الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

قلعة روملي حصار بتركيا /3

 قلعة روملي حصار بتركيا /3
عدد : 06-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com



ونكمل مع السلطان محمد الفاتح وفتح القسطنطينية ونقول إنه بعد إحكام الحصار برا وبحرا حول القسطنطينية بدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها الهائلة على السور ليل نهار بصورة لا تكاد تنقطع وكان دوي إصطدام القذائف بالأسوار يملأ قلوب أهل المدينة فزعا ورعبا وإستمر هذا القصف لمدة أسبوعين وكان كلما إنهدم جزء من الأسوار بادر المدافعون عن المدينة إلى إصلاحه على الفور أثناء الليل وإستمر الحال على هذا الوضع هجوم جامح من قبل العثمانيين ودفاع مستميت يبديه المدافعون وعلى رأسهم قائدهم يوحنا جستنيان والإمبراطور البيزنطي وكان السبب الرئيسي في صمود المدافعين عن القسطنطينية في ذلك الوقت هو بطء المدافع العثمانية فالمدفع السلطاني كان لا يطلق أكثر من سبع طلقات في النهار وطلقة واحدة بالليل حيث كان تبريده وإعادة حشوه بالذخيرة يتطلَّب فترةً طويلةً تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات مما يعني أن البيزنطيين كان يتوافر لهم متسع من الوقت بين الطلقة والأُخرى كي يرمموا أسوار مدينتهم وعلي الرغم من ذلك إستمرت أربعة مدافع من النوع الكبير تطلق النار وتلتها فصائل المدفعية الأصغر وفي يوم 18 أبريل عام 1453م جاء سفراء من المجر إلى المعسكر العثماني وأبلغوا الصدر الأعظم خليل جندرلي باشا رسالةً بإسم العالم المسيحي أجمع ومفادها أن جيوش أوروبا المتحدة سوف تستولي على البلاد العثمانية في حالة عدم رفع الحصار عن القسطنطينية فلم يعرهم السلطان إهتماما بل أصر على فتح المدينة قبل أن تتمكن الجيوش الأوروپية من الإحتشاد والوصول وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه هجمات العثمانيين من ناحية البر حاولت بعض السفن العثمانية تحطيم السلسلة على مدخل ميناء القرن الذهبي وإقتحامه ولكن السفن البيزنطية والإيطالية التي عاونت البيزنطيين والمكلفة بالحراسة والتي تقف خلف السلسلة نجحت في رد هجمات السفن العثمانية وصبت عليها قذائفها وأجبرتها على الفرار وكانت المدينة المحاصرة تتلقى بعض الإمدادات الخارجية من بلاد اليونان وجزيرة صقلية وكان الأسطول العثماني مرابطا في مياه البوسفور الجنوبية منذ يوم 4 من شهر ربيع الآخرعام 857 هجرية الموافق يوم 15 من شهر أبريل عام 1453م ووقفت قطعه على هيئة هلال لتحول دون وصول أي مدد إلي المدينة المحاصرة .


ولم يكد يمضي 5 أيام على الحصار البحري حتى ظهرت 5 سفن غربية أربع منها بعث بها البابا في روما لمساعدة المدينة المحاصرة وحاول الأسطول العثماني أن يحول بينها وبين الوصول إلى الميناء وإشتبك معها في معركة هائلة لكن السفن الخمس تصدت ببراعة للسفن العثمانية وأمطرتها بوابل من السهام والقذائف النارية فضلا عن براعة رجالها وخبرتهم التي تفوق العثمانيين في قتال البحر الأمر الذي مكنها من أن تشق طريقها وسط السفن العثمانية التي حاولت إغراقها لكن دون جدوى ونجحت في المرور إلي المدينة المحاصرة وكان لنجاح هذه السفن في المرور أثره الطيب جدا في نفوس أهالي المدينة المحاصرة فإنتعشت آمالهم وغمرتهم موجة من الفرح بما أحرزوه من نصر وقويت عزائمهم على الثبات والصمود وفي الوقت نفسه أخذ السلطان محمد الفاتح يفكر في وسيلة لإدخال سفنه القرن الذهبي وحصار القسطنطينية من أضعف جوانبها وتشتيت قوى المدينة المدافعة وإهتدى السلطان إلى خطة موفقة إقتضت أن ينقل جزءا من أسطوله بطريق البر من منطقة جالاتا إلى داخل الخليج متفاديا السلسلة ووضع المهندسون الخطة في الحال وبدأ العمل تحت جنح الظلام وحشدت جماعات غفيرة من العمال في تمهيد الطريق الوعر الذي تتخلله بعض المرتفعات والذى غُطي بألواح من الخشب المطلي بالدهن والشحم وفي ليلة واحدة تمكن العثمانيون من نقل سبعين سفينة طُويت أشرعتها تجرها البغال والرجال الأشداء وذلك في ليلة 11 من شهر ربيع الآخر عام 857 هجرية الموافق ليلة 22 من شهر أبريل عام 1453م وكانت المدافع العثمانية في نفس الوقت تواصل إطلاق قذائفها حتى تشغل البيزنطيين عن عملية نقل السفن وعند الصباح نشرت السفن العثمانية التي تم نقلها ليلا داخل ميناء القرن الذهبي قلوعها ودقت الطبول وكانت مفاجأة مروعة لأهل المدينة المحاصرة وبنجاح هذه العملية أمر السلطان محمد الفاتح بإنشاء جسر ضخم داخل ميناء القرن الذهبي عرضه 50 قدم قدما وطوله 100 قدم وصفَّت عليه المدافع وزودت السفن المنقولة بالمقاتلين والسلالم وتقدمت إلى أقرب مكان من الأسوار وكان البيزنطيون قد حاولوا إحراق السفن العثمانية في الليل ولكن العثمانيين علموا بهذه الخطة فأحبطوها وتكررت المحاولة أكثر من مرة وفي كل مرة يكون نصيبها الفشل والإخفاق .


وإستمر الحصار بطيئا مرهقا والعثمانيون مستمرون في ضرب الأسوار دون هوادة وأهل المدينة المحاصرة يعانون نقص المؤن ويتوقعون سقوط مدينتهم بين يوم وآخر خاصة وأنهم يدركون تماما أن العثمانيين لن يسكتوا حتي يتمكنوا من إقتحام المدينة التي أبدت أروع الأمثلة في الدفاع والثبات وكان السلطان العثماني يفاجئ خصمه في كل مرة بخطة جديدة لعله يحمله على الإستسلام أو طلب الصلح لكنه كان يأبى فلا يكون أمام السلطان سوى معاودة القتال بكل ما يملك من قوة وفي فجر يوم الثلاثاء 19 من شهر جمادى الأولى عام 857 هجرية الموافق يوم 29 من شهر مايو عام 1453م وبعد أداء صلاة الفجر كان السلطان العثماني قد أعد أهبته الأخيرة ووزَع قواته وحشد زهاء 100 ألف مقاتل أمام القرن الذهبي وحشد في الميسرة 50 ألفًا ورابط السلطان في القلب مع الجند الإنكشارية وإحتشدت في الميناء 70 سفينة وبدأ الهجوم برا وبحرا وإشتد لهيب المعركة وبدأت قذائف المدافع مع بزوغ الشمس يشق دويها عنان السماء ويثير الفزع في النفوس وتكبيرات الجند ترج المكان فيسمع صداها من أميال بعيدة والمدافعون عن المدينة يبذلون كل ما يملكون دفاعا عنها وما هي إلا ساعة حتى إمتلأ الخندق الكبير الذي يقع أمام السور الخارجي بآلاف القتلى وضاعف العثمانيون جهدهم وتحت ستار نيران وقذائف المدفعية قاموا بالضغط على الأسوار مع محاولة تسلقها من جميع الجهات فإندفعوا بسلالمهم نحو الأسوار غير مبالين بالموت وتركز الهجوم على بوابة رومانوس بشكل أساسي وأخذت فرق الموسيقي العسكرية تضرب طبولها وتدوي أبواقها لإثارة حمية الجنود ورجال الدين ومشايخ الطُرق الصوفية يتجولون بين صفوف العثمانيين يشجعون المقاتلين ويتلون الأدعية وينشدون الأشعار والمنظومات الدينية ويرددون الآيات القُرآنية والأحاديث النبوية التي تحثُّ على القتال والجهاد في سبيل الله وكانت الفرقة العسكرية الصربية التي أرسلها حاكم الصرب جريج برانكوڤيتش كجزء من إلتزامه بمساعدة السلطان محمد الفاتح عند الحرب رغم أنه كان قد أرسل أموالا قبل بضعة أسابيع إلى الإمبراطور البيزنطي للمساهمة في إعمار وتقوية أسوار القسطنطينية بالمقابل هي أول من إنقض على الأسوار تلتها فرق العزب غير النظامية ثُم الفرق العسكرية الأناضولية وتركز هجومها على ناحية بلاشرنيا شمال غرب المدينة حيث تخلخلت الأسوار وتضعضعت بشدة وفتحت بها العديد من الثغرات بفعل القصف المدفعي العنيف ونجح الأناضوليون في دخول المدينة عبر تلك الثغرات لكنهم ما كادوا يفعلون ذلك حتى ردهم المدافعون على أعقابهم وأخذ البيزنطيون يخلون بيوتهم والشوارع ويلجأون إلى الكنائس بعد أن هالهم رؤية العثمانيين وقد تخطّوا الأسوار وإقتحموا المدينة وإنتشروا بها وإمتشق بعض المواطنين السلاح ودافعوا به مع إخوانهم الجنود عن المدينة.



وإستمر الضغط العثماني وكان السلطان محمد الفاتح يتابع المعركة ويعزز وحدات الجنود بصورة مستمرة ولم تستطع أحجار المجانيق التي تلقى عليهم أو قذائف المدافع أو النار الإغريقية أن تثني موجاتهم المتتالية عن محاولات تسلق الأسوار وعندما ظهر للسلطان أن المعركة قد إحتدمت دفع بخيرة الجنود إلى القتال وهم نُخبة الإنكشارية فإنقضوا على الأسوار وألحقوا بالمدافعين خسائر كبيرة وأُصيب في هذا الهجوم القائد يوحنا جستنيان في ذراعه وفخذه وسالت دماؤه بغزارة الأمر الذي سبب هلعا كبيرا في صفوف المدافعين وقد إضطر أن ينسحب لتلقي العلاج رغم توسلات الإمبراطور له بالبقاء لشجاعته ومهارته الفائقة في الدفاع عن المدينة لكنَّه أجابه بقوله سأسلك الطريق التي فتحها الله للترك وحمل جستنيان إلى جزيرة خيوس مقابل الأناضول حيثُ توفي بعد أيام متأثرا بجراحه وقد بقي الإمبراطور وحفنةً من جنوده المخلصين يقاتلون الإنكشارية ناحية المرفأ فنجحوا في صدهم لفترة قصيرة لكن فشلهم كان محتوما ففي تلك اللحظات تمكن ضابط عثماني حديث السن يدعى حسن الألوباطلي مع 30 جنديا من رفاقه من الوصول إلى أعلى نقطة في السور الأوسط حيث ركزوا الراية العثمانية وفي تلك اللحظة إنهالت عليهم السهام والنيران والرصاصات فقُتل حسن الألوباطلي و18 جنديا لكن الإثنا عشرة جنديا الباقين حافظوا على الراية فلم تسقط من أيديهم ولم يبالوا بالرصاص الذي يحصدهم حصدا ووثبت جماعة من الإنكشارية إلى أعلى السور وتبعهم المقاتلون وسهام العدو تنفذ إليهم ولكن ذلك كان دون جدوى فقد إستطاع الجنود العثمانيون أن يتدفقوا نحو المدينة التي سادها الذعر وفر المدافعون عنها من كل ناحية وما هي إلا ثلاث ساعات من بدء الهجوم حتى سقطت المدينة العتيدة تحت أقدام الفاتحين ويقال إن الإمبراطور البيزنطي لما شاهد الراية السلطانية تخفق على الأسوار أيقن أن الأمر قد إنتهى فألقى برايته البنفسجية أرضا وإنقض مع بقية جنوده على العثمانيين فكانت تلك نهايته حيث سقط قتيلا مع جنوده دفاعا عن وطنه وأشار مؤرخون آخرون إلي أن الإمبراطور قد جرح في الهجوم وسقط أرضا حيث سحق سحقا تحت أقدام جنوده المتدافعين ثم رآه بحار عثماني فعالجه بضربة سيف قطعت رأسه وبالمقابل قال نقولا باربادو الذي عاصر الحدث إن قسطنطين شنق نفسه عندما رأى العثمانيون قد إقتحموا بوابة رومانوس لكن ذلك يبقى أقل الآراء شيوعا .



وقام الجيش العثماني الذي دخل المدينة بفتح أبواب القلاع الواحدة تلو الأُخرى ويسر دخول كافَّة الوحدات العسكرية الأُخرى ثُم بدأ الجنود يمشطون المدينة لزوم القضاء على أوكار المقاومة الأخيرة بها وساروا في تشكيل نظامي نحو ميدان آيا صوفيا حيث تجمهر أهالي المدينة وخصص السلطان فرقًا عسكرية لحراسة بعض مواقع المدينة وأهمها الكنائس مثل كنيسة الحواريين كي لا يتعرض لها أحد الجنود بضرر وفي نفس الوقت نجح الأسطول العثماني في رفع السلاسل الحديدية التي وضعت في مدخل خليج القرن الذهبي وفي عصر ذلك اليوم دخل السلطان محمد الفاتح المدينة على ظهر جواده الأبيض جان بولاد أي ذي الروح الفولاذية وكان يبلغ آنذاك من العمر 22 ربيعا وترجل عن فرسه وسجد لله شكرا على هذا الظفر والنجاح شاكرا الله أن نبوءة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم قد تحققت على يديه فمما يروى عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم أنه قدتحدث عن أمير من أفضل أمراء العالم وأنه هو من سيفتح القسطنطينية ويدخلها ضمن الدولة الإسلامية وقد قال فريق من شراح الحديث إن هذا الشخص هو السلطان محمد الفاتح ثُم سار إلى كاتدرائية آيا صوفيا حيثُ تجمع خلق كثير من الناس فأمنهم على حياتهم وممتلكاتهم وحرِياتهم ومعتقداتهم وطلب منهم العودة إلى بيوتهم وبعد ذلك توجه إلي مذبح الكاتدرائية وأمر برفع الآذان فيها حيث كان وقت العصر قد حان وأدى صلاة العصر داخلها إيذانا بجعلها مسجدا جامعا للمسلمين ثُم أمر بالبحث عن جثَّة الإمبراطور قسطنطين فأُحضرت وسلمت إلى الرهبان ودفنت بعد إقامة المراسم الرومية المعتادة كما أمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري والذى كان ضمن صفوف الحملة الأولى لفتح القسطنطينية في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان وكان الجنود العثمانيون قد عثروا عليه خارج أسوار القسطنطينة أثناء توجههم لفتحها فإستبشروا خيرا بذلك وقد إنتهي بناؤه عام 1458م ولايزال هذا المسجد قائما حتي الآن وقد جرت العادة فيما بعد أن يتقلد كل سلطان عثماني جديد سيف السلطان عثمان الغازي الأول مؤسس الدولة العثمانية في هذا المسجد إيذانا بإعتلائه العرش رسميا ويسمي الأتراك هذا المسجد بإسم أيوب سلطان تقديرا ومحبة للصحابي الجليل أبو أيوب الأنصارى.



ومكث السلطان محمد الفاتح في القسطنطينية حوالي 23 يوما بعد فتحها نظَّم فيها شؤونها ورتب أمورها وكانت فاتحة قراراته أن إتخذها عاصمةً لدولته بل العاصمة الإسلامية الكبرى فإستبدل إسمها إلي إسلامبول وهي كلمةٌ تركيةٌ معناها تخت الإسلام أو دار الإسلام ثم حرف الإسم إلي إسطنبول وهو الإسم المعروفة به حتي اليوم والتي ظلت عاصمة للدولة العثمانية حتي سقوطها بعد حوالي 470 سنة في أوائل العشرينيات من القرن العشرين الماضي وقد إتخذ السلطان بعد تمام فتح المدينة لقب الفاتح أو أبو الفتح فأصبح يعرف في التاريخ بإسم محمد الفاتح ويكتب بالتركية العثمانية فاتح سلطان محمد خان ثانى كما قام بإرسال المراسيل إلى السلاطين والأُمراء المسلمين لإعلامهم بفتح المدينة الحصينة وفي مقدمة هؤلاء الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة أبو البقاء حمزة بن المتوكل القائم بأمر الله وسلطان مصر والشام المملوكي حينذاك الملك الأشرف سيف الدين إينال العلائي وبعد أن إستقرت الأمور بالقسطنطينية تم بناء مسجد جامع بإسم السلطان محمد الفاتح وهو لا يعد فقط مكان ديني بل هو مركز إجتماعي أيضا حيث يضم مدارس ومكتبة ومستشفى وبيت للمسافرين وسوق وحمام عام ومدرسة إبتدائية ومطبخ عام كان يقدم الطعام للفقراء وقد أضيف حوله العديد من القبور أو المقامات فيما بعد منها قبر السلطان محمد الفاتح الذى توفي يوم 3 من شهر ربيع الأول عام 886 هجرية الموافق يوم 3 من شهر مايو عام 1481م وكان يبلغ من العمر حينذاك 51 عاما وبعد أن ظل سلطانا حوالي 30 سنة قضي أغلبها في جهاد مستمر من أجل نشر دين الإسلام حيث قام بفتح بلاد اليونان خلال الفترة بين عام 1458م وعام 1460م كما قام بفتح مناطق الأناضول التي لم تكن تحت حكمه بالكامل عام 1461م وكان أهمها مملكة طرابزون الرومية التي تقع شمال شرق تركيا حاليا وفتح أيضا بلاد البوسنة عام 1462م وقد خلفه إبنه السلطان بايزيد الثاني ويقع هذا المسجد في الجهة الأوروبية من مدينة إسطنبول في منطقة الفاتح ويعد تحفة معمارية فنية.


وكانت مسؤوليات العاصمة الجديدة للدولة العثمانية كبيرة ولا يمكن أن يقوم بها شعب قليل العدد بقي فيها بعد سقوطها بأيدي المسلمين وكان كثير من الجماعات الإسلامية تدرك قيمة موقعها التجاري لذا فقد فضلوا الإنتقال إليها والإستفادة من ذلك بالإضافة إلى الفرص العديدة التي تسنح من وجودها بالقرب من الحكومة المركزية لذلك إستمرت الهجرات الإسلامية إلى المدينة حتّى أضحت عاصمة إسلامية تماما وعلى الرغم من ذلك لم يهمل محمد الفاتح أمر سكانها الأصليين فشجع من هاجر منهم في أثناء الحصار على العودة إلي منازلهم والإستمرار في مزاولة أنشطتهم وبذلك زود دولته بقاعدة سياسية وثقافية كما إنتهج السلطان محمد الفاتح سياسة دينية سمحة مع سكان المدينة فكفل لهم حرية ممارسة عباداتهم حتى يتسنّى له الإستفادة من العناصر المسيحية التي أصبحت الآن رعايا له وكانت هي المسؤولة عن إستثمار وتنمية البلاد وأبقى المسؤوليات الدينية للأرثوذكس في يد الكنيسة وعلى رأسها بطريرك الروم وقام بعزل البطريرك المسكوني نظرا لتأييده البابا في الإتحاد الكنسي وطلب من المجلس الروحاني أن يجتمع لإنتخاب بطريرك جديد بدلا منه فإنتخبوا جورجيوس سكولاريوس وإعتمد السلطان هذا الإنتخاب وإحتفل بتثبيت البطريرك الجديد بنفس الأُبهة والنظام الذي كان يعمل للبطاركة في أيام القياصرة البيزنطيين وأعطاه حرسا من عساكر الإنكشارية ومنحه حق الحكم في القضايا المدنية والجنائية بكافَّة أنواعها المختصة بالروم وعين معه في ذلك مجلسا مشكلا من أكبر موظفي الكنيسة ولم يكتف السلطان بالسماح لبطريركية الروم بممارسة أنشطتها فحسب بل سمح للطائفة اليهودية بإمتلاك دور العبادة الخاصة بهم وترك للأرمن حرية إختيار بطريرك على رأس الطائفة الأرمينية وكان كلا الأمرين محظورا خلال العهد البيزنطي كما عمل السلطان محمد الفاتح على تشجيع بقاء الجالية الجنوية التي كان لها دور كبير في تنمية التجارة وإزدهارها بالمدينة فأبقى ما كان للجنويين من إمتيازات وزاد عليها فكانوا بذلك أداة ووسيلة هامة لنمو ثروة المدينة من جهة وواسطة الإتصال بالدول الأوروبية من جهة أُخرى .


وكان لفتح القسطنطينية دوى عالمي كبير حيث عم الفرح العالم الإسلامي وإبتهج المسلمون إبتهاجا عظيما لتحقق نبوءة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وإحتفل بهذا النصر في الحواضر الكبرى وكان هذا في حقيقة الأمر توطئة للنفوس لتقبل الزعامة التركية العثمانية الإسلامية الناشئة فمنذُ سنوات طويلة لم تحرز أية دولة إسلامية إنتصارا مدويا كهذا كما شكل فتح القسطنطينية عامل دعم للممتلكات الجديدة في الدولة العثمانية وفرض هيبتها على العالمين الإسلامي والمسيحي إذ أن هذا الفتح قد مثل عمل إستراتيجي حيث كان بمثابة كسر حاجز تاريخي إستعصى على المسلمين كثيرا من خلال حصاراتهم المتعددة للقسطنطينية منذُ العهود الإسلامية الأولى وبذلك تحطَّم الجدار الأوروپي الأول جغرافيا أمام زحف المسلمين بإتجاه أوروبا ومن ثم كان لفتح القسطنطينية تأثير كبير جد على مستقبل أوروبا حيث إهتزت بشدة كل عروش هذه القارة وإنتاب الملوك والأمراء شعور بالهلع والألم والخزي والعار بعد أن سقط الحصن الذي طالما حمى أوروبا من آسيا أكثر من ألف سنة وتجسم لهم خطر المسلمين وتهديدهم وتوجسوا أن يكون إنتصار السلطان العثماني بدايةً لتوغّل العثمانيين في أوروبا فراحوا يتتبعون خُطواته وحركاته بقلق وإهتمام بالغين ونهضوا يستفزون بعضهم بعضا عن طريق الشعر والأدب والمسرحيات وعقد الإجتماعات والمؤتمرات وأدركوا أنّ القوة والعقيدة الإسلاميتين اللتين أملوا في ردهما إلى داخل آسيا قد شقَّتا الآن طريقهما على جثَّة الإمبراطورية البيزنطية وعبرتا البلقان إلى أبواب المجر وإذا ما خضعت هذه البلاد للمسلمين فُتحت أمامهم طريق إيطاليا وألمانيا وقد رأت البابوية التي حلمت بإخضاع جميع النصارى الشرقيين لحكم روما بفزع سرعة تحول الملايين من سكان جنوبي شرقي أوروبا إلى الإسلام وكتب البابا نقولا الخامس إلى جميع الحكام الأوروپيين طالبا منهم طرح الخلافات وتوحيد الجهود ضدّ العثمانيين والعمل على تشكيل حلف صليبي آخر لكنهُ توفي قبل أن يتم هذه الخطَّة فحاول خليفته البابا پيوس الثاني تجديد الهمم لكن النزاعات بين ملوك أوروبا وأمرائها حالت دون تحقيق الهدف وإعتبر البعض أنَّ التقاعس الغربي عن نجدة البيزنطيين وعن التوحد في وجه العثمانيين يوضح أن فكرة الحرب الصليبية لم تعد مجدية في نظر أوروبا وبالإضافة إلى ما سلف إنتشرت فكرة في الأوساط الشعبية والكنسية الأوروپية مفادها أن سقوط القسطنطينية هو بمثابة عقاب أوقعه الله بالروم بسبب هرطقتهم وإنفصالهم عن كنيسة روما .