الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

بدائع الفن الاسلامى تتجسد في مسجد البردينى

بدائع الفن الاسلامى تتجسد في مسجد البردينى
عدد : 02-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


يقع مسجد البردينى بالداودية علي مقربة من مسجد الملكة صفية بحي الدرب الأحمر بالقاهرة وقد أنشأه كريم الدين أحمد البردينى عام 1025 هجرية الموافق عام 1616م في العصر العثماني وإستغرق بناؤه ثلاثة عشرة سنة حكم فيها مصر أحد عشر واليا عثمانيا كان أولهم أحمد باشا الدفتردار وآخرهم بيرم باشا الذي إنتهت ولايته عام 1038هجرية الموافق عام 1629م مع إنتهاء بناء المسجد والذى بني بالحجر وله واجهتان الغربية منهما تشمل المدخل المقامة على يمينه المنارة المنشأة عام 1038 هجرية الموافق عام 1629 والواجهة الأخرى القبلية بها باب يفتح علي دورات المياه الملحقة بالمسجد وعلي الرغم من أن هذا المسجد قد أنشئ في العصر العثمانى وبعد حرمان مصر من حوالي أكثر من 1800 من خيرة البنائين والصناع قام السلطان سليم الأول بعد إستيلائه علي مصر وإنهاء العصر المملوكي بنقلهم إلي الآستانة عاصمة الدولة العثمانية لكي يستفيد بهم في إقامة المنشآت والمساجد والقصور هناك إلا أنه إحتفظ بالطابع المملوكي فمنارته مملوكية الطراز حافلة بالزخارف والكتابات كما تجمعت في تفاصيله الزخرفية الداخلية عناصر طراز دولة المماليك الجراكسة وهو على صغره قد حوى من بدائع الفن الشىء الكثير فمحرابه المكسو بالرخام الملون الجميل ووزرته الرخامية التي تكسو جدرانه وما يعلوها من شبابيك جصية محلاة بالزجاج الملون جميعها تنطق بالتناسق والدقة والإبداع أما سقفه الخشبى فيعتبر بنقوشه المذهبة من أجمل أسقف المساجد الأثرية وأروعها هذا وتتمثل في منبره الصغير وفى درابزين دكة المبلغ دقة صناعة النجارة وهذا معناه أن أجيال الصناع والبنائين والفنانين المهرة لم تندثر من مصر وأن التراجع في بناء المنشآت في مصر علي شاكلة المنشآت العظيمة التي تم بناؤها في العصر المملوكي لم يكن سببه عدم وجود الأيدى العاملة المهرة ولكن كان السبب هو نضوب الموارد المالية خاصة بعد إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في أوائل القرن السادس عشر الميلادى وتحول طريق التجارة إلي هذا الطريق بدلا من مرور التجارة عبر مصر مما حرم مصر من إيرادات مالية كانت تدخل خزينة الدولة وتمكن حكامها من بناء المنشآت الضخمة بما تحتويه من عناصر فنية غنية بالنقوش والزخارف كانت تبدعها اليد العاملة الماهرة .


وواجهتا هذا المسجد ينتهيان من أعلي بشرافات حجرية جميلة الشكل وبالواجهة الرئيسية له صفان من الشبابيك كل صف يشمل عدد 4 شبابيك سفلية مربعة الشكل وعدد 4 شبابيك علوية كل منها عبارة عن وحدة مكونة من عدد 2 شباك مستطيل كل منهما يعلوه عقد نصف دائرى وتتوسطهما من أعلي قنديلية دائرية وجزء الواجهة الذى تكتنفه المئذنة والباكية المجاورة لها ترتد عن مستوى الواجهة ونتيجة لهذا الإرتداد يتخلق مدخل المسجد في مواجهة الحائط المواجه لحائط القبلة والعمودى علي إتجاه الواجهة والمسجد من الداخل مساحته صغيرة وهو عبارة عن قاعة مستطيلة أبعادها 10 متر في 6.7 متر عدا دخلتين أحدهما بالجانب البحرى والثانية في مؤخرة المسجد تشملان خدمات المسجد ودورات المياه وتبلغ المساحة الكلية له حوالي 150 متر مربع وتكسو جدرانه بإرتفاع ثلاثة أمتار من الجانبين وبكامل إرتفاع جدار القبلة وزرة من الرخام المختلف الألوان بها كتابات بالخط الكوفي يعلوها شبابيك من الجص المفرغ بأشكال زخرفية دقيقة محلاة بالزجاج الملون وبصدر جدار القبلة محراب رخامى دقيق وإلى جانبه منبر خشبى يعتبر من أصغر المنابر وأدقها صنعا إذ تحصر تقاسيمه الهندسية حشوات مطعمة بالسن والصدف والزرانشان تتخللها قطع من الباغة الملصوق خلفها ورق من الذهب وقد جدد هذا المنبر في عام 1306 هجرية الموافق عام 1889م في عهد الخديوى توفيق وفى مؤخرة المسجد تقوم دكة المبلغ محمولة على عمود من الرخام ولها درابزين من القشر البلدى والخرط المتنوع الأشكال أما السقف فمقسم إلى مربوعات وطبال زينت بنقوش مذهبة جميلة ويحيط بدائره إزار مكتوب به آيات قرآنية وإسم المنشئ وتاريخ الإنشاء .


وتقع مئذنة هذا المسجد على يسار الباب وهي تتكون من ثلاث دورات وتتميز بنقوشها الغنية والدورة الأولي عبارة عن شكل ثماني الأضلاع بينما الدورة الثانية ذات بدن أسطواني ويعلو كل من الدورة الأولي والثانية شرفتان دائريتان أسفلهما مقرنصات حجرية رائعة الشكل والشرفة السفلية أكبر من الشرفة العلوية أما الدورة الثالثة فهي عبارة عن دعامة حجرية مستديرة يقل قطرها تدريجيا حتي تصل لرأس المئذنة التي تأخذ الشكل البصلي المقلوب كما هو مألوف في طراز المآذن المملوكية ويوجد خلفها سلم يؤدى إليها وقد ذكر علي مبارك في الخطط الجديدة أن عطفة جامع البرديني غير نافذة بجوارها جامع الشيخ كريم الدين البرديني وهو مسجد صغير يصعد إليه بدرج وله مئذنة وتلقى به الخطبة وشعائره مقامة من ريع حانوت أسفله ولما مات الشيخ كريم الدين البرديني دفن به.

وجدير بالذكر أن مؤسس هذا المسجد كريم الدين البرديني كان علي مايبدو من المغرمين بالعمارة والفن ولذلك قام ببناء منزل خاص به جمع به أيضا بدائع الفن مثلما جمعها في مسجده ولكن للأسف الشديد إندثر هذا المنزل ولم يعد له وجود ولحسن الحظ فقد أدركه المستشرق الفرنسي بريس دافين ورسم له عدد 8 لوحات تصف جميع تفاصيله وجمالياته الفنية وخصص له فصلا في كتابه الفن العربي وكان بريس دافين والمولود عام 1807م قد وفد إلي مصر في عصر محمد علي باشا بعد تخرجه في عام 1826م مهندسا معماريا في مدرسة الفنون والصنائع وكان يبلغ من العمر آنذاك تسعة عشر عاما ولما كانت فتوحات نابليون قد ألهبت خيال الشباب وغيرت مفهوم الحدود الجغرافية لديهم سارع دافين الى الإنخراط في صفوف ثوار اليونان الذين أرادوا إنتزاع إستقلالهم من السلطات العثمانية ثم أبحر بعد ذلك إلى الهند حيث عمل سكرتيرا لحاكمها العام وعاد بعد ذلك بقليل إلى فلسطين وهناك كانت تتردد أصداء حاجة محمد علي باشا الى خبراء أوروبيين لتنظيم الجيش والمدارس وتنفيذ مشاريع الري والزراعة وهكذا إلتحق دافين بخدمة الباشا عام 1829م مهندساً للري في أول الأمر ثم أستاذا للطبوغرافيا في مدرسة أركان الحرب بالخانكة وفي الوقت نفسه مربيا لأحفاد محمد علي باشا من إبنه إبراهيم باشا وبعد أن تقلد عدة مناصبرأى أن يتفرغ لإنجاز عمل ضخم وهو كتابه الفن العربي الذى ابرز فيه ثراء الفن والعمارة الإسلامية كما تظهر في الشوارع والمباني والآثار والفنون الزخرفية والمخطوطات والكتب الخاصة بمدينة القاهرة ويحتوي هذا العمل على مجموع مائتي لوحة تشغل صفحات كاملة في ثلاثة مجلدات وتحتوي هذه اللوحات على تعليقات علي محتواها كما أبدع هذا المستشرق الفرنسي رائعة أخرى له وهي أطلس فاخر للفن المصري القديم وقد عاصر هذا المستشرق حكام مصر الذين جاءوا بعد محمد علي باشا حتي توفي في عام 1879م في أواخر عهد الخديوى إسماعيل وهو يعتبر المؤسس الأول والفعلي لعلم المصريات ولكن دوره في هذا الأمر لايعترف به نظرا لتحريضه الدائم علي نقل الآثار المصرية من مصر إلي فرنسا بعكس من جاءوا بعده الذين كانوا في غاية الشرف والأمانة في الحفاظ والحرص علي سلامة الآثار المصرية مثل العالمين الفرنسيين الكبيرين أوجست مارييت وجاستون ماسبيرو والإنجليزيين ويليام بيترى وهوارد كارتر .
 
 
الصور :