الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الحطاب

الحطاب
عدد : 08-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


علاقة الإنسان بمهنة جمع الحطب والخشب علاقة موغلة في القدم وخاصة لمن يعيشون في الجبال والوديان والصحارى وعلي الرغم من إندثار هذه المهنة في أغلب دول العالم إلا أنها مازالت باقية حتى يومنا هذا علي نطاق ضيق وفي أماكن محدودة علي الرغم من التطور والتقنيات المتطورة فلا يزال البشر يتزودون بالحطب والفحم علي الرغم من أنه يسبب الكوارث التي تتعرض لها البيئة وكوكب الأرض ولذا فقد تم التضييق على الحرفيين والأشخاص الذين يعملون في مهنة التحطيب ومن ينحتون الأوعية من الخشب وهناك الكثير من الأشجار التي تعتبر صديقة للحطاب والتي تستخدم للحصول على الحطب من أغصانها وجذوعها لعمليات الطهي والدفء وصنع الفحم إلا أن شجرة السمر هي المفضلة وهي صديقة الحطاب الأولي منذ الأزل وحتى للإنسان العادي الراغب في الحصول على الحطب أو الفحم إلا أن معظم الحطابين قد بدأوا في التقليل من الإحتطاب من هذه الأشجار التي أصبح يتهددها الإنقراض حفاظا عليها من أجل عدم الإخلال بالنظام البيئي بل إن بعضهم ترك الحرفة تجاوبا مع النداءات وأصبح فأسه صدئا بل أصبح هو ذاته أكثر محبة لشجرة السمر .


وفي حقيقة الأمر لا يوجد إنسان يمكن أن يصف لنا طبيعة هذه العلاقة الحميمة بين الحطاب وبين شجرة السمر إلا ذلك الذي عاش طفولته وشبابه قرب هذه الأشجار يفتح عينيه علي جذوعها وأغصانها ومن بين وريقاتها المتشابكة يرى إطلالة الخير والصبر والأمل في الغد وعلي الرغم من أن هذه الشجرة عبارة عن مظلة من الشوك إلا أنها تعتبرغذاء للإبل والنحل حيث أن لها أزهار صغيرة يتغذى عليها النحل ويمتص رحيقها وينتج بالتالي نوعا من العسل يعد من أجود أنواع العسل والذى لايستخدم في الأساس لكي يوضع على مائدة الإفطار كل يوم ولكن للتداوي من الأمراض ولذلك يتم شراؤه والمحافظة عليه كدواء يشفي من العديد من الأمراض كما أن بعضها يتساقط فتكون غذاء للمواشي أيضا كما أنها من خلال تشابك وريقاتها مع أشواكها وأغصانها تعتبر مظلة مناسبة جدا للحيوانات في أيام الصيف شديدة الحرارة علاوة علي أن الحطابين المحترفين ونظرا لأن أشجار السمر تنتج الحطب طويل الإحتراق ومنخفض الدخان فإنهم يعتبرون أن أفضل الأطعمة تلك التي يتم طهيها على حطب السمر وألذ الحليب والقهوة والشاي والمشروبات الساخنة عموما هو الذي يتم صنعه على جمرات من فحم السمر وعلي ذلك فهي واهبة الدفء والوقود للإنسان .


وتنتج هذه الشجرة بعد أن يبلغ عمرها أسبوعين إلى شهر مايزيد على 400 كيلوجرام من الخشب والفحم والذى كان يباع فيما مضي علي هيئة حزم لأصحاب القصور والبيوت الكبيرة التي تقوم بطهي كميات كبيرة من الطعام بسبب تواجد الضيوف بشكل شبه يومي ومن أجل إطعام الزوار والغرباء والفقراء وأيضا لإستخدامه خلال الرحلات كما كان أصحاب البيوت الصغيرة أيضا يشترونه ويخزنونه حيث كانوا يستخدمونه في أغراض الطهي والتدفئة وكانت تحتوي الحزمة على مجموعة من القطع مختلفة الأحجام تتناسب والتنور أو موقد الطهي والشواء بينما يكون الفحم أحجام مختلفة مناسبة لعملية إعداد القهوة والشاي وصنع الخبز وكان الإستخدام الأكثر لهما في فصل الشتاء وكان كل بيت سواء كبير أو صغير يعد مكانا خاصا لتخزين الحطب والفحم وإلي جانب حطب شجر السمر هناك أشجار أخرى من الممكن الحصول علي الحطب منها مثل شجر العوسج وشجر الغاف وحديثا شجر السدر وأغلبها أشجار تنبت طبيعيا بدون زراعة في المناطق الصحراوية والجبلية .


وجدير بالذكر أن تصنيع الفحم من خشب السمر يمر عبر مراحل عديدة حيث تبدأ من جمع الأخشاب ومن ثم وضعها في تجويف بالأرض ومن ثم ترتيب الأخشاب بشكل هرمي بشكل لا يسمح إلى دخول الأوكسجين إليه وبعد ذلك يتم طمر الفحم بالرمال والقش وبعد ذلك تبدأ مرحلة الحرق والتسخين عن طريق فتح فتحة صغيرة وإشعال الحطب داخل الكومة بشكل بسيط ومن ثم يبدأ الحطب يتآكل تدريجيا وتتطلب تلك المرحلة فترة كبيرة وأيام عدة حسب نوع الحطب من الحرق والتسخين ويتم مراقبتها بشكل جيد خوفا من إشعال الكومة بشكل كبير وبالتالي فساد عملية تصنيع الفحم وبعد التأكد من أن الحطب قد أصبح فحما وذلك من خلال أدلة عدة أولها وقف إنبعاث الدخان بصورة مستمرة وملحوظة ومن ثم يتم فتح الكومة من جميع الإتجاهات وتبدأ عملية فرز الفحم وفصله عن الرمال والأتربة والأوساخ والقش وإزالة قطع الفحم الصغير وهنا تبدأ المرحلة النهائية وهي تعبئة الفحم في عبوات أو أكياس وتجهيزه لكي يباع للمستهلك ويجب ملاحظة أن عمل التفحيم رغم سهولة خطواته ومراحله إلا أنه ينضوي على مخاطر عدة أبرزها إحتمال نشوب حرائق ومن ثم فساد عملية التصنيع وإصابة بعض العمال بالإختناقات ولذلك فهي بحاجة إلي ممارسة وتدريب وخبرة لتفادي تلك المخاطر .

ويرى الحطابون أن مشاعر أهل الجبال والوديان مرتبطة عاطفيا بشجرة السمر فهي مصدر للعلف لمواشيهم من الماعز والإبل والمواشي التي تتغذى على هذه الأشجار وهي لا تحتاج إلى من يقوم على رعايتها وسقيها حيث حباها الله بنظام يغنيها عن ذلك كما لا يتم تسميد الأرض التي تنبت فيها لأنها شجرة تنبت عن طريق التلقيح بتطاير حبوب اللقاح بالهواء أو ينتقل عن طريق النحل والحشرات التي تحط على الشجرة ثم تنتقل لمكان آخر وعلاوة علي ماسبق أيضا تستخدم أخشاب شجرة السمر في صنع مقابض السكاكين ومقابض الفؤوس وفي الزمن السالف كان يتم نحت الخشب لإنتاج الأوعية والأواني المنزلية كما كانت تستخدم أغصانها وأخشابها لبناء الأكواخ ولكن تجاوب أغلب المواطنين مع النداءات التي تحث على عدم قطع الأشجار والحفاظ عليها خاصة الأشجار المعمرة مثل السمر أدى إلى التقليل من القطع الجائر لها في وقتنا الحاضر ولكن تبقي شجرة السمر بالنسبة لسكان الجبال والوديان الأم التي تقدم الخير دون أن تأخذ المقابل .

وفي مصر تكون هذه المهنة قد إنقرضت بالفعل اللهم إلا من بعض المناطق الصحراوية مثل الوادى الجديد وبعض مناطق الصحراء الغربية وسيناء حيث نجد البعض مايزال يعمل في هذه المهنة ويتخذها مصدرا للرزق ومن يمتهن هذه المهنة يقوم بجمع الحطب من الشجيرات التى تنمو طبيعيا دون زراعة وخاصة أشجار العبل المنتشرة فى ربوع الصحارى والسهول المصرية وهي أشجار تنمو فى البيئة الصحراوية وتتحمل كل الظروف المناخية والبيئية ويصل إرتفاعها إلي حوالي 2 متر إلي 3 متر وتتميز بأنها متوسطة الحجم مستديمة الخضرة وذات أفرع أسطوانية لونها رمادي تأخذ شكل التاج المفتوح إلى أعلي وهي من أهم أنواع الأشجار التي تستخدم كمصدات رياح لوقف زحف الرمال كما أنها تزرع في أماكن عديدة بغرض تثبيت الكثبان الرملية ومن مميزات خشب هذا النوع من الأشجار أنه يشتعل بسهولة ولا يترك رماد مثل باقى الأشجار كما يعتبر العبل طعام للإبل فى الصحراء حيث تقبل الابل على تناوله بشراهة علاوة علي صلاحيته للعديد من الصناعات الخشبية وبعض المعدات الزراعية والأدوية العلاجية وتتواجد هذه الأشجار فى أماكن متطرفة من القرى والغير مستغلة أو التى يتم إزالتها فى حال إستصلاح الأراضى والإستفادة منها حيث يقوم البعض بقص فروعها وتسويتها وإزالة الاطراف الصغيرة منها وتسويتها على هيئة حزم متوسطة الحجم ثم يقوم بربطها وتجميعها فى أكوام تمهيدا لتحميلها ثم بيعها لأصحاب مزارع العنب لإستخدامها كدعامات للأشجار المنزرعة فى بساتين العنب وغيرها من الأغراض التى يمكن إستخدام هذا الحطب فيها مثل الطهي والتدفئة كما يشير العاملون بهذه المهنة إلي أنها تحتاج تحتاج للصبر والأناة والعزيمة والإصرار وتعويد النفس علي العمل الشاق وقوة التحمل .

ولمهنة الحطاب وجود في أحد الأساطير حيث توجد قصة يتم تداولها تسمي الحطاب والفأس السحرية وهي تركز على كثير من العبر والقيم مثل الصدق والأمانة والقناعة ونبذ المكر والخداع وقضاء الحوائج بالكتمان وعلينا أن نلاحظ أن علم الأساطير أو الميثولوجيا يعني الفلكلور والأساطير التي تتداولها الثقافات المختلفة والتي يعتقد أنها صحيحة وخارقة كما تستخدم هذه الأساطير أو الخرافات لتفسير الأحداث الطبيعية وشرح الطبيعة البشرية بخيرها وشرها وقد تتردد هذه الأساطير والخرافات في حكايات وخرافات كبار السن الذين يحكونها لأولادهم وأحفادهم وبالتالي تنتقل من جيل إلي جيل وقد نجد بينها وبين قصص في دول أخرى تشابها كبيرا مع الإختلاف في بعض التفاصيل كل حسب طبيعته وبيئته وثقافته وقصتنا الحطاب والفأس السحرية أو خرافتنا هي عن حطاب فقير كان عائدا من الغابة وفأسه على كتفه وبينما هو يسير بجوار نهر زلت قدمه ووقعت الفأس في النهر فأخذ يلطم وجهه ويبكي فخرج له من النهر عفريت يحمل فأسا ذهبية وسأله إن كانت الفأس له فأجابه لا ليست لي فغطس العفريت في النهر ثم خرج يحمل فأسا فضية وسأله إن كانت فأسه فأجابه مرة أخرى لا ليست لي ثم غطس مرة أخرى وخرج يحمل فأسا حديدية فسأله إن كانت فأسه فأجابه نعم إنها فأسي فأعطاه الفأس ونبهه إلى أنها تنطلق وحدها وتقطع أعتى الأشجار وهكذا أصبح الحطاب يعود من عمله يوميا بحمل كبير من الحطب يقوم بتسليمه إلى التاجر الذي كان يشتري منه ما يجمعه من حطب كل يوم بثمن بخس وتكرر ذلك في عدة أيام متتالية فإندهش تاجر الحطب من وفرة حظ هذا الحطاب وألح عليه بالسؤال فأخبره بحكاية النهر والفأس التي وقعت منه وقص عليه حكاية العفريت إلي آخر هذه القصة فحمل التاجر فأسا ومضى بها إلى النهر وألقاها فخرج له العفريت يرفع بيده فاسا حديدية وسأله هل هذه الفأس لك فأجاب لا ليست لي فغطس العفريت في النهر وخرج يحمل فأسا فضية وسأله عنها إن كانت له فأجاب لا ليست لي فغطس العفريت في النهر مرة أخرى ثم خرج يحمل فأسا ذهبية وسأله إن كانت الفأس له فأجابه التاجر نعم إنها لي فغطس العفريت في النهر ولم يخرج ولم يخبره بأن الفأس تنطلق وحدها وتقطع أعتي الأشجار مثلما كان الأمر مع الحطاب الفقير وبالتالي لم تنفع الفأس التاجر في الحصول علي كميات الحطب التي كان يأتيه بها الحطاب الذى يتحلي بالصدق والأمانة والقناعة وتكشف هذه الحكاية عن قيمة الصدق والأمانة والقناعة كما تدل على قيمة العمل باليد وتفضيله على التجارة وتدل على صدق العامل وطمع وكذب التاجر وهي تنتصر للبيئة الطبيعية على مجتمع المدينة ففي الطبيعة العمل والصدق وفي المدينة التجارة والطمع والكذب والحكاية توظّف حرفة الحطاب للتعبير عن قيمة عليا وهي الصدق وتبدو الحكاية مناسبة للتعبير عن هذه القيمة العليا لأن مهنة الحطاب مرتبطة بالطبيعة الحية والطبيعة لا تعرف الطمع أو الكذب أو الخداع ولذلك تبدو مهنة الحطاب مناسبة لتوظيفها للتعبير عن قيمة الصدق .
 
 
الصور :