الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مسجد تينمل

مسجد تينمل
عدد : 08-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com



تينمل مدينة مغربية تاريخية إرتبطت بالمصلح الديني المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية بالمغرب وهو محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال المشهور بالمهدى بن تومرت والذى كانت مؤلفاته عامل أساسي في إنتشار الأشعرية بالمغرب وهي مدرسة إسلامية سنية إتبع منهجها في العقيدة عدد كبير من فقهاء أهل السنة والحديث وهي منسوبة إلي إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وقد مزج إبن تومرت بين أفكار الإمام علي بن حزم الظاهري في دعوته خصوصا فيما يتعلق منها بمحاربة التقليد والإحتكار المذهبي وكان هدفه من ذلك التقليص من نفوذ فقهاء المالكية الذي كان قد إستفحل في عهد الدولة المرابطية في المغرب وقد خصص إبن تومرت أجزاء من كتابه أعز ما يطلب إلي جانب ممارسته السياسة من أجل تجسيد عقيدة قوامها التوحيد والتنزيه المطلقان الأمر الذي دعاه إلى الإعتماد علي وسائل متعددة منها وسيلة تعلم التوحيد وإكتسابه ووسيلة الحرب والتقتيل من أجل التوحيد وذهب إلى أبعد من ذلك فقرر وجوب العلم بالتوحيد وتقديمه على العبادة ثم قرر أن إثبات العلم بالتوحيد لا يكون إلا عن طريق العقل وقد أقر أنصاره بإمامته لهم والتي تشكل ركنا أساسيا من أركان الدعوة الموحدية نفسها .

وقد بدأ دعوته عام 1121م في أعالي جبال الأطلس ودعا قبائل مصمودة المغربية إلى مبايعته فبايعوه وكون منهم جيشا قويا جعل على رأسه عبد المؤمن بن علي الكومي وذلك بغرض القضاء على المرابطين ولقب أتباعه بالموحدين ووضع بذلك أسس دولة جديدة هي الدولة الموحدية ونصب زعيما روحيا للموحدين في نفس العام كما كان أيضا المهدى بن تومرت هو صاحب إختراع النقود الموحدية المربعة التي كان مكتوب عليها في الوجه الأول الله ربنا ومحمد رسولنا والمهدي إمامنا وفي الوجه الثاني لا إله إلا الله الأمر كله لله وكان الناس يتبركون بها ويعلقونها للصبية وللكبار ويجعلونها في الأمتعة والأوعية وبعد مرور أربع سنوات على حكمه أمر المهدى بن تومرت ببناء مدينة تينمل وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه وقد دخل مدينة تينمل بعد ذلك المرينيون تلك السلالة الأمازيغية والذين حكموا المغرب مابين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين ودمروها بالكامل بإستثنإء مسجدها الأعظم في عهد السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق عام 674 هجرية الموافق عام 1275م ولا يزال موقع المدينة ومسجدها والقرية الحالية يحملون الإسم القديم تينمل وهي تبعد حوالي 100 كلم جنوب شرق مدينة مراكش على الطريق الذي يربط بين المدينتين والذى يمر بممر تيزي نتاست وهو ممر ضيق جدا وسط جبال الأطلس يبلغ طوله حوالي 2100 متر وتارودانت هي مدينة مغربية تنتمي لإقليم تارودانت بوسط غرب المغرب وهي من أقدم وأعرق المدن هناك إذ كانت مدينة عامرة منذ أقدم العصور ولعبت أدوارا تاريخية هامة في تاريخ المغرب سواء خلال مرحلة ما قبل الإسلام أو خلال مختلف مراحل تاريخ المغرب الإسلامي وتنتشر أطلالها على الضفة اليسرى لنهر يسمي وادى نفيس ينحدر وسط جبال الأطلس الكبير على علو يناهز 1230 مترا فوق سطح البحر .




وبعد وفاة المهدى بن تومرت وتخليدا لذكراه ولإرتباط قرية تينمل به أمر خلفه عبد المؤمن بن علي الكومي في سنة 1153م ببناء مسجد تينمل وكان هذا الخليفة بمثابة المؤسس الثاني لدولة الموحدين وقد حكمها من مراكش من عام 1147م وحتى عام 1163م وطبق ما أخذه من سلفه من فقه ظاهري وفكر أشعري فكان أول من وحد كامل الساحل المتوسطي من بعد حدود مصر إلى المحيط الأطلسي وحكمها كدولة واحدة هي والأندلس وجعلها تحت عقيدة واحدة وتحت حكومة واحدة وخلال العصر المريني تعرضت المدينة للهدم والتخريب من طرف الجنود المرينيين ولم يستتثى من ذلك إلا المسجد الأعظم الذي أصبح يشكل أحد المعالم الهامة والتي يعتبرها السكان المحليون مزارا مقدسا وجدير بالذكر أن كلمة تينمل تعني‭ ‬‬بالأمازيغية‭ ‬المزار‭ ‬أو‭ ‬المحج‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬مكانا‭ ‬مقدسا‭ ‬تجتمع‭ ‬فيه‭ ‬القبائل‭ ‬لعقد‭ ‬المواثيق‭ ‬والعهود وبالإضافة إلى مسجدها الكبير توجد بها بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبتها أى مقر حكامها ومساكن حاشيته وقلعتها الحصينة التي تم إختيار موقعها في مكاتن حصين على قمة جبل ويقول العلامة إبن خلدون إن أهل المهدى بن تومرت كانوا أهل نسك وأنه كان قارئا محبا للعلم و كان يسمى باللسان البربري أسافوا التي تعني الضياء لكثرة ما كان يسرَج القناديل بالمساجد حتى يتم ملازمتها من طرف السكان المحليين .

و يعتبر مسجد تينمل من أروع ما خلفه الموحدون رغم بساطته في البناء والزخارف مقارنة بباقي المنشآت الأخرى التي شيدوها في مناطق أخرى وقد بني هذا المسجد من الطوب الآجر والملاط المصنوع من خليط من الرمل والتراب والجير والحصى بشكل أساسي وبتصميم ذي شكل مستطيل على مساحة طولها 48.10 متر وعرضها 43.60 متر ويحاط بسور طويل تعلوه شرفات وتتكون فيه قاعة للصلاة من تسعة أروقة موجهة نحو القبلة ويشكل إلتقاء البلاط المحوري والرواق الموازي لجدار القبلة شكلا هندسيا على نحو الحرف اللاتيني Ƭ ويستند السقف على أقواس علي شكل حدوة الفرس المدببة عمودية على جدار القبلة وصف آخر من الأقواس المفصصة مواز لجدار القبلة وتستند كل هذه الأقواس على دعامات آجرية وللمسجد ثلاثة قباب تتوزع بشكل منتظم على طول رواق القبلة وهذه القباب كانت كلها يحيط بها من أسفل مقرنصات وهي زخارف تشبه خلايا النحل وكانت تعد من بين أقدم المقرنصات في الفن المغربي والأندلسي وبمرور الزمن لم يتبق من هذه القباب إلا واحدة فقط وهي التي توجد في الزاوية الجنوبية الغربية وترتكز أروقة المسجد على دعامات مبنية من الآجر بواسطة أقواس متنوعة الأشكال والتي تساهم في إعطاء جماليات خاصة لقاعة الصلاة وتعلو المنبر والمحراب مئذنة مستطيلة الشكل يبلغ طولها 9.50 متر وعرضها 5.50 متر وقد فقد حاليا الجزء العلوى منها أما الصحن فيمتد شمال غرب قاعة الصلاة ويبلغ طوله 23.65 مترا وعرضه 16.70 مترا ويحيط بجانبيه رواقان يشكلان إمتدادا لبلاطات بيت الصلاة .

ومن حيث الزخرفة يشكل محراب مسجد تينمل إحدى روائع الفن الإسلامي بالمغرب وللمسجد ثلاثة أبواب بشكل متناظر في كل جدار من الجدران الجانبية وتبرز على الواجهة بواسطة بروزات متقدمة فوقها في حين تم فتح باب صغير بدون بروز يفضي إلى الصحن وفتحتين ضيقتين على جانبي المحراب وخلاصة القول أن مسجد تينمل يتميز بأحجام متوازنة وتناسق تركيبي تدريجي لمرافقه المركزة جميعها على عنصر المحراب ليس فقط على مستوى الزخرفة بل وحتى على مستوى الترابطات الهندسية بين عناصره وترابطات أحجامها وجدير بالذكر أنه قد شاع بين الناس خلال القرن الثاني عشر الهجرى الموافق للقرن الثامن عشر الميلادى أن محراب مسجد تينمل منحرف عن الإتجاه الصحيح للقبلة فكان ذلك مدعاة لهجره وإهماله مما أسهم في تدهور بنيته العمرانية منذئذ وقد خضع هذا المسجد للترميم الجزئي خلال الفترة من عام 1991م وعام 1994م ويطالب الكثير من المغاربة بإستكمال ترميم هذا المسجد والحفاظ عليه والذي ما زالت أعمدته وأسواره وزخارفه شاهدة على مجد تليد يعود إلى ثمانية قرون مضت وذلك حتى يستأنف دوره الديني الكبير علاوة على دوره الثقافي والحضاري والسياحي خاصة وأن المؤرخين يعتبرونه أحد أعظم مساجد المغرب وأنه جزء مما تبقى من مدينة تينمل التي أسسها الموحدون ودمرها المرينيون ويأملون في أن يرفع الأذان هناك قريبا خمس مرات في اليوم وأن يظل ذكر الله قائما به وأن يأتي الناس أسبوعيا من كل فج عميق لحضور صلاة الجمعة به والإستماع قبلها لخطبة الإمام .
 
 
الصور :