الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مدينة الذهب

مدينة الذهب
عدد : 12-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


القصير مدينة مصرية تتبع محافظة البحر الأحمر إدرايا وتبعد عن مدينة الغردقة شمالها بحوالي 145 كيلو متر وعن مدينة سفاجة شمالها أيضا بمسافة 85 كيلو متر بينما تبعد عن مدينة مرسي علم جنوبها بمسافة 135 كيلو متر ومنها قديما بدأت الملكة حتشبسوت رحلتها الإستكشافية إلى بلاد بونت القديمة الصومال حاليا كما كانت موقعا للتنقيب عن الذهب في عصور الفراعنة وفي القرن السادس عشر الميلادى إنضمت إلي أملاك الدولة العثمانية كمدينة مصرية عندما دخل العثمانيون مصر بقيادة السلطان العثماني سليم الأول والذي ما يزال تمثاله موجودا في وسط المدينة حتي الآن وذلك بعد إنتصار العثمانيين علي المماليك الذين كانوا يحكمون مصر حينذاك كما كانت للقصير أهمية إستراتيجية حربية لقربها من حدود مصر الجنوبية ولموقعها المتميز علي شاطيء البحر الأحمر واليوم تعد منتجعا سياحيا هادئا بشواطئها الرملية ورياضاتها المائية المتنوعة ومياهها الزرقاء الصافية وشعابها المرجانية النادرة حيث توجد بها أماكن متميزة تعد من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية وبالإضافة إلي ذلك فالمنطقة تشتهر بإستخراج خام الفوسفات كما أنها كانت مركزا لتجمع الحجاج والمعتمرين المسلمين القادمين من مصر ومن بلاد المغرب العربي والأندلس للترحال إلي ميناء جدة السعودى علي الساحل الشرقي للبحر الأحمر لآداء مناسك الحج والعمرة .


ويعود تاريخ مدينة القصير إلي القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد الملكة الفرعونية حتشبسوت التي إستغلت هذه المدينة الساحلية التي كانت آنذاك تسمي ثاجلو كقاعدة لإنطلاق رحلاتها التجارية البحرية الشهيرة إلي بلاد بونت الغنية وهي بلاد الصومال الحالية وكانت لهذه البلاد أهمية روحانية عظيمة وكانت شريكا تجاريا مهما مع مصر القديمة وفي القرون التالية تغير إسم المدينة إلي ليوكوس ليمن أي الميناء الأبيض وكانت ميناءا تجارياً مهماً في عصر الإمبراطورية الرومانية وبعد دخول الفتح الإسلامي أصبح لها دور محوري علي طريق الحجاج إلي مكة المكرمة وكان العرب هم من أطلقوا علي القصير إسمها الحالي ويقال إن إسم القصير مشتق من الصفة قصير في إشارة إلي قصر المسافة بينها وبين مدينة فقط بصعيد مصر والتابعة لمحافظة قنا حاليا بين مدينتي قنا والأقصر في وادي النيل وهو في الواقع أقصر طريق يربط بين ساحل البحر الأحمر والوادي ولعل سهولة الوصول إلي القصير كان بمثابة نعمة ونقمة علي المدينة في آن واحد فعندما وصلت الإمبراطورية العثمانية إلي ذروة مجدها في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين وإحتلت مصر في أوائل القرن السادس عشر الميلادى أمر السلطان العثماني سليم الأول الذي يعرف أيضاً بإسم سليم العابس بتشييد حصن القصير لحماية الميناء التجاري وضمان سلامة آلاف المسلمين الذين يمرون في هذه المنطقة في طريقهم إلي الحج وبعد عدة قرون أدرك الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الأهمية الإستراتيجية للمدينة وأرسل سفنه الحربية للإستيلاء عليها من البحر عام 1799م ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث هبت ريح عاتية دفعت السفن الفرنسية الأربعة علي مقربة من الشاطئ وجعلتها في مرمي مدافع الحصن وفي لحظات معدودة تحطم الأسطول وكانت فتره إقامة الفرنسيين في القصير محدودة ومحفوفة بالإضطرابات ففي شهر أغسطس من نفس العام قصف الأسطول البريطاني حصن القصير بقوة وأعيد بناء الحصن لاحقا في عهد محمد على باشا الذي إستخدمه كقاعدة لحملاته العسكرية ضد الوهابيين في أرض الحجاز وهي المملكة العربية السعودية حاليا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادى وبإنتهاء حملات محمد على الحربية على الحجاز إنطوت صفحة التاريخ العسكري لمدينة القصير إلى الأبد وعاد الميناء المطل على البحر الأحمر إلى دوره القديم كهمزة وصل بين الشرق والغرب ولكن هذا العصر الذهبي لم يستمر طويلا لأنه عندما إفتتح خط السكك الحديدية الذي يربط بين السويس والقاهرة عام 1860م في عهد محمد سعيد باشا بدأ التجار والحجاج يستخدمون ميناء السويس نظرا لسهولة السفر إليه وقربه من العاصمة القاهرة وفى عام 1864م إجتاحت القصير مجاعة شديدة أتت على عدد كبير من سكانها الذين إنخفض عددهم من 8 آلاف إلى 800 نسمة فقط وجاءت الضربة الأخيرة عندما إفتتحت قناة السويس للملاحة عام 1869م فتضاءلت أهميه القصير كمدينه تجارية وعاد الحظ ليبتسم للقصير من جديد عندما بدأت شركة البحر الأحمر الإيطالية للفوسفات تستثمر في المدينة والمنطقة المحيطة بها ولم يأت الإيطاليون بالمال فحسب بل جاءوا بلمسة من أسلوب عصر النهضة فعندما تتجول بين الأحياء القديمة بالمدينة ستلاحظ بوضوح أشكال العمارة الهندسية الرائعة وكنيسة السيدة العذراء مريم للأقباط الأرثوذكس التي أقامتها الشركة الإيطالية لعمالها وكانت في الأصل تسمي كنيسة القديسة باربرة حامية المناجم وبعد إنتهاء عصر التعدين منذ فترة طويلة أصبحت القصير مدينة صديقة للبيئة تفتح ذراعيها للسائحين خاصة وأنها تتميز بمناطق شعاب مرجانية نادرة خلابة تجتذب أعدادا كبيرة من هواة ومحترفي الغطس ونظرا لأن الشعاب المرجانية تنمو بمعدل سنتيمتر مربع واحد كل مائة عام فقد وضع المسؤولون المحليون ومراكز الغوص عدداً من القواعد والبرامج لحماية الحياة البحرية في البحر الأحمر لكي يمكن المحافظة علي تلك الشعاب المرجانية التي لا مثيل لها في أى بلد من البلدان علي مستوى العالم كله فعلي سبيل المثال لا يسمح للقوارب بان تلقي بمراسيها في منطقة تسمي مرسي أبو دياب حيث أنها تعتبر موطنا طبيعيا لحيوانات الأطوم التي تعرف أيضا باسم بقر البحر وأحيانا بإسم عروس البحر نظرا لضخامة حجمها وطبيعتها الهادئة وإعتمادها في غذائها علي النباتات ويعتبر الأطوم من أروع وأندر وأجمل الثدييات البحرية وأغربها علي مستوي العالم إلا أنها من الحيوانات المهددة بالإنقراض .

ولا تقتصر عناصر الجذب في القصير علي مواقع الغوص والروايات التاريخية فقط بل يوجد بها أيضا سوق تجاري يزخر بالمنتجات الجديرة بالشراء كما أن طقسها الخلاب علي مدار السنة يجعلها موقعاً ممتازا للإستجمام والراحة والتمتع بمياه البحر الأحمر ومابه من كنوز كما توجد بالمدينة مجموعة من الآثار المسيحية والإسلامية التابعة لعهود مختلفة فعلى سبيل المثال توجد بها قلعة بنيت في عام 1799م وكان الغرض من بنائها هو حماية الحدود المصرية الجنوبية وقد زار المسيو دى بوا إيميه وهو أحد رجال الحملة الفرنسية على مصر مدينة القصير ووصف قلعتها التي أسماها القصر بأنه يقع خلف المدينة ويتحكم فيها بشكل تام فهو مشيد فوق هضبة مرتفعة من الحجر الجيري مغطاة بزلط مستدير الشكل وكان هذا القصر عند مجئ الفرنسيين عبارة عن مبني يأخذ شكل المعين وتعلوه أربعة أبراج ويبلغ سمك جدرانه من 260 إلى 300 سنتيمتر وهى مبنية بالحجر الجيري ولا يحتوى القصر إلا على عدد صغير من الغرف كما يضم بئرا محفورة مياهها بالغة الثقل ومائلة للملوحة وغير صالحة للإستخدام الآدمي وتستخدم في سقاية الماشية فقط وعلى بعد مائة خطوة من الواجهة الجنوبية الغربية خارج القصر يوجد خزان مياه قديم مكسو بالطوب يمكنه أن يتسع لحوالي 45 مترا مكعبا من المياه وتنتهي إلى قاع الخزان مسارب عديدة تهبط من التلال المحيطة والمجاورة بحيث يمتلئ بشكل طبيعي بالمياه عند سقوط الأمطار وهذا الخزان لم يعد موجودا في الوقت الحاضر وفى الجهة الأخرى من الحصن المسمي بالقصر كان يوجد مسجد وعديد من الأضرحة أو المقابر وقد هدمها الفرنسيون وكذلك توجد بعض البنايات المبنية علي الطراز الإسلامي في وسط البلد كما يوجد بالقصير آثار قبطية ورومانية في منطقة القصير القديمة شمالا ويربط القصير بوادى النيل طريق طوله 180 كيلو متر يمر بوادى الحمامات ويصل إلى مدينة قفط شمالي الأقصر بمحافظة قنا وكان هذا الطريق مفردا وتكثر به الحوادث وتعالت الأصوات والإستغاثات والمطالبات بضرورة إزدواجه وقد تم مؤخرا تنفيذ عملية إزدواجه بتكلفة إجمالية قدرها 956 مليون جنيه ويوجد بهذا الوادى آثار فرعونية ترجع إلى عصر الملكة حتشبسوت حيث كانت تستخرج منه أحجار الجرانيت والإردواز وغيرها كما يوجد منجم للذهب في وادى قريب منه يسمي وادى الفواخير يقع عند علامة الكيلو 90 طريق البحر الأحمر قنا أسسه الفراعنة عام 1200 ق.م وكانوا يستخرجون منه الذهب في الماضي البعيد ثم أعيد إستخدامه في العهد الملكي قبل ثورة عام 1952م بداية من عام 1941م في عصر الملك فاروق وكان يديره رجل إيطالي يسمي جون دي لي فيزون وكان ينقل الركام الذى يحتوى علي خام الذهب إلي أوروبا ليتم فصل خام الذهب عن هذا الركام والذى كان يفتته إلي حبيبات صغيرة بواسطة كسارات ماتزال بقاياها موجودة حتي اليوم في مبني من 4 طوابق ماتزال بقاياه هو الآخر موجودة وتبدو به ملامح العمارة الإيطالية وقد توقف العمل بهذا المنجم بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م بفترة وجيزة خلال عام 1953م أى منذ حوالي 64 عاما ولم تهتم الحكومة بإعادة فتحه حينذاك نظرا لرخص سعر الذهب حيث كانت قيمة الجنيه المصرى أعلي من قيمة الجنيه الذهب ومايزال هذا المنجم مغلقا حتي اليوم .

ويعود تسمية المدينة بإسم القصير إلى أنها أقصر مسافة تربط بين صعيد مصر والبحر الأحمر كما اسلفنا القول وفي الماضي كان هذا هو الطريق الوحيد الرابط بينهما كما توجد بالقصير مجموعة من السلاسل الجبلية شديدة الخصوصية والتي تحتضن الكثير من الكنوز والمعروفة بإسم مدينة الذهب أو لؤلؤة البحر الأحمر وهذه السلاسل الجبلية كانت ومنذ 5000 عام في دائرة الضوء بما إكتشفه المصريون القدماء بها من المعادن النفيسة خاصة الذهب ومع ذلك وبرغم غنى المدينة بالمعادن فإن أهلها يعانون من الإهمال والفقر والتهميش وبحسب مايقوله سكانها فإنها مهملة من قبل السلطات فهي بلا مرافق او خدمات أساسية ولعل أبرز ملامح ذلك يتمثل في عدم وجود مياه صالحة للشرب حيث يضطر السكان للتجمع لأخذ المياه في عبوات من سيارات نقل تأتيهم من مدينة قنا المجاورة وفي السنوات الأخيرة بدأت الحكومة وبعض المستثمرين في مجال السياحة يهتمون بتطوير المدينة وتنميتها سياحيا وأقيم بها العديد من الفنادق والمنتجعات السياحية المتميزة لجذب السائحين إليها من داخل وخارج مصر من أجل قضاء أجازاتهم بفنادقها ومنتجعاتها السياحية المتميزة ومن الفنادق التي تم إقامتها بالمدينة منتجع الموفنبيك ومنتجع راديسون بلو ومنتجع أكاسيا بيتش ومنتجع فنادير ومنتجع أوناتي بيتش وغيرها .

وتشير دراسات العالم الجيولوجي المصرى ماهر عزمي إلى أن البيئة الجيولوجية في وسط وجنوب الصحراء الشرقية المصرية وهي المنطقة التي توجد بها مدينة القصير مناسبة جدا لإستخراج الذهب وأنها ضمن دائرة تكوين هذا المعدن وأن ما إستخرجه الفراعنة منها يشير إلى إحتمالية وجود ذهب لم يصلوا إليه في بعض الأعماق كما أشارت الدراسات المنشورة للدكتور ممدوح عابدين بهيئة الإستشعار عن بعد وعلوم الفضاء حول مشروع مثلث الذهب وإنتشار خامات الماجنزيت والكوارتز والمناجم غير المستغلة لكن تبقى الإشكالية هي جاذبية مواقع أخرى بعيدة عن القصير لسهولة التنقيب وإستخراج الذهب منها وحسب التقديرات فإن سلاسل جبال البحر الأحمر وبالتحديد في كل من القصير ومرسى علم ومحافظة أسوان تضم 120 موقعا للذهب منها 92 موقعا محددا لإنتاج الذهب وقد قدر الدكتور عاطف دردير في دراساته بوجود إحتياطي يتجاوز 1.4 مليون طن ذهب في 100 منجم بهذه المنطقة من الصحراء الشرقية .

وجدير بالذكر أن القصير بها ميناء علي ساحل البحر الأحمر وإن كان غير مستغل في الوقت الحالي ويقع جنوب ميناء سفاجة بحوالي 78 كيلو متر وهو عبارة عن خليج صغير مفتوح من الجهة الجنوبية الشرقية ولاتوجد بهذا الميناء بواغيز صناعية أو حواجز أمواج وتوجد به عدد 4 شمندورات وجميعها غير مضاءة والمقصود بالشمندورة الجسم المعدني الطافي فوق سطح الماء الذى يتم تصنيعه من الحديد أو الألياف الزجاجية التي لها قوة تحمل مثل الحديد ويتم تثبيتها في قيعان البحار والأنهار بواسطة جنازير بها خطاف أو أى وسيلة تثبيت أخرى حتي لاتتحرك من موقعها الذى وضعت به ووظيفتها أنها تعمل كعلامات ملاحية أو إرشادية تحدد مداخل الموانيء البحرية أو النهرية كما يوجد بالميناء أيضا عدد 2 شمعة رباط علي رصيف الميناء وهي تشبه الشمندورات في توصيفها ولكنها توجد علي أرصفة الموانيء ويتم ربط السفن بها عند رسوها علي أرصفة الموانيء وكذلك يوجد في ميناء القصير عدد 2 مخطاف علي القاع الصخرى أمام رصيف الميناء للرباط أيضا والمخطاف هو المنطقة التي تتوقف فيها السفن قرب الموانيء لبعض الوقت لحين خلو رصيف بميناء الوصول أو في حالات الطقس السيء أو لزوم التزود بالوقود وهو أيضا الجنزير ذو الخطاف الذى يتم إلقاؤه في قاع النهر أو البحر لتثبيت السفينة مع ضرورة التعرف علي موقع منطقة المخطاف بالميناء وعلي عمق منطقة المخطاف ونوعية القاع الذى سيلقي به المخطاف هل هو طيني أم رملي أم صخرى وذلك قبل أن تلقي السفينة مخطافها .
 
 
الصور :