حزب الوفد عام 1950م في عهد الملك فاروق وكان وقتها حزب الوفد هو الحزب الحاكم في البلاد في إحتفال تاريخي حضره فؤاد سراج الدين باشا وزير داخلية الوفد حينذاك وكان يوما مشهودا خرجت فيه بسيون عن بكرة أبيها إحتفالا برجال حزب الوفد الوطنيين .
والكثير من الأثريين يعدون قرية صالحجر أقدم القرى على وجه الأرض وأنه كان بها حياة قبل ٧ آلاف سنة وبذلك تصبح أقدم قرية في مصر والعالم كله وقد إنتقلت عاصمة مصر إلي منطقة صالحجر الأثرية وكانت تسمي صاو كما ذكرنا في السطور السابقة والتي سميت في العصر اليوناني سايس وتعرف الآن بإسم صالحجر لأول مرة تحت حكم الأسرة السادسة والعشرين وكان الملك أبسماتيك الأول هو أول فراعنة صاو وكان فرعونا عظيما لمصر حيث حررها من الآشوريين ثم أسس علاقات وطيدة مع الإغريق وشجع العديد منهم على الإستقرار في مصر وأنشأ مستوطنات لهم وشجعهم على الإنخراط في الجيش المصري ويذكر للملك أبسماتيك الأول نجاحه في السيطرة على طيبة وتحطيم آخر مظاهر سيطرة الأسرة النوبية على مصر العليا وبعد ذلك قام الملك أبسماتيك الأول بالعديد من الحملات ضد هؤلاء الحكام الإقليميين الذين عارضوا توحيده لمصر وقد ذكرت أحد إنتصاراته في مسلة يعود تاريخها إلي العام العاشر أو الحادى عشر من فترة حكمه لمصر تم العثور عليها في واحة الداخلة وكانت مدينة صاو في ذلك الوقت من مدن الحج المقدس فى العصور الفرعونية وعلاوة علي ذلك فقد إزدهر الأسطول البحرى فى العهد الصاوى ولأول مرة خلال العصور الفرعونية وجدت سفن ذات ثلاثة طوابق كما أعيد شق قناة سيزوستريس في ذلك العصر وكانت وفاة هذا الفرعون العظيم أبسماتيك الأول في عام 610 ق.م وخلفه إبنه نخاو الثاني والذى حكم مصر لمدة 15 عاما حيث توفي في عام 595 ق.م وخلفه إبنه أبسماتيك الثاني الذى حكم مصر لفترة قصيرة بلغت 6 سنوات حيث توفي في عام 589 ق.م وخلفه الملك أبريس الذى حكم مصر من عام 589 ق.م وحتي عام 570 ق.م وكان له دور بارز وفعال في تاريخ مصر السياسي بالخارج فكان أول عمل قام به عند إعتلائه العرش هو إستعادة سوريا وفلسطين وذلك لكي يحقق أمال أسرته القديمة لإسترداد مستعمرات مصر هناك وقد خلفه الملك أحمس الثاني والذى حكم مصر من عام 570 ق.م وحتي عام 526 ق.م ونهضت البلاد في عصره نهضة عظيمه فكثر رخاؤها ونماؤها وقد إهتم بتشييد المبانى الفخمة والمعابد المختلفة وإلى عهده ترجع بعض الاثار فقد وجدت في آثار تل أتريب بمدينة بنها حاليا مائدة من الجرانيت تقدم عليها القرابين للآلهة مذكور عليها إسمه كما وجد خاتم يحمل إسمه وهو من مقتنيات متحف اشموليان بإنجلترا حاليا وكان من أهم ما وجد من عهده ناووس صنعه الملك خصيصا لمعبد أتريب وقد خلفه ابسماتيك الثالث والذى لم يستمر حكمه سوى عام واحد تقريبا وكان هو آخر ملوك الفراعنة حيث تعرضت البلاد في عهده لغزو الفرس وإستطاعت جيوشهم التي كان يقودها قمبيز الثاني ملكهم تحقيق الإنتصار عليه في معركة الفرما قرب بورسعيد الحالية وتم أسره ونقله إلي عاصمتهم مقيدا بالأصفاد والسلاسل حيث تم إعدامه لاحقا ومن الناحية الدينية فقد كان لمدينة صاو في خلال الدولة الوسطى معبودة تسمى نبت صاو بمعنى سيدة صاو وكانت تلك المعبودة تمثل أحيانا في صورة أحد الآلهة المصرية القديمة والتي كان لها معبد كبير في هذه المدينة وإلى جانب تلك الآلهة إتخذ المصريون القدماء في عصر الدولة الحديثة الآلهة موت كمعبودة في صاو وفي العصور المتأخرة عن ذلك أيضا إتخذوا هاتور التي تعتبر سيدة صاو .
وفي العصر الحديث بدأت أعمال الحفريات في صالحجر عام 1850م في عهد عباس باشا الأول وكذلك في عام 1901م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وتم إكتشاف عدة تماثيل نقلت إلى المتحف المصري بالقاهرة منها تمثال لكبير الكهنة واح أيب رع وكان يعمل مديرا للحدود وحاكما للصعيد وتمثال آخر من عهد الملك إبريس وكان قائدا للفرسان وقائدا للحدود الغربية والشرقية كما توجد أيضا بعض التماثيل من الأسرة السادسة والعشرين معروضة بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية كما تم نقل الكثير من آثار هذه المدينة إلي متحف طنطا لكي تعرض به وعلاوة علي ذلك فإن الكثير من متاحف العالم تشمل العديد من القطع الأثرية التعي تم العثور عليها بهذه المدينة كما أن الكثيرين من علماء الآثار يؤكدون بأن العديد من المقابر والمعابد الموجودة بمنطقة صالحجر لم تكتشف بعد وأن ما تم إكتشافه حتي الآن لا يتعدى نسبة ٢٪ وبداية من عام 1997م زارت منطقة صالحجر الأثرية العديد من البعثات الألمانية والإنجليزية والسويدية والتي قامت بأعمال حفر بها وبمنطقة تل ربوة الأحجار القريبة منها ولهم العديد من الإكتشافات الأثرية بالمنطقة وعلاوة علي ذلك كانت البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار والتي كانت تعمل بموقع صالحجر الأثرى خلالف عام 2018م قد كشفت أيضا عن أجزاء من مبنى ضخم من الطوب الأحمر وذلك أثناء أعمال الحفائر التي أجرتها وأنه من المرجح أن تكون هذه الأجزاء جزءا من حمام يرجع للعصر اليونانى الرومانى ويبلغ طوله 16 متر تقريبا وعرضه 3.5 متر وإرتفاعه 1.80 متر وأعلنت هذه البعثة أنها سوف تستكمل عملها فيما بعد للكشف عن باقى المبنى والتأكد من طبيعته وقد تم العثور في هذا المبني علي كمية كبيرة من العملات الذهبية النادرة التي لا يوجد سوى القليل منها فى مصر والتي كانت ذات قيمة كبيرة للملك بطليموس الثالث ويعد إكتشاف مبنى بهذا الحجم سليم إنجاز ونجاح كبير لهذه البعثة الأثرية وقد تم نقل هذه العملات الذهبية لعرضها بالمتحف المصرى الكبير أمام الزوار نظرا لندرتها وعراقتها كما إكتشفت البعثة أيضا أجزاء لتماثيل صغيرة تدل على أن أصحابها كانوا على مستوى إجتماعى كبير وتم العثور أيضا على العديد من القطع الأثرية تتمثل فى مجموعة من المسارج المصنوعة من الفخار وتماثيل مصنوعة من التراكوتا أي الطين المحروق وأدوات من البرونز وقطعة حجرية عليها بقايا نقش وكتابة هيروغليفية وتمثال صغير لكبش .
وللأسف الشديد لم تنل صالحجر ما تستحقه من الشهرة على الخريطة السياحية كما أصبحت المنطقة الأثرية التى تضم آثارها عبارة عن مستنقعات وأماكن لتجميع القمامة ومرتعا للقطط والكلاب الضالة بعد أن كانت في يوم ما متنزها وحدائق يرتادها السياح من شتي أنحاء العالم كما أن الحجارة التي تمثل بقايا وأطلال هذه الآثار فقد تركت عرضة لعوامل التعرية الشديدة فضلًا عن مياه الأمطار والصرف الصحي والبوص الذى يحوى حشرات تنخر فى تلك الآثار يوما بعد يوم إلي جانب قيام العديد من الأهالي ولصوص الآثار بالتنقيب والحفر علي الآثار بها مما يعرض تلك الآثار للتشويه والتدمير كما يعرضها للنهب والسرقة ويعرض الأهالي أنفسهم لأخطار إنهيار جوانب الحفر عليهم ودفنهم أحياء إلي جانب تعريض أنفسهم للمساءلة القانونية نظرا لقيامهم بنشاط غير مشروع وكان قد تقرر تسوير تلك المنطقة الأثرية ولكن نقص وقلة الإعتمادات المالية حال دون تحقيق ذلك حتي الآن نظرا لحالة الركود الشديدة في مجال النشاط السياحي حاليا وعدم تحقيق وزارة الآثار لإيرادات تمكنها من إستكمال خطط ومشاريع تطوير وإصلاح وترميم وإعادة تأهيل العديد من المناطق والمنشآت والأبنية والقصور الأثرية في العديد من محافظات مصر والتي توقف وتعثر الكثير منها بسبب ذلك في الآونة الأخيرة .
وجدير بالذكر أنه مؤخر كشفت الدكتور بينيلوب ويلسون عالمة الآثار الشهيرة والمهتمة بالآثار المصرية ورئيسة البعثة الإنجليزية بصالحجر عن مفاجأة من العيار الثقيل وهي إن مكان حجر رشيد الحقيقي هو قرية صالحجر الحالية التي كانت عاصمة لمصر الفرعونية وليست مدينة رشيد وأنه قد تم نقله هو والعديد من آثار المنطقة إلي مدينة رشيد عبر نهر النيل بواسطة القوارب إلي مدينة فوه ثم إلي مدينة رشيد كما أعلن مؤخرا عن قرب البدء في إنشاء مشروع عالمى بقرية صالحجر سيضع محافظة الغربية عموما على خريطة السياحة العالمية ويفتح المجال لتوفير فرص العمل للخريجين الذين يحملون شهادات فى فنون الترميم ومن المقرر أن يضم المشروع مركزا دوليا لتدريب المصريين وأبناء الدول الأفريقية والعربية بهدف إعداد كوادر فنية فى الآثار بالإضافة إلى إقامة فرع لكلية الآثار جامعة القاهرة ومتحف عالمي وقاعة للمؤتمرات وفندق بها على أن تشارك فى المشروع جامعة القاهرة وبعض الدول المانحة والصديقة لمصر ومنظمات دولية علي رأسها منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة وجامعات أجنبية مهتمة بالتراث المصرى وعلم المصريات ونحن بدورنا نقول ياليت هذا المشروع يرى النور قريبا إنقاذا وحماية لتلك الآثار النادرة التي لاتوجد في أى بلد آخر من بلاد العالم سوى في مصر أم الدنيا . |