الجمعة, 19 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

ملامح من حياة وانتصارات القائد الملهم "هوراشيو نيلسون"
-ج1-

ملامح من حياة وانتصارات القائد الملهم -هوراشيو نيلسون-
-ج1-
عدد : 03-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى

هوراشيو نيلسون الفيكونت الأول في عائلة نيلسون ودوق برونتي الأول الحائز على وسام باث هو ضابط العلم البريطاني في البحرية الملكية والذى إشتهر كواحد من أعظم القادة البحريين في بريطانيا حيث كان له باع طويل في الحروب ومن ثم إكتسب سمعة متميزة بإعتباره رجل تكتيكي وقائد ميداني يتحلى بقدر كبير من الثقة بالنفس والشجاعة والإقدام في قيادته الملهمة وفهمه للإستراتيجيات والتكتيكات غير التقليدية والتي أسفرت عن عدد من الإنتصارات البحرية البريطانية الحاسمة ولا سيما أثناء الحروب النابليونية وقد وصفه البعض بأنه كان شخصية معقدة وأنه كان معروفا عنه أنه شديد الإنضباط ولكنه لم يكن سلطوي أو متسلط وكان محط إعجاب الجنود والضباط والقادة والزعماء وقد أصيب في معركة وفقد البصر في عين واحدة في معركة أخرى وهي معركة جزيرة كورسيكا الفرنسية عندما كان عمره 36 عاما ثم فقد معظم ذراعه في محاولة فاشلة لغزو سانتا كروز دي تينيريفي بجزر الكنارى الأسبانية وعندما كان عمره 40 عاما ثم قتل عند إنتصاره في آخر معاركه معركة الطرف الأغر بجنوب غرب أسبانيا بعد إصابته أثناء قيادته لهذه المعركة في عام 1805م .

ولد نيلسون في يوم 29 سبتمبر عام 1758م في عائلة ميسورة بشكل معتدل في قرية صغيرة تسمي برنهام ثورب بمقاطعة نورفك المطلة علي بحر الشمال شرقي إنجلترا وكان الطفل السادس بين 11 طفل أخر وإنضم إلى البحرية متأثرا بعمه موريس سكلينج وهو ضابط بحري رفيع المستوى كمتدرب يعمل في أدنى الرتب البحرية وفي عام 1771م وكان عمره 13 سنة نقل نيلسون للعمل على متن سفينة ويست إنديامين ماري آن التابعة لشركة الملاحة التجارية هيبرت بوريير وهورتون من أجل إكتساب الخبرة في البحر وأبحر من إنجلترا في يوم 25 يوليو عام 1771م إلى جزيرتي جامايكا وتوباجو اللتان تقعان بالبحر الكاريبي ثم عاد إلى ميناء بليموث بجنوب غرب إنجلترا في يوم 7 يوليو عام 1772م ثم عبر المحيط الأطلسي مرتين قبل أن يعود للعمل لدى عمه كقائد لمركب سكلينج الطويل الذي كان ينقل الرجال والبرقيات من الشاطئ وإليه وعلم نيلسون بعد ذلك بأمر بعثة إستكشافية مخططة تحت قيادة قسطنطين فيبس تهدف إلى مسح الممر الشمالي الشرقي وهو ممر شحن بحري من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادى على طول ساحل القطب الشمالي الروسي من بحر بارنتس بمحاذاة سيبيريا إلى الشرق الأقصى ويمكن الإبحار من خلاله في مياه القطب الشمالي الخالية من الجليد مدة شهرين فقط في السنة وكان ذلك بهدف تجربة أن يتم الوصول من خلاله إلى الهند ورتب سكلينج لإنضمام نيلسون بناءا على رغبته إلى هذه البعثة كمسؤول مع القائد لوتويدج ووصلت البعثة حتى بعد عشر درجات من القطب الشمالي ولكنها لم تكن قادرة على العثور على طريق عبر الطوف الجليدي الكثيف فإضطرت إلى العودة نحو الخلف ومما يذكر في هذا الصدد أنه بعد حوالي 28 عام من هذه الرحلة وبحلول عام 1800م بدأ لوتويدج في نشر قصة مفادها أنه بينما كانت السفينة محاصرة في الجليد رأى نيلسون دبا قطبيا ولاحقه قبل أن يطلب منه العودة إلى السفينة وفي عام 1809م وبعد وفاة نيلسون أضاف لوتويدج إلي هذه القصة تفصيلات أخرى عن قيام نيلسون ورفيق له من طاقم السفينة بمطاردة الدب وعندما سئل نيلسون عن السبب أجابَ كنت أتمنى ياسيدي أن أحصل على الجلد لوالدي .

وفي شهر سبتمبر عام 1773م عاد نيلسون لفترة وجيزة إلى بريطانيا ورتب عمه سكلينج لنقله إلى فرقاطة إتش إم إس سيهورس وهي واحدة من سفينتين كانتا على وشك الإبحار إلى جزر الهند الشرقية وهي الجزر الموجودة في شرق قارة آسيا خاصة الأرخبيل الملاوي كما يشمل هذا المسمي أراضي جنوب وجنوب شرق آسيا وهي الإتحاد الهندي الحالي وباكستان وبنجلاديش وماينمار وسريلانكا وجزر المالديف وأيضا تايلاند وكامبوديا ولاوس وبروناى وسنغافورة والفلبين وتيمور الشرقية وماليزيا وإندونسيا والتي كانت مستعمرة هولندية في هذه المنطقة وكانت تعرف بالهند الهولندية الشرقية قبل الإستقلال الإندونيسي وبالفعل أبحر نيلسون إلى جزر الهند الشرقية يوم 19 نوفمبر عام 1773م ووصل إلى الموقع البريطاني في ميناء ميدراس جنوبي الهند في يوم 25 مايو عام 1774م وقضى نيلسون وفرقاطته سيهورس مع التجار المرافقين للفرقاطة بقية العام في رحلة بحرية قبالة الساحل وكان الأسطول البريطاني حينذاك يعمل لدعم شركة الهند الشرقية وهي الشركة التي كانت قد تشكلت لمزاولة التجارة مع جزر الهند الشرقية ولكن إنتهى بها الأمر بالمتاجرة مع شبه القارة الهندية والصين وكانت هي الشركة الأقدم بين العديد من شركات الهند الشرقية الأوروبية ذوات الأسماء المشابهة وقد حصلت الشركة على تفويض ملكي إنجليزي تحت إسم حاكم وشركة تجار لندن المتاجرين في جزر الهند الشرقية وبعد أن تحدت شركة إنجليزية منافسة إحتكار هذه الشركة في هذه المنطقة في نهاية القرن السابع عشر الميلادى إندمجت الشركتان في عام 1708م ليشكلا الشركة المتحدة لتجار إنجلترا المتاجرين في جزر الهند الشرقية والتي إشتهرت بإسم شركة الهند الشرقية المحترمة وكانت هذه الشركة في ذلك الوقت قد تدخلت في صراع الخلافة الخاص بإمبراطورية ماراثا التي كانت تسيطر علي الجزء الأكبر من شبه القارة الهندية مما أدى إلى الحرب الأنجلو ماراثاية الأولى والتي خرجت إمبراطورية ماراثا منها منتصرة وبسبب هذه الحرب تعرضت مصالح شركة الهند الشرقية وسفنها التجارية لأخطار جسيمة إستدعت أن يقوم الأسطول البريطاني بدعمها وحمايتها وحراستها وقد ظلت هذه الإمبراطورية هي القوة البارزة والمسيطرة في الهند حتى هزيمتها في الحرب الأنجلو ماراثاية الثانية عام 1805م والثالثة عام 1818م مما أدى إلي سيطرة شركة الهند الشرقية على معظم أنحاء شبه القارة الهندية .

وفي أوائل عام 1775م أرسلت الفرقاطة سيهورس لنقل شحنة من أموال الشركة إلى ميناء مومباي التي تقع علي المحيط الهندى علي الساحل الغربي للهند وتعد كبرى المدن الهندية وهاجم عضوان من كتائب حيدر علي الذى كان الحاكم الفعلي لمملكة ميسور جنوبي الهند الفرقاطة في يوم 19 فبراير من نفس العام مما أدى إلى إبحارها بعيدا بعد تبادل قصير لإطلاق النار وكانت هذه هي تجربة نيلسون الحربية الأولى وبعد هذا الحادث قضى نيلسون بقية العام مرافقا للقوافل التجارية التابعة لشركة الهند الشرقية وواصل خلالها أيضا تطوير مهاراته في الملاحة والتعامل مع السفن وفي أوائل عام 1776م أصيب بالملاريا فتم تسريحه من السيهورس في يوم 14 مارس عام 1776م وعاد إلى إنجلترا في رحلة إستغرقت ستة أشهر وتعافى بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى بريطانيا في شهر سبتمبر عام 1776م وكان عمه سكلينج الذي يرعاه قد إرتقي إلى منصب مراقب البحرية في عام 1775م وإستخدم نفوذه لمساعدته في نيل المزيد من الترقيات فتم تعيينه ملازما على متن السفينة إتش إم إس ووستر والتي كانت على وشك الإبحار إلى مستعمرة جبل طارق والتي كانت تابعة للتاج البريطاني وتقع في أقصى جنوب شبه جزيرة إيبيريا على منطقة صخرية متوغلة في مياه البحر الأبيض المتوسط وتسمى محليا بجبرلتار وهو تحريف لإسم جبل طارق وهو إسم أمير مدينة طنجة المغربية في القرن الأول الهجري طارق بن زياد وقد ظلت مستعمرة بريطانية حتى عام 1981م عندما قررت بريطانيا إقامة مناطق حكم ذاتي فيما بقي من مستعمراتها السابقة ومن ثم أضحت منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني وفي عام 1778م واصل التقدم وإكتسب شهرة خلال خدمته بسبب شجاعته الشخصية وفهمه القوي للتكتيكات رغم معاناته من دوار البحر طوال حياته وإرتحل إلي جزر الهند الغربية والتي تضم ثلاث مجموعات تقع قرب المنطقة الجنوبية من فلوريدا وحتى الشاطئ الشمالي لفنزويلا وهي البهاما في الجهة الشمالية والأنتيل الكبرى بالقرب من المنطقة الوسطى وتضم كوبا وجامايكا وهسبانيولا وبورتريكو والأنتيل الصغرى في الجهة الجنوبية الشرقية وتتكون من مجموعة جزر ليوارد وجزر وندوارد وجزر فنزويلا الشاطئية حيث شارك في إدارة المصالح التجارية لبريطانيا في هذه المنطقة خلال فترة حرب الإستقلال الأميريكية التي إستمرت من عام 1777م وحتي عام 1785م وفي أثناء خدمته في هذه المنطقة تزوج في عام 1787م من فرانسيس نيسبيت في جزيرة نيفيس في البحر الكاريبي ومما يذكر أنه بعد عدة سنوات في ميناء نابولي بإيطاليا إلتقى بالسيدة إيما هاميلتون وأحبها ولكنه لم يترك زوجته وإستمر الزواج قائما بينهما وفي نفس الوقت إستمرت علاقته بالسيدة إيما وإعتبر أنها رفيقته الروحية وبعد فترة من إنتهاء حرب الإستقلال الأميريكية وإستقرار الأوضاع في القارة الأميريكية الشمالية كانت هنالك تخفيضات في عدد رجال البحرية البريطانية ومن ثم تم تسريحه من الخدمة ووجد نفسه خارج العمل .

وعاد نيلسون إلى انجلترا مع زوجته فرانسيس نيسبيت ولكن في فترة الحروب النابليونية أو الثورية الفرنسية والتي بدأت في عام 1792م تم إعادته إلي الخدمة وأصبح مشاركا رئيسيا في المعارك في البحر الأبيض المتوسط حيث حارب في عدة معارك بحرية تمكنت البحرية البريطانية من تحقيق إنتصارات متتالية خلالها وبذلك إستطاعت السيطرة على معظم تحركات الأسطول الفرنسي في البحر المتوسط بحيث بقيت قطعه حبيسة في موانيها كما تمكنت من تدمير قطع عديدة منه وذلك أثناء فترة إحتلالها القصيرة لميناء طولون الفرنسي في عام 1793م كما كان لنيلسون دور مهم في معركة الأول من يونيو المجيد عام 1794م حيث تحقق النصر للبريطانيين في معركتهم مع الأسطول الفرنسي على بعد 400 متر قبالة الساحل الفرنسي كما لعب أيضا دورا هاما في الإستيلاء على جزيرة كورسيكا والتي كانت تحت الحكم الفرنسي وبعد إندلاع الثورة الفرنسية عام 1789م وسقوط النظام الملكي بدأت الآمال بإستقلال كورسيكا تعود من جديد ولا سيما بعد عودة المناضل الكورسيكي باسكالي باولي من منفاه في بريطانيا إلي الجزيرة في عام 1794م والذي كان قد كتب أول دستور للجزيرة ودعا القوات البريطانية لغزوها وتحريرها من الحكم الفرنسي وقد تم ذلك بالفعل بالتعاون بين القوات البحرية والقوات البرية البريطانية وتم تأسيس مملكة أنجلو كورسيكية بالجزيرة إستمرت حتي عام 1796م حينما تدخلت أسبانيا لصالح فرنسا في الحرب على الجزيرة فإضطرت القوات البريطانية للإنسحاب وعاد الفرنسيون مجددا إلى كورسيكا .

ومما يذكر أنه خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادى وبعد إنتهاء الحروب النابليونية في عام 1815م تأرجحت تبعية الجزيرة بين فرنسا وبريطانيا إلي أن إستقرت في النهاية تبعيتها لفرنسا وفي عام 1797م برز نيلسون كقائد ميداني متميز أثناء توليه منصب قائد الفرقاطة الملكية إتش إم إس كابتن وذلك خلال معركة كيب سانت فنسنت التي إندلعت في يوم 14 فبراير عام 1797م بين الأسطول البريطاني بقيادة الأميرال جون جريفس والأسطول الأسباني بقيادة الأميرال خوسيه دى كوردوبا وإستطاعت خلالها القوات البحرية البريطانية ذات الكفاءة الأعلى عالية التدريب والخبرة والإنضباط وكان معها 15 سفينة فقط أن تحقق إنتصارا كبيرا علي القوات البحرية الأسبانية قليلة الخبرة والتي كان معها 27 سفينة وكانت الخسائر لدى الجانب الأسباني جسيمة جدا سواء في القطع البحرية أو في أعداد القتلى والجرحي ولم يخسر البريطانيون سوى عدد 73 قتيلا وعدد 277 جريحا وعلي الرغم من أن البريطانيين قد حققوا النصر في هذه المعركة إلا أنهم لم ينجحوا في توجيه ضربة قوية وقاصمة ضد البحرية الأسبانية ولذا فقد أبحر من جديد الأميرال جون جرفيس إلى لشبونة العاصمة البرتغالية حاليا بعد المعركة حيث أُحبط من إفلات العديد من الغنائم القيمة بما فيها السفينة الشهيرة سانتيسيما ترينيداد ولذا فقد صدرت أوامر جديدة من قيادة القوات البحرية البريطانية تطالبه بإخضاع ميناء قادس الذى يقع جنوب غرب أسبانيا ومحاصرته حيث إلتجأ إليه معظم الأسطول الأسباني المهزوم .

وحاصرت سفن جرفيس ميناء قادس لكن مقاومةً أسبانيةً غير متوقعة صدتها حيث نظم الأسبان بقيادة نائب الأميرال مازاريدو أسطولًا صغيرا من الزوارق الحربية الصغيرة التي كانت في السابق يخوتا وبالإستفادة من المياه الضحلة للميناء ناورت هذه السفن في الظلام وهاجمت سفن جرفيس الثقيلة على خط المعركة ووجهت ضرباتها على مناطقهم الضعيفة دون رادع وأطلقت المدفعيات الساحلية النار عليها وإنضمت إليها السفن الحربية الأسبانية الراسية في الميناء فأجبرت المهاجمين على التراجع ونتيجة لذلك فقد البريطانيون سيطرتهم على الحصار وتمكنت عدة قوافل تجارية من الدخول إلى الميناء والخروج منه وفي هذا التوقيت الحرج ساد جو من التمرد بين القوات البريطانية إذ طالت فترة بقائهم في البحر دون أي نتائج إلا أنه تم إحتواء هذه الأزمة سريعا وفي شهر أبريل عام 1797م حول جرفيس أنظاره إلى جزر الكنارى عند سماعه أن قوافل الكنوز الأسبانية القادمة من أمريكا تصل بإنتظام إلى تلك الجزيرة فقام بإرسال فرقاطتين إستطلاعيتين فاجأتا سفينتين فرنسية وأسبانية في غارة ليلية وأمسكتا بهما ونتيجة هذا النجاح أرسل جرفيس سربا صغيرا من السفن بقيادة اللواء بحري هوراشيو نيلسون الذي كان قد حصل حديثا على ترقية نتيجة الأداء المتميز من جانبه في المعارك السابقة بهدف الإستيلاء على ميناء سانتا كروز بهجوم برمائي وفي يوم 14 يوليو عام 1797م أبحر نيلسون إلى جزر الكناري على متن السفينة إتش إم إس ثيسيوس وهو يقود أسطولا صغيرا يضم سربا من السفن والفرقاطات حيث كان يضم السفينة إتش إم إس كلودين والسفينة إتش إم إس زيلوس وكانت جميع السفن تحمل عدد 74 بندقية وكان يصاحب السفن عدد من الفرقاطات وهي إتش إم إس سيشور وكانت تحمل عدد 38 بندقية وإتش إم إس إميرالد وكانت تحمل عدد 36 بندقية وإتش إم إس تيربسيكوري وكانت تحمل 32 بندقية وذلك بالإضافة إلى القارب المسلح المستأجَر فوكس وقارب مدافع هاون كما كان من المخطط أن تنضم الفرقاطة إتش إم إس ليندر وكانت تحمل 50 بندقية إلى هذا الأسطول الصغير بمجرد بدء الهجوم وبذلك كان مع الحملة حوالي عدد 400 بندقية وعدد 4 آلاف رجل تقريبا والذين وصلوا إلى محيط ميناء سانتا كروز دي تينيريفي بجزر الكنارى في يوم 17 يوليو عام 1797م وفيها كان القائد الأسباني الجنرال أنطونيو جوتيريز الذي سبق وأن هزم البريطانيين مرتين في معارك سابقة قد سارع إلي إعداد دفاعات جيدة بالميناء بعد غارة شهر أبريل عام 1897م حيث أعيد بناء الحصون وتوسعت الأعمال الميدانية والمدفعيات من خلال مضاعفة عدد مواقعها إلى عدد 91 موقع وتكديس أكياس التراب والرمال حولها كما جمع الجنرال جوتيريز قوة وصلت إلى 1700 رجل من جنود الميناء وأنصارها والصيادين المحليين والميليشيات والمدفعية والبحارة من السفينة المسلحة الفرنسية موتين والتي كان قد أسرها البريطانيون في شهر مايو عام 1897م بينما كان معظم أفراد طاقمها على الشاطئ .

وقد تضمنت خطة نيلسون الإرساء قرب الشاطئ مع إقتراب الفرقاطات منه خلسة ثم تنزل منها القوات بهدف السيطرة على المدفعيات الأسبانية شمال شرق الميناء وكان من المخطط أيضا آنذاك أن يتم إطلاق مدافع الهاون على المدينة وعقب ذلك التمهيد تدخل سفن نيلسون الموجودة على مقربة من الشاطئ الميناء عند الفجر وتستولي على السفن التجارية الأسبانية بما فيها من شحنات وأرسل نيلسون مذكرة إلى السلطات الأسبانية يطالب فيها بتسليم جميع الشحنات الأسبانية ومهددا بتدمير الميناء والمدينة وفي يوم 20 يوليو عام 1797م تم وضع اللمسات الأخيرة على الخطط وتقرر أن يحدث الهجوم على مرحلتين بحيث تتضمن المرحلة الأولى إنزال ألف من البحارة وجنود البحرية على الشاطئ على بعد نحو ميلين شمال ميناء سانتا كروز حيث ستحاصر القوات حصن باسو ألتو وتستولي عليه وإذا لم تستسلم المدينة عند هذه المرحلة تزحف عندئذ الفرقة التي نزلت إلى الميناء وتشن الهجوم النهائي وكان على متن كل سفينة على خط المعركة 200 رجل وعلى كل فرقاطة 100 رجل يدعمها 80 من رجال المدفعية وفي مساء اليوم التالي بدأ تنفيذ الخطة حيث أخذت القوارب البريطانية التي تحمل الجنود طريقها إلي رصيف الميناء وكانوا في مجموعتين إحداهما تتألف من 23 قاربا تتجه نحو جرف يسمي جرف بوفاديرو والأخرى من 26 قاربا قادمة إلى المدينة مباشرةً ولم يكن هناك إحتمال لحدوث قصف بحري لأن السفن لم تتمكن من الإقتراب وعلى الرغم من أن الفرقاطات إستطاعت الإقتراب إلا أنه لم يكن من الممكن رفع المدافع البحرية للفرقاطات بالقدر الكافي حتى تصل طلقاتها إلى المدينة ولم يكن لدى البريطانيين سوى مدافع الهاون والتي لا يمكنها أن تسبب سوى أضرارٍ طفيفة وبدأت المدافع الأسبانية بإطلاق النار بشدة على القوارب مما أدى إلى تدمير بعضها كما كانت التيارات قوية للغاية ومن ثم قرر البريطانيون العودة مرة أخرى إلى السفن وفي محاولة ثانية سحبت القوارب فرقاطات بالقرب من بوفاديرو حيث كانت ترسو وعلي الرغم من إطلاق النار عليها من قلعة باسو ألتو والتيارات المعاكسة ونقص عدد الذين يحملون المدفعية هبط ألف جندي بريطاني على الشاطئ مع بعض المعدات وعند منتصف الليل لم تستطع بعض القوارب الوصول إلى الشاطئ وإنتهى بها المطاف متناثرة في البحر ولم يتمكن أي ضابط بريطاني من معرفة موقعها ولذلك فقد باء الهجوم البريطاني بالفشل وفي يوم 25 يوليو عام 1797م إنسحبت بقايا الفرقة البريطانية بعد الاتفاق علي هدنة بين الطرفين بعد أن فقد البريطانيون عدة مئات من الرجال وفي هذه المعركة أُصيب نيلسون في ذراعه الذي بتر جزئيا نتيجة لهذه الإصابة وظل يعتبر ما حدث في هذه المعركة وصمة عار تذكره دائما بفشله في تحقيق النصر فيها حتى وفاته.


وإضطر نيلسون بعد هذه المعركة إلى العودة إلى إنجلترا للتعافي وفي العام التالي حقق نصرا حاسما على الفرنسيين في معركة أبو قير البحرية والتي تسمي أحيانا معركة النيل حيث كان خليج أبو قير شاهدا على تحطم أسطول نابليون بونابرت به على يد الأسطول الإنجليزي في المعركة البحرية التي وقعت في يوم 2 أغسطس عام 1798م بين القوات البحرية الإنجليزية بقيادة الأميرال هوراشيو نيلسون والأسطول الفرنسي بقيادة الأميرال فرانسوا بول برويس على شواطئ خليج أبو قير المصري وإنتهت بهزيمة الفرنسيين والتي إعتبرت نتائجها ثورة في التكتيك البحري حيث أضاع الفرنسيون الوقت فضاعت فرصة النصر منهم وتتلخص حكاية هذه المعركة في أنه فور عودة الجنرال الشاب نابليون بونابرت من إيطاليا في الأسابيع الأولى من عام 1798م بعد إحرازه إنتصارات عسكرية باهرة قام بدراسة أوضاع القوى العسكرية الفرنسية المكلفة بغزو الجزر البريطانية وتحضيرها لهذه الحملة ولكن سرعان ما أدرك صعوبة بل إستحالة تنفيذ المهمة لأسباب عديدة أهمها ضعف القوات البحرية الفرنسية مقارنة مع البحرية الإنجليزية التي باتت تؤمن السيطرة البحرية علي سواحل بريطانيا وتشكل سدا منيعا أمام أي قوة تحاول غزو البلاد أضف إلى ذلك الضعف الموجود والواضح في التجهيزات اللازمة للقوة الفرنسية لتنفيذ الغزو وعدم توافر الأموال الكافية والبرد القارس والأمراض المتفشية بين عناصر قواته والتي تشكل عقبة كبيرة في سبيل تحقيق الهدف المنشود ولذلك تقدم الجنرال نابليون بونابرت في يوم 28 فبراير عام 1798م إلى مجلس قيادة الثورة الفرنسية عارضا وموضحا هذا الوضع والصعوبات التي تعترضه وتحول دون تمكينه من تنفيذ المهمة الموكلة إليه بغزو الجزر البريطانية وقرر طرح خطة عمل بديلة لإحتلال مصر وهكذا تحول هدف غزو الجزر البريطانية إلى تحضير لغزو مصر وبينما كان الأسطول الفرنسي ينهي كافة التحضيرات المتعلقة بالحملة ويستعد للإبحار نحو مصر كانت بريطانيا تعيش أجواء خوف ورعب على كافة الأصعدة المدنية والحكومية والعسكرية وبحسب الصحافة البريطانية في حينه سادت الأوساط الشعبية والحكومية وأوساط قيادة البحرية البريطانية ووزارة الدفاع أجواء من القلق والخوف الكبيرين فور عودة الجنرال بونابرت من إيطاليا منتصرا فالخطوة اللاحقة له كانت كما هو متوقع غزو الجزر البريطانية ولذلك سارعت الحكومة البريطانية إلى طلب تبرعات مالية فورية من الممولين البريطانيين والشركات القادرة على المساعدة في تغطية النفقات الحربية الطارئة في مجال الدفاع عن بريطانيا ضد الغزو الفرنسي المرتقب وفي هذا المجال قدم الملك جورج الثالث ثلث ثروته كدعم للإمكانيات الدفاعية كما شجعت الحكومة البريطانية إنشاء الميليشيات الشعبية في المدن والمناطق الساحلية لمساندة الجيش النظامي في الدفاع عن بريطانيا .

ومن جانب آخر إتخذ قائد القوى البحرية الإنجليزية في حينه الأدميرال سبنسر تدابير إستثنائية في مجال الأسطول الحربي للتصدي لأي محاولة بحرية فرنسية لتنفيذ أى عملية إنزال على الجزر البريطانية ومن أجل تحقيق هذا الهدف كلف قائد الأسطول البريطاني في البحر المتوسط الأميرال جون جرفيس بإرسال عدة مراكب حربية بقيادة أفضل ضابط بحري من مساعديه وأن يكلفه بمهمة التواجد مقابل مرفأ طولون الفرنسي لمراقبة تحرك الأسطول الفرنسي والإستعدادات الجارية هناك عن كثب وبصورة مباشرة والإفادة تباعا عن هذه الإستعدادات والتحركات وإتخاذ كافة الإجراءات البحرية اللازمة لمنع المراكب الفرنسية من الإبحار والتوجه إلى أسبانيا لفك الحصار عن المراكب الحربية الأسبانية في ميناء قادس أو الإلتحاق في ميناء برست الذى يقع في أقصي غرب فرنسا ويطل علي بحر المانش وخليج الباسك بباقي الأسطول الفرنسي الموجود هناك وقد إختار الأميرال جرفيس لهذه المهمة الأميرال نيلسون وأرسله بسرعة على رأس قوة بحرية مؤلفة من ثلاث مدمرات وفرقاطتين وهذا دفع بالسلطات البريطانية إلى إعلان التعبئة العامة ومباشرة الإستعداد للدفاع عن الجزر البريطانية ضد الغزو الفرنسي المرتقب الذى بدأت تظهر بوادره في التحرك العسكري الفرنسي المكثف الجاري علنا في مرفأ طولون الفرنسي بعد عودة الجنرال بونابرت من إيطاليا وتحقيقه الإنتصارات الساحقة على جيوش الإمارات الإيطالية وقد تعمدت وزارة الحرب الفرنسية تسريب هذه التحضيرات إلى الصحافة الفرنسية حتى بعد إتخاذ قرارها الضمني بتعديل الهدف الرئيسي للحملة لإحتلال مصر وذلك بهدف تضليل السلطات العسكرية البريطانية وتأمين عنصر المفاجأة للحملة العسكرية الفرنسية علي مصر وراحت الأوساط القريبة من نابليون تسرب شائعات مغلوطة عن عزمه إحتلال صقلية وإحتمال تنفيذ غزو للبرتغال وحتى السيطرة على منطقة جبل طارق التابعة للتاج البريطاني بإعتبارها نقطة إستراتيجية بحرية هامة وحدث أن بدأ التحرك الفرنسي نحو مصر وحيث أن خليج أبو قير يمتد على مسافة 18 ميلا بحريا أى حوالي 33.3 كيلو متر من جزيرة أبو قير أو جزيرة نيلسون كما سميت بعد ذلك وحتى رشيد في الإتجاه الجنوبي الشرقي فقد إنتشرت فيه المراكب الفرنسية مقابل الشاطئ وفقا لترتيب الرتل من دون أخذ إحتياطات قتالية على إعتبار أن هذا التوقف مؤقت وكان الأميرال نيلسون يراقب تحركات الفرنسيين وفور وصوله إلى خليج أبو قير قرر نيلسون مباشرة الإستعداد لمهاجمة الأسطول الفرنسي المتوقف على طرفي الخليج مستفيدا من الرياح المواتية أما الجانب الفرنسي وبعد عقد إجتماع حرب عاجل أصر الأميرال برويس على مواجهة الأسطول البريطاني من قبل المراكب الفرنسية وهي متوقفة على طرفي الخليج خلافاً لرأي معاونيه الذين إقترحوا رفع الأشرعة ومواجهة الأسطول البريطاني في البحر كما أن القائد الفرنسي إستبعد حدوث المواجهة البحرية فورا نظرا لقرب حلول الظلام وصعوبة خوض معركة ليلية من قبل السفن الشراعية البريطانية وإعتبر أن ذلك سيسمح له بالإستعداد ورفع مستوى تجهيزاته وإستعداداته وبالإضافة إلى ذلك كان هناك شعور لدى القادة الفرنسيين بتفوقهم على الأسطول البريطاني بفضل البوارج المرافقة للأسطول الفرنسي والتي لإحداها 120 مدفعا إلى جانب ثلاث أخريات لكل منها 80 مدفعا وفي مقابل 17 مركبا فرنسيا كان لدى نيلسون 15 مركبا جميعها من الحجم المتوسط ومسلحة تسليحا متوسطا قدره نحو 46 مدفعا لكل منها .

وكان الأميرال الفرنسي يخشى مهاجمة أسطوله من المؤخرة أي من جهة الجنوب لذلك عمد إلى تركيز مراكبه القوية في الوسط لتأمين مساندة المؤخرة عند الضرورة وبذلك تم إهمال مقدمة الأسطول كما كانت إستعدادات المراكب الفرنسية من الطواقم البحرية لم تكن تتعدى 50% نظرا لإرسال باقي العناصر للتزود بالمؤن وكانت قد نفذت في معظمها أعمال طلاء لأقسامها الخشبية وبالتالي كانت عرضة للإشتعال والإلتهاب السريع كون الطلاء لم يكتمل جفافه بصورة تامة وبعدما تحقق نيلسون من نقاط الضعف الموجودة في الجانب الفرنسي وكان أهمها وجود مسافات كبيرة بين وحدات الأسطول الفرنسي إلي جانب بعدها عن مساندة المدفعية الساحلية المتواجدة علي شاطئ الخليج فقرر ضرورة مهاجمة مقدمة الأسطول الفرنسي علي الفور وبدون تأخير ومن الجهتين وبدأ المواجهة البحرية الساعة 18.30 وقت الغروب تقريبا فقامت ثمانية مراكب بريطانية بإحاطة خمسة مراكب فرنسية وإمطارها بالقذائف من الجهتين في آن واحد وعلى مسافات قريبة جدا يمكن معها إستعمال المسدسات الصغيرة إن لزم الأمر وقد راهن نيلسون على خبرة قادة مراكبه العالية في مجال المناورة وتنفيذ أوامره بحذافيرها وبالرغم من مفاجأة الفرنسيين بالهجوم الليلي غير المتوقع وبالرغم من تدني مستوى تجهيزات وإستعدادات مراكبهم فقد خاضوا المعركة بكل شجاعة وتصميم ملحقين إصابات مباشرة بالمراكب البريطانية وفي حوالى الساعة 20.00 أحاطت سفينتان بريطانيتان بسفينة القيادة الفرنسية الشرق وأمطراها بوابل قذائف مباشرة أدت إلى مقتل قائد الأسطول الفرنسي برويس على الفور وإستمرت المواجهة العنيفة بين هذه السفن إلى أن أصابت إحدى القذائف البريطانية مستودع الذخيرة على سفينة القيادة الفرنسية مما أدى إلى إنفجارها بشكل مروع وتلاشي أجزائها وبالتالي مقتل معظم طاقمها البالغ عددهم نحو ألف شخص وقد دوى صوت إنفجار سفينة القيادة في المنطقة محدثا ذهولا كبيرا لدى السكان على البر وبعد تدمير سفينة القيادة الفرنسية وشل أو أسر سفن المقدمة إنتقلت السفن البريطانية مجتمعة لتركيز الهجوم على وسط المراكب الفرنسية ومؤخرتها وعند بزوغ الفجر تم إستسلام باقي السفن الفرنسية وجاءت حصيلة المعركة البحرية تدمير بارجتين ومدمرتين فرنسيتين وأسر تسعة سفن مع ثلاثة آلاف بحار كما قتل خلال المعركة 1700 بحار فرنسي من بينهم قائد الأسطول الأميرال برويس وفي الجانب الإنجليزي سجل مقتل 288 بحارا وجرح نحو ألفين وبالرغم من عدم خسارتها أي مركب إلا أن ثلثي المراكب البريطانية أصيبت خلال المواجهات إصابات مباشرة وأصبحت بحاجة إلى إجراء إصلاحات فيها وقد أصيب خلال هذه المعارك الأميرال نيلسون إصابة بالغة وعمد إلى إرسال إحدى سفن الأسطول الإنجليزى إلى نابولي لإبلاغ القيادة الإنجليزية بالنصر الذي حققه ضد البحرية الفرنسية ولكن هذا المركب تعرض للأسر من قبل قائد فرنسي تمكن من الهرب بمركبه فور بدء المعركة البحرية وتدمير مركب القيادة .

ومما لا شك فيه أن النتائج الباهرة التي حققها الأميرال نيلسون في معركة أبو قير البحرية أحدثت ثورة في مجال التكتيك البحري في حرب السفن الشراعية والتي كانت تعتمد على نظريات قديمة تعتمد على إستعمال تشكيل الرتل للسفن ومواجهة السفن المعادية بعد الإقتراب منها فقد إعتمد الأسلوب المتبع من قبل نيلسون على إتخاذ قرار المهاجمة ليلا خلافا لما كان معهودا في المعارك البحرية الشراعية في حينه مما وفر له عنصـر المفاجأة الإستراتيجية والمبادأة وذلك من شأنه تحقيق نصف النصر والنصف الآخر يتحقق بإستغلال فرصة إختلال توازن الخصم فورا بعد تلك الضربة المفاجئة الأولي وعدم إعطائه الفرصة لكي يستعيد توازنه ويعاود تنظيم صفوفه وجدير بالذكر أن أول من إبتكر هذا الأسلوب والذى يسمي بالحرب الخاطفة في الحروب ووضع أسسه كان القائد العربي الفذ عبقرى الحرب خالد بن الوليد في القرن السابع الميلادى وقد طبقه بكل كفاءة وإقتدار في جميع الحروب التي خاضها في كل من العراق والشام ولذلك تمكن بإتباعه من تحقيق إنتصارات مدوية يشهد لها التاريخ علي كل من إمبراطوريتي الفرس والروم علي الرغم من التفوق الكبير في العدة والعتاد للجيوش التي كان يواجهها وقد تعلم منه جميع القادة المشاهير الذين جاءوا بعده هذا المبدأ الهام في الحروب وعلي رأسهم هوراشيو نيلسون في معركة أبو قير البحرية وأيضا ثعلب الصحراء القائد الألماني الفذ إرفين روميل في حروب الصحراء التي خاضها ضد الجيش الثامن الإنجليزى في شمال أفريقيا خلال عام 1941م وعام 1942م خلال الحرب العالمية الثانية وحقق هو الآخر بإتباعه هذا الأسلوب إنتصارات مدوية هددت الوجود الإنجليزى في مصر حينذاك كما إعتمد نيلسون أيضا في خطته لمواجهة الأسطول الفرنسي علي تكثيف القوى المهاجمة على المراكب المعادية بحيث يتم مهاجمتها بعدد مضاعف من المراكب بما يضمن لها تحقيق قوة الصدمة والتفوق الساحق مع توزيع المراكب المهاجمة بدقة لإحاطة المراكب المعادية من الجهتين والإستفادة من المسافات المتروكة بينها مما يسهل مناورة السفن المهاجمة وفي المقابل يجمع المحللون الفرنسيون على أن الخطأ الفادح الذي إرتكبه الفرنسيون في هذه المعركة هو إضاعة الوقت فور وصول الحملة الفرنسية وعدم تأمين السفن في ميناء الإسكندرية تحت حماية المدفعية البرية الفرنسية إذا كانت الأعماق تسمح بذلك أو نقلها إلى ميناء كورفو في اليونان ويتحمل مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى الأميرال برويس كونه قائد الأسطول خصوصا أنه كان لديه نحو شهر كامل لحل هذه المشكلة إلا أنه بقي مترددا حيال تأمين سلامة سفنه خلال تلك الفترة وأيضا فإن نابليون بونابرت القائد العام للحملة الفرنسية يتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية فقد كان في هذه الأثناء منغمسا في معاركه البرية ضد المماليك ويتقدم جنوبا لإحتلال القاهرة وكان يرغب بإبقاء الأسطول على مقربة منه في حال هزيمته في هذه المعارك . وكانت المعركة التالية لهوراشيو نيلسون هجوم الأسطول البريطاني علي الدانمارك بعد ظهور إئتلاف البلطيق المعارض لبريطانيا وقد جاءت هذه المعركة نتيجة إخفاقات متعددة للدبلوماسية في النصف الأخير من القرن الثامن عشر الميلادى وفي هذه الفترة كان لبريطانيا ميزة كبرى على فرنسا هي التفوق البحري ولذا ففي خلال الحروب الثورية الفرنسية في بداية عام 1801م فتشت البحرية الملكية البريطانية السفن المحايدة التي تتاجر مع الموانئ الفرنسية وإستولت على حمولاتها إذ إعتبِرت أنها تتاجر مع فرنسا وكانت مصلحة بريطانيا ضمان تفوقها البحري وجميع المزايا التجارية التي تنتج عنه وفي هذا الوقت نظم القيصر الروسي بافل الذي كان حليفا لبريطانيا عصبة الحياد المسلح التي ضمت كلا من الدانمارك والسويد وبروسيا وروسيا لفرض التجارة الحرة مع فرنسا ونظر البريطانيون إلى العصبة على أنها تهديد خطير وتصب في مصلحة فرنسا حيث كانت العصبة معادية للحصار البحرى والسيطرة البحرية البريطانية لغالبية الموانئ الأوروبية سواء في البحر المتوسط أو بحر الشمال أو بحر البلطيق ووفقا للبريطانيين هدد وجود هذه العصبة إمدادات الأخشاب والأسواق البحرية من الدول الإسكندنافية ومن ثم جمعت الحكومة البريطانية في أوائل عام 1801م أسطولا قبالة ميناء جريت يارموث بإنجلترا بهدف حل العصبة وكان على البريطانيين التصرف قبل أن يذوب جليد بحر البلطيق وينطلق الأسطول الروسي من قواعده في ميناء كرنشتات بالخليج الفنلندى ببحر البلطيق وميناء ريفال وهي تالين بجمهورية أستونيا الآن وكان إذا إنضم الأسطول الروسي إلى الأسطولين السويدي والدانماركي ستشكل الأساطيل المدمجة قوةً هائلةً تصل إلى 123 سفينة وقاد الأسطول البريطاني الأميرال هايد باركر وكان معه في منصب النائب له الأميرال هوراشيو نيلسون وحدث أن تأخر الإبحار من جريت يارموث فأرسل نيلسون المحبط من التأخير خطابا إلى الكابتن توماس تروبريدج وهو صديق ولورد الأميرالية البحرية البريطانية المفوض مما دفع إيرل سانت فنسنت وهو اللورد الأول للأميرالية لإرسال التعليمات بسرعة التحرك ومن ثم أبحر الأسطول من ميناء جريت يارموث في يوم 12 مارس عام 1801م وكانت التعليمات التي أرسِلت إلى باركر هي الذهاب إلى كوبنهاجن وفصل الدانمارك عن العصبة من خلال تسوية سلمية أو عن طريق القتال الفعلي وليتبع هذا هجوم فوري وقوي على الروس في ريفال ثم كرنشتات .

ووصل الأسطول البريطاني إلى ميناء سكاجن بالدانمارك في يوم 19 مارس عام 1801م حيث تمت مقابلة الدبلوماسي البريطاني نيكولاس فانسيتارت الذي أخبرهم أن الدانماركيين رفضوا الإنذار النهائي وعلى الرغم من أن الأميرال أصدر تعليماته إلى باركر بإلغاء العصبة بالقوة إذا لزم الأمر لكن باركر كان شخصا حذرا وتحرك ببطء وأراد محاصرة بحر البلطيق على الرغم من خطر الجمع بين الأساطيل وتمكن نيلسون في النهاية من إقناع قائده باركر بمهاجمة الأسطول الدانماركي المتمركز قبالة كوبنهاجن وحدث أن لم يصل الدعم البحري الموعود للدانماركيين من مدينة كارلسكرونا التي تقع في جنوب السويد ربما بسبب الرياح المعاكسة كما لم يتمكن البروسيون أيضا من المساعدة إذ كان لديهم فقط الحد الأدنى من القوات البحرية ومن ثم ففي يوم 30 مارس عام 1801م إستطاعت القوات البريطانية المرور عبر مضيق أوريسند الذى ىفصل بين الدانمارك والسويد حيث أبحرت بالقرب من الساحل السويدي لتضع نفسها بعيدا عن المدافع الدانماركية ولحسن حظ البريطانيين ظلت المدفعية السويدية صامتة وكان قد سمح تأخر باركر في الإبحار للدانماركيين بإعداد مواقعهم جيدا مما صعب مهاجمة الأسطول الدانماركي وفي نفس الوقت كانت معظم السفن الدانماركية قديمة وأغلبها لم يكن مؤهلا للعمل والخدمة في البحر ولذا فقد رست على طول الشاطئ ولكن في الوقت نفسه كانت مسلحة بقوة بمدفعيات عائمة قبالة الساحل الشرقي لجزيرة أماجر أمام مدينة كوبنهاجن في قناة الملك التي تصل بين ساحة الملك في وسط مدينة كوبنهاجن وبين الميناء وكان أيضا قد تم تسليح الحصون البحرية بعدد 68 بندقيةً إلى الشمال من الحصن عند مدخل ميناء كوبنهاجن وتم خداع البريطانيين بوضع سفينتين وبارجة كبيرة ومركببن بالإضافة إلى سفينتين ثقيلتين أمامهم وغطت المدفعيات المياه بين الخط الدانماركي والشاطئ بالإضافة إلى المياه الضحلة الكبيرة والأرض الوسطى ولم يكن لدى البريطانيين أي خرائط أو طيارين موثوق بهم لذلك أمضى الكابتن توماس هاردي معظم ليلة 31 مارس عام 1801م وهو يسبر الأغوار في القناة حتى الخط الدانماركي ومع ذلك لم تتمكن السفن البريطانية من تحديد موقع الجزء الأعمق من القناة على النحو الصحيح وبقيت بعيدة بإتجاه البحر وأعطى باركر نيلسون 12 سفينة خطية ذات غاطسات ضحلة وجميع السفن الأصغر في الأسطول وبقي باركر إلى الشمال الشرقي من المعركة مع السفن الأثقل التي لم يسمح غاطسها العميق بدخول القناة بأمان وتحرك نيلسون نحو كوبنهاجن بعد أن نقل قيادته من سفينة إتش إم إس سانت جورج الكبيرة ذات 98 بندقية إلى سفينة إتش إم إس إلفنت الضحلة ذات 74 بندقية .

وفي يوم 30 مارس عام 1801م أبحر نيلسون وزميله الثاني في القيادة في القارب الشراعي لارك المستخدم لإستكشاف الدفاعات الدانماركية في كوبنهاجن وإكتشف الدفاعات قوية وقضوا المساء في مناقشة الخطة فالمدفعيات الثابتة لها ميزة كبيرة على المدفع الذي تحمله السفن بسبب الثبات الأكبر والبنادق الأكبر مما سيمكن الدانماركيين من تحصين سفنهم خلال المعركة ومن ناحية أخرى كانت السفن الدانماركية عبارة عن مجموعة متنوعة كثير منها صغير مما أعطاها الأفضلية لتكون خارج مدى تصويب قوة نيلسون بالكامل وخطط نيلسون بأن تقترب السفن البريطانية من الطرف الجنوبي الأضعف للدفاعات الدانماركية في خط مواز للدفاع الدانماركي ومع رسو السفينة الأولى إلى جانب السفينة الدانماركية تشتبك مع تلك السفينة بينما يمر الجزء المتبقي من الخط خارج الإشتباك إلى أن ترسو السفينة البريطانية التالية إلى جانب السفينة الدانماركية التالية وهكذا وفي نفس الوقت تهاجم الفرقاطة إتش إم إس ديزيريه إلى جانب مراكب صغيرة مسلحة الخط الدنماركي من الجنوب وتقوم قوة من الفرقاطات بقيادة الكابتن إدوارد ريو من السفينة إتش إم إس أمازون بمهاجمة الطرف الشمالي من الخط وتهبط القوات منها وتهاجم قلعة تري كرونر وبمجرد أن يتغلب الأسطول علي خط السفن الدانماركي تتمركز سفن قاذفات القنابل البريطانية وتقصف الدانماركيين إذا لم يقدر البريطانيون على إخضاع الدفاعات الشمالية الأقوى فسيكون تدمير السفن الجنوبية كافيا للسماح لسفن قاذفات القنابل بالإقتراب إلى داخل نطاق المدينة وإجبار الدانماركيين على المفاوضات لمنع قصف المدينة وإختار نيلسون طريقه في المياه الضحلة مع الريح الجنوبية في يوم 2 أبريل عام 1801م وتوغلت كل من السفينة إتش إم إس راسل والسفينة إتش إم إس بيلونا في الأرض الوسطى مما حد بشكل كبير من دورهما في المعركة وعموما فقد إشتبك نيلسون مع الدانماركيين في معركة مريرة إستمرت ثلاث ساعات من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة الواحدة ظهرا وعلى الرغم من أن الدانماركيين قد قاوموا بشدة كما كانوا قادرين على نقل تعزيزات من الشاطئ إلا أن المدفعية البريطانية المتفوقة قد أثرت بشكل كبير علي مقاومتهم وبدأت المدافع المتواجدة في الطرف الجنوبي من الخطوط الدانماركية الصمت وبحلول الساعة الثانية ظهرا إنتهت المقاومة الدانماركية فعليا وسعيا لإنهاء القتال أرسل نيلسون الكابتن السير فريدريك ثيسجر إلى الشاطئ مع مذكرة إلى ولي العهد الدانماركي الأمير فريدريك يدعوه إلى وقف الأعمال العدائية بين الطرفين وتوقيع هدنة وبحلول الساعة الرابعة بعد الظهر وبعد إجراء بعض المفاوضات تم الإتفاق على وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة وفي الأيام التالية للمعركة تمكن نيلسون من التفاوض على هدنة لمدة أربعة عشر أسبوعا يتم خلالها تعليق العصبة والسماح للبريطانيين بحرية الوصول إلى ميناء كوبنهاجن وبذلك أنهت معركة كوبنهاجن فعليًا عصبة الحياد المسلح وكانت خسائر البريطانيين في هذه المعركة عدد 264 قتيلاً وعدد 689 جريحا فضلا عن درجات متفاوتة من الضرر لسفنهم وبالنسبة للدانماركيين فقدر كانت الخسائر مابين 1600 إلي 1800 قتيل كما تم سحق الأسطول الدانماركي حيث فقد عدد 19 سفينة .