السبت , 27 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أمير شعراء الروس

أمير شعراء الروس
عدد : 02-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


الكسندر بوشكين شاعر وكاتب مسرحي وروائي روسي في العصر الرومانسي الذى بدأ مع أواخر القرن الثامن عشر الميلادى في الأدب والشعر والموسيقي ويعتبره الكثيرون الشاعر الروسي الأكبر ومؤسس الأدب الروسي الحديث وأمير الشعراء الروس الذي لا يزال حتى يومنا هذا يتربع على هذا العرش دون منازع وقد ولد الكسندر بوشكين يوم 6 يونيو عام 1799م لعائلة روسية نبيلة في موسكو وينتمي والده سيرجي لفوفيتش بوشكين إلى عائلات بوشكين الأرستقراطية النبيلة أما والدته ناديجدا فقد كانت إبنة أوسيب هانيبال وماريا بوشكينا وحفيدة أبرام هانيبال الشهير بزنجي بطرس الأكبر الذي كان أسيرا ولد بإسم إبراهيم في الحبشة وهي أثيوبيا حاليا لأحد الأمراء الذين كانوا يتبعون السلطان العثماني ثم وقع في الأسر عام 1703م وأرسل إلى قصر السلطان العثماني في إسطنبول وفي عام 1704م إصطحبه السفير الروسي لدى الدولة العثمانية سافا راجوزينسكي إلى موسكو وتم تعميده وتسميته أبرام هانيبال فأصبح بطرس الأكبر أباه الروحي وتربى وتعلم تحت رعايته وأصبح مهندسا عسكريا وجنرالا كبيرا في الجيش ثم تزوج أبرام هانيبال وأنجب أوسيب هانيبال جد الشاعر لأمه وتعلم بوشكين اللغة الفرنسية قراءة وكتابة من والديه حيث كانت الأسرة تتكلم فيما بينها باللغة الفرنسية والتي كانت لغة الطبقة الأرستقراطية في روسيا آنذاك وغالبا ما كانت ترعاه جدته مع باقي أخوته وتخبره بالقصص والحكايات الروسية التقليدية وأصبح ملما باللغة الروسية من خلال تواصله مع مربيته آرينا روديونوفا التي أحبها بشدة وتعلق بها أكثر من تعلقه بوالدته كما كان يقضي الكثير من الوقت في القراءة من مكتبة والده كما تمكن من إتقان اللغة الإنجليزية واللغة اليونانية وفي عام 1811م وكان قد بلغ 12 سنة من عمره إلتحق بمدرسة القاعة الإمبراطورية التي كانت توجد في بلدة قريبة من مدينة سان بطرسبورج وإنغمس بوشكين بعد المدرسة بثقافة الشباب الفكرية الصاخبة والنابضة بالحياة في سان بطرس بورج وقام بنشر قصيدته الأولى الطويلة في عام 1820م وكانت تحمل إسم رسلان ولودميلا والتي أثارت جدلا كبيرا حول موضوعها وأسلوبه وكانت هذه القصيدة قصيدة شعرية مكتوبة بطريقة السردية المستوحاة من شعراء أخرين لكنه طعمها بالفولكلور والتراث الروسي وكانت تتحدث عن رسلان البطل التقليدي الذي يخوض المغامرات لينقذ حبيبته لودميلا التي إختطفت من قبل الساحر الشرير وقد هوجمت هذه القصيدة من قبل المدرستين الأدبيتين في ذلك الوقت الكلاسيكية والرومانسية لكنها جلبت الشهرة لبوشكين حتى أن الشاعر المشهور جوكوفسكي قدم له صورة موقعة كتب عليها إلى الطالب المنتصر من الأستاذ المهزوم ومن ثم بدأت المؤسسات الأدبية تلتفت إليه وتتابعه بشكل واسع .


وفي عام 1817م قبل بوشكين وظيفة في مكتب الخارجية في سان بطرسبورج وتم إنتخابه لدائرة أدبية خاصة كما إنضم إلى جمعية تسمي جرين لامب أى المصباح الأخضر التي كان الهدف الأساسي منها مناقشة الأعمال الأدبية والتاريخية لكنها تحولت لاحقا إلى جناح لجمعية سرية ذات نشاط سياسي معارض وتدعو إلي الثورة علي القيصر الروسي وكان بوشكين يوزع آرائه السياسية في منشورات ويتحدث باسم رفاقه الثوار والذين قادوا ثورة في عام 1825م لم يكتب لها النجاح وكانت النتيجة أن تم نفي بوشكين إلي مقاطعة جنوبية نائية حيث أصابه المرض هناك وبعد تعافيه سافر إلى شمال القوقاز ثم شبه جزيرة القرم وقد مدته هذه الرحلات بالإلهام للعديد من القصائد الرائعة وعلى الرغم من أن ما كتبه بوشكين من قصائد خلال الفترة من عام 1820م وحتي عام 1823م قد أكد مكانته الأدبية وجعلته الأهم في مجال الشعر الرومانسي والمحب للحرية في روسيا وخاصة لجيل العشرينيات من القرن التاسع عشر الميلادى إلا أن ذلك لم يرض طموحه فبدأ في عام 1823م العمل في كتابة رواية ستصبح هي العمل الأهم له وهي يفجيني أونيجين هذا العمل الذي إستمر فيه لمدة ثمان سنوات متقطعة وقدَم فيه بطلا نموذجيا مستخدما أساليب أدبية جديدة حيث صور بوشكين من خلال هذا العمل الحياة الروسية من خلال شخصياته الرئيسية أونيجين المشكك اليائس ولينسكي الشاعر الرومانسي المحب للحرية وتاتيانا البطلة والتي من خلالها عرض دراسة متعمقة للمجتمع الأنثوي الروسي وبإختصار يمكننا القول إن بوشكين في هذا العمل تتبع بضع شخصيات محورية لكنها تختلف بشكل واسع في النبرة والتركيز وعلي الرغم من أن هذا العمل الأدبي شبه بأنه قريب من عمل سابق له وهو قصة سقوط دون خوان إلا أن الإختلاف الواضح بين العملين كان أن بوشكين لم يبن قصته في عالم خيالي بل كان مستمدا من قلب الحياة الروسية وخاصة في مدينتي موسكو وسان بطرسبورج وقد فضل بوشكين هذا العمل علي كل الأعمال التي كتبها خلال مسيرة حياته والتي أصبحت تقليدا خاصا بالروايات الروسية العظيمة ومما يذكر أن رواية يفجيني أونيجين تم إعتبارها رواية معقدة لدرجة جعلت المترجم فلايديمر نابوكوف يحتاج لمجلدين كاملين من المحتوى من أجل تقديم معناها بشكل كامل باللغة الإنجليزية على الرغم من أنها كانت عبارة عن 100 صفحة تقريبا وبسبب تلك الصعوبة في الترجمة بقي شعر بوشيكن غير معروف بشكل كبير بالنسبة لقراء اللغة الإنجليزية .

وعلي الرغم من نشأة بوشكين الأرستقراطية فإنه حارب النزعة الفردية وأيقن في سن مبكرة مظاهر الإضطهاد والظلم التي كان يتعرض لها بسطاء الشعب الروسي آنذاك ومع أنه لم يقصد أن تكون رواياته للأطفال إلا أنها أصبحت كذلك بفضل أسلوبه السهل السلس الذي وجد طريقا سهلا إليهم وجسرا بين عبقرية الشاعر وخيالهم فالموسيقى الجميلة والإنسيابية لأشعاره والأحداث الشيقة فيها وروح المرح وسيادة قيم الخير والعدالة أسرت الأطفال وأشعلت خيالهم وعززت في قلوبهم حضور المفاهيم النبيلة وبهذا الأسلوب الفريد الذى تميز به بوشكين والذى تم وصفه بأنه أسلوب تعبيري فريد وغير مسبوق يثير الدهشة من دقة كلماته وتناغمها ومقدرتها على التصوير كما وصفت أشعاره بأنها ترافق الإنسان في كل مراحل حياته في ساعات السعادة ولحظات الحزن كما أنها طعمت اللغة الروسية بأنماط تعبيرية جديدة جعلتها أكثر مرونة وحيوية وحياة وأحاطها بالإتجاه التهذيبي فإنه قد أصبح شاعرا لكل يوم ولكل موقف حياتي ففي مرحلة الطفولة يفتن الأطفال بقصصه السحرية الشيقة وفي مرحلة المراهقة تساعد عباراته وتصويراته الشعرية على الشعور بمذاق الإنتقال إلى النضج وفي مرحلة الشباب فإنها تساعدهم لكي يصبحوا أكثر إدراكا وثقة عندما يريدون أن يعبروا عن مشاعرهم تجاه من يعشقون بلغة سامية ونبيلة ومن ثم فإننا نجد أن بوشكين قد ترك لنا ميراثا غنيا من الأدب الروسي ما بين القصائد والروايات والقصص القصيرة والنقد الفني وأدب الخطابات واليوميات والذكريات ولذا فقد تم إعتباره صاحب الفضل الأكبر في جعل الأدب الروسي عالميا وقد تعلم منه الكثير من الكتاب والشعراء والفنانين والملحنين وحتي العلماء وقد قال فيه الكاتب الروسي العظيم فيودر دوستويفسكي نحن نسير على هدى بوشكين الذي لولاه لما وصل الأدب الروسي إلى ما هو عليه الآن وعلاوة علي ذلك فقد ألهم بوشكين عددا كبيرا من الكتاب الغربيين مثل هنري جيمس وغيره وجدير بالذكر أن أعمال بوشكين كانت بمثابة الأرض الخصبة بالنسبة للملحنين الروسيين إذ كانت أوبرا جلينكا أو رسلان ولودميلا أولى أعمال الأوبرا الهامة التي إستلهمت من أعمال بوشكين والتي تركت أثرا في التقاليد الموسيقية الروسية وعلاوة علي هذا العمل الأوبرالي تصنف أيضا أوبرا بوريس جودونوف وأوبرا الضيف الحجرى وأوبرا قصة القيصر سلطان والمأخوذة عن أعمال بنفس الإسم لبوشكين كأحد أروع أعمال الأوبرا الروسية وأكثرها أصالة كما أننا نجد أن أعمال تشايكوفسكي الأوبرالية التي تحمل إسم يفجيني أونيجين وملكة البستوني قد أصبحت خارج روسيا أكثر شهرة ورواجا من أعمال بوشكين المأخوذة منها والتي تحمل نفس الإسم .

وفي منتصف حقبة العشرينيات من القرن التاسع عشر الميلادى تم نقل بوشكين إلى كيشينيوف ومنها إلي أوديسا علي البحر الأسود حيث عرف الحب وكان يكتب الرسائل لأصدقائه والتي أصبحت فيما بعد أعمالًا خالدة في النثر الروسي وفي إحدى هذه الرسائل التي تمكنت الشرطة من الوصول إليها كان قد عبر عن بداية ميول إلحادية لديه وهو ما أدى لنفيه مجددا وعلي الرغم من أن الفترة التي قضاها في منفاه الجديد كانت حزينة إلا أنه إستغل سنين الوحدة هذه في دراسة التاريخ الروسي وحياة الفلاحين والفولكلور الخاص بهم وهو ما أثر بوضوح على أعماله في هذه الفترة والتي إعتبرت وصفا واضحا ودقيقا للحياة الروسية الطبيعية البسيطة كما كتب أيضا وهو في المنفي بعض الفصول في رواية يفجيني أونيجين بالإضافة إلى واحد من أعماله الهامة وهي المأساة التاريخية بوريس جودونوف والتي أنهاها عام 1831م وكانت من أهم المسرحيات التي قام بتأليفها والتي تدور أحداثها في القرن السابع عشر الميلادى حيث كانت روسيا تعيش صراعاً سياسيا وإجتماعيًا وكان بطلها بوريس جوردنوف الذى كان صهرا لشخص مقرب من القيصر إيفان الرهيب وقد قدمته المسرحية على أنه قاتل إبن إيفان الصغير وكانت قدرة بوشكين على بناء هذه المسرحية وتطوير الأحداث فيها نفسيا وإجتماعيا وتاريخيا قد جعلها واحدة من أهم الأعمال الدرامية في تاريخ الأدب الروسي وخوفًا من تأثير بوشكين على الناس من خلال أعماله قام القيصر نيكولاس الأول بالعفو عنه وإعادته إلى موسكو وبعد نقاشات مطولة معه أخبره بنيته إجراء إصلاحات أساسية منها تحرير العبيد وقد رأى بوشكين بأنه بدون دعم الناس فالطريقة الوحيدة لتحقيق الإصلاح هي من الأعلى أي من خلال القيصر نفسه وهو ما يفسر إهتمامه المستمر بالإصلاحات السياسية ومحاولته نقل تجربة القيصر بطرس الأكبر إلى القيصر الحالي وذلك من خلال عدة أعمال شعرية عديدة تم نشرها في عام 1826م كان منها قصيدة الفارس البرونزى والتي طرح بوشكين من خلالها قضية الإنسان البسيط الذي يدمره القيصر وذلك من خلال سرده لقصة الفيضان الذي أغرق سان بطرسبورج عام 1824م حيث يصف تجوال بطل قصته في الشوارع حزينا على غرق حبيبته ليرى القيصر منقذا تمثاله البرونزي على ظهر حصان ويدرك أنه سبب حزنه ومأساته وكان التوصيف والمشاعر التي تضمنتها هذه القصيدة سببا في جعلها أيضا واحدة من الأعمال الهامة في الأدب الروسي وقد وصل بوشكين إلى ذروة إبداعه بين عام 1829م وعام 1837م الذى توفي فيه حيث كانت معظم الأعمال التي ألفها في تلك الحقبة ذات تأثير وبصمة هامين في الأدب الروسي وكان من هذه الأعمال بيت في كولومنا في عام 1830م وقصص بيلكين في عام 1831م وملكة البستوني ودوبروفسكي في عام 1833م وإبنة الآمر في عام 1836م وزنجي بطرس الأكبر في عام 1837م .


ولننتقل الآن إلي جانب آخر من الملامح الشخصية لبوشكين فقد كان يعشق الشرق وفتن بالثقافتين العربية والإسلامية وتأثر بشدة بالقرآن الكريم وتعتبر ملاحمه الشعرية كالنبي ومن وحي القرآن والرسول وليلى العربية والمغارة السرية وغيرها أوضح تعبير عن تأثر هذا الشاعر العظيم بالآيات والقصص القرآنية لاسيما قصيدة المغارة السرية التي إستوحاها من سورة الكهف في منفاه في مغارة بشبه جزيرة القرم عام 1820م إذ يقول في مطلعها في يوم العصف قرأت ذاك القرآن العذب وهدأت من روعي الملائكة هبط علي ملاك السلوان حاملاً إلي تعاويذ وأدعية قوتها الغيبية ككلمات مقدسة حطّت علي رحالها وفي قصيدته من وحي القرآن يقول ألست أنا من سقيتك من ماء الصحراء بيوم العطش أولم أهبك لساناً فصيحا وعقلا راجحا فوق كل العقول أما قصيدته الشهيرة الرسول فيحاكي فيها بوشكين قصة نزول الوحي على الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم مهموما بالظمأ الروحي أجر خطاي في برية غير ذات زرع وفي مفترق الطريق ظهر لي ملاك ذو ستة أجنحة وبأصابع من نور كما في الحلم لمس قدحتي عيناي فإتسعت الحدقتان النبويتان كما لو كانتا لنسر مذعور وقد قام بوشكين بتأسيس بوابة الأدباء والشعراء الروس لمعرفة الثقافة العربية ولكي تكون جسرا للتواصل بين روسيا والشرق عبر إسقاطاته القوية والمباشرة للنصوص القرآنية والروايات الشرقية على جواهر إبداعاته وقد تم ترجمة العديد من قصائد بوشكين إلي اللغة العربية كان أولها قصيدة بنت القبطان والتي نشرت في مجلة المنار ببيروت عام 1898م قبل أن تترجم بقية أعماله مع إزدهار الترجمات المتبادلة بين ذخائر الثقافتين العربية والروسية في فترة ثلاثينيات القرن العشرين الماضي وأخيرا فقد عاش بوشكين حياة قصيرة كان فيها عنيدا صلبا يقف إلى جانب العدالة والحق والكبرياء ومدافعا عنها حيث إنتهت حياته بشكل مأساوي في يوم 10 فبراير عام 1937م عن عمر يناهز 38 عاما متأثرا بجراحه في مبارزة مع الضابط الفرنسي جان دانتي الذي حاول التودد إلي زوجته الكاتبة ناتاليا نيكولايفتا جونشاروفا والتي كان قد تزوجها في عام 1831م فأصر بوشكين على منازلته دفاعا عن شرفه وحدث أن أصيب بوشكين في المبارزة وتوفي عقب الإصابة برصاصة في بطنه بعدما فشل أفضل أطباء روسيا في علاجه بمن فيهم أطباء القيصر شخصيا وبذلك دفع حياته إنتقاما لشرفه وجدير بالذكر أن دولة أثيوبيا تكريما لهذا الشاعر الكبير الذى تعود أصوله إليها قد وافقت علي إقامة تمثال برونزى له بالحجم الطبيعي سيتم وضعه علي قاعدة جرانيتية بحيث يبلغ إرتفاع القاعدة والتمثال 6 أمتار وذلك في الساحة الكبرى التي تتوسط العاصمة الأثيوبية أديس ابابا وذلك بمشاركة إتحاد الفنانين الروس ومنظمة اليونيسكو العالمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة .