الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

في عشق الريف

في عشق الريف
عدد : 09-2018
بقلم الدكتور/ محمود رمضان

مع إنه حاصل على دكتوراه الفلسفة في الآثار والعمارة والفنون من أعرق الجامعات المصرية ويعمل ويقيم في الخارج مُذ زمن بعيد، إلا أنه يقضي إجازاته في قريته النائمة بهدوء في أحضان النيل، وبجلبابه الفلاحي الأصيل يحكي لأبناء قريته، فيقول:
هنا بهجة الجمال والهدوء والسكينة، بعيداً عن صخب وضوضاء العاصمة وزحام الشوارع الخانق، والتلوث السمعي والبصري والبيئي، وكلاكسات السيارات ونداء الباعة الجائلين وصخب المتسوقين في الأسواق أيضاً.

هنا، كما تعلم، جميع الناس يعرفون بعضهم بالاسم، كلنا كعائلة واحدة، الخير في جميع الدور، الفقير لا يشعر بفقره، الجميع يحتويه، يعطف عليه دون خدش كرامة، بل بكل حب تأتي جاراته لزيارة زوجته ويحملن الزبد والسمن والفطير واللبن والأرز واللحوم والدواجن، في الوقت الذي يندر أن تجد هذا العمل الحميد في المدن المزدحمة، هناك، الجميع لا يشعر بالجميع، إلا من رحم ربي.

تستيقظ من نومك وتفتح نافذتك فترى الصبح إذا تنفس، الأرض الزراعية لوحة خضراء أبدعها الله، العصافير تهديك زقزقاتها المبهجة، وأسراب البط والأوز تسبح في أمان بترعة قريتنا، والأشجار تفيض بثمارها للقريب والغريب، حتى الهواء هنا له رائحة مبهجة، والندى يعانق أوراق الورد بحب.

في الصباح الباكر يخرج الفلاحون لأراضيهم، يجرون أبقارهم وجاموسهم إلى الحقول، يصممون على بذل كل الجهد في يومهم، جميعهم يؤمنون بالحكمة الفلاحية الخالدة (على قد ما تتعب في الأرض هتديك)، يذهبون كل يوم بلا تعب أو ملل، الأرض عرض، هم يصونونها ويتعهدونها بالحب وبالرعاية والعناية، ويهتمون أيضاً بمواشيهم، والمضحك أن كل فلاح يسمي بقرته أو جاموسته باسم معين، فيناديها فتعرف صوته فتأتيه، لتحلب زوجته أو ابنته البقرة أو الجاموسة ويشربون الحليب الطازج الشهي، وكم من مرة شربت معهم حتى ارتويت من ذلك الشهد المصفى.

الفلاحون ليسوا كما تصورهم بعض المسلسلات أو الأفلام السينمائية، بل أذكياء بالفطرة، ونواياهم طيبة للغاية، هم جميعاً معا في السراء والضراء، علاقات القرابة تجمعهم برباط وثيق لا انفصام له، حتى غير الأقارب بينهم مودة ورحمة، هنا راحة النفس وراحة البال.

يعودون من أراضيهم قبل أن يحل المساء، ومنهم من يبقى في الأرض حتى الفجر لري أرضه ساهراً بجوار الساقية، مستمتعاً براكية الشاي المغلي والعيش البتاو والجبن القريش، والطماطم والخيار في الأرض، سهرة جميلة يقضيها الفلاح لري أرضه، وكما دارت الدابة بالساقية لساعات، فالفلاح يريح بقرته أو جاموسته ويضع لها الحشائش لتأكل كما أكل، وهذه هي الرحمة الحقيقية، بعيداً عن جمعيات حقوق الحيوان.

الفلاحون يهتمون جداً بالعلم، وأبي بذل كل جهده حتى أتعلم لأرقى مستوى، وتخصصت في دراسة الآثار والعمارة والفنون والحضارة الإسلامية، وعملت بأكبر المواقع بالخارج، وعندما نجحت هناك وأصبح لي بعض الأعمال العلمية المهمة التي سجلت باسمي، وكونت مدرسة علمية في هذا المجال والحمد لله، ها أنا أحرص- رغم الاغتراب والإقامة خارج مصر- أن تكون لي نافذة علمية يومية من خلال مؤلفاتي العديدة ومقالاتي التي يتم نشرها في وسائل التواصل المختلفة والإعلام والمؤتمرات والندوات العملية والثقافية، أن أقدم خبراتي لأخدم بلدي في مجال تخصصي، هكذا تعلمنا الأصول، ونطبقها حرفياً في أي مكان في العالم بمنتهى الحب والحضارة والأمانة والعلم، وفِي مقدمة ذلك كله اسم مصر وقيمها التاريخية والحضارية وريادتها أيضاً.

إن الحب لا يباع ولا يشترى، لكنه راسخ في الريف، هذه ليست أشجار عنب أو مانجو، إنها أشجار النخيل ثروتها حب، جذورها في أعماقنا، وثمارها الحقيقية هم أهل الريف.