الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على مجرم الحرب الايطالى رودولفو غراتسياني

تعرف على مجرم الحرب الايطالى رودولفو غراتسياني
عدد : 04-2020
بقلم المهندس: طارق بدراوى


رودولفو جراتسيانى قائد عسكرى ومارشال إيطالي كان المسؤول العسكري الإيطالي الذي قاد القوات الإيطالية في أفريقيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية وكان يعد نائب الملك الإيطالي في أثيوبيا أثناء فترة إحتلال إيطاليا لها بين عام 1936م وأواخر عام 1939م ويعد أحد مجرمي الحرب المسؤولين عن مصرع آلاف من الأثيوبيين والليبيين المدنيين حيث ترك أثرا بشعا مازال ماثلا للعيان في تاريخ إيطاليا الإستعمارية وفي تاريخ ليبيا وأثيوبيا وخاصة في منطقة برقة بليبيا لما قام به من أعمال وحشية ضد الرجال والنساء والشيوخ والأطفال من سجن ونفي ومعتقلات وقتل بطرق متعددة بالرصاص والقنابل والمشانق ورش بالغازات السامة وأُنجز كل هذا بإسم ديموقراطية إيطاليا الحضارية تارة وبإعادة أمجاد إيطاليا الرومانية تارة أخرى ومن ثم كان في مقدمة الزمرة التي غررت وخدعت الرأي العام خاصة من البؤساء والمعدمين الإيطاليين حين حث هممهم قائلا لنسترجع لأمتنا العظيمة إيطاليا إمبراطوريتها القديمة وفي نفس الصدد كان يؤكد على أننا أي الطليان نسالم من يسالمنا ونسحق من يعادينا ليتناغم مع زعيمه الدوتشي بينيتو موسوليني عندما نادى بتسمية البحر الأبيض المتوسط بحرنا إحياءا لما نادى به بعض الأباطرة الرومان في الأزمنة القديمة الغابرة بأن البحر الأبيض المتوسط هو بحرهم وكانت شهرته تزداد بين أبناء شعبه وتترقى رتبه العسكرية كلما تصدى بحملاته الوحشية للمجاهدين الليبيين فغدا نجما ساطعا في سماء إيطاليا والبطل الذي لا يعرف الهزيمة وكان يفتخر ويتباهى بهذه الأعمال الوحشية والدموية البشعة مؤكدا بأن أستاذه ومثله الأعلى كان السياسي الإيطالي المراوغ نيقولا ماكياڤيللي صاحب كتاب الأمير الشهير ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة حيث يقول عنه بالخصوص كلما تذكرت أعمالي الوحشية فإني أردد ما قاله ماكيافيللي العظيم قائلا كي يحتفظ الأمير بهيبته عليه ألا يعبأ بعار القسوة وقد إعترف أيضا بأن ضميره لم يؤنبه للحظة واحدة عن أعماله الدموية بأفراد الشعب الليبي حيث قال لم يحدث أن نمت لليلة هانئة مثل الليلة التي أكون قد راجعت فيها ضميري فيما يقولونه عن قسوتي ووحشيتي.

ولد جراتسياني في يوم 11 أغسطس عام 1882م في بلدة فيليتينو بإقليم لاتزيو بغرب وسط إيطاليا والتي تبعد حوالي 70 كيلو متر شرقي العاصمة الإيطالية روما لعائلة إيطالية ليس بها أشخاص عسكريون حيث كان والده طبيبا جراحا يدعى فليبو وأمه إديليا كليمنتي وعندما سجله والده فليبو في سجل المواليد إستخدم موظف السجل المدني الحبر الأزرق من باب المصادفة خلافا على ما جرت عليه العادة من إستخدام الحبر الأسود في سجل المواليد وهذا الأمر جعله يؤمن بأنه يتميز عن أقرانه فإزداد كبرياؤه وصلفه وغروره ووجهه والده لدراسة العلوم الدينية في معهد ديني بمدينة سوبياكو بإقليم لاتزيو لكنه لم يستمر في هذا النوع من التعليم مفضلا الإنخراط في الخدمة العسكرية بالكتيبة 94 مشاة بروما وفي يوم 1 مايو عام 1904م تمت ترقيته إلى رتبة ملازم أول وأرسل مع الكتيبة 92 مشاة إلى مدينة فيتربو عاصمة الإقليم الذى يحمل نفس الإسم والذي يقع إلي الشمال من إقليم لاتزيو وتبعد عن روما شمالا حوالي 100 كيلو متر .

وفي عام 1906م إلتحق بالكلية العسكرية الإيطالية في مدينة بارما شمالي إيطاليا ليكمل دراسته الحربية العليا وإنضم إلى إحدى أصعب الدورات العلمية ومن ثم إلتحق بكلية مودينا بالمدينة التي تحمل نفس الإسم شمالي إيطاليا التي إعتبرت حينها من كليات النخب في إيطاليا والتي إشتهرت بصرامة روتينها وصعوبة الدراسة فيها وكان ضمن 300 طالب آخر تم إختيارهم للدراسة بها لمدة سنتين وكان ترتيبه الثالث عشر وبالفعل إستطاع أن يتفوق على أقرانه مما زاد شخصيته قوة وعنادا وبعد إنتهاء الدراسة في عام 1908م أرسل إلى أريتريا وكان هذا الوقت في عز عنفوان حملات إيطاليا الإستعمارية التي كانت جزء من منظومة دول أوروبا الإستعمارية في تقاسم العالم في إطار إستراتيجياتها لنهب دول قارتي أفريقيا وآسيا وإخضاع مقدراتها وثرواتها لنفوذها وسيطرتها وهناك تعلم اللغتين العربية والتغرينية وهي اللغة القومية والرسمية لدولة أريتريا الأمر الذي أفاده فيما بعد أثناء عمله في ليبيا وأثيوبيا وفي عام 1911م لدغته أفعى سامة وخضع للعلاج منها لمدة حوالي عام ثم شارك في الحرب الإيطالية التركية حينما بدأت الحكومة الإيطالية تمضي قدما لتنفيذ عملية الإجتياح لليبيا والتي كانت تابعة في ذلك الوقت للدولة العثمانية بغرض إحتلالها وضمها إلي المستعمرات الإيطالية في أفريقيا وفي ليلة 26/27 سبتمبر عام 1911م تم تقديم إنذار أخير إلى حكومة حزب الإتحاد والترقٍي التركية من خلال الوساطة النمساوية وكان رد الحكومة هو إقتراح تسليم السيطرة على ليبيا بدون حرب مع الإبقاء على سيادة عثمانية شكلية فقط وكان هذا الإقتراح مشابها تقريبا للوضع في مصر التي كانت تحت السيادة العثمانية الشكلية لكن فعليا كانت تحت السيادة البريطانية ورفض رئيس الوزراء الإيطالي جيوفاني جيوليتي هذا الإقتراح وأُعلنت الحرب في يوم 29 سبتمبر عام 1911م والتي إستمرت حوالي 13 شهر حتي إنتهت يوم 23 أكتوبر عام 1912م وإنتهي الأمر حينذاك بتنازل السلطان العثماني محمد الخامس عن ليبيا إلى إيطاليا بموجب معاهدة أوشي عام 1912م علي الرغم من رفض غالبية الليبيين للغزو الإيطالي لبلادهم ولهذه المعاهدة والتي تم التوقيع النهائي عليها في يوم 18 أكتوبر عام 1912م في قلعة أوشي التي تقع في ضاحية أوشي وهي إحدى ضواحي مدينة لوزان السويسرية بعدما وجهت إيطاليا إنذارا مدته ثلاثة أيام للعثمانيين لقبول المقترح الإيطالي للمعاهدة تم خلالها عقد عدة جلسات من المفاوضات بين الطرفين وبالتوقيع علي هذه المعاهدة إنسحبت الدولة العثمانية من ليبيا وتركت أهلها وحدهم وجها لوجه أمام المستعمرين الإيطاليين وكان من بنود هذه المعاهدة أن يلتزم الخليفة العثماني بمنح الإستقلال الذاتي لإقليمي طرابلس وبرقة وموافقة الحكومة الإيطالية علي أن يعين الخليفة العثماني القضاة فيهما مع سحب جميع الموظفين والضباط والجنود العثمانيين منهما وبعد إنتهاء الحرب الإيطالية التركية رقي لرتبة رائد وشارك في الحرب العالمية الأولى وجرح عدة مرات وفي نهايتها حصل على وسام البسالة العسكرية في عام 1918م وكان عمره حينذاك 36 عاما ورقي لرتبة عقيد ليكون حينها أصغر عقيد في الجيش الإيطالي .

وفي العشرينيات من القرن العشرين الماضي إشتدت حركة المقاومة الليبية ضد المستعمرين الإيطاليين بقيادة البطل المجاهد عمر المختار وكان قد إكتسب خبرة كبيرة في أساليب وتكتيكات الحروب الصحراويَة أثناء قتاله الفرنسيين في تشاد وكان له معرفة سابقة بجغرافيَة الصحراء وبدروبها ومسالكها وكل ما يتعلق بها فإستغل هذه المعرفة وتلك الخبرة ليحصل على الأفضليَة دوما عند مجابهته الجنود الإيطاليين غير العارفين بحروب الصحراء وغير المعتادين على قيظها وجفافها وأخذ المختار يقود رجاله في حملاتٍ سريعة على الكتائب العسكرية الإيطاليَة فيضربونها ضربات موجعة ثمَ ينسحبون بسرعة إلى قلب الصحراء كما عمل المجاهدون الليبيون على مهاجمة الثكنات العسكرية الواقعة على أطراف الصحراء وإيقاع الرتل وراء الرتل في كمائن وعملوا أيضا علي قطع طرق المواصلات والإمدادات على الجيش الإيطالي وقد أصابت هذه الهجمات المسؤولين العسكريين الإيطاليين بالذهول وأحرج الجيش الإيطالي أمام الرأي العام في بلاده بعد أن فشل في إخماد حركة هؤلاء الثوار البدو غير المدربين عسكريا والذين لم يسبق لهم الدراسة في أي معهد أو كلية عسكرية وهنا لجأ الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني إلي الجنرال بييترو بادوليو وعرض عليه أن يكون حاكما عاما لطرابلس وبرقة وأن يتكفل بإنهاء المقاومة فيهما لكنه لم يقبل المنصب الذي عرضه عليه موسوليني بسهولة فقد وضع شروطا من بينها أن لا تقل ولايته عن خمس سنوات وأن يمنح لقبا نبيلا وأن يتقاضى راتبا مرتفعا وإستجاب موسوليني له ومن ثم وصل بادوليو إلي طرابلس يوم 24 يناير عام 1929م وأصدر في نفس اليوم منشورين أولهما للإيطاليين أكد فيه أن الإستيطان الزراعي في إقليمي طرابلس وبرقة غربي وشرقي ليبيا أصبح حقيقة بعد أن كان مجرد رغبة وثانيهما للعرب هددهم فيه بالويل والثبور وفي الوقت الذي وافق فيه على إستمرار الحرب للقضاء على المقاومة في جنوب طرابلس أمر نائبه في برقة الجنرال سيشلياني أن يسحب المراكز العسكرية المتقدمة في هذا الإقليم وأن يضع خط دفاع تكون جميع القوات داخله كما طلب منه الإتصال ببعض الأعيان وتكليفهم بالإتصال بعمر المختار ودعوته إلى الحوار لوضع حد للقتال الدائر والذى قبل بشروط فيها الكرامة والعزة لوطنه لكن الإيطاليين حاولوا خداعه وتأكد غدرهم عندما قامت الطائرات الإيطالية بإلقاء قذائفها عليه وعلي رفاقه من المجاهدين فبدأ النضال من جديد ولم يستطع بادوليو حينذاك إيقاف هجمات المجاهدين علي المعسكرات والجنود الإيطاليين .

وكان من نتائج هذا الموقف أن إهتز وضع بادوليو بعد فشله في المفاوضات وبعد الإخفاق في إيقاف حركة المقاومة الليبية وإستغل إميليو دي بونو وزير المستعمرات تزعزع مركز بادوليو فإنهال عليه بالتعليمات والتوجيهات وطلب منه إعفاء نائبه علي برقة الجنرال سيشلياني وتعيين الجنرال رودولفو جراتسياني بديلا له وكان دي بونو يريد أن يجعل من جراتسياني ندا لبادوليو ومنافسا قويا له ووصل جراتسياني إلى بنغازي يوم 7 مارس عام 1930م تحيط به هالة من البطولة والإعتداد بالنفس والغطرسة بعد أن قابل موسوليني في روما وأثنى عليه الأخير ووضع ثقته فيه كما هتف له مجلس النواب الإيطالي وشرع في عمله بالتعاون مع بادوليو وبدعم من موسوليني بهدف إبادة الشعب الليبي بالقتل والتهجير وتفننا في إبتكار الوسائل لتحقيق ذلك المخطط بإتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعيَة والتعسفية فأرسل بعض المشايخ إلى سجون إيطاليا وقرر توقيع عقوبة الإعدام على كل من يتعاون أو يتصل بالثوار وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة وهي مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبيا في قلعة بنينة أما أبرز ما فعله فكان إنشاء المحكمة الطائرة وهي محكمة بكامل أجهزتها تقطع البلاد على متون الطائرات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشيين وكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة وتصدر أحكامها وتنفذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تغادر الموقع الذي إنعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر بل وقد أعلن جائزة قدرها 200 ألف فرنك لقاء جلب عمر المختار سواء حيا أو ميتا كما إرتكب جراتسياني فظائع أخرى فأنشأ معسكرات الإعتقال الجماعيَة في الصحراء وخاصة في منطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا وأحاطها بالأسلاك الشائكة ونقل إليها كل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين أو المهاجرين إلى مصر ولم يراع في ذلك سن المعتقلين ولا جنسهم ولا حالتهم الصحيَة فإعتقلت النساء والرجال والشيوخ والأطفال والأصحاء والمصابين بالأمراض وأصحاب العاهات ومات في هذه المعسكرات عشرات الآلاف من السجناء الليبيين من الجوع أو المرض إذا لم يقتلوا شنقا أو إعداما بالرصاص وكان جراتسياني يقول حين يجد من يعارضه على عمليات الإعتقال الوحشية هذه لقد قررت وصممت ولن أتراجع حتى ولو أدى هذا الإجراء إلي فناء اهالي برقة جميعهم وقد ذكر أحد المواطنين الليبيين الذين نجوا من الموت في هذه المعتقلات إن خمسين جثة من الليبيين علي الأقل كانت تخرج كل يوم من معتقل العقيلة وهي بلدة ساحلية شرقي ليبيا الذي كنت معتقلا فيه وتدفن في حفرة بشكل جماعي أجل خمسون جثة أو أكثر يوميا كنا نعدها دائما وهؤلاء ماتوا إما شنقا أو رميا بالرصاص أو أهلكهم الجوع أو المرض .

وكان معتقل العقيلة هو أشد المعتقلات قسوه وكانت أهم القبائل التي دخل أبناؤها هذا المعتقل هي قبيلة المنفة وهي قبيلة المجاهد الليبي الشهير عمر المختار أما أفراد قبيلة العواقير فقد جمعهم الطليان وأجبروهم على السير على الأقدام إلى مسافة تصل إلى 300 كيلومتر في طرق وعرة أو صحراوية وفي مناخ قاس شديد الحرارة وكان حين يبطئ كبار السن والضعفاء في المسير يعمد حراسهم الإيطاليون إلى أخذهم جانبا وإعدامهم رميا بالرصاص لأن أوامر جراتسياني كانت شديدة بحيث لا تسمح بأي تأخير للوصول إلى المواقع المقررة لإعتقالهم لكن رحلة العذاب والموت هذه لم تكن إلا البداية فالذين كانوا يصلون أحياء كان ينتظرهم مسلسل آخر للآلام والإهانة والقهر كما كان جراتسياني يأمر بمداهمة قرى ونجوع الليبيين وإجبار سكانها على ترك أراضيهم وممتلكاتهم وسوقهم في قوافل إلى المعتقلات الجماعية المخصصة لهم كما كان يأمر بإحراق الكثير من القرى المتعاونة مع الثوار فدمرت المنازل وأحرقت المحاصيل الزراعية وأُهلكت الحيوانات فيما عدا ما إستعمله الجيش الإيطالي للنقل حتى أصبحت جميع مناطق المنطقة خرابا تلعب فيه الرياح وكانت معسكرات المجاهدين في البداية قريبة من قرى ونواجع الأهالي حتى يسهل على المختار وصحبه الحصول على الذخائر والأسلحة والمؤن ولكن بعد ترحيل القبائل وحشرها في المعتقلات الجماعية تغيرت خطة عمر المختار وطور أساليبه القتالية بما يناسب المرحلة وأصدر أوامره إلى رجاله بتجنب الإتصال بالسكان أو منعهم من الرحيل خشية إنتقام الإيطاليين وإعتمد على عنصر المباغتة وركن إلى مفاجأة القوات الإيطالية بعد كشفها وإستطلاع تحركاتها في أماكن متفرقة وقد قال جراتسياني في هذا المجال علي الرغم من إبعاد القرى والنواجع والسكان الخاضعين لحكمنا إلا أن عمر المختار إستمر في المقاومة بشدة كما إستمر يلاحق قواتنا في كل مكان وإستمر جراتسياني في تدابيره العسكرية فلم يأتِ يوم 14 يونيو عام 1930م حتى كان الطليان قد إستولوا على منطقة الفايدية بأكملها والتي تقع علي بعد حوالي 22 كيلو متر جنوبي مدينة البيضاء رابع أكبر مدن ليبيا والتي تقع شرقي ليبيا وتعد عاصمة منطقة الجبل الأخضر وإحتلوها ونزعوا من الأهالي الخاضعين لهم عدد 3175 بندقية وعدد 60 ألف خرطوش وفي وقتٍ سابق كان جراتسياني قد قاد عملية الهجوم على مدينة الكفرة في جنوب شرق ليبيا والتي كانت المعقل الأساسي المتبقي لحركة المقاومة مما ترك عمر المختار في معزلٍ تام وبعد سقوطها قام بالإشراف علي الفظائع التي ارتكبت فيها من قبل الجنود الطليان ضد الليبيين المسالمين وكان جراتسياني يأمر طياريه بإلقاء قنابل الغازات السامة مثل غاز الفسجين الذي هو مركب من الكربون والكلور وهو من أشد الغازات فتكا لأنه أثقل من الهواء ثلاث مرات ونصف وبالتالي يبقى في شكل سحابة غاز ملامسة للأرض كما أنه أكثر سمية من الكلور 15 مرة ويوصف بأنه قاتل للإنسان ويمكن أن يكون مميتا حتى ولو كان تركيزه أضعف من ذلك وفي واحدة من الإحصائيات عن نشاط الطيران الإيطالي ضد الليبيين في الفترة ما بين شهر يناير إلى شهر يونيو عام 1930م وقذف الليبيين بالقنابل والغازات السامة وملاحقتهم بالرشاشات أنه قام الطيران الإيطالي في تلك الفترة بعدد 3103 طلعة في مجموع ساعات طيران بلغت 2630 ساعة قطع خلالها 400 ألف كيلو متر وقذف فيها عدد 22770 أنبوبا متفجرا وعدد 47649 قنبلة حارقة ومتفجرة من بينها الكثير من الغازات السامة وكانت النتيجة الطبيعية أن مات المئات من الليبيين خنقا بهذه الغازات المحرمة عالميا .

وأمام هذا الواقع نقل عمر المختار دائرة عملياته إلى الناحية الشرقية في الدفنا شمالي منطقة الكفرة نظرا لقربها من الحدود المصريَة وذلك حتى يتمكن من إرسال المواشي التي يأتيه بها الأهالي إلى الأسواق المصرية في نظير الحصول علي حاجته من هذه الأسواق مما جعل جراتسياني يقرر إقامة الأسلاك الشائكة على طول الحدود الشرقية بين ليبيا ومصر وقد تكلفت الحكومة الإيطالية 20 مليون فرنك إيطالي حتى تمكنت من مد الأسلاك من حدود البحر المتوسط إلى ما بعد واحة الجغبوب التي تقع جنوب شرق ليبيا جنوب مدينة طبرق بحوالي 286 كيلو متر لكنها بالمقابل وكما ذكر جراتسياني في مذكراته أدت النتيجة المرجوة فحرمت الثوار من الإمدادات التي كانت تأتيهم من مصر عن طريق المهاجرين وفي شهر أكتوبر عام 1930م تمكن الطليان من الإشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثروا عقب إنتهائها على نظارات عمر المختار كما عثروا على جواده المعروف مجندلا في ميدان المعركة فثبت لهم أنه ما يزال على قيد الحياة وأصدر جراتسياني منشورًا ضمنه هذا الحادث حاول فيه أن يقضي على أسطورة المختار الذي لايقهر أبدا وقال متوعدا لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدا نأتي برأسه وفي يوم 11 سبتمبر عام 1931م توجه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء بالجبل الأخضر وكان أن شاهدتهم وحدة إستطلاع إيطالية وأبلغت حامية قرية السلنطة التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكي فحركت فصائل من الليبيين والأريتريين لمطاردتهم وإثر إشتباك في أحد الوديان جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض وتعرف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين ويقول المجاهد التواتي عبد الجليل المنفي الذي كان شاهدا على اللحظة التي أُسر فيها عمر المختار من قبل الجيش الإيطالي كنَا غرب منطقة سلنطة وهاجمنا الأعداء الخيَالة وقتل حصان سيدي عمر المختار فقدم له إبن أخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه وعندما هم بركوبه قتل أيضا وهجم الأعداء عليه وقبضوا عليه ونقلت برقية النبأ إلى كلٍ من وزير المستعمرات إميليو دي بونو وحاكم ليبيا بادوليو ونائبه جراتسياني جاء فيها تم القبض على عمر المختار في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب البيضاء وبعد أن إلتقطت الصور مع الأسير نقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة ومن هناك على ظهر طراد بحري إلى سجن بنغازي مكبلا بالقيود والسلاسل ويقول جراتسياني في مذكراته إنه خلال الرحلة إلى بنغازي تحدث بعض السياسيين مع عمر المختار ووجهوا إليه الأسئلة فكان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه وقال أيضا هذا الرجل أسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر وإشتهر عند الجنود بالقداسة والتقدير والإحترام لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية الإسلامية وأيقونتها في برقة وكذلك كان المنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن فقد وقع أسيرا بين أيدينا .

ووصل جراتسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر عام 1931م بعد 3 أيام من أسر المختار وأعلن عن إنعقاد المحكمة الخاصة له يوم 15 سبتمبر عام 1931م وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب جراتسياني في الحديث مع المختار ويذكر عن هذه الرغبة في مذكراته وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أنني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين إلتقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراويَة كانت يداه مكبلتان بالسلاسل رغم الكسور والجروح التي أُصيب بها أثناء المعركة وكان وجهه مضغوطًا لأنه كان مغطيا رأسه بالجرد ويجر نفسه بصعوبة نظرا لتعبه أثناء السفر بالبحر وبالإجمال خيل لي أنَ الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح وكان سؤالي له لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشية فأجاب من أجل ديني ووطني فسألته ما الذي كان في إعتقادك الوصول إليه فأجاب المختار لا شيء إلا طردكم من بلادنا لأنكم مغتصبون أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله فسآلته مرة أخرى نظرا بما لك من نفوذ وجاه في كم يوم يمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم فأجاب المختار لا يمكنني أن أعمل أي شيء ونحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلَنا الواحد بعد الأخر ولا نسلم أو نلقي السلاح ويضيف جراتسياني أنه عندما وقف ليتهيأ للإنصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فإرتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض المعارك والحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء ورغم هذا كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد فأنهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانتا مكبلتين بالقيود والسلاسل الحديدية وقد خرج من مكتبي كما دخل علي وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير .

وفي الساعة الخامسة مساء يوم 15 سبتمبر عام 1931م جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم وكانت محاكمة صورية شكلا وموضوعا إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وإنتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار ويبدو ذلك جليا من خلال قول جراتسياني للمختار إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك فأجابه المختار إن شاء الله وجئ بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلا بالحديد وحوله الحرس من كل جانب وأُحضر أحد المترجمين الرسميين ليتولى الترجمة للمختار وللقضاة فلما إفتتحت الجلسة وبدأ إستجواب المختار بلغ التأثر بالمترجم حدا جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الإرتباك فأمر رئيس المحكمة بإستبعاده وإحضار مترجم آخر فوقع الإختيار على أحد اليهود من بين الحاضرين في الجلسة فقام بدور المترجم وكان عمر المختار جريئا صريحا يصحح للمحكمة بعض الوقائع خصوصا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي اللذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك وبعد إستجواب المختار ومناقشته وقف المدعي العام بيدندو فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثر في نفوسهم فرؤية شيخ طاعن في السن مكبل بالسلاسل صريح وشجاع عندما يتكلم كان لها وقع على الكثير من الحاضرين ولعل أبرز ما يظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن المختار وكان ضابطًا إيطاليا شابا برتبة نقيب يدعى روبرتو لونتانو حاول أن يبقي على حياة المختار فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبد نظرا لشيخوخته وكِبر سنه متحججا بأن هذا عقاب أشد قسوة من الإعدام غير أن المدعي العام تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أن الدفاع خرج عن الموضوع وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة وعندئذ وقف المحامي وقال إن هذا المتهم الذي إنتدبت للدفاع عنه إنما كان يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره إن هذا الرجل هو إبن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم وهو يعتبر كل من إحتلها عنوة عدوا له ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة حتى يخرجه منها أو يهلك دونها إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية إن العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ فهو لا يرحم وإن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب وهنا كثر الضجيج ضد المحامي ودفاعه لكنه إستمر في الكلام والدفاع عن المختار فقام النائب العام ليحتج فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة وبعد مضي فترة قصيرة من الإنتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت وعندما ترجم الحكم إلى عمر المختار لم يجزع أو يضطرب وإكتفى بالقول إنَ الحكم إلا لله لا لحكمكم المزيَف وإنا لله وإنَا إليه راجعون .

وفي صباح اليوم التالي للمحاكمة أي الأربعاء 16 سبتمبر عام 1931م إتخذت جميع التدابير اللازمة ببلدة مركز سلوق لتنفيذ الحكم بحضور ممثلين عن جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران وأحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم وأحضر المختار مكبل اليدين وفي تمام الساعة التاسعة صباحا سلَم إلى الجلاد وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على إرتفاع منخفض وهي تصدر صوت مدوي لمنع الأهالي من الإستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلاما يسمعونه لكنه لم ينبس بكلمة وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه إنه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى حبل المشنقة والبعض قال إنه تمتم بالآية القرآنية يَا أَيتها النَفس المطمئِنَة إرجِعِي إِلَى ربكِ رَاضِيةً مرضِيَةً فإدخلي في عبادى وإدخلي جنتي وبعد دقائق كان قد علق على المشنقة وفارق الحياة وكان قد سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم وبالفعل فقد ضرب العديد من الرجال ضربا مبرحا بسبب بكائهم عند إعدام عمر المختار وعلت أصوات الإحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان وصرخت إمرأة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا ووصفها الطليان بالمرأة التي كسرت جدار الصمت وحاولت إيطاليا الإستفادة من مقتل عمر المختار فعملت على إستمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إن المقاومة لا فائدة ترجى منها بعد أن سقط الرأس المدبر لكن المجاهدين أبوا وإجتمعوا وإنتخبوا الشيخ يوسف بو رحيل المسماري قائدا للجهاد الإسلامي وعلى أثر هذا التنصيب كلف الشيخ عبد الحميد العبار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الإنخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش الإيطالية والجهاد في سبيل العقيدة الإسلامية والدين ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان فلم يخف عزمهم أو يتلاشى بل إزدادوا تصميما على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي فواصلت الحكومة الإيطالية حملات التنكيل والإنتقام ضدهم حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصرية الليبية قرب الأسلاك الشائكة حيث إجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر ولم يبق إلا الشيوخ القادة الأربعة وهم الشيخ عبد الحميد العبار ويوسف بو رحيل وعصمان الشامي وحمد بو خير الله وقتل الأخير ويوسف بو رحيل وجرح عصمان الشامي وأخذ أسيرا وأما رابعهم وهو الشيخ عبد الحميد العبار فإستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر وبهذه النهاية إنكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا وإستتب الأمر لإيطاليا مؤقتا وحتى حين وعمل الإيطاليون على خلق هوية جديدة للبلاد وحاربوا الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عاما لكن إيطاليا سرعان ما إنشغلت بنشوب الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات وإضطرت إلي الإنسحاب كليا من ليبيا بتاريخ 7 أبريل عام 1943م وبعد سنوات قليلة تم إعلان إستقلال البلاد وميلاد الدولة الليبية من شرفة قصر المنار في مدينة بنغازي والذى إتخذ مقرا للحكم وذلك نتيجة لجهاد الشعب الليبي وأصبحت ليبيا بداية من يوم 24 ديسمبر عام 1951م دولة مستقلة ذات سيادة وبعد سنوات قليلة إنضمت إلي كل من الجامعة العربية والأمم المتحدة .

ومن جانب آخر فمنذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادى كانت إيطاليا تطمع في البحر الأحمر ومن ثم في إحتلال أثيوبيا وأعلنت أن مفاتيح البحر المتوسط موجودة في البحر الأحمر مما أدى إلى تطلعها إلى السيطرة على أثيوبيا مع منتصف العشرينيات من القرن العشرين الماضي على الرغم من أن الدولتين كانتا عضوين في عصبة الأمم ومن ثم فكر الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني في عام 1925م في الإعتداء على أثيوبيا إلا أنه لم يتخذ القرار النهائي في هذا الشأن حتى شهر نوفمبر عام 1932م عندما كلف وزير المستعمرات إميليو دي بونو بإعداد خطة الحملة ضدها ومن ثم جرت تعبئة جهاز الدعاية الفاشي بهدف إعادة إهتمام البلاد بالقضايا الإستعمارية إستعدادًا للتدخل العسكري في أثيوبيا وإنتهز الزعيم الإيطالي موسوليني الخلاف الفرنسي الإنجليزي حول مناطق النفوذ الذى كان محتدما بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى منذ بداية حقبة العشرينيات وتمكن من إقناع فرنسا بالموافقة على سيطرته على أثيوبيا وكذلك عدم ممانعة المانيا لمثل هذا العمل وإفتعل موسوليني في شهر أكتوبر عام 1935م حادثا حدوديا بين الصومال الذي كانت تسيطر عليه إيطاليا وبين أثيوبيا وبدلا من الإحتكام إلى عصبة الأمم جردت إيطاليا حملة عسكرية ضد الأحباش وفي يوم 3 أكتوبر عام 1935م هاجم 100 ألف جندي من الجيش الإيطالي بقيادة المارشال إميليو دي بونو أثيوبيا علي حين غرة من أريتريا وبدون إعلان الحرب سابقا وفي الوقت نفسه هاجمت قوة صغيرة بقيادة الجنرال رودولفو جراتسياني الذى كان قد تم نقله من ليبيا إلي أريتريا للمشاركة في غزو أثيوبيا من الصومال الإيطالي في يوم 6 أكتوبر عام 1935م غُزيت أدوا وهو مكان رمزي للجيش الإيطالي وفي يوم 15 أكتوبر عام 1935م إستولت القوات الإيطالية على مدينة أكسوم الأثيوبية التاريخية التي تقع شرق إقليم تغراى التاريخي بأثيوبيا والتي أقام المسلمون المهاجرون الفارون من مشركي قريش بالقرب منها في بداية الدعوة الإسلامية بتوجيه من النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وقامت القوات الإيطالية بإنتزاع المسلة التي تزين المدينة من موقعها وأرسلت إلى العاصمة الإيطالية روما لتوضع بشكل رمزي أمام مبنى وزارة المستعمرات الذي أنشأه النظام الفاشي وبعد أن ضاق ذرعًا من تقدم دي بونو البطئ والحذر وضع موسوليني الجنرال بييترو بادوليو والذى كان أيضا يشغل منصب الحاكم العام في ليبيا مكانه وهاجمت القوات الأثيوبية الجيش الغازي الذي وصل حديثًا وشنت هجوما مضادا في شهر ديسمبر عام 1935م لكن جيشهم المسلح تسليحا بدائيا لم يكن بوسعه مقاومة الأسلحة المتقدمة والحديثة للإيطاليين طويلا حتى خدمة الاتصالات والرسائل للقوات الأثيوبية كانت تعتمد على السعاة المشاة حيث لم يكن لديهم أجهزة راديو أو لاسلكي وكان هذا كافيا بالنسبة للإيطاليين لفرض التمويه والخداع على الفصائل الاثيوبية يمنعهم تماما من معرفة تحركات جيشهم . وعلى الرغم من التحالف مع إيطاليا فقد أرسلت المانيا النازية أسلحة وذخائر إلى أثيوبيا لأنها كانت محبطة بسبب الإعتراضات الإيطالية على سياستها تجاه النمسا مما أدى إلى إطالة أمد الحرب وتحويل الإنتباه الإيطالي عن النمسا وقد نجح الهجوم الأثيوبي المضاد في إيقاف التقدم الإيطالي لبضعة أسابيع لكن نظرا لتفوق الغزاة في نوعية الأسلحة خاصة المدفعية الثقيلة والطيران فقد عجز الأثيوبيون عن الإستفادة من نجاحاتهم الأولية وكنوع من الإنتقام من الغزاة إرتكبت القوات الأثيوبية العديد من جرائم الحرب بما في ذلك إستخدام رصاص دوم دوم المحرم دوليا في إنتهاك صريح لإتفاقيات لاهاي كما بدأت في تشويه العسكريين الأسرى غالبا بالإخصاء منذ الأسابيع الأولى لإندلاع الحرب وردا على ذلك إستخدم بادوليو وجراتسياني غاز الخردل السام في القصف الجوي في إنتهاك صريح لإتفاقيات جنيف ولم يكن هذا الغاز يستخدم ضد المقاتلين وحسب بل ضد المدنيين كذلك في محاولة لكسر مقاومة وعزيمة الشعب الأثيوبي وبالإضافة إلى ذلك نم رصد هجمات إيطالية متعمدة على سيارات الإسعاف ومستشفيات الصليب الأحمر الدولي وبعد توقف قصير إستأنف الإيطاليون الهجوم في أوائل شهر مارس عام 1936م وفي يوم 29 مارس عام 1936م قصف جراتسياني مدينة هرر بشرق أثيوبيا وبعد يومين حقق الإيطاليون إنتصارا كبيرا في معركة مايتشو الأمر الذي أحبط أي مقاومة منظمة محتملة للأثيوبيين وأُجبر الإمبراطور الأثيوبي هيلا سيلاسي على الفرار إلى المنفى يوم 2 مايو عام 1936م ووصلت قوات بادوليو العاصمة أديس أبابا في يوم 5 مايو عام 1936م وضمت إيطاليا أراضي أثيوبيا رسميا في يوم 7 مايو عام 1936م وأعلن الملك الإيطالي فيكتور عمانويل الثالث إمبراطورا علي أثيوبيا وجرى توحيد مقاطعات أريتريا وصوماليلاند وهو إقليم أرض الصومال الإيطالية وأثيوبيا لتشكيل مقاطعة أطلق عليها مقاطعة شرق أفريقيا الإيطالية وفي يوم 19 فبراير عام 1937م نجا جراتسياني من محاولة لإغتياله أثناء حفل عشاء وكان إنتقامه رهيبا حيث قاد موجة من القمع الدموي ردا علي هذه المحاولة وصب جام غضبه على سكان العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وقتل الآلاف منهم وأحرق الكنائس وأعدم عددا من القساوسة ليصبح معروفا بإسم جزار أثيوبيا ومع قيام الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر عام 1939م تم تكليف جراتسياني بقيادة الجيش العاشر الإيطالي المرابط في ليبيا فعاد إلي ليبيا مرة أخرى ثم بعد شهور قليلة أصبح القائد العام لليبيا المحتلة بعد وفاة بادوليو في حادث تحطم طائرة في يوم 28 يونيو عام 1940م وبعد أن أعلنت إيطاليا الحرب علي بريطانيا في يوم 10 يونيو عام 1940م ورغم شكوكه حول قدرة الجيش الإيطالي على مواجهة القوات البريطانية المتواجدة في مصر حينذاك أمر موسوليني جراتسيانى بإجتياح مصر من حدودها الغربية مع ليبيا وكانت إيطاليا تسعى من خلال غزوها لمصر إلى حماية الحدود الشرقية للمستعمرات الإيطالية في ليبيا من أى هجوم بريطانى محتمل ومحاولة الوصول لقناة السويس لإغلاق طريق المواصلات البحرى لبريطانيا مع مستعمراتها في الهند وأستراليا وجنوب أفريقيا وإستخدام مصر كقاعدة لغزو السودان المحتلة من بريطانيا للوصول للمستعمرات الإيطالية في أثيوبيا حتى يصبح البحر الأحمر بحيرة إيطالية خالصة وفي البداية تبادلت القوات البريطانية المتواجدة في مصر والقوات الإيطالية المتواجدة في ليبيا الغارات على بعضهما البعض إلا أن الأمر قد تطور بعد ذلك تطورا خطيرا .

وفي يوم 8 أغسطس عام 1940م أمر موسوليني الجيش الإيطالي العاشر المتواجد في برقة بليبيا الإيطالية بالتقدم إلى الأراضي المصرية وتدمير أي قوات بريطانية تعترضه ومع ذلك لم يبدأ الهجوم الإيطالي إلا في يوم 9 سبتمبر عام 1940م حيث تقدمت القوات الإيطالية على الطريق الساحلي بإتجاه السلوم داخل الحدود المصرية الليبية وفي المقابل أمر الجنرال الإنجليزى أرشيبالد ويفل طلائع قواته بإعاقة تقدم الإيطاليين إلا أنهم نجحوا في التقدم حوالي 110 كيلو متر داخل الحدود المصرية ووصلوا إلي بلدة ماكتيلا التي تقع شرق سيدي براني بمسافة حوالي 16 كيلو متر وبذلك تمكنوا من إحتلال السلوم وسيدي براني وتوقفوا في يوم 16 سبتمبر عام 1940م وقاموا ببناء مخيماتهم وتحصينها ولم يتقدم قائد القوات الإيطالية جراتسياني بعد ذلك رغم ضغوط موسوليني عليه وإنشغل ببناء المعسكرات لجنوده وأرسل إليه موسوليني رسالة في يوم 26 أكتوبر عام 1940م يقول له فيها بعد 40 يوماً من إحتلال سيدي براني أسأل نفسي سؤالا من المستفيد من هذا التوقف نحن أم العدو لن أتردد في الإجابة بأنه مفيد للعدو أكثر منا ورد جراتسياني بأنه قد حدد الفترة ما بين يوم 15 إلي يوم 18 ديسمبر عام 1940م موعدا لهجوم جديد وبالطبع لم ينتظر البريطانيون هجوم جراتسياني ولم يسلموا بما حققه الإيطاليون من إنتصارات حيث قامت القوات البريطانية برد عسكري على الغزو الإيطالي للأراضي المصرية وقامت بتنفيذ عملية سميت عملية البوصلة والتي بدأت في الساعات الأولى من صباح يوم 9 ديسمبر عام 1940م بحركة إلتفاف وتطويق كبيرة في الصحراء وقد نجح هذا الهجوم نجاحا تاما وساعد في نجاحه التوزيع السئ للمعسكرات الإيطالية وكان من بين قتلى الهجوم الأول الجنرال الإيطالي ماليتي وفي يوم 11 ديسمبر عام 1940م أصدر جراتسياني أمرا بالتراجع للحدود المصرية الليبية وفي اليوم التالي كان البريطانيون قد وصلوا للحدود وقد أسروا حتى ذلك التاريخ عدد 38 ألف أسير إيطالي ًوواصلت القوات البريطانية تقدمها حتي تمكنت من طرد القوات الإيطالية من برقة ووصلت إلى منطقة خليج سرت ونظرا لتعرض القوات الإيطالية لهذه الهزائم في ليبيا إضطر موسوليني أن يستنجد بحليفه الزعيم النازى أدولف هتلر ليساعده في يوم 13 سبتمبر عام 1940م .

وفي يوم 16 ديسمبر عام 1940م إحتل البريطانيون سيدي عمر على الحدود المصرية الليبية وفي ذلك الوقت كانت منطقة البردية في شرق ليبيا قرب الحدود المصرية الليبية والتي يبلغ محيطها العسكري حوالي 29 كيلو متر تحرسها حامية من 40 ألف جندي تحت قيادة الجنرال بيرجونتسولي والذى لم يكن قادرا على حمايتها طويلا إذ كان لديه مخزون من الماء الصالح للشرب لا يكفيه سوى شهر واحد وفي يوم 3 يناير عام 1941م هاجم البريطانيون البردية وإستمر القتال في محيطها يومين آخرين وكان مصير جنود الحامية الأسر وأما طبرق وهي تقع غرب البردية وتبعد عن الحدود المصرية الليبية حوالي 150 كيلو متر فقد كان محيطها أكبر حيث كان يبلغ 48 كيلو متر إلا أن عدد جنود حاميتها كان أقل إذ بلغ 25 ألف جندي وكان مصيرها الطبيعي أن يحتلها البريطانيون في يوم 22 يناير عام 1941م أما الجنود فكان مصيرهم أيضاً الأسر كما خسر الإيطاليون سفينة حربية إسمها سان جورجو كانت قد شاركت في غزو طرابلس عام 1911م وقد شكل هذا السلوك الإنهزامي للإيطاليين إغراءًا للبريطانيين لكي يتقدموا أكثر لكن هذه المرة كان عليهم أن يتوغلوا في أراضي برقة الواسعة وتشكل الصحراء مساحة كبيرة منها وهي مجهولة بالنسبة لهم لكنهم قبلوا المخاطرة وتقدمت قوة أسترالية بإتجاه درنة وإحتلوا مطارها في يوم 24 يناير عام 1941م وفي يوم 29 يناير عام 1941م أبلغهم بعض السكان المحليين أن الإيطاليين قاموا بإخلاء المدينة فقاموا بإحتلالها في اليوم التالي ثم توغلوا في الجبل الأخضر وإحتلوا القبة بالجبل الأخضر في يوم 31 يناير عام 1941م وفي نفس الوقت كانت قوة بريطانية تتوغل في الصحراء بإتجاه المخيلي شرقي بنغازى وتم إحتلالها في يوم 27 يناير عام 1941م ثم إحتلت خولان بالجبل الأخضر أيضا في يوم 28 يناير عام 1941م وفي يوم 2 فبراير عام 1941م غادر جراتسياني برقة تاركا مهمة قيادة القوات الإيطالية إلى الجنرال تيلليرا طالبا منه سحب كل القوات الإيطالية منها وقد كشفت هذه المعارك مدى تفاهة وجبن جراتسياني وعدم صلاحيته وإنعدام كفاءته القتالية كقائد ميداني حين تسبب في إلحاق هزيمة مذلة بإيطاليا في أول معركة له مع الإنجليز على الحدود الليبية المصرية وعدم إستثماره النجاح الذى حققه في البداية عندما إحتل السلوم وسيدى براني مما أتاح الفرصة للبريطانيين لإعادة حشد قواتهم والهجوم علي قواته وطردها إلي ما وراء الحدود المصرية الليبية ثم توالت هزائمه حينما توغل البريطانيون في الأراضي الليبية ومن ثم تمت تنحيته عن قيادة الجيش العاشر الإيطالي .

وبسبب ما ألحقه بسمعة إيطاليا من عار قررت لجنة تحقيق إيطالية عليا إحالته إلى محكمة الحرب لكن موسوليني منع محاكمته ولذلك فقد ظل جراتسياني وفيا لموسوليني الذى عينه فيما بعد وزيرا للدفاع لكن بعد غياب موسوليني بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وإنهيار الحكم الفاشي قبض عليه الطليان وحاكموه وأذلوه ووضعوا القيود الحديدية في يديه كما فعل مع عمر المختار ولقي من الإهانة والأذى ما يجل عنه الوصف وكان أصدق وصف لهذا الدموي ما قاله عنه الملحق العسكري الألماني في روما وهو إينو فون رنتيلين حيث كتب لحكومته يقول إن جراتسياني أقام شهرته في ليبيا وأثيوبيا في معارك مع مقاومة شعبية ضعيفة التسليح لكنها غنية في شجاعتها لكن هذا الدعي حين وضع في مواجهة جيش نظامي مسلح بأحدث الأسلحة إنكشفت قدراته الحربية الحقيقية فإذا به يتحول من أسطورة إلى أضحوكة وإختفى معه عن المسرح مقتولين أو مأسورين رفقاؤه أمثال ماليتي وبيرجا نزولي وجالينا وبيتاسي مانيلا وتراكيا الذين وصلوا مثله إلى أعلى الرتب بسهولة في ميادين إستعمارية ضد المدنيين الأبرياء العزل من السلاح وفي نهاية الحرب قضى جراتسياني بضعة أيام في سجن سان فيتورى في مدينة ميلانو بإيطاليا ثم أعيد إلى أفريقيا وبقى هناك حتى شهر فبراير عام 1946م في سجون الحلفاء في محاولة لحمايته من الإغتيال وبعد إعادته إلى السجن في إيطاليا حكمت عليه محكمة عسكرية في يوم 2 مايو عام 1950م بالسجن لمدة 19 عاما عقابا له على التعاون مع النازيين لكنه أطلق سراحه بعد أن قضى بضعة أشهر في السجن في شهر أغسطس عام 1950م ومات في أحد المستشفيات في روما نتيجة إصابته بأزمة قلبية حادة في يوم 11 يناير عام 1955م عن عمر يناهز 73 عاما ومما يذكر أنه بينما كان في السجن كتب كتابا شرح فيه معللا خيبته وما جرى له في حروب إيطاليا بعنوان دافعت عن أرض الوطن كما قام بتأليف عدة مؤلفات أخرى منها برقة الهادئة ونحو فزان وليبيا المفداة .
 
 
الصور :