الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية

شاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية
عدد : 04-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com

محمد إقبال هو شاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية ويعد أحد أبرز وأعظم شخصيات الإصلاح الديني في العصر الحديث وبحسب كثيرين من الباحثين فإن دور إقبال في الهند وباكستان لا يقل عن الدور الإصلاحي الذي مارسه محمد عبده في الوطن العربي فكلاهما شخصيتان إسلاميتان كان لهما أثر إصلاحي كبير في المشرق الأقصى وفي المشرق العربي ولا يتوقف الشبه بينهما علي ذلك فحسب وإنما يتعداه إلى الظروف التي أحاطت بكليهما فكلاهما عاش في القرن التاسع عشر الميلادى وأدرك القرن العشرين الماضي وكلاهما حفظ القرآن الكريم ووقف على حياة الشرق بسبب ميلاده ومعيشته ونشأته فيه كما رأى حياة الغرب بالإرتحال إليه والإقامة فيه فترة من الزمان وقد تجلت عظمة هذا الرجل في أدوار حياته المتباينة فهو المثقف الناطق بالفارسية والأُوردية والعربية والإنجليزية والألمانية وهو الشاعر المفعم بالمعاني والذي هزت أشعاره أرجاء العالم الإسلامي وهو الفيلسوف البارز ربيب جامعتي كامبريدج وميونيخ وهو الصوفي صاحب الحكمة المشرقية وهو السياسي الذي خطط لقيام دولة باكستان وفي الوقت ذاته فقد عايش إقبال حضارات متعددة فهو نزيل الهند ومصر وإنجلترا والمانيا وإيطاليا وأسبانيا وهذا ما حدا بالأديب الألماني هرمان هِسه إلى أن يصف إقبال بقوله ينتمي السير محمد إقبال إلى ثلاثة أحياز روحية وهذه الأحياز الروحية الثلاثة هي منابع آثاره العظيمة وهي حيز القارة الهندية وحيز العالم الإسلامي وحيز الفكر الغربي بيد أنه مع هذا كله يظل إبنا بارا للثقافة الإسلامية كما أنه كان وثيق الصلة بأحداث المجتمع الهندي حتى أصبح رئيسا لحزب العصبة الإسلامية في الهند ثم العضو البارز في مؤتمر الله أباد التاريخي وهي مدينة تقع في شمال الهند حاليا كان قد تم عقد مؤتمر الرابطة الإسلامية بالهند بها عام 1930م ونادى محمد إقبال خلاله بضرورة إنفصال المسلمين عن الهندوس ورأى تأسيس دولة إسلامية تضم مسلمي الهند إقترح لها إسم باكستان وهو الأمر الذى تحقق بالفعل ولم يره حيث كان تحقيقه بعد وفاته بحوالي 9 أعوام ومما يذكر أن سيدة الغناء العربي أم كلثوم قد قامت بغناء إحدى قصائده المعروفة التي كان قد كتبها باللغة الأوردية ثم ترجمها إلي اللغة العربية وهي قصيدة حديث الروح والتي قام بتلحينها الموسيقار الكبير الراحل رياض السنباطي .

وعن السيرة الذاتية للشاعر والأديب الكبير محمد إقبال فقد كان قد إهتدى أحد أجداده إلى الاسلام قبل حكم الملك المغولي الشهير أكبر ونزح هذا الجد إلى مدينة سيالكوت بإقليم البنجاب الذى كان يتبع الهند في السابق وأصبح يتبع باكستان بعد إنفصالها عن الهند عام 1947م وولد محمد إقبال في هذه المدينة في يوم 9 نوفمبر عام 1877م ونشأ بها وبدأ تعليمه في سن مبكرة على يد أبيه ثم إلتحق بأحد مكاتب التعليم في سيالكوت وفي السنة الرابعة من تعليمه رأى أبوه أن يتفرغ للعلم الديني ولكن أحد أصدقاء والده وهو الأستاذ مير حسن لم يوافق وقال هذا الصبي ليس لتعليم المساجد وسيبقي في المدرسة وإنتقل إقبال بعد ذلك إلى المرحلة الثانوية حيث كان أستاذه مير حسن يدرس الآداب العربية والفارسية وكان قد كرس حياته للدراسات الإسلامية وبدأ إقبال في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة من حياته وشجعه على ذلك أستاذه مير حسن فكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية ولكن السيد مير حسن وجهه إلى النظم باللغة الأوردية وكان إقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوى الشاعر الهندى البارز في الشعر الأوردى حتى يبدي رأيه فيها وينصحه بشأنها وينقحها ولم تمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح وقد عاش داغ وقد بلغت أشعار إقبال الآفاق فكان يفخر بعد ذلك أنه من نقّح شعر إقبال في صباه وقد خلف إقبال عدة دواوين شعر باللغتين الفارسية والأُوردية وتم ترجمتها إلى اللغة العربية وقد أتم إقبال دراسته الثانوية في مدينته ومسقط رأسه سيالكوت ثم بدأ دراسته الجامعية بإجتياز الإمتحان العام الأول بالجامعة الحكومية في عام 1891م ثم تخرج منها بعد حصوله علي إجازة الآداب في عام 1897م وكان عمره حينذاك 20 عاما ومما يذكر أنه درس اللغة الفارسية والعربية إلى جانب لغته الأوردية وحصل على تقديرات مرموقة في إمتحان اللغة العربية في الجامعة الحكومية التي درس بها وإنتقل محمد إقبال بعد ذلك إلي لاهور عاصمة إقليم البنجاب في باكستان حاليا وهناك أتم دراسته للفلسفة في جامعتها وفي هذه الجامعة تعرف إقبال على المستشرق البريطاني الشهير السير توماس أرنولد والذى كان أستاذا مباشرا له وهو أول من تعلم منه من الأوربيين وتكريما لذكراه نَظَم إقبال قصيدة نُواح الفراق عند موته وواصل إقبال بعد ذلك تعليمه حتى حصل على درجة الماجستير من جامعة لاهور بدرجة الإمتياز في عام 1899 م ثم عين أستاذا للتاريخ والفلسفة السياسية في الجامعة ذاتها ثم إنتقل بعدها كباحث في جامعة كامبرديج ببريطانيا ونال منها شهادة ماجستير أخرى في القانون والإقتصاد وخلف أستاذ قسم اللغة العربية فيها لتدريس آداب اللغة العربية لمدة ثلاثة أشهر ثم رحل إقبال بعد كامبريدج إلى المانيا رائدة الفلسفة في القرن العشرين الماضي وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة ميونيخ بجنوب المانيا وكان عنوان رسالته إزدهار ما وراء الطبيعة في الحضارة الفارسية .

وبعد ذلك عاد إقبال إلى موطنه في شهر يوليو عام 1908م ولم يتوقف عن التعليم والتعلم كما عمل بالمحاماة بعد أن قدم طلبا لتسجيله محاميا لدى القضاء الرئيسي وتم تسجيله بالفعل ولكن في شهر مايو عام 1909م عين أستاذا للفلسفة في جامعة لاهور ولم توافق المحكمة في أول الأمر على أن يتولى منصبين في الحكومة في آن واحد ولكنها في نوفمبر عام 1909م وافقت على تعيينه وصدر قرار تحت عنوان الموافقة على تعيين محام في المحكمة كأستاذ مؤقت في الجامعة الحكومية وكان ذلك علي سبيل الإستثناء لإقبال وهذا يصور لنا مدى أهمية إقبال ومكانته في بلاده حينذاك وقد إستمرت هذه الثنائية حوالي عامين ونصف إستقال بعدها من العمل بالتدريس ليكون أكثر تفرغًا للمحاماة وممارسة القانون ونظم الشعر وذلك نتيجة لحبه لمهنة المحاماة والحقوق وكان يتابع المؤتمرات والإجتماعات التي كانت تعقدها الجامعة حيث كان له دور واضح في إصلاح حالة التعليم في بلده في هذا الوقت وفي الوقت ذاته كان دائم الصِلة بالكلية الإسلامية في لاهور وقد دعي إلى عدد من مؤتمرات إصلاح التعليم في الهند ونشط في زيارات متتالية للجامعات والمؤسسات التعليمية في شبه القارة الهندية والوطن العربي جنبا إلى جنب مع محاضراته في البلدان الأوروبية حيث دعي إلي جامعة القاهرة وألقى عددا من المحاضرات هناك كان منها محاضرة باللغة الإنجليزية عن تطور الفكر الإسلامي كما زار القدس في تلاثينيات القرن العشرين الماضي ورحب به في المؤتمر الإسلامي هناك وألقى فيه كلمة عن الحضارة الإسلامية كما قام إقبال بتأليف كتاب في علم الإقتصاد ولم يصرفه التدريس عن نظم الشعر بل ظل يشارك في محافل الأدب وجلسات الشعر والتي يسمونها في شبه القارة الهندية مشاعرة وقد لاقي شعر إقبال الترحيب اللائق به بين العرب حين ترجمت قصائده إلى اللغة العربية وقيل في ذلك لانعرف كشعر إقبال معرفة بالحياة وداعيا إليها معظما للإنسان ونافثا الأمل والهمة والإقدام وكان مما يميز شعر إقبال أنه مفعم بالحب والطموح والإيمان وقد مزجه بقضايا الشرق والإسلام وضمن فيه فلسفته الخاصة وشحنه بالشجن والتأمل في الذات حتى إنجذب له أرباب البيان العربي وإعتبروا إقبال فيلسوف الإسلام وشاعره في شبه القارة الهندية أو بحد تعبير عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إن إقبال بشعره فرض المجد الأدبي الإسلامي على مر الزمان وفي مزج إقبال بين شعره وفلسفته يقول الروائي والشاعر نجيب الكيلاني وإقبال لم يرد للشعر أن يكون فلسفة محضة لكنه يريد للشعر أن يمتزج بألوان الفكر وصادق النظرات وحقائق الوجود وكنه الكائنات وأن يناجي النسائم ويصقل العقول ويسطر وثائق التحرير والكفاح ويحكم في قضايا الناس .

ولم ينشد إقبال الشعر مجردا بل مزج مع الشعر أمورا أخرى من الفلسفة والفكر والخيال والفن حتى بلغت ذُروة أشعاره في الأبيات التي ضمنها رؤيته الفلسفية للوجود والكون ونظرته للحياة وقد غلبت على بعض أشعار إقبال الرمزية وإستخدم الرموز في عناوين دواوينه مثل ديوانه الأسرار والرموز ومن خلال هذا المزج الرائع الواسع بين الفلسفة والشعر إنتقل إقبال وشعره إلى القارئ العربي فعرف وإشتهر بين العرب بأنه الفيلسوف الشاعر ولذا فقد عرف العالم العربي والإسلامي فلسفة إقبال من أشعاره أكثر مما عرفها من كتبه وقد زاد من إحتفاء العرب بإقبال الإهتمام الذي أولاه في شعره للوحدة الإسلامية ورفعة شأن العرب إذ بحسب الشيخ صلاح شعلان وهو من ترجم أعمال إقبال لم يهتم شاعر غير عربي قبل إقبال بأمجاد العرب والإسلام إهتمامه بهما فقد تكلم عن مجد العروبة وأثر الإسلام في رقي الأمم وتناول قضايا عربية بحتة مثل قضية فلسطين وأمجاد العرب في صقلية وقرطبة بل وجه إلى العرب أغلب دواوينه وقد إعتبر بعض الباحثين أن إقبال أعجمي ذو لحن حجازي لكثرة ما دندن حول العرب والعروبة وعن قضايا الإسلام فقد كان شعر إقبال حاضرا على الدوام فإقبال كثيرا ما كان يوظّف شعره للأحداث التي يتعرض لها المسلمون فحين نشبت الحرب البلقانية عام 1912م وعام 1913م بهدف السيطرة على أراضي الدولة العثمانية في أوروبا نظم قصيدة في هجاء الحضارة الغربية وسطّر في قصائده آهات المنكوبين ونظم قصيدة البلاد الإسلامية في الرد على الوطنية بمعناها الضيق والتي تسمو فوق روابط الإيمان ليعلن أن المسلمين إخوة وكتب عددا من القصائد الإسلامية العامة مثل يا هلال العيد والمسلم والصديق وبلال وشكوى إلى الرسول وغيرها الكثير من القصائد التي دوت في المشارق والمغارب ولم تتوقف أشعار إقبال عند حد الشعر الحماسي فتحولت قصائده إلى أغان كتب لها الإنتشار في الوطن العربي ومن أشهرها كانت قصيدة حديث الروح التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم كما ذكرنا في صدر هذا المقال .

ولم تأخذ الحياة الأكاديمية والفلسفة والشعر إقبال إلى عزلة بعيدة في قبو عن الحياة والواقع بل كان ملتحما بالواقع والحياة إلى حد كبير وعاش حياة مشتبكة في ميادين الحياة الفسيحة فعلى سبيل المثال على الرغم مما عرف عنه من تصوف لم ينسحب إقبال بهذا التصوف عن الحياة بل جعل التصوف مرادفا للجهاد في سبيل الله فقد إنتقد إغراق بعض رجال الدين في التخيل والطرق الصوفية وتطرق حديثه مع بعض الناس إلى تواجد بعض المتصوفين وطَربهم للسماع فقال إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتملكهم الطرب والإهتزاز والأريحية على صهوات الجياد في ساحة الجهاد وقد جعل إقبال المنافحة عن الحضارة الإسلامية ومحاولة إستئناف مسيرتها هي شغله الشاغل ففي بحوثه الفلسفية عقد مقارنات بين الفلسفة الإسلامية وما توصل إليه الفكر الأوروبي الحديث من نتائج وأظهر سبق وقيمة الحضارة الإسلامية وبهذا المنهج أعطى إقبال للمسلمين الثقة في تراثهم القديم وخاصة عندما إكتشفوا أنه يضاهي في بعض نظرياته التي ظلّت مطمورة أحدث النظريات العلمية التي توصلت إليها أوروبا في العصر الحديث ولم يتوقف الدفاع عن الحضارة الإسلامية عند بحوث إقبال الأكاديمية فقد كان بعث نهضة المسلمين من جديد هو شغله الشاغل في محاضراته العامة وهو ما جعله يخاطب العرب مستنهضا لهم ورافعا من شأنهم أيها العرب ألا ترون الأمم الأخرى كيف نهضت وتقدمت وسبقت أما أنتم فما قدرتم هذه الصحراء التي نشأتم فيها والحرية التي ورثتموها فقد كنتم أمة واحدة أمة الإسلام فصرتم اليوم أُمما وأحزابا لقد فرقكم الله ومزق شملكم وإنقسمتم على أنفسكم وقد نادى إقبال في شعره جميع المسلمين للتوحد على أساس الوحدة الإسلامية وأكد أواصر الأخوة بين العرب والمسلمين من أنحاء العالم وقد زار الحجاز وتواصل مع العرب هناك وزار المدينة المنورة مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم شوقا إليه كما أخبر إقبال وأنشد هناك شعرا من أصدق الأشعار وأقواها وكان منه لما أطل محمد زكت الربي وإخضر في البستان كل هشيم وأذاعت الفردوس مكنون الشذى فإذا الورى في نضرة ونعيم .

وبخصوص رحلات إقبال إلي بعض الدول الأوروبية حيث عاش فيها عددا من السنين وحاز فيها على الأوسمة والُرتب العلمية بيد أنها لم ترق له وقد دلَّت آراؤه وشعره على ذلك من بعد فلم يعجَب بحضارة أوروبا ولم يخل عليه تمويهها ويقول إقبال في هذا الشأن مهلا أيها الغافلون إياكم والركون إلى الإفرنج والإعتماد عليهم إرفعوا رؤوسكم وإنظروا إلى الفتن الكامنة في مطاوي ثيابهم وقد إعتبر إقبال أن مبعث الحضارات إنما هو من المشرق وعلى أساس دين الإسلام وليس من أوروبا ومن هنا كانت موضوعات إقبال وشعره تمثل أفكاره وكانت بمثابة مفاتيح التراسل الفكري والروحي بين شبه القارة الهندية والبلاد العربية في مرحلة ما بعد إستعمار وإحتلال العديد من هذه البلاد وقد زاد بالطبع الموقف العدائي من أوروبا هذه الحملات الإستعمارية التي عايشها إقبال في الهند وأفريقيا والوطن العربي ولم يكن إقبال خلال رحلاته الأوروبية متلقيا فحسب بل كان مبلغا وحاملا لثقافته كذلك فقد عمل إقبال أستاذا في جامعات أوروبية عديدة وفي هذه المرحلة من حياته كان كثير التحدث عن الإسلام وثقافته وحضارته وألقى محاضرات في الإسلام نشرتها الصحف الكبيرة وقد ذاع صيته في إيطاليا حتى سمع به موسوليني حاكم إيطاليا حيث وجه له دعوة عقب مشاركته في مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن في عام 1930م وعام 1931م وكان منظم هذه الزيارة الدكتور كارلو سكاربا حيث كان معجبا بفكر إقبال وإيمانه بالإنسان وقدراته وذهب إقبال بالفعل إلي إيطاليا وإلتقى بموسوليني وألقى محاضرة في روما حضرها جمع غفير بين فيها الفرق بين مذهب كل من الحضارة الغربية والشيوعية والحضارة الإسلامية ووضح فيها رأيه حول أسباب تخلف المسلمين وإبتعادهم عن صدارة الأمم ووضح أن من أهم أسباب هذا التخلف هو بعد المسلمين عن دينهم الحنيف وذكر الناس بماضي المسلمين وحضارتهم وأن أثر الحضارة الإسلامية مايزال وسيظل باقيا للأبد بمشيئة الله تعالي في قارة أوروبا ثم زار أسبانيا في عام 1932م بعد أن حضر مؤتمر الدائرة المستديرة الثالث في لندن وحرص على مشاهدة المعالم الإسلامية هناك ووقف أمام جامع قرطبة الكبير الذى تحول إلي كنيسة وقفة شاعر مؤمن معتز بديانته الإسلامية العظيمة كما شعر بإنتماء عظيم إلى أمة الإسلام في الأندلس المفقود ورق فؤاده وغلبته عاطفته وحبه الطاهر للإسلام وتذكر أن الأذان لا يرتفع في هذا المسجد العظيم بأعمدته الجميلة تلك وقد كان يخشع له الكون من قبل وحن إلى الأذان وخاطب المسجد قائلا إنظر أيها المسجد إلى هذا الهندي الذي نشأ بعيدا عن مركز الإسلام ومهد العروبة نشأ بين الكفار وعباد الأصنام والنار والبقر إنظر كيف غمر قلبه الحب والحنان وكيف فاض قلبه ولسانه بالصلاة على نبي الرحمة الذي يرجع إليه الفضل في وجودك إنظر كيف سرى في جسده ومشاعره التوحيد والإيمان وأنشد قصيدته ذائعة الصيت في مسجد قرطبة والتي قال فيها قصر التاريخ ومسجده ما أروع ما صنعت يده للقوم بصدر حكايته صوت ما زال يردده في الصخر فنون سرائرنا بلطائفـنا نتعهده .

وكان لمحمد إقبال موقف معاد من الإستعمار في بلاده وفي بلاد العالم العربي والإسلامي كله وقد تجلى ذلك الموقف في حياته العامة والفكرية فلما دعي إقبال من قِبل فرنسا لزيارة المساجد التي إفتتحتها في مستعمراتها بأفريقيا أبى إباءا شديدا وإعتبر هذه المساجد هي ثمن تدمير دمشق وإحتلالها من قبل الرجل الأبيض وقد زاد هذا الموقف من مكانة إقبال بين المسلمين حتى سطّر شيخ العربية المصري محمود محمد شاكر هذا الموقف لإقبال وإعتبره وعيا منه بقضايا أمته التي لم تغب عنه قائلا وكان أعظم ما أدهشني رفض إقبال أن يدخل مسجد باريس ومقالته إن هذا المسجد ثمن رخيص لتدمير دمشق فلولا أن الرجل كان يعيش في حقيقة صريحة وذكر دائم لا ينقطع لَما نزل بنا وطَم لما خطر له هذا الخاطر أما دولة باكستان والتي نشأت بعد موت إقبال بحوالي 9 سنوات فتحتفل كل عام بمولد إقبال وهذا ليس غريبا إذ يعتبر إقبال هو المرجعية الفكرية الأولى في القارة الهندية وأول من نادى بإنشاء دولة مستقلة للمسلمين في شبه القارة الهندية وقد كان لإقبال الفضل في قيام دولة باكستان في نهاية المطاف بعد صراع طويل ضد الإستعمار والهندوس ففي أواخر ثلاثينيات القرن العشرين الماضي كانت أفكار الإستقلال عن الإستعمار البريطاني هي السائدة عند مسلمي الهند لكن مع إشتعال العنف الطائفي ضدهم بدأت أفكار الإنفصال والحكم الذاتي وقدم إقبال مقترحه لتأسيس دولة للمسلمين في الهند في خطاب ألقاه بمدينة الله أباد في دورة رابطة مسلمي الهند عام 1930م كما ذكرنا في صدر هذا المقال وقام بتقديم إستقالته من حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه المهاتما غاندي وطالب بدولة مستقلة للمسلمين وذلك بعد أن تكشف لزعماء المسلمين سوء نوايا بعض القيادات الهندوسية لحزب المؤتمر القومي من خلال عدة أمور كان أبرزها معارضتهم إبقاء اللغة الأوردية اللغة الرسمية في الإدارات الحكومية والمحاكم والمدارس في المناطق الشمالية الغربية من الهند والتي يتكلم غالبية سكانها هذه اللغة وبالفعل تأسست دولة باكستان ورأسها أحد معاونيه وهو الرئيس الأول لباكستان محمد علي جناح وذلك بعد وفاة إقبال بحوالي 9 سنوات والذى ظل وفيا لذكرى إقبال وكان دائما ما ينوه بدوره وأثره في إنشاء باكستان والخدمة التي أسداها لمسلمي الهند حتى بعد موته إذ كان يردد دائما كان إقبال لي صديقا ومرشدا وفيلسوفا وكان في أحلك الساعات التي مرت بالرابطة الإسلامية راسخا كالصخرة لم يتزلزل أو يهتز لحظة واحدة قط وحين نشأت جمهورية باكستان إتخذت من قصيدة النشيد الوطني لإقبال نشيدا وطنيا لها والتي يقول فيها الصين لنا والغرب لنا والهند لنا والكل لنا أضحى الإسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا توحيد الله لنا نور أعددنا الروح له سكنا في ظل السيف تربينا وبنينا العز لدولتنا .

وكانت وفاة شاعرنا الكبير محمد إقبال في يوم 21 أبريل عام 1938م في تمام الساعة الخامسة صباحا وذلك بعد أن إجتمع المرض عليه في السنوات الأخيرة من عمره حيث ضعف بصره لدرجة أنه كان لا يستطيع التعرف على أصدقائه بسهولة كما كان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق مما أدى إلى إصابته بإلتهاب شديد في حلقه وأدى ذلك بالتالي إلى خفوت صوته مما إضطره إلى إعتزال مهنة المحاماة وفكر في أن يقصد العاصمة النمساوية فيينا طلبا للعلاج إلا أن حالته المادية حينذاك لم تسمح له بذلك وتدخل صديقه رأس مسعود حيث سعي أن يخصص له معاش شهرى من أجل أطفاله الذين كانوا ما زالوا صغارا وحدث ذلك بالفعل وإستمر الراتب حتى بعد وفاة إقبال وكان من أولاده إبنه آقتاب إقبال المحامي ورزق به من زواجه الأول وإبنه أجاويد الذى كان قاضيا بمحكمة لاهور العليا وإبنته منيرة باتو وهما من زوجته الثالثة حيث تزوج إقبال ثلاث زوجات ماتت الثانية منهن هي وإبنتها بعد الولادة ومما أثر أيضا علي إقبال في سنواته الأخيرة اثناء فترة مرضه وإعتزاله المحاماة أن ماتت زوجته الثالثة في شهر مايو عام 1935م ثم مات صديقه رأس مسعود وإن كان لم يتوقف عن ممارسة نشاطه السياسي وعن التأليف وكتابة الشعر في هذه المرحلة من حياته علي قدر ما يستطيع وقد تأثرت بلاده بموته وتعطلت المصالح الحكومية وأغلقت المتاجر أبوابها وإندفع الناس إلى بيته ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على حد السواء عندما ذاع نبأ وفاته ويقول عنه طاغور شاعر الهند لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل وإن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق إحتمال الهند هذا ولم يتوقف أثر إقبال على العرب وشبه القارة الهندية ققط فقد إنتشر فكر إقبال بعد موته في إيران إذ إحتفى بتراثه عدد من الرموز الدينية ورموز الثورة الإسلامية هناك منهم المفكر الشيعي الدكتور علي شريعتي والشيخ والمفكر والكاتب الشيعي مرتضى مطهري وفي الغرب ترجمت له المستشرقة الألمانية الشهيرة أنا ماري شيمل وحاضرت عنه في المانيا وأمريكا وباكستان وتركيا .
 
 
الصور :