الثلاثاء, 16 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

"أحمد ماهر باشا" تاريخ سياسي حافل انتهى بالاغتيال

-أحمد ماهر باشا- تاريخ سياسي حافل انتهى بالاغتيال
عدد : 05-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com

الدكتور أحمد ماهر باشا سياسي مصرى ومؤسس ورئيس الحزب السعدى وقد شغل منصب رئيس مجلس وزراء مصر لفترتين متتاليتين الأولى من يوم 8 أكتوبر عام 1944م حتى يوم 15 يناير عام 1945م والثانية من يوم 15 يناير عام 1945م حتى يوم 24 فبرايرعام 1945م وهو الأخ الأصغر للسياسي المعروف علي ماهر باشا الذى تقلد منصب الوزير في أكثر من وزارة في عهد الملك فؤاد الأول ثم أصبح رئيسا للديوان الملكي في يوم 1 يوليو عام 1935م خلفا لمحمد توفيق نسيم باشا ثم صار رئيسا لمجلس الوزراء لفترة قصيرة إنتقالية من يوم 30 يناير عام 1936م وحتي يوم 9 مايو عام 1936م في أواخر عهد الملك فؤاد ثم عاد إلي منصبه كرئيس للديوان الملكي في بداية عهد الملك فاروق حتي تم تعيينه رئيسا لمجلس الوزراء مرة أخرى يوم 18 أغسطس عام 1939م وحتي يوم 28 يونيو عام 1940م كما شغل منصب رئيس الوزراء بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م لفترة قصيرة ووالدهما هو محمد ماهر باشا وكيل وزارة الحربية ومحافظ القاهرة والذى كان من أعيان شراكسة مصر .

ولد أحمد ماهر باشا عام 1888م علي أرجح الأقوال في حي العباسية بمدينة القاهرة وبعد حصوله علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلتحق بمدرسة الحقوق وتخرج منها عام 1908م ومارس مهنة المحاماة لمدة عامين ثم سافر في عام 1910م إلى مونپلييه بفرنسا ليدرس القانون والإقتصاد في جامعتها لمدة ثلاث سنوات ونال منها درجة الدكتوراة عام 1913م وبعد عودته إلي مصر عمل بالتدريس لمدة ثمان سنوات في مدرسة التجارة العليا حيث إرتبط مع محمود فهمي النقراشي باشا بصداقة وثيقة فتزاملا وسارا معاً تحت راية حزب الوفد الذى كان يتزعمه سعد زغلول باشا كما إلتحقا معا بأجهزة عبد الرحمن فهمي السرية التي كانت تغتال جنود وضباط الإحتلال الإنجليزي لمصر وإعتقل مع صديقه ورفيق دربه النقراشي باشا بعد مصرع حسن باشا عبد الرازق وإسماعيل زهدي في عام 1922م ولكن لم يثبت أي إتهام ضدهما وتم الإفراج عنهما .

وفي عام 1924م وفي أول إنتخابات برلمانية في مصر أجريت بعد صدور دستور عام 1923م إنتخب أحمد ماهر باشا عضواً بمجلس النواب وإختاره سعد زغلول باشا في الوزارة التي تم تشكيلها برئاسته وزيراً للمعارف العمومية وكان شفيق منصور أحد المتهمين السياسيين في حادثة مقتل السردار لي ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان يعمل في مكتب أحمد ماهر باشا وهي الحادثة التي وقعت في شهر نوفمبر عام 1924م وترتب عليها سقوط وزارة الوفد الأولي وتقديم سعد زغلول باشا إستقالته للملك فؤاد وتشكيل وزارة جديدة برئاسة أحمد زيوار باشا وثارت شكوك حول صلته بتلك الجريمة هو وصديقه محمود فهمي النقراشي باشا وتم القبض عليهما في شهر مايو عام 1925م وتم تقديمهما للمحاكمة في قضية الإغتيالات السياسية وشكل سعد زغلول باشا هيئة للدفاع عنهما كان على رأسها المحامي المغوار آنذاك مصطفى النحاس باشا سكرتير عام حزب الوفد والذى حصل لهما على البراءة بعد أقل من عام من تداول القضية وبعد ذلك تم إختياره مرة أخرى نائبا في مجلس النواب كما تم إختياره رئيسا للجنة الميزانية والمحاسبة في البرلمان وفي شهر أغسطس عام 1927م مثل مصر في المؤتمر البرلماني الدولي في ريو دي جانيرو العاصمة القديمة للبرازيل ولكنه عاد فورا عندما علم بوفاة سعد زغلول باشا يوم 23 أغسطس عام 1927م ثم أصبح مديرا لجريدة البلاغ الوفدية وأعيد إنتخابه للمرة الثالثة نائبا في مجلس النواب عام 1930م ورافق الوفد المصري في المفاوضات التي أجريت في هذا العام بين مصر وبريطانيا والتي إشتهرت بإسم مفاوضات النحاس هندرسون في ذلك العام كخبير مالي وفي عام 1934م تولى رئاسة تحرير جريدة كوكب الشرق الوفدية ثم تم إنتخابه نائبا ثم رئيساً لمجلس النواب في شهر مايو عام 1936م وعضواً في وفد مفاوضات معاهدة عام 1936م وفي مؤتمر مونتيروه بسويسرا الخاص بإلغاء الإمتيازات الأجنبية في مصرعام 1937م وتم الإتفاق في هذا المؤتمر بين مصر وتلك الدول علي إلغائها . ولما جاء يوم 29 يوليو عام 1937م ذلك اليوم الذى بلغ فيه الملك فاروق سن 18 عاما بالتقويم الهجرى وأصبح ملكا علي مصر بصفة رسمية بدون مجلس وصاية بدأت منذ ذلك اليوم ومابعده تدب الخلافات بين الملك فاروق وبين الوزارة الوفدية القائمة آنذاك برئاسة مصطفي النحاس باشا حيث كان الوفد قد كون فرقا من الشباب تسمي فرق القمصان الزرقاء ردا على تشكيل حزب مصر الفتاة فرقا بإسم القمصان الخضراء تكون مهمتها حراسة مقرات حزب الوفد ومنع أى محاولات للإعتداء عليها أو علي الشخصيات الوفدية المعروفة وبالطبع فقد أوصل رجال القصر للملك فاروق أن تلك الفرق ستمثل خطرا على الملك نفسه فلا يستطيع مواجهة حزب الوفد أو إقالة الوزارة الوفدية إن لزم الأمر وفي ظل تلك الأحداث والوقائع بدأت تدب خلافات داخلية أيضا في حزب الوفد حيث كان لمحمود فهمي النقراشي باشا وزير المواصلات آنذاك وجهة نظر في ضرورة حل فرق القمصان الزرقاء وكذلك كان معارضا علي ترسية عطاء مشروع كهربة خزان أسوان علي شركة إنجليزية دون إجراء مناقصة وأيده في ذلك أحمد ماهر باشا رئيس مجلس النواب الوفدى وترتب على هذا الأمر إستبعاد وفصل محمود فهمي النقراشي باشا من حزب الوفد وخروجه من الوزارة التي تم إجراء تعديل في تشكيلها يوم أول أغسطس عام 1937م وحاول أحمد ماهر باشا أن يتوسط بين الملك والنحاس باشا للوصول إلي حلول للخلافات التي دبت بين الملك ورئيس مجلس الوزراء ولكن جهوده لم تفلح في هذا الشأن فحاول أن يكتسب تأييد أعضاء حزب الوفد ضد النحاس باشا وأعلن أنه سيقبل الوزارة إذا ماطلب من شخصية وفدية تشكيلها إذا تم إقالة وزارة مصطفي النحاس باشا في حين أن النحاس باشا كان من رأيه عدم إشتراك أى شخصية وفدية في الوزارة القادمة إذا اقيلت وزارته وفشل أحمد ماهر باشا في إكتساب تأييد أعضاء الوفد وتعرض للإهانة عند خروجه من الجلسة التي نوقش فيها هذا الموضوع وإنتهي الأمر بخروجه من حزب الوفد أيضا وتكوينه هو ومحمود فهمي النقراشي باشا لحزب السعديين أو الحزب السعدى نسبة إلى سعد زغلول باشا ولكنه ظل رئيسا لمجلس النواب .

ولما قامت الحرب العالمية الثانية يوم 2 سبتمبر عام 1939م كان رئيس مجلس الوزراء آنذاك علي ماهر باشا وفي خلال الأيام والأسابيع الأولى للحرب حاولت الحكومة البريطانية ممثلة في السفير البريطاني في مصر مع الحكومة المصرية أن تدفعها إلي إعلان الحرب علي أعداء بريطانيا إلا أن علي ماهر باشا بحنكته ومكره ودهائه المشهود له بهم أخذ يناور ويراوغ ويسوف ويماطل السفير البريطاني وبلا شك أنه كان محقا في ذلك تماما وكان من رأيه ضرورة تجنيب مصر شر وأضرار وويلات الحرب خاصة وأنها حرب ليس لمصر فيها ناقة ولاجمل ولذلك فقد قام الإنجليز بالضغط علي الملك فاروق من أجل إقالة علي ماهر باشا وتشكيل وزارة تكون قادرة علي الإلتزام بتنفيذ بنود معاهدة عام 1936م وفي النهاية إضطر علي ماهر باشا لتقديم إستقالته وتم تكليف حسن صبرى باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والتي إنتهجت نفس نهج وسياسة وزارة علي ماهر باشا في ضرورة تجنيب مصر ويلات الحرب إلا أن حسن صبرى باشا تمكن من وضع خطة تعاون بين مصر وبريطانيا بالإتفاق مع السفير البريطاني في مصر السير مايلز لامبسون بحيث تسمح مصر لبريطانيا بإستخدام المطارات والموانئ والطرق المصرية وتقديم مايمكن من الخدمات لمساعدة القوات البريطانية في مصر طبقا لنصوص معاهدة عام 1936م وبدون إعلان الحرب علي أعداء بريطانيا مما أدى إلي تحسن العلاقات كثيرا بين الوزارة والسفير البريطاني ولكن من ناحية أخرى حدث توتر في العلاقات بين الوزراء السعديين الذين كانوا يشكلون أهم المجموعات الحزبية داخل الوزارة من ناحية وبين رئيس مجلس الوزراء وباقي الوزراء من ناحية أخرى حيث كان من رأى الحزب السعدى وعلي رأسه أحمد ماهر باشا رئيس مجلس النواب حينذاك التصدى للقوات الإيطالية التي أصبحت تهدد الحدود الغربية لمصر وتتوغل فيها وألا تترك مصر هذه المهمة للقوات البريطانية وخالفهم حسن صبرى باشا وباقي أعضاء الوزارة في هذا الرأى وإنتهي الأمر بإنسحاب الوزراء السعديين من الوزارة مما سبب حرجا بالغا لرئيس مجلس الوزراء حسن صبرى باشا ووضعه في موقف لا يحسد عليه .

ولم يكتف الحزب السعدى بذلك بل شن السعديون حملة تنادى بأن يكون لمصر دور أكثر تحديدا ووضوحا بخصوص إشتراكها في الحرب من عدمه ومع زيادة توغل القوات الإيطالية في الأراضي المصرية من ناحية الغرب كانت الحملة تزداد شراسة علي الحكومة ورئيسها وأخذ الدكتور أحمد ماهر باشا رئيس الحزب السعدى ورئيس مجلس النواب يضغط على الوزارة القائمة في البلاد من أجل توضيح سياسة وموقف مصر من الحرب وضرورة دعوة البرلمان إلي الإنعقاد لدراسة الأمر في ضوء تطورات الحرب التي بدأت تدق طبولها علي الحدود الغربية لمصر وتم دعوة البرلمان للإنعقاد يوم 14 نوفمبر عام 1940م وبالفعل تم إفتتاح الدورة البرلمانية وفي حضور الملك فاروق ورئيس مجلس الوزراء والذى كان يتوقع جلسة برلمانية نارية ومعارضة شرسة سيواجه فيها رئيس مجلس النواب والنواب ولكن القدر لعب لعبته وأعفاه من الحرج فبينما هو يلقي خطاب العرش الذى يحدد فيه ملامح برنامج حكومته فإذا به يصاب بأزمة قلبية حادة تؤدى إلى وفاته في الحال علي الرغم من محاولات إنقاذ حياته التي بذلها كل من الدكتور علي إبراهيم باشا وزير الصحة آنذاك وطبيب الملك فاروق الخاص الدكتور عباس الكفراوى الذى كان حاضرا ومتواجدا مع الملك وعلي الفور بدأت رحلة البحث عن رئيس وزراء جديد خلفا لحسن صبرى باشا وتم إختيار حسين سرى باشا والذى كان يشغل منصب وزير الأشغال العمومية في وزارة حسن صبرى باشا ليكون رئيسا لمجلس الوزراء وعليه أصبح مطلوبا الآن من حسين سرى باشا مواجهة الموقف الحرج الذى كان سلفه حسن صبرى باشا سيواجهه في البرلمان ولكن القدر لعب لعبته وأعفاه منه وبالفعل تمت مناقشة هذا الأمر في البرلمان علي مدى 33 جلسة سرية وكان من رأى الحكومة عدم إشتراك وتورط مصر في الحرب وبعد مناقشات حامية الوطيس تمكنت الحكومة من الحصول على ثقة مجلس النواب والموافقة على وجهة نظرها التي تقضي بتجنيب مصر ويلات الحرب وهي نفس سياسة الحكومتين السابقتين حكومة علي ماهر باشا وحكومة حسن صبرى باشا .

ومابين يوم 4 فبراير عام 1942م وحتي يوم 8 أكتوبر عام 1944م كانت الوزارة القائمة هي وزارة الوفد برئاسة مصطفي النحاس باشا وبعد زوال الخطر الذى كان يهدد بقاء الإنجليز في مصر بعد إنتصار الحلفاء علي قوات المحور في معركة العلمين تلقي الملك فاروق الضوء الأخضر من بريطانيا بأن بقاء أو رحيل الوزارة هو شأن مصرى داخلي ومن ثم سارع بإقالتها منتهزا فرصة الأزمة التي حدثت بينه وبين الوزارة بخصوص إيقاف غزالي بك مدير الأمن عن العمل لتنفيذه أوامر الملك دون العودة لرؤسائه إلى جانب الأزمات الإقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية وفي اللحظة التي كان يتسلم فيها النحاس باشا كتاب إقالة وزارته كان أحمد ماهر باشا رئيس الحزب السعدى يتسلم كتاب تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة وهو الأمر الذى كان يحلم به الملك فاروق طوال سنتين ونصف السنة حيث فرضت عليه الوزارة الوفدية فرضا على غير رغبته ولم يستطع التخلص منها طوال هذه المدة خشية أن تكرر بريطانيا حادث 4 فبراير عام 1942م وتهدده بخلعه عن العرش وعلي الفور بدأ أحمد ماهر باشا في مشاورات تشكيل الوزارة الجديدة وكادت أن تحدث أزمة أثناء تلك المشاورات وأن يتعثر تشكيل الوزارة بسبب مكرم عبيد باشا الذى كان قد تم فصله من الوفد فقام بتأسيس حزب سماه الكتلة الوفدية وطالب بأن تكون له حقائب وزارية مماثلة لباقي الأحزاب التي ستشارك في الوزارة فتدخل القصر ممثلا في أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي ومارس عدة ضغوط علي الأطراف المعنية وتم حل الأزمة العنيفة التي كادت أن تعصف بالوزارة قبل تشكيلها .


وشمل التشكيل الوزارى لتلك الوزارة وزراء من كل من الحزب السعدى وحزب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني وحزب الكتلة الوفدية وإحتفظ أحمد ماهر باشا في تشكيل الوزارة بمنصب وزير الداخلية إلي جانب رئاسة الوزارة وشمل التشكيل الوزارى محمود فهمي النقراشي باشا وزيرا للخارجية ومكرم عبيد باشا وزيرا للمالية وأحمد عبد الغفار باشا وزيرا للزراعة وإبراهيم الدسوقي أباظة باشا وزيرا للمواصلات وإبراهيم عبد الهادى باشا وزيرا للصحة العمومية وحافظ رمضان باشا وزيرا للعدل ومحمود غالب باشا وزيرا للأشغال العمومية ومصطفي عبد الرازق باشا وزيرا للأوقاف ومحمد حسين هيكل باشا وزيرا للمعارف العمومية والشئون الإجتماعية والسيد بك سليم وزيرا للدفاع الوطني وراغب بك حنا وزيرا للتجارة والصناعة وطه بك عبد الوهاب السباعي وزيرا للتموين ومنذ اليوم الأول لتولي تلك الوزارة الحكم تبنت سياسة الهجوم الشرس علي الوفد وعلى مصطفي النحاس باشا شخصيا بهدف القضاء علي شعبيتهما وتدميرهما وإقصائهما تماما بعيدا عن الحياة السياسية وتم إتهام النحاس باشا بأنه من أسوأ الديكتاتوريين وأنه كان يريد حكم مصر بأساليب هتلر وموسوليني القمعية كما أعلن مكرم عبيد باشا عن نيته في نشر المزيد من الفضائح والمطاعن عن النحاس باشا وزوجته وأسرتها لم يتضمنها كتابه الأول المسمى بالكتاب الأسود وعند هذا الحد تدخل السفير البريطاني في مصر السير مايلز لامبسون ناصحا بهدف عدم التمادى في هذه السياسة التي وصفها بالتهور وعدم الحكمة وقد إستجابت الحكومة لنصيحة السفير البريطاني وتوقفت تلك السياسة بالفعل إلا أنها قامت بإلغاء كافة الترقيات والعلاوات والمعاشات الإستثنائية التي كانت قد أقرتها حكومة حزب الوفد خلال المدة من شهر فبراير عام 1942م وحتي شهر أكتوبر عام 1944م وأعيد الكثير من الموظفين الذين إستبعدهم الوفد إلى أعمالهم وإحالة من تعاطف مع الوفد إلى المعاش وهكذا كان دأب الحكومات في تلك الفترة فالحكومة التي تتولى الحكم تغدق علي أنصارها وتميزهم وتضطهد أنصار خصومها فإذا تغيرت الحكومة وجاءت حكومة أخرى فعلت نفس الشئ بحجة رد المظالم إلي من أضيروا في عهد الحكومة التي سبقتها وهكذا وبالإضافة إلى ذلك تقرر تشكيل لجنة برئاسة مكرم عبيد باشا وزير المالية لفحص جميع القرارات والتصرفات المالية التي تم إقرارها في عهد حكومة الوفد السابقة والتي تمس نزاهة الحكم كما قررت الوزارة إطلاق سراح من كانوا رهن الإعتقال ممن تعاطفوا مع المحور وممن ساهموا في طبع الكتاب الأسود والذين تم إعتقالهم بموجب الأحكام العرفية التي كان قد تم إعلانها في بداية قيام الحرب العالمية الثانية في عهد وزارة علي ماهر باشا في شهر أغسطس عام 1939م .


وفي عهد تلك الوزارة ولحل المشاكل التموينية والنقص الحاد في السلع الضرورية تقرر إستيراد كميات كبيرة من القمح والزيت ومراقبة توزيع السلع التموينية حتي لا تتسرب للسوق السوداء كما تم إقرار توزيع الأقمشة عن طريق البطاقات لمكافحة السوق السوداء أيضا مع إعادة تنظيم مكاتب التموين وتعميم نظام البطاقات التموينية بعد عمل حصر دقيق للسكان والعائلات وتقرر أيضا تخفيض أسعار السكر والكيروسين ورفع فئات إعانة الغلاء ووضع كادر جديد لعمال اليومية وإصدار أمر عسكرى بزيادة إعانة غلاء المعيشة لعمال المحال والمنشآت الصناعية والتجارية كما تم إنصاف العديد من طبقات الموظفين
وكان من أهم ما أنجزته تلك الوزارة عقد إتفاق مع بريطانيا من أجل إستيراد أنواع من السلع الضرورية والتخفيف من القيود التي كانت تحكم عملية الإستيراد وقد أدى هذا الإتفاق إلى إلغاء رقابة مركز تموين الشرق الأوسط علي إستيراد السلع والذى كان يمثل حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة الأميريكية ولا يجوز الحصول على تراخيص لإستيراد السلع إلا بعد موافقته والحصول على توصية منه بذلك وقد أدى هذا الإتفاق أيضا إلي زيادة كبيرة في مجال إستيراد السلع الضرورية للبلاد وفي يوم 15 نوفمبر عام 1944م صدر مرسوم بحل مجلس النواب والدعوة إلي إجراء إنتخابات جديدة يوم 8 يناير عام 1945م مع تحديد يوم 18 يناير عام 1945م موعدا للجلسة الأولي للمجلس المنتخب الجديد وتم إجراء الإنتخابات بالفعل والتي قاطعها حزب الوفد وجاءت النتائج فوز عدد 125 نائبا من الحزب السعدى وعدد 74 نائبا من حزب الأحرار الدستوريين وعدد 29 نائبا من حزب الكتلة الوفدية وعدد 7 نواب من الحزب الوطني وعدد 29 نائبا من المستقلين وليكتمل مجموع النواب 264 نائبا كما صدر مرسوم بإعادة تعيين النواب الذين تم إستبعادهم من مجلس الشيوخ في عهد حكومة الوفد السابقة وفي ضوء نتائج الإنتخابات قدم أحمد ماهر باشا إستقالة وزارته يوم 15 يناير عام 1945م للملك فاروق الأول كما يقضي الدستور فأعاد الملك فاروق تكليفه بتشكيل الوزارة من جديد بإعتبار أن الحزب السعدى الذى يترأسه هو الحزب الحاصل علي نسبة الأغلبية في تلك الإنتخابات .

وقام أحمد ماهر باشا بإعادة تشكيل الوزارة من جديد وقد ضمت هذه الوزارة نفس الوزراء الذين كانوا في الوزارة السابقة دون تغيير يذكر اللهم إلا بعض التنقلات بين الوزراء وبعد تشكيل الوزارة الجديدة بساعات صدر بلاغ من الديوان الملكى بإعلان خطبة الأميرة فايزة شقيقة الملك إلى الوجيه محمد على رؤوف حفيد الأميرة فاطمة إسماعيل عمة الملك وعقد مجلس الوزراء جلسة خاصة حيث وافق على مشروع مرسوم قدمه وزير الداخلية بمنح العريس الجنسية المصرية حيث كان أبوه من كبار قواد الجيش التركى ولما لم يصدر المرسوم لأسباب فقهية تقدمت رئاسة الوزارة بمشروع مرسوم آخر بإضافة مادة إلى قانون الجنسية المصرى يقضى بوضع نظام خاص للأسرة المالكة تجيز منح الجنسية المصرية لأصهارها بموجب أمر ملكى وكانت القضية الملحة التى واجهتها وزارة أحمد ماهر باشا فى أعقاب تشكيلها هى قضية دخول مصر الحرب فقد ظلت مصر منذ قيام الحرب العالمية الثانية وعلى إمتدادها طوال أكثر من 5 سنوات دولة غير محاربة بالرغم من كل ما أحاط بها من مخاطر القتال وقيام معركة العلمين الشهيرة بين قوات الحلفاء والمحور في شهرى أكتوبر ونوفمبر عام 1942م علي أرض مصر وإستمرت الوزارات المتعاقبة منذ وزارة علي ماهر باشا التي تشكلت في شهر أغسطس عام 1939م تنفذ سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب وحتى عهد وزارة أحمد ماهر باشا الثانية وبينما كانت الحرب قد قاربت علي الإنتهاء وتم حسم نتائجها بشكل شبه نهائي لصالح الحلفاء عاد موضوع قضية دخول البلاد الحرب يفرض نفسه بعد قرار مؤتمر يالتا وهي مدينة روسية حيث تقرر عقب الإجتماع الذى عقده أقطاب الحلفاء فى تلك المدينة عدم إشتراك أى دولة فى مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميريكية لإعلان تكوين منظمة الأمم المتحدة والذى تقرر إنعقاده يوم 25 أبريل عام 1945م مالم تكن هذه الدولة قد أعلنت الحرب على دول المحور قبل يوم أول مارس عام 1945م .


ولم يكن أمام أحمد ماهر باشا وحكومته إلا الإستجابة لطلب تقدم به السفير البريطانى فى منتصف شهر فبراير عام 1945م بإعلان مصر دولة محاربة إذا رغبت فى عضوية مؤتمر سان فرانسيسكو وأثناء مناقشة هذه المسألة فى مجلس الوزراء هدد بعض الوزراء بالإستقالة إذا أقدمت مصر على هذه الخطوة لولا تدخل القصر الذى تمكن من إقناعهم بأن مصلحة مصر تقتضى إعلانها الحرب علي دول المحور لكي تتمكن من الإنضمام إلي المنظمة العالمية الجديدة خاصة وأن هذا الأمر يعد أمرا شكليا وأن الحرب قد إنتهت بالفعل ولن تتورط مصر في حروب ومعارك فعلية وفى هذا الجو المضطرب المملوء بالمحاذير إجتمع البرلمان يوم السبت 24 فبراير عام 1945م لبحث ومناقشة المسألة وإتخاذ قرار حاسم بشأنها وكانت الوزارة قد أعدت بيانا وافقت فيه على إعلان مصر دخول الحرب تمهيدا لإنضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة وبعد أن ألقى الدكتور أحمد ماهر باشا بيان الوزارة أمام مجلس النواب كان عليه أن ينتقل إلى قاعة مجلس الشيوخ ليدلى ببيان آخر وفى الطريق وأثناء إجتيازه البهو الفرعونى الذى يفصل بين المجلسين أطلق عليه محام شاب إسمه محمود العيسوى الرصاص فأصابه فى مقتل وعلل جريمته بأن أحمد ماهر باشا قد ضحى بمصالح بلاده بإعلان مصر الحرب علي دول المحور وبذلك أسدل الستار على عهد وزارة أحمد ماهر باشا الثانية ولم يكن قد مر على تشكيلها سوى حوالي 40 يوم فقط وجدير بالذكر أن الملك فاروق عند سماعه الخبر أسرع إلي مبني البرلمان مصطحبا طبيبه الخاص لكي يحاول إنقاذ حياة أحمد ماهر باشا إن أمكن في سابقة لم تحدث من قبل ولا من بعد وليكون أحمد ماهر باشا ثاني رئيس وزراء ينتقل إلي رحمة الله في البرلمان وكان الأول هو حسن صبرى باشا الذى فاجأته أزمة قلبية أودت بحياته وهو يدلي بخطاب العرش أمام البرلمان في يوم 14 نوفمبر عام 1940م .

وبمصرع أحمد ماهر باشا تم تكليف محمود فهمي النقراشي باشا وكيل الحزب السعدى ورفيق درب أحمد ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة وتكريما لأحمد ماهر باشا وافق مجلس الوزراء الجديد علي إعتماد مبلغ 24 ألف جنيه للبدء فى عمل تمثال وضريح لأحمد ماهر باشا كما قرر المجلس صرف معاش إستثنائى قدرة 1500 جنيه فى السنة لأرملة الدكتور أحمد ماهر باشا وتقرير مبلغ 20 ألف جنيه تعويضا لكريمته إعترافا بما أداه والدها من خدمات لمليكه وللبلاد وجدير بالذكر أن هذا الحادث كان هو ثاني حادث يتم فيه إغتيال رئيس وزراء فى تاريخ الوزارات المصرية حتى ذلك الوقت وكانت الأولى حادثة إغتيال بطرس غالى باشا قبل ذلك بحوالي 35 عام فى يوم 10 فبراير عام 1910م عندما أطلق عليه شاب يدعي إبراهيم ناصف الورداني الرصاص فأرداه قتيلا بسبب المحاولة التي جرت في ذلك الوقت لمد إمتياز قناة السويس لسنوات أخرى وكانت تناقش في مجلس الوزراء وجدير بالذكر ايضا أنه جرت محاولتان فاشلتان لإغتيال السلطان حسين كامل أثناء فترة حكمه عام 1915م ومحاولة فاشلة لإغتيال يوسف وهبة باشا رئيس مجلس الوزراء أواخر عام 1919م علي يد طالب يدرس في مدرسة الطب حينذاك يدعي عريان يوسف سعد وأخيرا كانت أيضا قد جرت محاولة فاشلة لإغتيال مصطفي النحاس باشا رئيس مجلس الوزراء أثناء فترة حكومة الوفد مابين شهر مايو عام 1936م وشهر ديسمبر عام 1937م علي يد عضو بحزب مصر الفتاة هذا بالطبع غير حادثة مقتل السردار السير لي ستاك في شهر نوفمبر عام 1924م كما أن حادثة مقتل أحمد ماهر باشا تلتها موجة من الإغتيالات خلال الفترة من عام 1945م وحتي عام 1949م شملت أمين عثمان باشا وزير المالية في حكومة الوفد والمستشار أحمد الخازندار ورئيس مجلس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم غير عدة محاولات فاشلة جرت لإغتيال مصطفي النحاس باشا ومحاولة فاشلة لإغتيال إبراهيم عبد الهادى باشا رئيس مجلس الوزراء في شهر مايو عام 1949م .
 
 
الصور :