الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

جوردون الصين

جوردون الصين
عدد : 03-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


الجنرال تشارلز جورج جوردون والمعروف بلقب جوردون الصين وجوردون باشا وجوردون الخرطوم كان ضابطا وإداريا في الجيش البريطاني وذاع صيته من خلال حملاته العسكرية الناجحة في الصين وفي قارة أفريقيا وقد ولد جوردون في يوم 28 يناير عام 1833م في حي ووليتش بجنوب غرب العاصمة البريطانية لندن لأب عسكري هو الجنرال هنري وليم جوردون وأمه إليزابيث جوردون وتلقى علومه في مدرسة فولاندز في مدينة تاونتون سومرست بجنوب غرب إنجلترا وفي الأكاديمية الملكية العسكرية في ووليتش وبعد تخرجه منها برتبة ملازم ثان ألحق بسلاح الهندسة الملكي عام 1852م ليكمل تدريبه في أكاديمية تشاثام بمقاطعة كنت التي تقع جنوب شرق إنجلترا وترقي إلي رتبة ملازم أول عام 1854م وتلقى أول مهامه ببناء تحصينات في مدينة ميلفورد هافن بمقاطعة بيمبروكشير في جنوب غرب ويلز التابعة لبريطانيا والتي تقع غربي إنجلترا وحين بدأت حرب القرم في شبه جزيرة القرم التي تقع شمال البحر الأسود وهي الحرب التي قامت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية وبدأت في يوم 4 أكتوبر عام 1853م دخلت هذه الحرب في عام 1854م تباعا كل من مصر و تونس وبريطانيا وفرنسا ثم لحقتها مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا في عام 1861م إلى جانب الدولة العثمانية التي كان قد بدأ يصيبها الضعف وقد إستمرت هذه الحرب حتى يوم 30 مارس عام 1856م بتوقيع إتفاقية باريس وهزيمة الروس وكانت أسباب هذه الحرب الأطماع الإقليمية لروسيا على حساب الدولة العثمانية وخاصة في شبه جزيرة القرم التي كانت مسرح المعارك والمواجهات بيتهما وكان جوردون ضمن القوات البريطانية التي شاركت في هذه الحرب ووصل هناك في شهر يناير عام 1855م وكلف بالمشاركة في حصار مدينة سيفاستوبول العاصمة والذى إستمر لمدة عام من شهر سبتمبر عام 1854م وحتي شهر سبتمبر عام 1855م ووقعت خلاله عدة معارك كبرى منها معركة ألما في شهر سبتمبر عام 1854م ومعركة إنكرمان في شهر نوفمبر عام 1854م ومعركة تشيرنايا في شهر أغسطس عام 1855م ومعركة ريدان في شهر سبتمبر عام 1855م وأخيرًا معركة سيفاستوبول في شهر سبتمبر عام 1855م أيضا وقد شارك جوردون في المعارك الثلاثة الأخيرة والتي وقعت بعد وصوله إلي شبه جزيرة القرم ثم شارك في الحملة الإستكشافية إلى قلعة كينبورن الحصينة بشبه جزيرة القرم ليعود بعدها إلى سيفاستوبول في نهاية الحرب والتي بعد إنتهائها وتحقيق السلام ألحق بهيئة دولية لترسيم الحدود بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الروسية في بيسارابيا وهي المنطقة الجغرافية التي تقع في أوروبا الشرقية ويحدها من الشرق نهر الدنستير وهو يقع في أوكرانيا حاليا ومن الغرب نهر بروت الذى يعد أحد روافد نهر الدانوب ويمثل حاليا الحدود بين رومانيا ومولدوفا وكان هذا المصطلح يشير إلى ما سمته الإمبراطورية الروسية شرق مولدوفا التي إستولت عليها بعد معاهدة بوخارست بعد الحرب الروسية العثمانية ما بين عام 1806م وعام 1812م ثم في عام 1918م قبل نهاية الحرب العالمية الأولى بقليل أعلنت بيسارابيا إستقلالها عن روسيا تحت إسم الجمهورية الديموقراطية المولدافية ثم إتحدت بعد ثلاث شهور مع مملكة رومانيا وقد أكمل جوردون مهمته في مسح المنطقة معلما الحدود حتي إقليم الأناضول أو آسيا الصغرى وهو الجزء الأسيوى من تركيا حاليا ثم عاد إلى بريطانيا عام 1858م وعين كمدرب في أكاديمية تشاثام وترقي إلى رتبة نقيب في شهر أبريل عام 1859م .

وفي عام 1860م تطوع جوردون للخدمة في الصين وإنتقل إليها في شهر سبتمبر من العام المذكور ووصل إلى مدينة تيانجين والتي تقع شمالي البلاد علي بعد حوالي 129 كيلو متر من بكين وتعد من أهم مدن الصين وحضر نهاية حرب الأفيون الثانية التي إندلعت عندما تأخرت الصين في التصديق علي إتفاقية تيانجين الموقعة قبل حوالي سنتين أي في عام 1858م بينها وبين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة والتي تعطي لهم مزيدا من الإمتيازات في أراضيها من أهمها فتح خمسة موانئ جديدة للتجارة الدولية وتحديد الأفيون بصفة خاصة من بين البضائع المسموح بإستيرادها ومنحها حرية الملاحة على نهر اليانجتسي كيانج والسماح بدخول المسيحية في أرجاء الصين عن طريق البعثات التبشيرية ومن ثم إستخدمت بريطانيا وفرنسا القوة لتحقيق ذلك وإستطاعت قواتهما دخول تيانجين في ربيع عام1860م ثم تقدمت نحو بكين ودخلوها في شهر أكتوبر عام 1860م بعد وصول جوردون للصين بحوالي شهر وتوجهوا إلي القصر الصيفي للإمبراطور الذي يبعد بضعة آميال عن بكين وكان هذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوي علي آثار تاريخية هامة وقام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام وأضرموا فيه النار بعد ذلك وعن هذه الحادثة كتب الأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو عن ذلك فقال دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا أحدهما قام بالنهب والآخر قام بالحرق وأحد هذان المنتصران ملأ جيوبه والثاني ملأ صناديقه ورجعوا إلي أوروبا يدهم في يد بعض ضاحكين وإن الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك وقد إضطر إمبراطور الصين حينذاك للرضوخ لمطالب هذه الدول وقام بالتصديق علي إتفاقية تيانجين مع منح هذه الدول إمتيازات أكثر أهمها فتح المزيد من الموانئ الصينية أمام تجارتها ومنح حق الإقامة لرعاياها في بكين والتعامل المباشر مع البلاط الإمبراطوري والتنازل عن كولون وهي جزء من هونج كونج حاليا لبريطانيا كما إحتل البريطانيون شمال الصين حتى عام 1862م ومما يذكر أنه خلال الفترة من عام 1850م وحتي عام 1860م كان قد تباطأ تقدم متمردي التايبينج نحو شنغهاى بعد النجاحات التي حققوها منذ عام 1850م والسنوات التي تلتها في مقاطعات جوانجشيي وهونان وهوبِي كما كانت قد سقطت مدينة نانجينج عاصمة مقاطعة جيانجسو في شرقي الصين في أيديهم عام 1853م والتي تقع على ضفة نهر اليانجتسي الصغرى وتتميز بتاريخها العريق حيث كانت عاصمة للصين عدة مرات ولا تجاريها في الأهمية سوى مدينتي بكين وشتغهاى وهذا التمرد كان عبارة عن حرب أهلية واسعة النطاق في جنوب الصين إمتدت حوالي 14 عاما من عام 1850م حتي عام 1864م ضد حكم مملكة تشينج بقيادة الإمبراطور المانشو وكان بقيادة المهرطق المسيحي المتحول عن دينه هونج شيوكوان الذي إدعى أنه الشقيق الأصغر للمسيح عيسي عليه السلام بعد أن زعم نزول وحي السماء عليه .

وبعد عام 1860م تقدم المتمردون تدريجيا شرقا وأصبحوا في النهاية قريبين من ميناء شنغهاي بما سبب إزعاج شديد للسكان الأوروپيين ومن ثم تشكلت ميليشيا من الأوروپيين والآسيويين للدفاع عن المدينة ووضعت تحت قيادة الأميريكي فردريك تاونسند وارد وإحتلت المقاطعة التي تقع غرب شنغهاى ذات الموقع الإستراتيجي والذى تمر من خلاله نسبة كبيرة من التجارة بين الصين والدول الأخرى ولكن بعد ذلك إنسحبت هذه الميليشيات إلى شنغهاي تحت إمرة الجنرال وليم ستافلي لحماية المستعمرة الأوروبية من جيش متمردي تايبينج ووصلت القوات البريطانية هناك في توقيت هام فقد قرر ستافلي تطهير المنطقة من الثوار الذين كانوا علي مسافة 50 كيلومتر من شنغهاي بالتعاون مع وورد وقوى فرنسية صغيرة وأرفق جوردون ضمن قواتهما في وظيفة مهندس في مدن جيادنج وشينغفو وعدة مدن أخرى بعد أن تم تطهير المنطقة من الثوار في نهاية عام 1862م وقتل وارد في إحدى المواجهات مع المتمردين ولم تقبل الحكومة الصينية ببديله وطلب من ستافلي أن يعين ضابط بريطاني على الجيش فإختار جوردون الذي عين بطريقة غير رسمية في هذا المنصب في شهر ديسمبر عام 1862م ثم تمت الموافقة علي ذلك من جانب الحكومة البريطانية فيما بعد وكان الجيش الذى عين جوردون قائدا عليه يكني بالجيش الغالب دائما وذلك من باب التشجيع والتحفيز وفي شهر مارس عام 1863م وبدون أن يتمم جوردون تنظيم قوته مجددا بشكل كامل قاد جيشه مباشرة لفك حصار متشانسو وهي بلدة تتواجد علي بعد 60 كيلو متر شمال غرب شنغهاي وقد توجت هذه العملية بالنجاح وفاز جوردون بتقدير من حوله وبعد ذلك قام جوردون بتنظيم قواته وإعادة حشدها مجددا وتقدم نحو مدينة قونشان وقام بالإستيلاء عليها وبعدها قاد جوردون جيشه إلى سلسلة من الإنتصارات والإستيلاء علي عدة مناطق حيث حاصر مدينة تلو الأخرى حتى شهر نوفمبر عام 1863م حينما حوصرت بلدة سوجواو وبعد جدل مع الإمبراطور لي هونج جوان حول إعدام قادة الثورة غضب جوردون غضبا شديدا وقام بسحب قواته من سوجواو إلى قونشان وأوقف عملياته الحربية حتى شهر فبراير عام 1864م لكن فيما بعد إلتقي الرجلان معا وتصالحا ومن ثم إستأنف جوردون عملياته العسكرية الناجحة وجدد الجيش الغالب دائماً وتيرته التقدمية السريعة حيث كانت ذروة هذه الحملة في ماي مع إحتلال مدينة تشانج جواو وهي المركز العسكري الأساسي لمتمردى التايبينج بالمنطقة وبذلك حقق جوردون المهمة المطلوبة منه بنجاح ومن ثم عاد إلى قونشان وفكك جيشه وكوفئ من جانب إمبراطور الصين بمنحه رتبة تيتو وهي الرتبة الأعلى في الجيش الصيني وزين بمعطف أصفر كما منحه الجيش البريطاني رتبة مقدم وحصل أيضا على لقب جوردون الصيني .

وعاد جوردون لبريطانيا بعد ذلك وقاد جهود المهندسين الملكيين الذين كانوا يقيمون الحصون للدفاع عن نهر التايمز وبعد وفاة والده تولى أعمال إجتماعية واسعة النطاق في بلدته بما في ذلك التدريس في المدرسة المحلية المتواضعة وقام بالتبرع للبلدة بحدائق مقر إقامته الرسمي فورت هاوس والذى أصبح متحف حاليا للبلدة وفي شهر أكتوبر عام 1871م عين جوردون ممثلا لبريطانيا في اللجنة الدولية للحفاظ على الملاحة في مصب نهر الدانوب وفي عام 1872م أٌرسل جوردون لتفقد المقابر العسكرية البريطانية في القرم وعندما مر بمدينة إسطنبول عاصمة العثمانيين تعرف على نوبار باشا رئيس وزراء مصر الذي تناقش مع جوردون حول الدخول في خدمة الخديوي إسماعيل وفي عام 1873م تلقى جوردون عرضا نهائيا من الخديوي وقبله بموافقة الحكومة البريطانية وذهب إلى مصر في أوائل عام 1874م وأصبح جوردون عقيداً بالجيش المصري وكانت السلطات المصرية قد وسعت سيطرتها جنوبا منذ عهد محمد علي باشا بداية من العشرينيات من القرن التاسع عشر الميلادى ومن خلفوه بعد ذلك خاصة محمد سعيد باشا ومن بعده الخديوى إسماعيل حيث إهتموا إهتماما بالغا بالسودان بصفته يمثل العمق الإستراتيجي لمصر وكذلك إهتموا بتأمين منابع النيل حتي لاتتعرض البلاد لأزمة مائية تكون من نتائجها إلحاق ضرر بالغ علي الحياة بمصر حيث أن نهر النيل هو المصدر الرئيسي لمياه الشرب لسكانها ولمياه الرى اللازمة للزراعة ولذلك إهتموا بالحل الفورى لأى مشكلة تحدث بالسودان وفي عهد محمد علي باشا خلال الفترة مابين عام 1839م وعام 1842م تمت عدد 3 رحلات إستكشافية وعلي الرغم من أن هذه الرحلات لم تتمكن من الوصول إلى منابع النيل الإستوائية لكن كان لها أهميتها فقد أثبتت أن النيل الأبيض هو النيل الأساسي وأن هناك مجرى طويل آت من الجنوب مختلف عن النيل الأزرق الذي يلتقي بالنيل الأبيض عند العاصمة السودانية الخرطوم والذى ينبع من بحيرة تانا بأثيوبيا ومن جانب آخر كانت هناك محاولة أخرى من جانب محمد علي باشا لكشف منابع نهر النيل ومن ثم عهد إلي الضابط البحرى والجغرافي المصرى المعروف محمد سليم باشا والمعروف بإسم سليم القبطان أو قبودان بعمل رحلة إستكشافية إلي أفريقيا الإستوائية من أجل تحقيق هذا الهدف فكان هو صاحب السبق في إرسال الحملة الإستكشافية الأولي إلي منابع النيل الأبيض قبل بعثات المستكشفين الأوروبيين وكان لهذه البعثات الفضل في القضاء تماما على فكرة أن منابع النيل الأبيض تقع إلى الغرب أو أن النيل ينبع من جبل القمر تجاه الجنوب الذي ذكره العالم الجغرافي العربي القديم المعروف الشريف الإدريسي في القرن الثاني عشر الميلادى والذي لا وجود له في الواقع وقد أكمل جون بثرك جهود محمد سليم باشا القبطان ولا سيما بعد أن دخل في خدمة والي مصر محمد علي باشا ثم قام بعدة رحلات في عهد حفيده عباس باشا الأول ما بين عام 1853م وعام 1854م في غرب السودان ووصل إلى منطقة بحر الغزال ومما يذكر انه من خلال القبطان سليم وجنوده تعرفت الشعوب والقبائل التي كانت تقطن في جنوب السودان على دين الإسلام وقد إعتنقه بالفعل الكثير منهم ومن أجل تأمين منابع النيل أيضا كافح الخديوى إسماعيل تجارة الرقيق التي كانت منتشرة في هذا الإقليم بشكل كبير بكل ما أوتي من قوة وتمكن من القضاء عليها بشكل كبير مما أشاع الأمن والأمان في ربوع تلك البلاد .

وفي عام 1864م في عهد الخديوى إسماعيل قاد الضابط والرحالة وعالم التاريخ الطبيعي الألماني صمويل بيكر بتكليف من الخديوى إسماعيل حملة مصرية لإكتشاف منابع النيل أيضا وبسط نفوذ مصر على تلك الأصقاع وإنشاء مديرية جديدة لمصر هناك والتي عرفت بإسم مديرية خط الإستواء والتي رأسها مدة أربع سنوات بقرار من الخديوي إسماعيل كما كانت قد أُرسلت تجريدة إلى منطقة النيل الأبيض تحت قيادة السير صمويل بيكر والتي وصلت في شهر فبراير عام 1870م إلي الخرطوم ثم في شهر يونيو عام 1871م إلي غندكرو وهي بلدة تقع على الضفة الشرقية للنيل الأبيض في جنوب السودان وتبعد 750 كيلومتر عن الخرطوم وواجه بيكر صعوبات كبيرة في السودان وتمكن من تأسيس القليل من المراكز على إمتداد النيل ولذلك فقد طلب الخديوي إسماعيل من جوردون خلافة بيكر كحاكم للمنطقة وبعد إقامة طويلة بالقاهرة ذهب جوردون للخرطوم عن طريق ميناء سواكن الذى يقع علي شاطئ البحر الأحمر شمال شرق السودان ومن سواكن إتجه إلي برير التي تقع علي الضفة الشرقية للنيل علي بعد 341 كيلو متر شمالي الخرطوم ثم إتجه من الخرطوم عن طريق النيل الأبيض إلى غندكرو في الجنوب وظل جوردون في غندكرو حتى شهر أكتوبر عام 1876م ونجح في إقامة خط محطات طرق بداية من نقطة إلتقاء نهر السوباط مع النيل الأبيض جنوبا حتى حدود أوغندا وفي عام 1874م إقترح فتح طريق إلي ميناء ممبسا الذى يقع في كينيا حاليا ويعد ميناؤها الرئيسي المطل علي المحيط الهندى وبنى محطة في دوفيل على نهر نيل البرت الذى يخرج من بحيرة البرت التي تطل عليها أوغندا من الشرق والكونغو الديموقراطية من الغرب وذلك لإعادة تجميع البواخر لإستكشاف بحيرة البرت وفي أثناء تلك الفترة التي قضاها جوردون في جنوب السودان تم إحراز تقدم كبير في قمع تجارة العبيد ومع ذلك فقد دخل جوردون في نزاع مع الحاكم المصري للخرطوم والسودان مما دفعه لإخبار الخديوي إسماعيل بأنه لا يود الإستمرار في العمل في السودان ويريد المغادرة إلي لندن وكتب له الخديوى إسماعيل قائلا بأنه من الممكن أن يعود إلي لندن وأن يعده بالعودة وأنه يتوقع منه الوفاء بكلمته وبالفعل وعده جوردون بالعودة إلي القاهرة مرة أخرى بعد قضاء أجازة في لندن وبالفعل وفي جوردون بعهده وبعودته عرض عليه الخديوى إسماعيل تولي منصب الحاكم العام لعموم السودان فقبل جوردون هذا العرض ومنحه الخديوى رتبة شرفية ولقب باشا وكحاكم عام للسودان واجه جوردون مجموعة متنوعة من التحديات أثناء حقبة السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادى حيث تسببت المبادرات الأوروپية ضد تجارة العبيد في أزمة إقتصادية بشمال السودان وقد ساهمت هذه الأزمة في تزايد الإضطرابات في هذه المنطقة كما أصبحت العلاقات بين مصر والحبشة وهي أثيوبيا حاليا متوترة بسبب الصراع بين الخديوي إسماعيل والإمبراطور يوحنس أو يوهانس الرابع إمبراطور الحبشة والذى بدأ منذ عام 1868م وإستمر حتي عام 1876م وكانت ذروة هذا الصراع معركتان أولهما معركة جوندت القريبة من ميناء مصوع الذى يقع علي البحر الأحمر بأريتريا حاليا ما بين 14 حتي يوم 16 نوفمبر عام 1875م وإنتهت بإنتصار الأحباش بعد سقوط الجيش المصري في كمين محكم أشبه بطرفي كماشة الأمر الذي أدى إلى مذبحة للقوات المصرية لم ينج منها سوى نحو 300 جندي من أصل 3 ’لاف جندي إنسحبوا إلى مصوع وثانيهما معركة جورا التي وقعت قرب مدينة جورا التي تقع في أريتريا حاليا ما بين يوم 7 ويوم 9 مارس عام 1876م وكانت معركة فاصلة أسفرت عن إنتصار حاسم للجيش الحبشي الذي تفوق عدديا بشكل كاسح على القوات المصرية حيث كان عدد جنود الجيش الحبشي المشارك في المعركة حوالي 100 ألف جندي بينما لم يتعد عدد جنود الجيش المصري 20 ألف جندي ولذلك فقد إنتهت حملة الحبشة بكارثة عسكرية للقوات المصرية حيث سقط مئات القتلى في تلك المعركة الغير متكافئة ووقع عدد 600 في الأسر قام الأحباش بقتلهم بدم بارد .

وبعد هاتين المعركتين ظلت الأمور هادئة نسبيا بين الطرفين حتى شهر مارس عام 1877م عندما توجه جوردون إلى ميناء مصوع آملا في إقامة السلام مع الأحباش وكتب لإمبراطور الحبشة الشروط المقترحة لإقرار السلام إلا أنه لم يتلق ردا حيث كان الإمبراطور قد ذهب جنوبا لقتال بعض القبائل المتمردة ووجد جوردون صعوبة في إنتظار الأحباش فتوجه إلي الخرطوم وهناك جاءته الأخبار أنه قد إندلعت حركة تمرد وعصيان في إقليم دارفور غربي السودان فتوجه إلي هناك للتعامل معه وكان المتمردون متعددين لذا فقد رأى جوردون أن الطرق الدبلوماسية هي الأفضل وأنه سيترتب عليها إتاحة فرصة أكبر للنجاح وتهدئة الأوضاع ولم يكن معه سوى مترجم واحد ذهب لمعسكر متزعمي العصيان لمناقشة الوضع معهم وقد أثبتت هذه الحركة الجريئة والغير مألوفة من جانب جوردون نجاحا حيث إنضم إليه الكثير من المتمردين ومن ثم فقد تراجع الباقون إلى الجنوب ثم زار جوردون محافظات بربر ودنقلة شمالي السودان وعاد بعدها للحدود الحبشية قبل أن يعود للخرطوم في شهر يناير عام 1878م وتابع حتى هرر جنوب الحبشة ووجد الوضع الإدارى هناك في حالة مزرية ثم عاد إلي الخرطوم وتوجه مرة أخرى لدارفور لقمع تجار العبيد الأمر الذى تحقق بنجاح عظيم في منطقة بحر الغزال التي تقع جنوب إقليم دارفور واضعاً نهاية للثورة هناك بعدها حاول جوردون القيام بمهمة سلام أخرى مع مملكة الحبشة وإنتهى الأمر بسجنه ونقله إلى ميناء مصوع ومن ثم عاد إلي القاهرة وإستقال من منصبه بالسودان حيث كانت قد أنكهته سنوات العمل والإرتحال المتواصل في أرجاء بلاد السودان وكان في هذا التوقيت في منتصف عام 1879م قد تم خلع الخديوى إسماعيل وتولي إبنه الخديوى توفيق حكم مصر وكان جوردون قد عاد إلي لندن وفي يوم 2 مارس عام 1880م وفي طريقه من لندن إلي سويسرا زار جوردون الملك ليوپولد الثاني من بلجيكا في بروكسل والذى دعاه لتولي مسئولية دولة اورانج الحرة وهي دولة تأسست داخل دولة جنوب أفريقيا عام 1854م من قبل المستوطنين الهولنديين وإنتهت بعد ذلك عام 1902م بعد هزيمتها أمام الإستعمار الإنجليزي فلم يقبل ولم يرفض وأكمل طريقه إلي سويسرا حيث قضي فترة راحة لمدة أسبوعين في فندق دو فوكون في لوزان بسويسرا والذي إشتهر بمناظره الخلابة على بحيرة جنيڤ وبإستضافته لمشاهير العالم وفي شهر أبريل عام 1880م عرضت عليه حكومة مستعمرة الكيپ أو رأس الرجاء الصالح منصب قائد قوات الكيپ المحلية وكانت في الأصل مستعمرة بريطانية بجنوب أفريقيا وناميبيا حاليا وكانت قد سبقها تأسيس مستعمرة هولندية تحمل نفس الإسم والتي أسستها شركة الهند الشرقية الهولندية عام 1652م لتكون ميناء لتوقف سفنها وتموينها ثم خسر الهولنديون المستعمرة لصالح البريطانيين في أعقاب معركة مويزنبرج بينهم وبين البريطانيين عام 1795م لكنهم إستعادوها عام 1802م ثم عاود البريطانيون إحتلالها عام 1806م ثم تأكدت حيازة البريطانيين لها بموجب المعاهدة البريطانية الهولندية التي تم إبرامها عام 1814م وظلت ضمن أملاك الإمبراطورية البريطانية إلى أن نالت الحكم الذاتي عام 1872م وفيما بعد إتحدت مع ثلاث مستعمرات أخرى لتشكيل دولة إتحاد جنوب أفريقيا عام 1910م .

وفي شهر مايو من نفس العام طلب الماركيز ريپون الذي منح منصب الحاكم العام للهند من جوردون الذهاب معه كسكرتير خاص وقبل جوردون العرض لكن بعد فترة قصيرة من وصوله إلي الهند إستقال من منصبه وذلك عندما دعاه السير روبرت هارد المفتش العام للجمارك بالصين إلى بكين فتوجه إلي الصين في شهر يوليو عام 1880م وقبل الوصول إلي بكين نما إلي علمه أن هناك خطر من قيام حرب مع روسيا فواصل طريقه لبكين وإستخدم كل تأثيره وبذل كل ما في وسعه لتأمين السلام بين روسيا والصين ثم عاد جوردون إلى بريطانيا وإستأجر مسكن في لندن لكن في شهر أبريل عام 1881م غادر إلى موريشيوس كقائد في سلاح المهندسين الملكي وظل هناك حتي شهر مارس عام 1882م عندما رقي لرتبة ميجور جنرال وأُرسل إلى مستعمرة الكيپ للمساعدة في شئون التسوية بين البريطانيين والهولنديين في باسوتولاند وهي مستعمرة بريطانية كانت داخل جنوب أفريقيا وحاليا هي دولة ليسوتو ثم عاد لبريطانيا بعد بضعة شهور ونظرا لعدم إرتباطه بعمل في هذا الوقت قرر جوردون الذهاب إلى فلسطين المنطقة التي طالما كان يريد زيارتها وظل هناك لمدة سنة وبعد زيارته لها إقترح جوردون في كتابه إنعكاسات في فلسطين موقع مختلف للجلجثة وهو الموقع الذي يعتقد المسيحيون أن المسيح قد صلب عنده وهذا الموقع يقع شمال الموقع التقليدي عند كنيسة القيامة ويعرف الآن بقبر الحديقة وفي بعض الأحيان بجلجثة جوردون وكان إهتمام جوردون بهذا الأمر مدفوعاً بإعتقاداته الدينية حيث كان قد أصبح مسيحيا إنجيليا عام 1854م وبعد ذلك طلب الملك ليوپولد الثاني منه مرة أخرى تحمل مسئولية دولة اورانج الحرة فقبل وعاد إلى لندن للقيام بالإستعدادات لكن فور وصوله لندن طلبت منه الحكومة البريطانية الذهاب فورا إلى السودان حيث تدهور الوضع هناك بشكل سئ بعد رحيله حيث كان في ذلك الوقت قد قامت ثورة بقيادة محمد أحمد الذي أعلن نفسه المهدي المنتظر الذي يظهر في آخر الزمان ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما وكانت دوافع هذه الثورة الرد على مظالم الحكم التركي المصري للسودان وشيئا فشيئا بدأت دعوته في الإنتشار وإستجاب الكثير من السودانيين له بقوة وكان قد إتخذ جزيرة آبا في النيل الأبيض والتي تقع جنوب الخرطوم بحوالي 150 كيلو متر مقرا له منذ عام 1871م وبنى بها مسجدا وخلوة وبدأ منها دعوته في عام 1881م ووصل الأمر لأسماع الحكمدار رؤوف باشا الذى أرسل سريتين من العساكر بقيادة القومندان محمد بك أبو السعود للقبض على المهدي ورست الباخرة التي تقلهم علي شاطئ الجزيرة ليلا وإنطلق العساكر في فوضى بسبب التسابق على إعتقال المهدي طمعا في ترقية وعدها الحكمدار لأول من يقبض عليه ومن ثم تسابقوا وفي ظنهم أنهم في طريقهم لإعتقال درويش وحيد مستسلم ولم يعلموا أنه كان في إنتظارهم مع أتباع مخلصين عاهدوه على القتال حتى النهاية والذين إنقضوا على الجنود وسط الأوحال والأعشاب الطويلة على الشاطئ وتمكنوا من القضاء عليهم بسهولة إلا قليلا منهم عادوا للباخرة حاملين أخبار الهزيمة وفيما بعد إعتبرت موقعة جزيرة آبا في يوم 12 أغسطس عام 1881م بداية الثورة المهدية وكانت القوات المصرية في السودان حينذاك غير كافية لمواجهة المتمردين وكان بحلول شهر سبتمبر عام 1882م قد إزداد الموقف السوداني خطورة بعد دخول الإنجليز مصر وفي شهر ديسمبر عام 1883م أمرت الحكومة البريطانية مصر بالتخلي عن السودان لكن هذا الأمر كان صعب التنفيذ حيث كان يتضمن سحب آلاف الجنود المصريين والموظفين المدنيين وعائلاتهم .

وكانت أولي مهام جوردون في السودان تنفيذ طلب الحكومة البريطانية بالذهاب إلي الخرطوم وإعداد تقرير عن أفضل وسيلة للقيام بإجلاء الجنود والموظفين المصريين وعائلاتهم من السودان ووصل جوردون أولا إلي القاهرة وبعد أن تلقى تعليمات إضافية وهو في القاهرة بخصوص السودان من السير إيڤلين بارينج الذي كان قد عين حاكما عاما علي السودان بسلطات تنفيذية سافر إلي السودان عبر كروسكو ببلاد النوبة والتي تقع جنوب الشلال الأول بالنيل بحوالي 190 كيلو متر ثم توجه إلي بربر ووصل هناك في شهر يناير عام 1884م ثم وصل إلي الخرطوم في يوم 18 فبراير عام 1884م حيث عرض على عدوه القديم تاجر العبيد الملك سبهر رحمة إطلاق سراحه من السجن مقابل قيادة القوات ضد المهدي وبدأ جوردون بمهمة إرسال النساء والأطفال والمرضى والمصابين إلى مصر وتم إجلاء ما يقارب 2400 شخص قبل إقتراب قوات المهدي من الخرطوم وكان جوردون يأمل في أن يكون للزعيم المحلي المؤثر سبهر رحمة المعين والسند للسيطرة على السودان لكن الحكومة البريطانية رفضت دعم تاجر العبيد السابق وتقدم المتمردون نحو الخرطوم وفي نفس الوقت إندلعت ثورة في شرق السودان وتوالت هزائم القوات المصرية في ميناء سواكن وأُرسلت قوة بريطانية هناك لنجدتها تحت قيادة الجنرال السير جرالد جراهام وبعد عدة معارك عنيفة أجبرت المتمردين على الرحيل وفي شهر مارس عام 1884م وصلت قوات المهدى إلي الخرطوم وفرضت عليها الحصار حيث تم عزلها عن العالم الخارجي وإغلاق الطرق البرية والبحرية التي تربطها بالعالم الخارجي وهي الطريق الشرقي لميناء سواكن وطريق بربر المتمة شمالا والذي يربطها بمصر وطريق كسلا مصوع والذي يربط الخرطوم بالحبشة وفي شهر أبريل عام 1884م جاءت الأوامر إلي جراهام وقواته بالإنسحاب وكان معني ذلك التخلي عن جوردون والسودان ثم إستسلمت الحامية الموجودة في بربر في شهر مايو عام 1884م ونظم جوردون قواته لتدافع عن الخرطوم التي أحكمت قوات المهدي حصارها وتزايدت دعوات العامة لإرسال تجريدة إنقاذ للخرطوم من أجل فك الحصار عنها ولم يتحقق ذلك حتى شهر أغسطس عام 1884م حينما قررت الحكومة البريطانية إتخاذ خطوات لإنقاذ جوردون وفي شهر نوفمبر عام 1884م كانت قوة الإنقاذ البريطانية المسماة تجريدة النيل أو الإسم الأكثر شعبية تجريدة إنقاذ الخرطوم أو تجريدة إنقاذ جوردون وهو الإسم الذي إنتقده جوردون بشدة تحت قيادة الفيلد مارشال جارنت ولسلي جاهزة وكانت هذه القوة تتألف من مجموعتين من القوات المحمولة على ظهور الجمال قادمة من وادي حلفا في أقصي شمال السودان والتي تبعد حوالي 22 كيلو متر عن حدود مصر الجنوبية وحوالي 909 كيلو متر عن الخرطوم ووصلت القوات كورتي التي تقع شمال الخرطوم بمسافة حوالي 450 كيلو متر في نهاية شهر ديسمبر عام 1884م ثم وصلت مدينة المتمة التي تقع علي الضفة الغربية للنيل علي بعد 152 كيلو متر شمال الخرطوم في يوم20 يناير عام 1885م وعثروا هناك على زوارق مدفعية تم إرسالها شمالا من جوردون قبل أربع شهور وأعدوا أنفسهم لرحلة إلي الخرطوم عن طريق النيل .

وفي يوم 24 يناير عام 1885م تحركت باخرتان حاملة 20 جنديا مرتدين السترات الحمراء التي تظهر بوضوح أنهم بريطانيون في مهمة إستطلاعية إلى الخرطوم وكان معهم أوامر من ولسلي بعدم التورط في محاولة لإنقاذ جوردون أو إمداده بالذخيرة أو الطعام وفي يوم 28 يناير عام 1885م ولدى وصول الباخرتين إلي الخرطوم كانت المدينة قد سقطت بعد 10 شهور من الحصار المحكم حولها وأن جوردون قد قُتل قبل يومين أي في يوم 26 يناير عام 1885م تحت تأثير النيران الثقيلة من المتمردين أنصار المهدى ومن ثم عادت الباخرتان أدراجهما عبر النيل وقد إنتقدت الصحافة البريطانية قوة الإنقاذ لوصولها متأخرة يومين لكن الأخيرة زعمت أن قوات المهدي كان لديها مخابرات جيدة ولو تقدمت قوات الجمال مبكرا كان الهجوم الأخير على الخرطوم سيحدث مبكرا أيضا وفي النهاية لم تكن الزوارق المرسلة هناك لإنقاذ جوردون الذي لم يكن من المتوقع أن يتخلى عن المدينة ولا القوة الصغيرة ولا الإمدادات المحدودة المحمولة بقادرة علي أن تقدم دعماً عسكريا مؤثرا للمحاصرين وقد إتضح أن جوردون قد قتل قبل فجر يوم 26 يناير عام 1885م بساعة في قصر الحاكم العام علي الرغم من أن المهدي كان قد أعطي تعليمات مشددة لخلفائه الثلاثة بعدم قتله ومع ذلك لم يتم الإلتزام بهذه الأوامر وأغلب الظن أن جوردون قد توفى على الدرج الخارجي في الركن الشمالي الغربي من قصر الحاكم حيث كان هو وحارسه الشخصي أغا خليل أورفلي يطلقان النار على المتمردين وكان أورفلي مغشياً عليه ولم يرى وفاة جوردون وعندما أفاق مرة أخرى بعد الظهيرة وجد جثمان جوردون مغطى بالذباب ورأسه مقطوعة وعندما وضعت رأس جوردون تحت قدم المهدي أمر بوضع الرأس بين جذوع الأشجار حيث يمكن لجميع المارة أن ينظروا إليها بإزدراء ويلقي الأطفال عليها الحجارة وكانت غربان الصحراء تحلق فوقها ودنس جثمانه وألقي به في بئر وبعد إعادة فتح السودان عام 1898م بذلت عدة محاولات لتحديد موقع رفات جوردون وكانت كلها بلا جدوى وفي الساعات التالية لوفاة جوردون قُدر عدد القتلى من المدنيين وأعضاء الحامية بعشرة آلاف شخص في الخرطوم وتوقفت المذبحة أخيراً بأوامر المهدي وكان نبأ مصرع جوردون غير سهل الوقع على الإنجليز ونزل عليهم كالصاعقة وعم حزن كبير على مقتله حيث كانوا ينظرون للرجل على أنه أسطورة حية حيث لم يعرف في حياته كجنرال سوى الإنتصارات المتتالية ووثق سكرتير الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا حينذاك كيف أنها تلقت الخبر بحزن شديد وكانت في حالة سيئة جدا عندما سمعت بسقوط الخرطوم ومقتل جوردون وبدت مريضة طريحة الفراش لعدة أيام .

وقد مثّل مقتل الجنرال جوردون في السودان بدايةً لمرحلة جديدة من التاريخ السوداني دشنت بها فترة حكم وطني سرعان ما إنتهى مرة أخرى على يد المستعمر الإنجليزي الذي عاد من جديد قبل نهاية القرن التاسع عشر الميلادى ليحتل البلاد حيث لم تمض إلا حوالي 10 سنوات وتم فتح السودان مرة أخرى خلال الفترة من عام 1896م وحتي عام 1899م عندما غزت القوات الإنجليزية المصرية السودان مرة أخرى للقضاء على الدولة المهدية وتدميرها ومن ثم أعيد الحكم الإنجليزي المصري للسودان الذي ظل قائما حتى إستقلال السودان في عام 1956م وكان هذا الغزو بمثابة إستعادة للأراضي التي فقدت خلال الثورة المهدية ما بين عام 1881م وعام 1885م وقام المستعمر الإنجليزى بتخليد ذكرى جوردون بإنشاء مدرسة عليا أطلق عليها كلية جوردون التذكارية والتي أصبحت فيما بعد تحمل إسم جامعة الخرطوم كبرى جامعات البلاد حاليا وفي يوم 19 يناير عام 1899م وقعت إتفاقية الحكم الثنائي المصرى الإنجليزى للسودان والتي وقعها بطرس غالي باشا ناظر الخارجية المصرى واللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر والتي كان من أهم بنودها أن يستعمل العلمان البريطاني والمصري معا في البر والبحر بجميع أنحاء السودان فيما عدا ميناء سواكن فلا يستعمل فيها إلا العلم المصري فقط ولا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأموري قنصليات بالسودان ولا يصرح لهم بالإقامة فيه قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية كما تم تعيين حاكم عام على السودان بناءا على طلب الحكومة البريطانية وكان هذا يعني فعليا سلخ السودان فعلاً عن مصر وإستئثار الحكومة الإنجليزية بحكمه وإدارته وجدير بالذكر أن تشارلز جوردون عاش طوال عمره أعزبا بدون زواج والكثير من أوراقه وجدت محفوظة ومجموعة بواسطة إثنتين من شقيقاته هما هيلين كلارك جوردون التي تزوجت من زميل جوردون في الصين الطبيب موفيت وماري جوردون التي تزوجت جرالد هنري بلونت وهذه الأوراق بالإضافة لبعض أوراق جده الأكبر محفوظة في المكتبة البريطانية منذ عام 1937م وعلي الرغم من أنه ليس هناك أي صورة أو رواية جلية حول الطريقة التي إنتهت بها حياته إلا أن هذه اللحظة التاريخية تم تصويرها في لوحة شهيرة للفنان الإنجليزي جورج وليم جوي بإسم الوقفة الأخيرة للجنرال جوردون والمعروضة حاليا بمعرض ليدز سيتي للفن كذلك تم إنتاج فيلم بإسم الخرطوم أنتج عام 1966م لعب فيه دور البطولة تشارلتون هيستون في دور جوردون وتم به تجسيد اللحظات الأخيرة في حياته .