الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

بطل القسطل

بطل القسطل
عدد : 02-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى

عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد عسكرى فلسطيني خاض العديد من المعارك ضد العصابات الصهيونية قبل عام 1948م وكانت أمه هي رقية بنت مصطفي هلال الحسيني والتي توفيت بعد عام ونصف العام من ولادته أما والده فقد كان شيخ المجاهدين موسى باشا كاظم الحسيني أحد أفراد عائلة الحسيني الشهيرة والذى كان قد درس في إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية ثم إلتحق بعد تخرجه بخدمة الإدارة العثمانية فعين قائمقاماً في يافا وصفد وعكار وإربد فمتصرفا في عسير باليمن ثم نقل إلى تبليس وأرجميدان في الأناضول ثم إلى حوران في سوريا فالمتفق في العراق وظل هناك إلى أن أحيل على التقاعد عام 1914م فعاد إلى القدس ونظرا لخدماته للإدارة العثمانية فقد تم منحه رتبة البشوية وبعد عودته بسنوات قليلة إختارته سلطات الإحتلال البريطاني حيث كانت بريطانيا قد إحتلت فلسطين عام 1917م ليكون رئيسا لبلدية القدس أي عمدة لها ما بين عام 1918م وعام 1920م وكانت سلطات الإحتلال البريطاني قد إشترطت عليه حين تم إختياره لهذا المنصب ألا يشتغل بالسياسة إلا أنه لم يتقيد بهذا الشرط فإستقال من منصبه في أوائل عام 1920م وقاد في شهر مارس من نفس العام مظاهرات ضخمة كانت تطالب بإنضمام فلسطين إلى سوريا وتهاجم الإستعمار الصهيوني وبعد ذلك أصبح رئيسا للجنة التنفيذية الوطنية للمؤتمر العربي الفلسطيني من عام 1922م وحتي وفاته في عام 1934م وكان يعد الأب الجليل للحركة الوطنية الفلسطينية طوال السنوات التي قضاها رئيسا للجنة التنفيذية العربية وترأس خلالها جميع الوفود التي ذهبت إلى لندن لإقناع حكومتها بالتخلي عن سياسة وعد بلفور وهو البيان العلني الذى أصدرته الحكومة البريطانية في شهر نوفمبر عام 1917م خلال الحرب العالمية الأولى علي لسان وزير خارجيتها آرثر بلفور بدعم تأسيس وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين التي كانت منطقة عثمانية ذات أقلية يهودية حيث كان اليهود يمثلون 5% علي الأكثر من سكانها حينذاك وقد طالب المؤتمر العربي الفلسطيني برئاسته بطلان وعد بلفور وإلغاءه ومنع الهجرة اليهودية إلي فلسطين وطالب ايضا بتأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي ينتخب أعضاءه أهل فلسطين كما نادى بتوحيد فلسطين مع شقيقاتها العربيات وعلى أثر ثورة يافا التي نشبت في عام 1921م وإمتدت إلى أنحاء فلسطين كلها عقد المؤتمر العربي الرابع في القدس يوم 25 يونيو عام 1921م وتقرر فيه إرسال وفد الى بريطانيا برئاسة موسى كاظم الحسيني لعرض القضية على الرأي العام البريطاني وكنتيجة لإتصالات وجهود الوفد رفض مجلس اللوردات في يوم 20 يونيو عام 1922م الموافقة على صك الإنتداب البريطاني على فلسطين وعلي وعد بلفور ولكن مجلس العموم إتخذ قرارا معاكسا في يوم 4 يوليو عام 1922م أيد فيه سياسة الحكومة البريطانية القائمة على إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين وفي عام 1933م قاد المظاهرات في يافا وأصيب أثناءها بجراح نقل على أثرها إلى المستشفى وتوفي في يوم 27 مارس من السنة التالية 1934م ودفن في المدرسة الخاتونية بباب الحديد غربي الحرم القدسي الشريف ودفن إلي جواره فيما بعد إبنه عبد القادر الحسيني بطل معركة القسطل التي سنتكلم عنها في السطور القادمة .

ولد عبد القادر الحسيني عام 1907م في مدينة القدس وراح يتلقى علمه ويدرس القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس ثم أنهى دراسته الأولية في مدرسة روضة المعارف الإبتدائية بالقدس بعدها إلتحق بمدرسة صهيون الإنجليزية تلك المدرسة العصرية الوحيدة التي كانت متواجدة في القدس آنذاك ومنذ طفولته إعتاد على تحمل المصاب الأليم ذلك أنه شب على فقد أمه بعد عامٍ ونصف العام من ولادته إلا أنه لم يعان من حرمانه من الحنان والرعاية حيث إحتضنته جدته لأمه مع بقية أشقائه السبعة وهم ثلاث من الأخوات وأربعة صبية وهم فؤاد وكان يعمل مزارعاً ورفيق وكان يعمل مهندسا وسامي وكان يعمل مدرسا بالإضافة إلى فريد الذي كان يعمل محامياً وكان البيت الذى تربي فيه عبد القادر منذ نعومة أظفاره بيت علم وجهاد حيث كان هذا البيت بمثابة الحضن الأول له والذي كان يجتمع فيه رجالات العرب الذين كانوا يفدون إلى القدس لمقابلة أبيه موسى الحسيني عمدة القدس وبعد أن أتم عبد القادر الحسيني دراسته الثانوية بتفوق إلتحق بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميريكية في العاصمة اللبنانية بيروت ثم ما لبث أن طُرد منها نظراً لنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير التي كانت مستشرية في الجامعة في ذلك الوقت فما كان منه إلا الإلتحاق بجامعة أخرى تسمح له بقدر من الحرية فتوجه إلى الجامعة الأميريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها وطيلة فترة دراسته لم يجاهر بنشاطه الوطني أملا في الحصول على شهادة وما إن تحقق مأربه حتى أعلن في حفل التخرج أن الجامعة لعنة بكل ما تبثه من أفكار وسموم في عقول الطالب وطالب الحكومة المصرية أن تغلقها مما حدا بالجامعة الأميريكية في اليوم التالي بسحب شهادته الأمر الذي أدى إلى تظاهرة عظيمة قامت بها رابطة أعضاء الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضا وإنتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي باشا التي كانت قائمة في ذلك الوقت بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس عام 1932م منتصرا لكرامته وحاملا لشهادته التي أرادوا حرمانه منها ولم تكن العودة إلى القدس نهاية الرجل فبعد عودته إلي القدس عمل محررا في صحيفة الجامعة الإسلامية التي كان يترأّس تحريرها الشيخ والشاعر والمحامي الفلسطيني سليمان التاجي الفاروقي ثم مع بداية عام 1933م عمل مأمورا في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين وفي هذه الدائرة تمكن من إحباط أكثر من محاولة للإستيلاء على أراضٍ عربية لكنه بعد أقل من سنتين إستقال من عمله في تسوية الأراضي حتى يخطط ويجهز للثورة على الإحتلال البريطاني والحركة الصهيونية وكانت هذه بداية رحلة جهاد وكفاح طويلة إمتدت 13 عاما منذ عام 1935م وحتي إستشهاده في عام 1948م وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عددا من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح من أجل الحرية والإستقلال كان أقوى من جميع إغراءاتهم وخططهم الدنيئة . وفي يوم 27 مارس عام 1935م أعلن أعضاء عائلة الحسيني تأسيس حزب خاص بهم هو الحزب العربي الفلسطيني برئاسة جمال الحسيني الذي شارك فيما بعد في حكومة عموم فلسطين وأصبح عبد القادر الحسيني نفسه تلقائيا عضوا في صفوف ذلك الحزب فتولى إدارة مكتب الحزب في القدس وبدأ بتنظيم وحدات فلسطينية سرية ودربها وجهزها بالسلاح عرِفت فيما بعد بإسم جيش الجهاد المقدس كما ساهم في تحرير جريدة اللواء التي أصدرها الحزب عام 1935م وكان يرأس تحريرها خالد الفرخ والواقع أن موهبته الصحفية كانت قد تفجرت قبلا على صفحات مجلة الجامعة الإسلامية وكان لإستشهاد الشيخ عز الدين القسام مدافعا عن حرية فلسطين في يوم 20 من شهر نوفمبر عام 1935م والذى جاهد أولا الإستعمار الفرنسي في سوريا ثم إنتقل للجهاد ضد المستعمر البريطاني في فلسطين أكبر الأثر في إندلاع شرارة ثورة عام 1936م التي شكلت نقطة تحول في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية فخلال الشهور الخمسة ما بين إستشهاد القسام وبين إعلان متابعة الجهاد في شهر أبريل عام 1936م قام أتباع القسام وعلى رأسهم عبد القادر الحسيني بدراسة خطّة شاملة لمتابعة الثورة فعقد مؤتمرا صحفيا ردا على ما قام به الصهاينة بحرق منازل العرب ومزارعهم ودعا إليه الصحفيين العرب والأجانب ووجه كلمته إليهم إن لم يتوقف اليهود عن عملياتهم الشنيعة فإنه سيضطر للرد عليها ولما لم يجد ردا جهز الفرق التي قامت بالهجوم على عمارة الصحف اليهودية في القدس ومبنى الوكالة اليهودية وعدة مراكز في حيفا فتوقف اليهود عن تنفيذ عملياتهم الشنيعة وعمل على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها إذا ما تعرضت بلاده للهجوم من غزاة طغاة وبالفعل وفي نفس العام قام عبد القادر الحسيني بإلقاء قنبلة على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين تلتها قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني وتوج نشاطه الوطني في هذا العام بعملية إغتيال الميجور سيكرست مدير بوليس القدس ومساعده بالإضافة إلى إشتراكه مع أفراد الوحدات التنظيمية التي أسسها في مهاجمة القطارات الإنجليزية وظلت هذه العمليات البطولية تتكرر بصورة متفاوتة حتى عام 1939م .

وفي خريف عام 1938م خاض عبد القادر الحسيني معركة أخرى في بيت لحم وأصيب مرة أخرى وتمكنت القوات البريطانية من أسره لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في مدينة القدس بفضل رفاقه الذين هربوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه هناك ثم عاد إلى فلسطين ليتولّى ثانية قيادة الثوار في القدس ونجح في القضاء على فتنةٍ حاول أن يثيرها الإنتداب البريطاني لإحداث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين وفي العام التالي 1939م كانت المقاومة ضد البريطانيين قد بلغت أشدها وخاض خلالها معركة قرية الخضر الشهيرة وهي قرية فلسطينية تقع إلى الغرب من مدينة بيت لحم وتبعد عنها 5 كيلو مترات والتي أسفرت عن إستشهاد القائد السوري المولد فلسطيني الانتماء سعيد العاص وأصيب فيها عبد القادر الحسيني إصابة بالغة وقام رفاقه بإسعافه في المستشفى الإنجليزي في مدينة الخليل بالضفة الغربية لنهر الأردن ثم نقلوه خفية إلى سوريا فلبنان ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي وفي العاصمة العراقية بغداد عمل عبد القادر الحسيني مدرسا للرياضيات في إحدي المدارس العسكرية كما أنه أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941م وشارك مع رفاقه في قتال القوات البريطانية وإعتقل هو ورفاقه وقضوا في الأسر العراقي ثلاث سنوات ثم أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر عام 1943م بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية فتوجه إلى السعودية وأقام فيها برفقة أسرته ثم مع بداية عام 1944م غادرها سرا إلى المانيا لتلقي دورة عسكرية على صُنع المتفجرات وتركيبها وقد أعطاه تخصصه في دراسته الجامعية في قسم الكيمياء خبرة كبيرة فى التعامل مع المتفجرات وعاد بعدها إلى السعودية ثم إنتقل منها في يوم 1 يناير عام 1946م إلى مصر الدولة التي سبق وأن طرد منها عام 1932م بأمر من حكومة إسماعيل صدقي باشا ولكنه هذه المرة عاد للعرض على الأطباء ومداواة جروحه والندوب التي تقرحت في جسده إثر معاركه الكثيرة ولم تحسِن الحكومة المصرية آنذاك إستقباله وظل شبح المضايقات والإبعاد يلاحقه حتى عام 1947م حينما دخلت القضية الفلسطينية في منعطفٍ حاسمٍ وخطيرٍ مع تزايد الهجرة اليهودية إلي فلسطين وما ترتكبه العصابات الصهيونية من فظائع وتنكيل بالفلسطينيين وإغتصاب أراضيهم بالقوة مع قرب إنتهاء الإنتداب البريطاني عليها وعلى الرغم من ذلك فقد كان الحسيني أكثر إيمانا ويقينا أن المقاومة هي السبيل الأوحد للحرية والكرامة وفي هذه الفترة وأثناء وجوده في مصر عمد إلى وضع خطة لإعداد المقاومة الفلسطينية ضد العصابات الصهيونية التي كانت قد نشطت في أعمالها العدوانية في فلسطين تمهيدا لإعلان دولة الإحتلال الإسرائيلي فراح ينظم عمليات التدريب والتسليح للمجاهدين وأنشأ معسكرا سريا بالتعاون مع قوى وطنية مصرية ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية كما قام بتدريب عناصر مصرية أيضا للقيام بأعمال فدائية حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا عام 1951م كما عمد إلى التواصل مع قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين أمين الحسيني من أجل تمويل خطته وتسهيل حركة المجاهدين على كل جبهات فلسطين كما عمد أيضا إلى التنسيق والتواصل مع المشايخ والزعماء والقادة داخل الأراضي الفلسطينية وأنشأ معملا لإعداد المتفجرات إضافة إلى إقامته محطة إذاعية في منطقة رام الله بالضفة الغربية لنهر الأردن من أجل تشجيع المجاهدين على الجود بأنفسهم وقوتهم في سبيل نصرة الحق والحرية ناهيك عن إنشائه محطة لاسلكية في مقر القيادة في مدينة بيرزيت الفلسطينية وعمل شفرة إتصال تضمن لهم سرية المعلومات وعدم إنتقالها إلى الأعداء عبر المراسلات العادية كما قام الحسيني أيضاً بتجنيد فريق مخابرات مهمته فقط جمع المعلومات والبيانات وخفايا وأسرار العدو الإسرائيلي لضربه في عقر داره كما قام بتكوين فرق الثأر التي طالما ردعت وأرهبت اليهود وقللت من عمليات القتل الممنهجة التي أذاقوها للفلسطينيين .

وعلى الرغم من جهاده لفلسطين عن بعد إلا أن الأمر لم يشف ندوب صدره على الوطن وبخاصة بعد قرار التقسيم الصادر من منظمة الأمم المتحدة في يوم 29 نوفمبر عام 1947م حيث قضى إجتماع الجمعية العامة العادي إلي صدور قرار بإنهاء الإنتداب البريطاني علي فلسطين وتقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية ومن ثم عاد إلي بلاده وتولى قيادة قطاع القدس وعمل على وقف زحف القوى اليهودية عليها ومن ثم قام بعمليات هجومية على المستوطنات اليهودية المتواجدة في محيط المدينة المقدسة منها على سبيل المثال لا الحصر معركة مقر القيادة العسكرية اليهودية في حي سانهدريا بالإضافة إلى الهجوم المنظم على عدة مراكز يهودية كانت تجاور الأحياء العربية وصولا إلى إستبساله في معركة صوريف في يوم 16 من شهر يناير عام 1948م والتي تم التصدي خلالها لقوة صهيونية كانت متجهة إلى مستعمرة كفار عتصيون اليهودية فإعتصمت القوة الصهيونية بجبل الحجة الذى يقع علي بعد 4 كيلو متر شمال غرب بلدة صوريف الفلسطينية فطوق المقاومون الجبل وأخذوا يقتحمونه حتى أبادوا القوة الصهيونية بالكامل وكانت الحصيلة مقتل عدد 50 يهوديا كانوا مزودين بأحدث العتاد الحربي الثقيل والإستيلاء على 12 مدفع وكمية كبيرة من الذخيرة والبنادق وأيضا كانت من معاركه التي لا تنسى الهجوم على مستعمرة النيفي يعقوب ومعركة رام الله اللطرون أو باب الواد وهو ممر يربط السهل الساحلي الفلسطيني بجبال القدس وتتشعب منه طرق كثيرة تربط القدس بمدن الرملة وغزة ورام الله وعرطوف وغيرها كما تطل عليه عدة قرى مثل عمواس واللطرون وغيرهما ولأنه مفتاح مدينة القدس فإن له أهمية عسكرية عظيمة ودارت فوقه معارك عظيمة خلال العصور السابقة كان آخرها المعارك التي نشبت في الحرب العالمية الأولى بين الأتراك والإنجليز عام 1917م وقام المجاهدون الفلسطينيون بقيادة عبد القادر الحسيني على قطع الطريق على الصهاينة الذين أرادوا إحتلال ممر باب الواد وتجمع المقاتلون من القرى المجاورة وكان منهم عدد 300 مقاتل على رأسهم الشيخ هارون بن جازي أحد شيوخ قبيلة الحويطات الأردنية وإنضموا إلي المجاهدين الفلسطينيين وقامت القوات العربية بتخريب الطريق وإتلاف أنابيب المياه التي توصل الماء للأحياء اليهودية ثم أخذوا يتصدون للقوافل اليهودية المحروسة التي تمر كل أسبوع بباب الواد حيث هاجموا إحدى القوافل في يوم 1 مارس عام 1948م وقتلوا 4 من رجالها وفجروا الألغام تحت السيارات الصهيونية خلال يوم 12 ويوم 13 مارس عام 1948م وقتلوا 5 من ركابها وفي يوم 19 مارس عام 1948م قتلوا 15 رجلا بعد أن هاجموا إحدى القوافل ومع إشتداد وطأة الهجمات إستنجد يهود القدس بسلطات الإنتداب التي كانت قد وضعت في عرطوف قوة بريطانية من 200 جندي لحماية قوافل الصهاينة والذين حاولوا في ليلة 31 مارس عام 1948م إحتلال التلال المشرفة على باب الواد لكن العرب إشتبكوا مع القافلة قرب مستعمرة خلدة مما خلف قتلي كثيرين في الجانبين وفي النهاية إستطاع العرب دحر الصهاينة وإعادتهم إلى خلدة وغنموامنهم بعض السيارات .

وبعد أيام قليلة قاد عبد القادر الحسيني معركة بيت سوريك والتي كانت من أهم المعارك التي وقعت بين المجاهدين الفلسطينيين وعصابات الصهاينة في هذه الفترة ووقعت في قرية بيت سوريك الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة القدس والتي تشرف على طريق المواصلات الرئيسي بين مدينتي يافا والقدس والذى كانت ستمر عليه قافلة من عصابات الصهاينة وكانت الخطة الفلسطينية تقضي بتوزيع القوات على جانبي هذا الطريق وأن تقوم مجموعة التدمير بقيادة المجاهد فوزي القطب بزرع الألغام ليلًا في أماكن معينة من الطريق ومع فجر يوم 19 يناير عام 1948م أقام الحسيني ونائبه كامل عريقات مقر القيادة في قرية بيت عنان القريبة من بيت سوريك وبعد أن نصب الكمين حسب الخطة المرسومة علم الحسيني وصحبه أن القافلة الصهيونية تجتاز ممر باب الواد بإتجاه القدس فإنتقل الجميع إلى قرية بيت سوريك وطلب القائد من نائبه أن يتوجه إلى مركز الكمين المنصوب للقافلة وكان الزعيم اليهودي حاييم وايزمان الذي وصل إلى فلسطين يومئذ مع هذه القافلة وحين إقتربت القافلة من الكمين المعد لها عرف الصهاينة ما أُعد لهم فتركوا سياراتهم وهربوا صوب الجبال متجهين ناحية مستوطنة الخمس الصهيونية أو معاليه حاشماه القريبة للإحتماء بها لكن المقاتلين الفلسطينيين تعقبوهم وإشتبك الفريقان وكان تسليح اليهود متقدما للغاية من حيث القنابل اليدوية والرشاشات مقارنة ببنادق العرب العادية وإستغلت العصابة اليهودية المعروفة بالبالماخ ما يجري من رحى معركة حامية بين الجانبين ونزلت بقواتها وعتادها إلى قرية بيت سوريك فحاصرت القرية والفلسطينيين بزعامة الحسيني وصحبه مدججين بالمدافع الرشاشة كما أكد بعض شهود العيان الذين رووا أحداث هذه المعركة الطاحنة إشتراك مصفحتين بريطانيتين مدججتين بأحدث الرشاشات دعمًا للهجوم الصهيوني وكانتا سببا رئيسيا في إصابة عدد كبير من المقاتلين الفلسطينيين في هذه المعركة الشرسة وإنتشرت في القرى القريبة أنباء هذه المعركة وحصار المجاهدين الفلسطينيين بزعامة عبد القادر الحسيني فهب سكان هذه القرى فضلًا عن سكان رام الله وقراها لنجدة إخوانهم المحاصرين في بيت سوريك وقبل أن تغرب الشمس كان المجاهدون قد حققوا النصر علي الصهاينة وتم رفع الحصار عنهم وإرتد اليهود منسحبين إلى الخلف تاركين وراءهم عدد 34 قتيلًا وعدد 29 جريحًا بينما إستشهد فلسطيني واحد وجرح خمسة آخرون على رأسهم القائد الميداني أبو دية وغنم المجاهدون ثماني بنادق وأربعة رشاشات وأراد المجاهدون الفلسطينيون مهاجمة مستوطنة الخمس الصهيونية لكن تعرضت لهم مجموعة من عناصر الشرطة البريطانية ودخل الفلسطينيون معركة ثانية مع الصهاينة الذين تدعمهم قوات الأمن البريطاني ونظرا لقوة التسليح والتدريب البريطاني على الأرض إكتفي المجاهدون بنصرهم الكبير الذى حققوه علي الصهاينة بعتاد متواضع ودون أي دعم من الجو كما فعل البريطانيون مع الصهاينة وإرتدوا صوب قرية بيت سوريك .

وكانت آخر المعارك التي خاضها الحسيني قبل إستشهاده معركة بيت لحم الكبرى وتسمي أيضا معركة الدهيشة وتلتها بعد أيام قليلة معركة قرية القسطل والتي إستشهد خلالها وكانت معركة الدهيشة يوم 29 مارس عام 1948م حيث كان الصهاينة بفضل الحراسة المشددة من أفراد عصابة الهاجاناه الصهيونية والجيش البريطاني قد تمكنوا من تمرير قافلة كبيرة من الساحل إلى مدينة القدس مساء يوم 27 مارس عام 1948م وجهزوا قافلة مكونة من 100 سيارة شحن و19 مصفحة وجرافة وخمسة باصات مع قوة من الهاججناه مسلحة بالرشاشات والبنادق ومدافع الهاون والقنابل اليدوية وذلك لنقل هذه القافلة إلى مستعمرة كفار عتصيون على طريق القدس الخليل فوصلت القافلة إلى كفار عتصيون في اليوم التالي 28 مارس عام 1948م ووصلت الأنباء للمجاهدين الفلسطينيين بأن هذه القافلة ستعود إلى مدينة القدس صباح يوم 29 مارس عام 1948م فقاموا بحشد قوات كبيرة منهم بقيادة كامل عريقات نائب قائد الجيش عبد القادر الحسيني وكمن المجاهدون على جوانب الطريق في المنطقة بين برك سليمان والدهيشة وجرى تجهيز الألغام وإقامة الحواجز وتابعت القافلة سيرها إلى أن وصلت إلى الكمين فإنقض عليها المجاهدون من جميع الجهات كما قاموا بقطع طريق العودة عليها وحين حاولت الدبابات شق طريقها إلى الأمام تصدر للمصفحة الأمامية المناضل يوسف الرشماوي بقنبلة عطلت المصفحة وأوقفتها ولكنه إستشهد بنيرانها وبعد أن ضيق المجاهدون الخناق على القافلة الصهيونية أخذت الطائرات تحاول مساعدة القافلة فألقت بعض المؤن والذخائر لكن معظمها وقع في أيدي المجاهدين وفي ساعات المساء أقبلت نجدات من مدن بيت ساحور وبيت جالا وبيت لحم والخليل كي تدعم المجاهدين وظل القتال محتدما بين الطرفين بعد أن تسلل الصهاينة وإحتموا داخل بناية النبي دانيال وفي صباح يوم 30 مارس عام 1948م طلب المجاهدون من الصهاينة الإستسلام وطلبت القيادة الصهيونية من البريطانيين والصليب الأحمر التدخل ولكن البريطانيين رفضوا وأرسلوا رسولين لإقناع المجاهدين بالسماح للصهاينة المحاصرين بالمغادرة لكن نائب قائد جيش المجاهدين كامل عريقات رفض وأصر على إستسلامهم وجاءت قوة بريطانية لنجدة الصهاينة لكن المجاهدين فجروا الألغام في طريقها فعادت إلى القدس وفشلت مفرزة بريطانية أخرى في الوصول إلى المكان وجاء قائد القوة البريطانية مع ممثل الصليب الأحمر وتفاوضا مع عريقات الذي أصر على إستسلام القوة المحاصرة وأخيرا جرى إتصال لاسلكي بمفتي القدس أمين الحسيني الذي أجاب بأن العرب يكتفون بأن يسلم الصهاينة جميع أسلحتهم ثم يتولى الصليب الأحمر نقلهم إلى القدس وعرض عريقات إقتراح المفتي على القائد البريطاني فلم يجد بدا من قبوله وفعلا ألقى الصهاينة أسلحتهم كاملة وسلمت إلى عريقات مع المصفحات التي لم تحرق وحضرت سيارات من القدس لنقل الصهاينة تحت إشراف البريطانيين والصليب الأحمر وإستشهد في هذه المعركة ثلاثة من المجاهدين أما خسائر الصهاينة فكانت 15 قتيلا وعشرات الجرحى و16 أسيرا سلموا إلى الجيش البريطاني والصليب الأحمر وغنم المجاهدون 3 مصفحات و8 سيارات سحب وعدد 30 سيارة شحن وباص وبذلك حقق المجاهدون الفلسطينيون في هذه المعركة نصرا مدويا علي العصابات الصهيونية .

وبعد أيام قليلة تلت هذه المعركة معركة قرية القسطل غير المتكافئة والتي إستمرت 4 أيام والتي كانت معركة عبد القادر الحسيني الأخيرة والتي ضرب من خلالها مثلا رائعا في التضحية والحماسة وهي قرية عربية تقع على بعد عشرة كيلومترات غربي القدس وتشرف على الطريق الرئيسي بين القدس ويافا من الجهة الجنوبية الغربية وتتميز بموقعها الإستراتيجي لسهولة الحماية والدفاع عنها وفي حالة سقوطها فسوف يكون ذلك بداية لخطة يهودية لإحتلال الجزء الأكبر من فلسطين ومن هنا فقد سعى الصهاينة إلى إحتلالها في إطار خطتهم لفتح الطريق إلى القدس من جميع الإتجاهات ولذا فقد خصصوا خمسة آلاف من أفراد عصابات الهاجاناه والبالماخ والأرجونزفاى وشتيرن لتنفيذ هذه الخطة وتم تسليحهم بأسلحة حديثة وصلت للصهاينة من تشيكوسلوفاكيا وكان الحسيني قد غادر مدينة القدس إلى دمشق في أواخر شهر مارس عام 1948م للإجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية أملا في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الإستمرار والإستبسال في القتال وعن هذا الاجتماع يقول الحسيني رحمه الله إن اللجنة العسكرية طالبته بعدم إفتعال تصرفات فردية وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل حيث لم تكن الدول العربية تريد حينذاك مواجهة مع بريطانيا ورأت أن أي عمل عسكري الآن سيعني مواجهة حتمية مع بريطانيا فقال ردا عليهم في حضور كل من عبد الرحمن باشا عزام الأمين العام للجامعة العربية ورياض الصلح رئيس مجلس وزراء لبنان والحاج أمين الحسيني مفتي القدس وكانت قد وردت في هذا الوقت أنباء عن سقوط القسطل بأيدي الصهاينة إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين وحاول مرة أخرى إقناع القيادة العسكرية العربية بأنه بمساعدتهم سينهي الوجود اليهودي فيها بيد أن القيادة العسكرية للجامعة العربية أصرت على موقفها وأثار هذ الموقف من جانب الجامعة العربية حفيظة الحسيني وثارت ثائرته فأطلق صيحته قائلا نحن أحق بالسلاح المخَزن من المزابل إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم وهزأ منه السياسي العراقي طه الهاشمي وأخبره أن لدى اللجنة العتاد والسلاح ولكنها لن تعطيه له ولكنها ستنظر بالأمر بعد يوم 15 مايو عام 1948م فكان رد الحسيني عليه والله إذا ترددتم وتقاعستم عن العمل فإنكم ستحتاجون بعد 15 مايو إلى عشرة أضعاف ما أطلبه منكم الآن ومع ذلك فإنكم لن تتمكنوا من هؤلاء اليهود وإني أشهد الله على ما أقول وأحملكم سلفا مسؤولية ضياع القدس ويافا وحيفا وطبرية وأقسام أخرى من فلسطين ولكن أعضاء اللجنة لم يهتموا بقوله وسخروا من حماسه فإستشاط غضبا وألقي الخرائط التي كانت في يده وقال في حدة وغضب إنكم تخونون فلسطين إنكم تريدون قتلنا وذبحنا .

وغادر عبد القادر الحسيني دمشق وقفل عائدا إلى القسطل وجعل يردد قول أخيه وطوق القسطل الشاعر عبد الرحيم محمود بقلبي سأرمي وجوه العـداة فقلبي حديد وناري لظى وأحمي حماي بحد الحسـام فيعلم قومي بأني الفتى وقد إستشهد هذا الشاعر فيما بعد في معركة قرية الشجرة التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة طبرية في فلسطين وتبعد عنها 14 كيلو متر تقريبا وكانت هذه المعركة قد وقعت بين العرب من أهالي هذه القرية واليهود في الفترة الواقعة بين شهر فبراير حتي شهر يوليو عام 1948م وإنتهت بإحتلال اليهود للبلدة وتهجير سكانها وبدأ الحسيني يرسل إلى المتطوعين من الحركات الإٍسلامية في فلسطين ومصر وما حولها وقام بإقتحام قرية القسطل مع عدد من المجاهدين وإستمرت المعركة بينه وبين الصهاينة 4 أيام من يوم 4 وحتي يوم 8 أبريل عام 1948م وكان قد وقع هو ومجاهديه في طوق الصهاينة وتحت وطأة نيرانهم فهبت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذه هو ورفاقه صبيحة يوم 8 ابريل عام 1948م وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف وتمكن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من السيطرة على الموقف وأمر بإقتحام القرية وبعد ثلاث ساعات تمكنوا بالفعل من إقتحامها وطرد الصهاينة منها لكن عبد القادر الحسيني كان قد إستشهد في صبيحة ذلك اليوم ووجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس ودفن بجانب ضريح والده وكان عمره يناهز 41 عاما وهو في قمة عطاءه الجهادى وكان لإستشهاده أثره السلبي في نفوس المجاهدين فزعزع ذلك من موقفهم فإستغل الصهاينة الفرصة وشنوا هجوما معاكسا تمكنوا من خلاله من إحتلال منطقة القسطل مرة أخرى وتشبث بها ولما خرج الجميع لتشييع جنازته أبت قوات العصابات الصهيونية إلا أن ترتكب مجزرة أخرى فعمدت عصابتا الأرجونزفاى وشتيرن الصهيونيتان إلى مهاجمة قرية دير ياسين وقتلت معظم أهلها فلم يبق فيها شيء ينبض بالحياة وبقي فيها فقط ركام المنازل وأشلاء الفلسطينيين القتلى وقد وقعت هذه المذبحة في يوم 9 أبريل عام 1948م بعد أسبوعين فقط من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين وراح ضحية هذه المذبحة أعداد كبيرة من السكان لهذه القرية من الأطفال وكبار السن والنساء والشباب وهناك إختلاف علي عدد من ذهب ضحية هذه المذبحة إذ تذكر المصادر العربية والفلسطينية أن ما بين 250 إلى 360 ضحية تم قتلها بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 109 قتلى وجدير بالذكر أن هذه المذبحة كانت عاملاً مهما في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته من حالة رعب عند المدنيين ولعلها كانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في شهر يونيو عام 1948م بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عقب إنهاء الإنتداب البريطاني علي فلسطين يوم 15 مايو عام 1948م والتي كان من نتائجها أنها أضافت حِقدا إضافيا على الحقد الموجود أصلا بين العرب والإسرائيليين .
 
 
الصور :
جنازة عبد القادر الحسيني