الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على"كليمنصو" السياسي السلاب النهاب

تعرف على-كليمنصو- السياسي السلاب النهاب
عدد : 03-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


جورج بنجامين كليمنصو رجل دولة فرنسي محنك وطبيب وصحفي ويعد من أهم شخصيات الجمهورية الفرنسية الثالثة التي حكمت فرنسا منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادى وحتى أربعينيات القرن العشرين الماضي وقد إنتخب مرتين لرئاسة الحكومة الفرنسية كرئيس للوزراء كانت المرة الأولي منهما ما بين يوم 25 أكتوبر عام 1906م ويوم 20 يوليو عام 1909م ليصبح رئيس الوزراء الثاني والسبعين لفرنسا أما المرة الثانية فكانت في الفترة الحرجة خلال المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الأولي ما بين يوم 16 نوفمبرعام 1917م وحتي يوم 20 يناير عام 1920م ليصبح رئيس الوزراء الخامس والثمانين لفرنسا وليقود فرنسا إلي الإنتصار علي جارتها المانيا التي إستسلمت في يوم 11 نوفمبر عام 1918م لتنتهي الحرب العالمية الأولي رسميا ويتم إطلاق العديد من الألقاب عليه منها أبا النصر والنمر نظرا لجرأته وإقدامه.

وبعد إنتهاء الحرب بهزيمة وإستسلام المانيا بدأ في الإعداد لمؤتمر باريس للسلام وليكون أحد أقوى المساهمين في إعداد وإقرار معاهدة فرساي التي تم توقيعها في يوم 28 يونيو عام 1919م بقصر فرساى بالضاحية التي تحمل نفس الإسم قرب العاصمة الفرنسية باريس وقد دفعته مشاعره المناهضة لالمانيا من قبل الحرب وخلالها وإصراره المتقد على هزيمة وإذلال المانيا إلى التصميم على أن تطالب معاهدة فرساي بنزع السلاح من ألمانيا وتغريمها تعويضات قاسية لصالح فرنسا وقد ولد كليمنصو في يوم 25 سبتمبر عام 1841م في مويلييرو أون باريه بالقرب من لاروش سوريون في إقلم فونديه على الساحل الغربي لفرنسا وقد أمضى طفولته إما في المزرعة الريفية لعائلته أو في مدينة نانت حيث كان يشتغل أبوه طبيبا ويبدو أن والده كان قوي الشخصية ومن ثم أثر عليه كثيرا وكان سكان المنطقة ينقسمون إلى قسمين إما ملكيون محافظون إن لم نقل رجعيين وإما جمهوريون تقدميون معادون للأكليروس المسيحي وفرنسا القديمة وكان أبوه من النوع الثاني بشكل صريح حيث كان مفعماً بفلسفة التنوير وحب الثورة الفرنسية وقادتها وبالأخص ماكسميليان روبسبيير وقد سجن أبوه عام 1851م وكان جورج الصغير حينذاك طفلا عمره 10 سنوات لأنه كان ضد إعادة النظام الملكي الإمبراطوري إلى فرنسا وإسقاط النظام الجمهوري ثم سجن مرة ثانية عام 1858م بسبب أفكاره الثورية والجمهورية العلمانية وكان عمر إبنه جورج آنذاك سبعة عشر عاماً وقد أقسم يميناً بالله أنه سينتقم لوالده وفي عام 1861م أصبح جورج كليمنصو كاتبا في جريدة صغيرة تدعى جريدة العمل وقد عبر فيها عن أفكاره بعنف وحماسة شديدة إلى درجة ان السلطات إعتقلته بحجة الحض على الحقد ضد الآخرين أي ضد الخصوم السياسيين لوالده وكان قد بدأ في دراسة الطب ولما أنهى دراسته بعدما ناقش أطروحته عام 1865م وقبل أن يفتح عيادته الخاصة ويستقر في مزاولة مهنة الطب قرر السفر إلى الولايات المتحدة الأميريكية وبما ان والده كان غنيا نسبيا فقد أعطاه المال الكافي لتحقيق حلمه بالرحيل إلي العالم الجديد هناك .

وفي الطريق إلى نيويورك مر كليمنصو بلندن حيث إلتقى بالفيلسوف الشهير جون ستيوارت ميل وتناقش معه في أمور شتى سياسية ودينية وفلسفية ثم أبحر إلى نيويورك وهناك وجد ان أمريكا لا تزال تضمد جراحها بعد الحرب الشهيرة بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية بشأن نظام الرق أو الإستعباد وقرر أن يزور بنفسه الولايات الجنوبية لكي يرى الأمور بنفسه وراعه الوضع المأساوي للسود هناك وكان من المعلوم أن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة إبراهام لينكولن كان قد إغتيل للتو في يوم 15 أبريل عام 1865م بسبب دفاعه عنهم وخلافه الحاد مع العنصريين البيض ساكني الولايات الشمالية وسوف يظل جورج كليمنصو طيلة حياته كلها معجبا بهذا القائد الأميريكي الفذ الذي وقف ضد شعبه من أجل تحرير السود ثم دفع روحه ثمناً لذلك حيث كانت أغلبية البيض تحتقر السود آنذاك وبعد عودته من رحلته بالولايات الجنوبية إلي نيويورك عمل مراسلا لجريدة الزمن الفرنسية وكان يوقع مقالاته تحت عنوان رسائل من الولايات المتحدة الأميريكية وفي نفس الوقت راح يعطي دروسا في اللغة الفرنسية لطالبات إحدى المدارس الثانوية الأميريكية وهناك وقع في حب فتاة أميريكية تدعى ماري بلومير وإتفقا على الزواج ولكنه إشترط عليها الزواج المدني وعدم المرور بالكنيسة والكهنة فجن جنون عائلتها المتدينة ورفضوا بشكل قاطع هذا الشرط ورفض هو أيضاً أي مباركة لرجال الدين لزواجه وهكذا عاد إلى فرنسا مخلفاً حبيبته وراءه ولكن عائلتها سرعان ما تراجعت عن موقفها بعد أن رأت مدى حزن إبنتها فراسلوه وطلبوا منه الرجوع إلي الولايات المتحدة للزواج منها وبالفعل عاد وتزوجها في البلدية أمام العمدة رافضاً المرور بالكنيسة أو الوقوف أمام أي كاهن كائناً من كان وهكذا أثبت جورج كليمنصو أنه علماني قح ويريد تصفية حساباته مع الكهنة والأصوليين المسيحيين وإصطحبها معه في عام 1869م عائدا إلي فرنسا ومارس مهنة الطب لفترة قصيرة كان خلالها طبيب الفقراء في بعض أحياء العاصمة الفرنسية باريس حيث كان يداويهم دون مقابل وفي العام التالي 1870م شارك بحماس مع الحشد الجماهيري الثائر في ساحة الباستيل الذي تطور إلى ثورة مسلحة أسفرت عن سقوط النظام الملكي الإمبراطوري وقيام الجمهورية الثالثة بعد هزيمة فرنسا في معركة سيدان أمام الإمبراطورية البروسية ومن ثم عاد النظام الجمهوري إلى الساحة من جديد وعندئذ عين عمدة لبلدية منطقة مونمارت في باريس وهكذا دخل معترك السياسة من أسفل السلم كما يقال وفي عام 1871م إنتخب أيضا في البرلمان المعروف حينذاك بإسم الجمعية الوطنية عندما إستولت حكومة كومونة باريس على السلطة في شهر مارس عام 1871م وهي الحكومة البلدية الثورية التي أدارت باريس لفترة قصيرة بداية من منتصف شهر مارس عام 1871م حينما قامت الثورة في باريس وتاسست بعدها الكومونة كنتيجة لخسارة الإمبراطور نابليون الثالث الحرب مع بروسيا وأسره ودخول الجيش البروسي المذل إلى باريس بعد حصارها وإعلان قيام الإتحاد الألماني من قاعة المرايا الشهيرة بقصر فرساى قرب باريس إمعانا في إذلال فرنسا وتم إنتخاب 90 ممثلا في الكومونة أو مجلس مدينة باريس ثم أعلنت حكمها على كامل فرنسا .

وفي هذه الظروف حاول كليمنصو من دون جدوى التوصل إلى حل وسط بين الزعماء الأكثر تطرفًا والحكومة الفرنسية الأكثر محافظة وأعلنت كومونة باريس إفتقار كليمنصو لأية سلطة قانونية لتولي منصب العمدة ومن ثم خاض الإنتخابات في مجلس البلدية في باريس لكنه حصل على أقل من 800 صوت ولم يشارك في الحكم وكان نزاع كومونة باريس حول السلطة مع الحكومة المنتخبة لفرنسا سبباً رئيسيا في القمع الوحشي لها من طرف القوات الفرنسية النظامية فيما سمي بعد ذلك بالأسبوع الدموي وفي النهاية سقطت هذه الحكومة بعد 72 يوم لها في الحكم في يوم 28 مايو عام 1871م إلا أنه قد أسفرت النقاشات حول سياسات وتوجهات هذه الكومونة عن تداعيات سياسية مهمة في داخل وخارج فرنسا خلال القرن العشرين الماضي حيث إعتبرت أول ثورة إشتراكية في العصر الحديث وفي هذا الوقت كان كليمنصو متواجدا في مدينة بوردو وبعد سقوط كومونة باريس إنتحب كليمنصو مرة أخرى لعضوية المجلس البلدي في باريس في يوم 23 يوليو من عام 1871م وإحتفظ بمقعده في هذا المجلس حتى عام 1876م وفي يوم 20 فبراير عام 1876م إنتحب أيضا كعضو في مجلس النواب الذى حل محل الجمعية الوطنية وفيه جلس كليمنصو في مقاعد اليسار بل وحتى أقصى اليسار وكان معظم النواب من الملكيين المحافظين وكان ينظر إليهم شزرا وفي المقابل كانوا ينظرون إليه وكأنه إرهابي متطرف وسرعان ما جعلته طاقاته وفصاحته البليغة وتميزه بالروح الخطابية المطعمة بالسخرية والظرافة التي ساعدته في أصعب المواقف حيث كان له لسان لاذع وبديهة حاضرة حتى بالنسبة للمقربين إليه زعيم الحزب الراديكالي وفي عام 1877م وبعد أزمة 16 مايو من ذات العام والتي وقعت بعد أن قام الكهنة ورجال الدين المناصرون لسلطة البابا الزمنية بحملة عنيفة شعواء ضد جول سيمون رئيس مجلس الوزراء اليساري الذي رد عليهم بحملة مضادة وذلك بعد إنتخابات الجمعية الوطنية لعام 1876م المؤيدة للجمهوريين غير أن الرئيس الفرنسي حينذاك باتريس دى مكماهون أرغم رئيس مجلس الوزراء على تقديم إستقالته يوم 16 مايو عام 1877م وإستبدل به دوق دى بروجلي كان كليمنصو من بين الأغلبية الجمهورية التي أدانت وإنتقدت بشدة وزارة دوق دي بروجلي والتي لم تمكث في الحكم إلا لفترة قصيرة حوالي 6 شهور من شهر مايو عام 1877م وحتي شهر أكتوبر من نفس العام ولتحل محلها وزارة جايتون دو روشبويه والتي مكثت في الحكم اقل من شهرين لتحل محلها وزارة جول أرمان بوفور وخلال هذه الفترة قاد كليمنصو حركة مقاومة للسياسة المناهضة للجمهورية والتي إعتبرت حادثة 16 مايو عام 1877م تجسيدا لها وفي عام 1879م كان لطلبه بتوجيه الإتهام إلى وزارة بروجلي سبباً في إبراز دوره الهام في الحياة السياسية في فرنسا والواقع أن برنامجه السياسي كان يخيف حتى أصدقاءه الإشتراكيين فقد كان يطالب بفرض ضريبة على الأغنياء من أجل توزيعها على الفقراء وفي ذات الوقت طالب كليمنصو بحل الرهبانيات المسيحية والأديرة والتي كانت تتمتع بنفوذ كبير في ذلك الوقت كما طالب بتوزيع الثروة على أفراد الشعب وكل هذه الأشياء التي أخافت وأرعبت معاصريه قد تحققت لاحقاً ولكن بعد خمسين سنة وفي عام 1880م أطلق جورج كليمنصو صحيفته لا جستس أو العدالة والتي أصبحت الأداة الرئيسية ولسان حال الراديكالية الباريسية ووجه من خلالها إنتقادات عنيفة ولاذعة لرؤساء الوزارات والوزراء لعدم كفاءتهم من وجهة نظره .

ومنذ ذلك الحين وطوال فترة رئاسة جول كريفي الرئيس الرابع لفرنسا والثالث للجمهورية الفرنسية الثالثة مابين عام 1879م وعام 1887م أصبح كليمنصو معروفًا على نطاق واسع بإعتباره ناقدا سياسيا ومدمرا للوزارات والتي تجنب تولي أي منصب داخلها وكان بقيادته لحزب أقصى اليسار في مجلس النواب معارضا نَشِطا للسياسة الإستعمارية لرئيس الوزراء جول فيري الذي عارضه على أسس أخلاقية فهذا الأخير كان يقول إن الإستعمار ضروري لإدخال الشعوب المتخلفة والهمجية في الحضارة ولذا فقد كان من أشد أنصار الحركة التوسعية الفرنسية وكان يتبني مقولة إن الأجناس أو الشعوب السامية تتمتع بواجب الوصاية والرعاية للشعوب البدائية المستعمرة وبأن الشعوب الأولى تضطلع بدور تحضير وتأهيل الشعوب الثانية والتي لم تنشأ لها ولا تصلح معها مقولة حرية مساواة أخوة وأما كليمنصو فكان معارضا ومناهضا لهذا الموقف وبعنف وعلاوة علي ذلك فقد كان يرى أن ما يفعله فيرى يعد شكل من أشكال التحول عن الهدف الأكثر أهمية وهو الإنتقام من المانيا وإسترداد إقليمي الألزاس واللورين اللذين إستولت عليهما المانيا بعد الحرب الفرنسية البروسية وفي عام 1885م ساهم إنتقاده لإدارة الحرب الصينية الفرنسية بشكل واضح في سقوط حكومة فيري في ذلك العام وكانت هذه الحرب قد إندلعت بين الإمبراطورية الصينية والجمهورية الفرنسية الثالثة ما بين شهر أغسطس عام 1884م وشهر أبريل عام 1885م في منطقة تونكين وهي منطقة تقع في شمال فيتنام وفي منطقة تايوان وعلى طول الساحل الجنوبي الصيني بقارة آسيا وكان من أسبابها أن فرنسا كان لديها آنذاك إهتمام بالمنطقة التي تشكل حاليًا فيتنام ولأن الفرنسيين نجحوا في تحقيق أهدافهم فيمكن إعتبار أن النصر كان حليفهم ومع ذلك يعتبر الصينيون أن الحرب قد إنتهت دون منتصر حقيقي وفي أحيان أخرى يعدونها أحد إنتصاراتهم والسبب في ذلك أنهم إستطاعوا تحقيق بعض الإنتصارات في معاركهم مع القوات الفرنسية في ميدان القتال كما قيموا أداءهم القتالي بأنه قد تقدم وتحسن كثيرا بالمقارنة بما خاضوه من حروب سابقة وخلال الإنتخابات التشريعية التي أجريت في نفس العام دعا إلى برنامج راديكالي قوي ورفض تشكيل وزارة لتحل محل وزارة جول فيرى التي أطيح بها وأيد إبقاء رئيس الوزراء شارل دي فريسينيه التي تولت السلطة في شهر يناير عام 1886م بالإضافة إلى أنه كان مسؤولًا عن إدخال جورج إرنست بوولنجر في حكومة فريسينيه في منصب وزير الحرب وعندما كشف الجنرال بوولنجر نفسه كشخص طموح سحب كليمنصو دعمه وأصبح معارضًا قويا لحركة بولانجست غير المنتظمة على الرغم من أن الصحافة الراديكالية إستمرت في مناصرة الجنرال بولانجست ومن خلال كشفه لفضيحة ويلسون الخاصة ببيع الأوسمة الفرنسية ومن خلال حديثه الشخصي ساهم كليمنصو إلى حد كبير في إستقالة جول كريفي من رئاسة فرنسا في عام 1887م وقد رفض طلب كريفي في تشكيل مجلس وزراء بعد سقوط مجلس وزراء موريس روفييه بإسداء النصح لأتباعه بالتصويت ضد شارل فلوكيه وجول فيري وشارل دو فريسينيه وكان مسؤولًا في المقام الأول عن إنتخاب منافس ضعيف وهو ماري فرانسوا سعدي كارنو بمنصب رئيس الجمهورية ليصبح الرئيس الخامس لفرنسا والرئيس الرابع للجمهورية الفرنسية الثالثة .

وكنتيجة لمساهمة كليمنصو في إسقاط وزارات عدة متعاقبة إلي جانب مواقفه الحادة في العديد من المواقف فإنه إكتسب عداوة كثيرين من خصومه السياسيين الذين إستغلوا تورطه غير المباشر بفضيحة قناة بنما المالية إذ أدت علاقات كليمنصو مع رجل الأعمال والسياسي كورنيليوس هيرز إلى إثارة الشكوك من حوله وتم توجيه تهمة الفساد المالي له من جانب السياسي القومي بول ديروليه وكان هذا المشروع يستهدف الربط بين المحيطين الأطلسي والهادى تحت قيادة المهندس فرديناند ديليسبس الذي قام قبل ذلك بتنفيذ مشروع قناة السويس التي تربط البحرين المتوسط والأحمر وقامت فرنسا حينذاك بتمويل مشروع قناة بنما حيث قامت بدفع 287 مليون دولار لتنفيذ هذا المشروع كما أنها خسرت أكثر من 22 ألف شخص كانوا يعملون في بناء القناة نتيجة إنتشار الأمراض الوبائية بينهم مثل الملاريا والحمى الصفراء وأيضا بسبب الإنهيارات الصخرية وقد تسبب هذا العدد الضخم من الوفيات في قلة تواجد القوي العاملة ذات الخبرة مما سبب الكثير من المشاكل في إستمرار العمل وكذلك عانى الفرنسيون أثناء بناء القناة من فساد الإدارة المالية والفساد السياسي مما أدى إلي قيام الشركة المكلفة ببناء القناة بإعلان إفلاسها في يوم 15 مايو عام 1889م وتلا ذلك خروج فضيحة سميت بفضيحة بنما وحوكم بسببها العديد من المسؤولين الذين إتهموا بإختلاس الأموال المخصصة لبناء القناة وكان على رأسهم فرديناند ديليسبس وتم الحكم عليهم بالسجن خمسة سنوات وتم نقض هذه الأحكام فيما بعد وكان أيضا ممن تم إتهامهم في هذه الفضيحة جورج كليمنصو والمهندس الشهير جوستاف إيفل مؤسس برج إيفل ولكن ثبتت براءتهم وفي عام 1894م قامت شركة فرنسية أخرى بتولي تنفيذ مشروع بناء القناة إلا أنها فشلت أيضا وفيما بعد تم تنفيذ هذه القناة بواسطة شركة أميريكية وتم إفتتاحها عام 1914م وعلاوة علي ذلك فقد نقصت شعبية كليمنصو نتيجة معارضته للتحالف الفرنسي الروسي وهو حلف عسكري بين الجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية الروسية إستمر من عام 1892م وحتي عام 1917م وكان له أثره في إنهاء العزلة الدبلوماسية لفرنسا وفي تقويض سيادة الإمبراطورية الألمانية في أوروبا فبعد أن كان المستشار الألماني المحنك أوتو فون بسمارك يحاول جعل روسيا مع المانيا حتى يمنع حدوث قتال في الجبهتين الفرنسية والروسية إذا هاجمت فرنسا الأراضي الألمانية فتسرع روسيا إلي نجدتها لكن حينما توج فيليم الثاني قيصرًا لالمانيا إضطر بسمارك للتقاعد وتم إهمال نظام التحالفات الذي عمل لأجله حيث لم يجدد القيصر معاهدة إعادة التأمين مع روسيا في عام 1890م ومن ثم إنتهزت فرنسا الفرصة وعقدت التحالف مع روسيا كما تقدم في عام 1892م وبالإضافة إلي ماسبق فقد قام خصوم كليمنصو السياسيين بإستغلال علاقته الحميمة بالإنجليز فإتهموه بالعمالة لبريطانيا وعلى الرغم من ثبوت براءته من القضيتين فقد خسر مقعده النيابي في الانتخابات في عام 1893م ووجد نفسه وهو في الخمسين من العمر خارج البرلمان لأول مرة وبدون أصدقاء ومثقلاً بالديون .

ولكن النمر لم يستسلم للهزيمة وإنما راح يحضر نفسه ويتأهب للإنتقام وفي إنتظار أن يتحقق ذلك يوما ما راح يشتغل في مهنته الثانية وهي الصحافة وقام بنشر المقالات الواحدة تلو الأخرى للتعبير عن أفكاره كما أنه بدا يقترب من كبار الأدباء والفنانين في تلك الفترة كالروائي إميل زولا والرسام مونيه والنحات الشهير رودان وخلال هذه الفترة شارك في معارضة الحملات القومية المعادية لليهود وفي تدعيم إميل زولا في قضية شهيرة سميت قضية دريفوس والتي إستمرت لفترة طويلة وقام كليمنصو بنشر 665 مقالًا دافع فيهم عن دريفوس خلال هذه القضية حيث كان في خريف عام 1894م قد تم توجيه إتهام لضابط فرنسي برتبة نقيب بأركان حرب الجيش الفرنسي من أصل يهودي يدعي الفريد دريفوس وكان هذا الإتهام يتلخص في أنه قام بتسريب ملفات فرنسية سرية للمركز العسكري الألماني بباريس وتمت محاكمته وإصدار حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة كما تم تجريده علنا من رتبته العسكرية في يوم 5 يناير عام 1895م وأرسل إلى جزيرة الشيطان بإقليم جويانا الفرنسية بقارة أمريكا الجنوبية مما دفع عائلته لتنظيم حملة تدافع عنه وبدأت المعلومات تتجمع خطوة خطوة حول المخالفات الجسيمة التي شابت القضية عند نظرها في عام 1894م علاوة علي انه قد تم إكتشاف الخائن الحقيقي في شهر نوفمبر عام 1897م وهو المقدم والسن أسترهازي وخوفا من حدوث نزاع شعبي وإعادة فتح القضية والتحقيق فيها حاول الضباط الذين أصدروا الحكم على دريفوس إخفاء تلك المخالفات وتم إقصاء العقيد جورج بيكار رئيس خدمة الإعلام الحربي الذى إكتشف الخائن الحقيقي عن الجيش من قبل قيادات أركان الحرب لكي تتمكن من حماية المتهم الحقيقي وتثبيت التهمة علي دريفوس وفي نهاية عام 1897م توسعت دائرة المؤيدين لدريفوس وعلاوة علي ذلك قرر أوجست شرور كستينيه نائب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي الدفاع عن دريفوس وبالتدريج وصلت هذه الإشاعات البعيدة تماما عن القضية إلى إميل زولا الذي نشر عدة مقالات حول هذا الموضوع لكنها كانت بلا جدوى لكن الإشاعة المشار إليها سرعان ما إنتشرت وإضطرت قيادة الجيش الفرنسي إلي إصدار أمر في شهر يناير عام 1898م بضبط وإحضار الخائن الحقيقي المقدم أسترهازي ومثوله أمام المجلس الحربي وهناك تم تبرئته بإجماع الآراء مما جعل زولا يصر بقوة علي كشف الحقيقة وذلك من خلال مقال نقدي هاجم فيه هذا القرار الصادر من المجلس الحربي هجوما عنيفا حتى يتمكن من مخاطبة الرأى العام وكان هذا المقال بعنوان أنا أتهم وقام بنشره كليمنصو في يوم 13 يناير عام 1898م في الصفحة الأولى لصحيفة لورور اليومية في باريس والتي كان كليمنصو صاحبها ومحررها وإشتهر هذا المقال علي نطاق واسع بعد ذلك حيث أصبح جزء من قضية دريفوس بعد أن تحول إلي خطاب مفتوح إلى الرئيس الفرنسي حينذاك فيليكس فور .

وكان إميل زولا في تصرفه هذا يخاطر بنفسه علنا وكان يستهدف من ذلك إعادة نظر القضية من جديد أمام قضاء مستقل ونزيه ووجه إتهامات مباشرة لعشر اشخاص ممن يعدوا مسؤولين عن ظلم دريفوس من بينهم وزير الدفاع الفرنسي ورئيس أركان الحرب وأدرك زولا أنه قد وضع نفسه بذلك تحت طائلة القانون الصادر بشأن حرية الصحافة والإعلام الذى كان قد تم إصداره في يوم 29 يوليو عام 1881م وقد أدى فضح موظف بالدولة إلى عقد العديد من المؤتمرات ومن هنا تمكن زولا من إعادة فتح ملف قضية دريفوس من جديد ولكن هذه المرة تم الحكم فيها من قبل لجنة شعبية مستقلة عن السلطة العسكرية ومن هنا نستطيع القول بأن مقال انا أتهم يرجع إليه الفضل في إعادة فتح قضية دريفوس في الوقت الذي كان فيه المتهم الحقيقي أسترهازي قد تم تبرئته من كل التهم المنسوبة إليه مما حطم آمال حلفاء دريفوس وقد تمت محاكمة زولا في شهر فبراير عام 1898م بتهمة التشنيع العام وعلي الرغم من العراقيل التي وضعها رئيس المحكمة حتى يمنع إعادة فتح القضية على إعتبار أنه قد تم الفصل فيها من قبل إلا أن أكثر من مائة شاهد تقدموا للإدلاء بأقوالهم طوعا وبصراحة وقد تم الحكم على زولا بأقصى عقوبة ألا وهي النفي خارج البلاد إلى العاصمة البريطانية مدينة لندن ولكن القضية التي إستمرت أكثر من أسبوعين تمكنت من كشف عيوب وثغرات الشكوى الموجهة ضد الفريد دريفوس وبعد عدة أشهر أدت هذه الثغرات إلى إتخاذ قرار بإعادة النظر في القضية وجدير بالذكر أن مقال إميل زولا أنا أتهم يعد رمزا للفصاحة الخطابية ولمدى إستطاعة الإعلام والصحافة في الدفاع عن الإنسان والحقيقة ويثبت ويؤكد هذا ما حققه من نتائج لصالح قضية الفريد دريفوس وفي النهاية ثبت أن جميع الإتهامات التي وجهت له لا أساس لها من الصحة وفي عام 1906م تمت تبرئته وعاد إلي الخدمة في الجيش الفرنسي برتبة رائد وشارك في الحرب العالمية الأولى وخرج من الخدمة بعد ذلك برتبة مقدم وفي عام 1900م إنسحب كليمنصو من صحيفة لا جستس وذلك لعمل مراجعة أسبوعية لصحيفة لو بلوك والتي كان عملياً المساهم الوحيد بها وإستمرت الصحيفة في الصدور حتى يوم 15 مارس عام 1902م وفي يوم 6 أبريل عام 1902م وبعد أن ظل بعيدا عن الحلبة السياسية لتسع سنوات أعيد إنتخاب جورج كليمنصو مرة أخرى عضواً في مجلس الشيوخ والذى ظل عضوا به حتي عام 1920م .

وفي عام 1906 أصبح كليمنصو وزيراً للداخلية فرئيسا للوزراء في يوم 25 أكتوبر عام 1906م وإستمر يشغل هذا المنصب حتي يوم 20 يوليو عام 1909م وكانت هذه الفترة من أدق فترات التاريخ الفرنسي طبع في أثنائها سياسة فرنسا بطابعه الخاص وتحقق فيها كثير من المنجزات حيث تم فصل الكنيسة عن الدولة وقام بإصدار بعض القوانين المتصلة بالعمال وأرباب العمل وتوطدت علاقته بالولايات المتحدة وبريطانيا وكان له دور لافت في تهيئة الجمهور الفرنسي وتعبئته لخوض غمار الحرب ضد المانيا العدو اللدود لفرنسا عندما تحين الفرصة وفي شهر نوفمبر عام 1917م عينه الرئيس ريمون بوانكاريه للمرة الثانية رئيساً للوزراء ووزيرا للدفاع وكان في السادسة والسبعين من عمره فألف وزارة إئتلافية لقبت بالإتحاد المقدس وإحتفظ بمنصبيه حتى عام 1920م وكانت هذه الفترة حرجة للغاية فالحرب بين فرنسا والمانيا مشتعلة ولم يتم حسمها لصالح أحد الطرفين وقام كليمنصو بالدعوة إلي نبذ الخلافات الداخلية وإحلال السلام والتوافق بين الزعماء السياسيين في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلاد وكان يقوم بزيارات ميدانية متفرقة للجنود في خنادقهم متوكئاً على عصاه حاثا إياهم على الثبات والصبر وواصل مع حكومته الإئتلافية الحرب إلى أن خرجت فرنسا منها منتصرة بعد أن طالبت المانيا بعقد هدنة بينها وبين الحلفاء وتم توقيعها بالفعل في يوم 11 نوفمبر عام 1918م وبذلك إنتهت الحرب العالمية الأولي رسميا وشعر الفرنسيون بفرح شديد ونزلوا إلى الشارع إبتهاجا بالحدث التاريخي وهم يهتفون بإسم قائدهم جورج كليمنصو حيث إستطاع أن ينهي أكبر مجزرة في التاريخ لصالحهم على الرغم من ضراوة الهجوم الألماني الذى كان يستهدف الوصول إلي العاصمة باريس فإستحق لقب أبو النصر وذهب كليمنصو إلى البرلمان وصعد على المنصة وألقى خطابا قصيرا ختمه بهذه العبارة الشهيرة لقد كانت فرنسا الجندي المدافع عن المسيحية سابقا ولكنها الآن الجندي المدافع عن القانون وحقوق الإنسان وعلى أية حال فسوف تظل الجندي المدافع عن المثل العليا التي تحكم بها كل الشعوب في العالم وكانت هذه العبارة التي إعتبرت مضادة للدين المسيحي سببا في أن أطلق عليه أحد المتعصبين النار من مسدسه ولكن الجرح كان بسيطا ولم يجبر كليمنصو على لزوم السرير إلا أياما قليلة .

وبدأ كليمنصو بعد تعافيه علي الفور في الإعداد لعقد مؤتمر باريس للسلام والذى كان له دور مؤثر في صياغة مقرراته ومعارضاً أكثر الآراء التي قدمها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بحجة أن تلك الآراء غير كافية لضمان سلامة فرنسا تجاه المخاطر التي كانت تتوقعها من المانيا وفي واقع الأمر فإن كليمنصو إنتقم من الألمان شر إنتقام في هذا المؤتمر عندما فرض عليهم شروطاً تعجيزية إضطروا إلى قبولها بسبب هزيمتهم ووضعهم المتردي على الأصعدة والمستويات كافة وقد لامه الرئيس الأميريكي ويلسون وبعض قادة العالم الآخرين لأنه أجبر الألمان على التوقيع على معاهدة فرساى التي كانت مجحفة بالنسبة لهم وقالوا له بأن ذلك شيء خطير وقد يؤدي إلى رد فعل لاحق لا تحمد عقباه ولكنه لم يستمع إليهم حيث أن نزعة الإنتقام لديه كانت أكبر من كل شيء وقد كبلت هذه المعاهدة الألمان وأصابتهم بالمرارة واليأس حيث كان رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو رئيس المؤتمر والوفد المرافق له مصرين علي إضعاف المانيا عسكريا وإستراتيجيا وإقتصاديا وعلي أنه لا ينبغي أن يسمح لألمانيا بشتي السبل بمهاجمة فرنسا مرة أخرى على وجه الخصوص وسعي كليمنصو إلي تحقيق ضمانات أميريكية وبريطانية للأمن الفرنسي في حال حدوث هجوم الماني آخر عليها في أي وقت وفي النهاية تم توقيع معاهدة فرساى في يوم 28 يونيو عام 1919م بالشروط التي فرضها كليمنصو ولذا فقد أطلق المؤرخون عليه خبيث فرساي بسبب إصراره على الحصول لفرنسا على شتى الغنائم والمكاسب بغض النظر عن النتائج بالنسبة للدول الأخرى وقد تم تعديل هذه المعاهدة فيما بعد في يوم 10 يناير عام 1920م لتتضمن إعتراف المانيا بمسئوليتها عن الحرب ومن ثم يترتب عليها تعويض الأطراف التي تضررت من الحرب ماليا وتم تحديد قيمة هذه التعويضات بمبلغ 269 مليار مارك الماني ثم تم خفض هذا المبلغ ليصبح 132 مليار مارك ويفيد الإقتصاديون أنه بالرغم من تخفيض الرقم الكلي لتلك التعويضات إلا أنه ظل مبالغا فيه مما أثقل كاهل الإقتصاد الألماني ولم تستطع المانيا سداده حتي نهاية المدة المحددة للسداد في عام 1931م كما نصت المعاهدة علي العديد من الضوابط والقيود الشديدة والصارمة التي تم فرضها من جانب الدول المنتصرة علي الآلة العسكرية الألمانية لكي لايتمكن الألمان من إشعال حرب ثانية كالحرب العالمية الأولى حيث نصت علي إلغاء نظام التجنيد الإلزامي الذي كان معمولا به في المانيا وعلي ألا يزيد عدد أفراد الجيش الألماني عن 100 ألف فرد وعدم إنشاء قوة جوية أو إمتلاك أي أسلحة هجومية كالدبابات والمدرعات والتقيد بعدد 15 ألف جندي للبحرية بالإضافة إلى حفنة من السفن الحربية بدون غواصات حربية وعلاوة علي ذلك نصت المعاهدة علي أنه لا يحق للجنود البقاء في الجيش الألماني أكثر من 12 عام وفيما يتعلّق بالضباط فأقصى مدة يستطيعون قضاءها في الجيش هي 25 عاما وذلك لكي يصبح الجيش الألماني خاليا من الكفاءات وعلاوة علي كل ما سبق تم إسترداد فرنسا لإقليمي الألزاس واللورين اللذين كانت المانيا قد إستولت عليهما خلال الحرب البروسية الفرنسية عام 1870م .

ويعتبر المؤرخون أن هذه الشروط المجحفة بالمانيا كانت هي السبب الذى أدى فيما بعد إلي قيام الحرب العالمية الثانية بعد حوالي 20 عاما حيث تسبب ذلك كله في حالة من الإمتعاض الشديد بين أفراد الشعب الألماني ولما وصل الحزب النازى في عام 1933م بقيادة أدولف هتلر إلي السلطة في المانيا وتولي منصب المستشارية وفي العام التالي 1934م جمع بين منصب المستشارية ومنصب الرئاسة الألمانية تعرض ميزان القوى في قارة أوروبا للخطر حيث تبني هتلر سياسة خارجية إستهدفت في البداية إزالة عار هزيمة الحرب العالمية الأولي وتبعاتها عن المانيا لكي تحتل مكان الصدارة بين الأمم وتقوم بتصفية حسابها مع من أذلوها خاصة فرنسا ويتم توحيد وضم الشعوب الألمانية في دولة واحدة وكانت أهم خطواته لتحقيق هذا الهدف تحطيم معاهدة فرساي والقضاء على بنودها ثم بسط السيطرة الألمانية على أوروبا سواء بالوسائل السلمية أو الحرب لذا شرع هتلر في إعادة تسليح المانيا فأعلن في شهر مارس عام 1935م بداية إمتلاك المانيا للسلاح الجوي ثم عقد إتفاقًا بحريا مع بريطانيا في نفس العام ألغى فيه التحديد الصارم للقوات البحرية الألمانية مقابل إعترافه بتفوق القوات البحرية البريطانية وتساهلت معه بريطانيا في عدد وحمولات الغواصات التي يمكن لالمانيا إمتلاكها وبذلك إستطاع أن يفصل بريطانيا عن الحلف الذي أقامته فرنسا مع الإتحاد السوفيتي كذلك زاد عدد الجيش الألماني إلى 300 ألف مقاتل بدلا من 100 ألف ثم أعاد فرض الخدمة العسكرية الإجبارية مع العمل علي إقامة جيش دائم في السلم يقدر عدد أفراده بنصف مليون جندي والقيادات العسكرية المدربة ذات الخبرة ثم شرع هتلر في إحتلال أراضي شرق نهر الراين التي تقع قرب الحدود الألمانية الفرنسية في شهر مارس عام 1936م رغم أن صلح فرساي ينص على أن تكون منطقة محايدة منزوعة السلاح ضمانا لأمن فرنسا وعلاوة علي ذلك قام هتلر بضم النمسا إلي المانيا في شهر مارس عام 1938م ثم منحته معاهدة ميونيخ في شهر سبتمبر عام 1938م إقليم السوديت الذى يقع في غرب جمهورية تشيكوسلوفاكيا ومعظم سكانه من أصل الماني ويتحدثون باللغة الألمانية والذى كان متنازعا عليه بين المانيا وتشيكوسلوفاكيا ثم إستولى على ما تبقى من جمهورية التشيك في شهر مارس عام 1939م في حين تولى حكم سلوفاكيا نظام موال للنازيين يرأسه جوزيف تيسو وفي نفس الفترة إحتلت إيطاليا الحبشة وبذلك فسدت العلاقة بين إيطاليا والحلفاء وكانت تلك بداية تكوين تحالف المحور بين المانيا وإيطاليا وكانت هذه السياسة الهتلرية هي الفتيل الذي أدى إلى إشعال الحرب العالمية الثانية والتي إستمرت من عام 1939م وحتي عام 1945م .

وبذلك تحققت نبوءة المتشائمين بعد وقت قصير حيث تسببت الشروط التي كان يستهدف من خلالها إذلال المانيا في تكوين وتنمية الأيديولوجية العدائية التي تبناها الزعيم الألماني أدولف هتلر تجاه فرنسا عند صعوده في عام 1933م إلي سدة الحكم في المانيا الجريحة وسلمه الشعب الألماني مقاليده لكي يرد عنه الحيف والجور الذي لحق به في معاهدة فرساي والتي كان من نتائجها أيضا فيما بعد تحطيم كبرياء فرنسا حينما إقتحمتها الجيوش الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية خلال شهرى مايو ويونيو عام 1940م وتم إحتلالها لمدة 4 سنوات رزحت خلالها فرنسا تحت نير الإحتلال الألماني النازى حتي شهر يونيو عام 1944م حين تمكنت قوات الحلفاء من طرد المانيا من فرنسا مرة أخرى وفي عام 1920م خاض كليمنصو الإنتخابات الرئاسية ومع كل ما حققه لفرنسا والفرنسيين فإنه خسر في هذه الإنتخابات أمام منافسه بول دي شانيل وكان هذا شيء غريب وعجيب ة ألا يكافئه الفرنسيون علي ما حققه للبلاد عندما رفضوا إنتخابه لرئاسة الجمهورية حيث أنه مع كل ما حصل عليه من مكاسب بموجب معاهدة فرساى فقد إنتقده الفرنسيون في الجمعية الوطنية على ما حصل عليه لبلاده من حلفائه وإعتبروه شيء قليل فقال حسنا هذا أقصى ما إستطعت الحصول عليه لفرنسا وأنا جالس بين الرئيس الأميريكي وودرو ويلسون ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج السياسيين اللذين تبنيا أفكار الأربع عشرة نقطة وحق الشعوب لتقرير المصير التي إقترحها الرئيس ويلسون ولكن الرجل كان قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولم يكن المنصب الرئاسي سيضيف إليه وعموما فقد كان هذا الموقف من الفرنسسين مدعاة لإنسحابه من الحياة السياسية والإعتزال في بيت صغير يطل علي المحيط الأطلسي في مسقط رأسه بمقاطعة فونديه وإنصرف إلى القراءة والتأليف وعاش حياة هادئة نسبياً إلي أن توفى في يوم 24 نوفمبر عام 1929م عن عمر يناهز 88 عاما وختاما نذكر مقولة شهيرة تفوه بها كليمنصو أصبحت خالدة وشهيرة في الأدب السياسي العالمي وهي قوله إن الحرب شئ خطير لهذا لا يمكن تركها بيد الجنرالات وحدهم ولا يفوتنا أيضا أن نذكر أن بعض الكتاب السياسيين المعاصرين قد أطلقوا عليه لقب الثعلب العجوز والسياسي الفذ السلاب النهاب بيد أن سلبه ونهبه لم يكونا لمصلحة خاصة به بل نصبا على كسب كل شئ لبلده فرنسا .

 
 
الصور :