الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

صانع الفسيفساء

صانع الفسيفساء
عدد : 05-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


الفُسيفساء هو فن وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة وإستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية عن طريق تثبيتها فوق الأسطح الناعمة وتشكيل التصاميم المتنوعة ذات الألوان المختلفة ويمكن إستخدام مواد متنوعة في صنعها مثل الحجارة والمعادن والزجاج والأصداف وغيرها وفي العادة يتم توزيع الحبيبات الملونة المصنوعة من تلك المواد بشكل فني ليعبر عن قيم دينية وحضارية وفنية بأسلوب فني مؤثر وعادة يتم رسم اللوحة الفسيفسائية بواسطة رص وتنظيم عدد كبير من القطع الصغيرة الملونة لكي تكون في مجملها صورة تمثل مناظر طبيعية أو أشكال هندسية أو لوحات بشرية أو حيوانية وكلمة أو مصطلح الفسيفساء يعود في أصوله إلى اللغة اليونانية القديمة وهي كلمة موزس والتي يقصد بها آلهة الفنون والجمال والإلهام الفني التسعة اللواتي رافقن الإله أبوللو واللواتي إرتبط إسمهن لفظيا بكلمة موزايك والتي تعني الفسيفساء وقد وصلت هذه الكلمة إلى اللغة العربية بإسم فيفوس والتي عربت لاحقا لتصبح فاس ثم تم تحريفها لاحقا لتصبح فسيفساء .



ويعود إستخدام الفسيفساء إلي أيام السومريين منذ عهد مبكر في بلاد ما بين النهرين أى العراق حاليا في معبد مدينة أور الذي يعود إلى الألف الثالث ق.م حيث كانت الفسيفساء تصنع من أقلام أو مسامير من الآجر وكانت هذه الأقلام أو المسامير ذات رؤوس دائرية ملونة تغرس في جدران الطوب مؤلفة أشكالا زخرفية وفنية بديعة وقد قام الفرس بإقتباس هذا الفن ودليل ذلك ما وجد في قصر دارا أحد ملوك الفرس كما إستخدم الطابوق أى الطوب المزجج في مدينة بابل وقد وصلت هذه الصناعة الفنية إلى درجة عالية من الجودة والإتقان في نهاية القرن الثالث ق.م في أنحاء العالم الهلنيستي وخاصة في بلاد اليونان وكانت أقدم فسيفساء وجدت في اليونان في مدينة أولينثوس وذلك في القرنين الخامس والرابع ق.م كما وجدت أمثلة في أوليمبيا وسوريا ومقدونيا وبعد ذلك ظهرت الفسيفساء الرومانية التي إنتشرت في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية الغربية وإنتقلت منها إلي سوريا وحوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا وفرنسا وذلك ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين أما أقدم نماذج على الفسيفساء الجدارية والتي تعود إلى الفترة الرومانية فقد ظهرت في القرن الأول الميلادي في مدينة بومباي الإيطالية التي دمرها بركان فيزوف والتي موقعها قرب مدينة وميناء نابولي الإيطالية حاليا في أساسات إحدى الحدائق وبعد ذلك شاع إستعمال الفسيفساء في عصر الدولة البيزنطية حيث تتواجد أمثلة عديدة وكثيرة على ذلك في منطقة بلاد الشام وروما وغيرها من الأقاليم التابعة لنفوذ الدولة البيزنطية وقد شهد العصر البيزنطي تطورا كبيرا في صناعة الفسيفساء حيث قام الفنانون الرومان بإدخال الزجاج والمعادن في صناعة الفسيفساء وإستخدمت علي نطاق واسع في القرنين الثالث والرابع الميلاديين باللون الأبيض والأسود وقد برعوا في تصوير حياة البحر والأسماك والحيوانات بإستخدام الفسيفساء .


وقد إستمر إستخدام هذا الفن بكثرة حتى قدوم الدولة الإسلامية بعد فتوحات الشام حيث تعلموا هذا الفن من البيزنطيين وقام الفنانون المسلمون بإقتباس هذا الفن وإستخدامه في زخرفة وتزيين المساجد والقلاع والقصور وخاصة في عصر الدولة الأموية ومن الأمثلة عليها قبة الصخرة المشرفة في القدس والذى بناه الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان والمسجد الأموي بدمشق والذى بناه الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك وبعض القصور الأموية في سوريا وصور مثل قصر المنية وقصر عمرة وغيرهما ومن ثم بدأ ينتشر هذا الفن في العديد من الأقاليم وبرع فيه العديد من الصناع والفنانين فنجدهم قد صنعوا أشكالا هندسية ذات طابع إسلامي مثل النجمة والأطباق النجمية والمفروكة وغيرها كما نجدهم قد رسموا لوحات رائعة لمناظر طبيعية وأشجار وغابات وقناطر أنهار وقد مر تطور فن الفسيفساء بمراحل عديدة خلال العصر الإسلامي حتى بلغ قمته والتي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة حيث إهتم هذا الفن بتفاصيل الأشياء والخوض في تلافيف أعماقها نافذا من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة صانعا فن التلاحم والتشابك الذي عبر في دلالاته عن أحوال أمة عريقة ذات حضارة قادت العالم إلى آفاق غير مسبوقة من العلم والمعرفة فقد إستطاع الفنان المسلم بأدواته الخلاقة أن يترجم لنا فلسفة هذه الحضارة في ألوان متعددة من الفنون الجمالية الراقية التي يقف الفسيفساء في قمة هـرمها متربعا على عرش الصورة الفنية المتكاملة عبر قطع مكعبة الشكل لا يتعدى حجمها سنتيمترات من الرخام أو الزجاج أو القرميد أو البلور أو الصدف وهو حجر ناطق يروي حكايات الماضي العتيق حكايات صاغتها أيدي الفنانين والصناع المهرة على الجدران والقباب والأرضيات والمنابر والمحاريب والمآذن وغيرها فروت ماضيهم وكيف أن إبداعهم تجاوز حدوده وأنطق الحجر فجمل المساجد والقصور والنوافير والقلاع والمنازل بتحف فنية رائعة تسحر الألباب لا مثيل لها .


وفي العصر الحديث عاد هذا الفن العريق للظهور من جديد بصورة حديثة تواكب العصر ولعل أبرز ما دفع الناس حتى مع تطورنا وتقدمنا حب العودة للجذور والأصول ومن ثم ظهر فن الفسيفساء في المنازل والقصور والأسواق الحديثة في أحواض السباحة وفي الحمامات وفي أشكال رائعة من اللوحات الجدارية الضخمة وتتلخص خطوات تصنيع الفسيفساء في أولا القيام برسم الصورة أو الموضوع المراد تنفيذه بالفسيفساء على قطعة من الورق بالحجم الذي يراد تنفيذه به ولكن بشكل معكوس ثم تتم تجزئة كل مساحة لونية من الرسم إلى أقسام صغيرة بعدد أقسام قطع الفسيفساء الصغيرة التي سيتم رصها وبعد ذلك توضع المكعبات الملونة حسب الرسم الذي تم تنفيذه وقد تحتاج هذه العملية إلى صقل أو تصغير بعض القطع وذلك حسب الحاجة وبعد ذلك تستخدم مواد لإلصاق القطع مثل الغراء الأبيض أو السيكوتين وغيرهما من المواد اللاصقة ثم تكون الخطوة التالية حصر الرسم ضمن إطار خشبي أو حديدي على أن تكون الورقة التي بها الرسم في الأسفل ويتم تجهيز مونة مكونة من الأسمنت والرمل الناعم بالماء وبعد ذلك تسكب هذه المونة فوق قطع الموزاييك ضمن الإطار ثم تترك لتجف ثم يقلب الإطار بما فيه ثم تستخدم إسفنجة مبللة لدعك وتبليل الورقة التي عليها الرسم لتنتزع لنحصل على لوحة فسيفسائية ملونة وجميلة ضمن إطار ليتم تثبيتها على الجدار بأية وسيلة ويتم سقايتها لتكتسب الصلابة اللازمة .



وحتي لا يختلط علينا الأمر فقد وجهنا سؤالا إلي أحد العاملين في فن الفسيفساء منذ أربعين عاما حيث بدأ يزاول هذا الفن وهو في سن 13 سنة والذى ورث هذه المهنة أبا عن جد عن ما هو الفارق بين مصطلحي فسيفساء وموزاييك فأجاب بأن الفسيفساء كلمة جامعة تدل على روح هذا الفن لكنها تقتصر على تجميع قطع حجرية أو زجاجية أو خزفية لتعطي في النهاية لوحة كما في لوحات الجامع الأموي بدمشق أما الموزاييك فهو يتصل بفن الفسيفساء الأصلي لكنه يتخصص في الحفر على الخشب وإبداع أشكال هندسية مزخرفة بتنزيل قطع من الصدف والعظم فيه إضافة إلى أنواع أخرى من الأخشاب ذات لون مختلف ثم تطور الأمر إلى تنزيل العظم والعاج ومن هنا بدأ إنتاج قطع كبيرة كالكراسي والمقاعد والخزائن المنزلية والمكتبية حتى أصبح هذا الفن يشمل غرف الإستقبال في القصور والمنازل ومن ثم فإن فكرة الموزاييك مأخوذة أصلا من فن الفسيفساء وعن أنواع الخشب المستخدمة في هذا الفن نجدها تشمل خشب الجوز بالإضافة إلي أخشاب اللوز والورد والليمون حيث يتم تنزيل هذه الأخشاب مع خشب الجوز بأشكال هندسية متعددة وضمن نظام محدد مع معالجتهما معا بالمنشار اليدوي بحيث يتم إنتاج قطعة خشب جديدة بحسب اللون والشكل المطلوبين وعن طريقة صنع الموازييك يقول محدثنا في البداية يتم تجهيز الهيكل الخشبي الأساسي من نوع محدد من الخشب حسب الرغبة وفي الوقت نفسه يتم تجهيز قضبان منتظمة ذات مقاطع مربعة أو مثلثة أو متوازية الأضلاع وتجمع بشكل هندسي حسب الرسم المطلوب تنفيذه وهذه القضبان ذات ألوان عديدة بحسب لون الخشب المأخوذ منه وبعضها تتم صباغته بألوان مختلفة ويتم تنزيل هذه القطع بالهيكل الخشبي الأساسي ولصقها على جسمه بالغراء أو أى مادة لاصقة أخرى وتجهيز هذه القضبان يعتبر من أسرار المهنة إذ يقوم به المعلم وحده ولا يسمح لأحد بالإطلاع عليه أثناء التجهيز وبعد لصق هذه القضبان بالقياسات المحددة لها يتم تنزيل صفائح رقيقة من الصدف البحري في الفراغات التي حفرت فيها مسبقا ثم تصقل لتصبح رقيقة ولامعة .



وعن دخول العظم والعاج إلى صناعة الموزاييك فيذكر محدثنا إن صنع الموزاييك القديم كان فيه يتم إدخال عظام الجمل أو العاج الطبيعي والتي كانت تقطع إلى مربعات صغيرة بشكل يدوي مما يكسبها دقة وجمالا وكذلك أما في الوقت الحاضر يتم إستخدام مواد صناعية بلاستيكية كما يتم إستخدام المنشار الكهربائي ولذلك فإن صناعات الأقدمين كانت هي الأفضل لأنها كانت طبيعية بالكامل وتعتمد على مهارة اليد العاملة وعن دخول الموزاييك إلى صناعة المفروشات المنزلية ذات الحجوم الكبيرة يشرح لنا محدثنا طريقة ذلك فيقول إن نجار الموبيليا يصمم شكل الغرفة بينما يتولى صانع الموزاييك تطبيق الموزاييك عليها لينتج الشكل الذي يتفقان عليه كما يحدثنا أيضا عن ألوان أخشاب الموزاييك حيث هناك الأخشاب المذكورة في السطور السابقة بالإضافة إلي خشب الزان والخشب الأسود وهو خشب اللوز المصبوغ كما أن هناك اللون الأحمر من خشب الورد أو الخشب المصبوغ وهو يعطي لقطعة الموزاييك منظرا جماليا رائعا وتعتبر هذه الصناعة من الصناعات العريقة التي لا تزال حاضرة حتى اليوم وتحظى بالإحترام والإعجاب الشديد من الجميع وخاصة من جانب السياح الأجانب الذين يفضلون الموزاييك الذي يتم فيه تنزيل الخشب علي الخشب المحفور ولا يفضلون المواد البلاستيكية الحديثة رخيصة الثمن .


وقد وجهنا سؤالا إلي محدثنا وهو هل يتبع صانعو الموزاييك قواعد هندسية معينة لرسم الأشكال وتلوينها فأجاب قائلا إن صناعة جميع قطع الموزاييك تعتمد على حسابات دقيقة بحسب كل شكل من الأشكال المراد تنفيذها فمثلا إذا أردنا رسم دائرة نضع لها إثنا عشر ضلعا ونعتمد على نظام الزوايا بدقة شديدة وقد وجهنا له سؤالا آخر عن وضع مهنة الموزاييك هذه الأيام وهل مازال الإقبال عليها قائما أم أنه في تراجع فأجاب قائلا إن الموزاييك كالجواهر لا يمكن أن تكون نفيسة إلا إذا كانت أصيلة وغالية الثمن لذا يختص بها صنف معين من الناس ويرغبون بها وهم غالبا هواة النفائس والتحف والحريصون على إقتنائها مهما كان ثمنها وعن أسعار القطع الشعبية الرائجة في السوق يقول إن سعر القطع التجارية عادي جدا مثل الطاولات البسيطة مثلا أما عندما تكون الطاولة أصيلة ومشغولة من خشب وصدف معينين فإن سعرها يتضاعف وقد سألناه أيضا هل ياترى أثرت صناعة البلاستيك على صناعة الموزاييك فأجاب قائلا إن الأولى صناعة إستهلاكية دون فن أما الثانية فتجسد الفن والأصالة لذا لا مجال للمقارنة بينهما أو لتأثير إحداهما على الأخرى لكن إقبال الناس على صناعة الموزاييك قد قل نظرا للحياة الإستهلاكية التي يعيشونها كما أن الذين يدخلون غمار هذه المهنة أصبحوا قلة أيضا لأنها تحتاج إلى الذوق والفن والموهبة وفوق ذلك فهي تتطلب جهدا عضليا كبيرا بينما مردودها المادي ضعيف جدا لهذا يبقى المهنيون القدامي الأصليون لهذا الفن الذين ورثوا هذه المهنة هم حراس وحماة ورعاة هذه الصناعة العريقة وهم يتوزعون على عدة أسر سواء في مصر أو في غيرها من البلدان خاصة بلاد الشام مثل سوريا نقلت هذا الفن من جيل إلي جيل وهؤلاء يحمون هذه المهنة بأيديهم وبحدقات العيون وبكل ما يملكون .



وجدير بالذكر أنه في بلاد المغرب العربي وخاصة في المغرب والجزائر يوجد فن مشابه لفن الفسيفساء يسمي الزليج وهو يختلف فقط عنه في أنه يتم تصنيعه من مواد أولية بسيطة كالصلصال الذي يتم إعداده في الأفران وبعد ذلك يتم عجنه وتسويته وتسطيحه كما يتم إعداد القطع الملونة من الزليج من مختلف الأحجام والأشكال بعد قطعها ووضعها على أشكال هندسية قبل الشروع في وضعها في المكان المخصص لها كالجدران والنافورات والسواري والجدران وغيرها ويعود تاريخ هذا الفن إلى القرن العاشر الميلادي وقد ورثه أهل المغرب العربي عن المورسكيين القادمين من الأندلس بعد سقوطها وهم المسلمون ذوى الثقافة العربية الذين ظلوا فى أراضي بلاد الأندلس بعد سقوطها في يد الممالك الأسبانية وأصبحوا فى خدمة التاج الأسبانى مقابل بقائهم فى شبه الجزيرة الأيبيرية مع إحتفاظهم بثقافاتهم والمهن الخاصة بهم والتى كان من ضمنها هذا الفن ومن ثم إزدهر الزليج في المغرب بمدينة فاس في العهد المريني مابين القرن الثالث عشر والقرن الخامس عشر الميلاديين حيث أدخلوا إستعمال الألوان فيه كالأزرق والأخضر والأصفر والأحمر أما في الجزائر فقد ظهر فن الزليج في البيوت بالقصبة بالجزائر العاصمة ومناطق أخرى مثل تلمسان وقسطنطينة كما تتم صناعة الزليج بشكل خاص في تلمسان وقد تم تزيين جدران وقباب ومنابر ومحاريب ومآذن العديد من المساجد الكبيرة في هذه البلاد به وهو يتميز بخصائص فنية وتقنية أكسبته شهرة كبيرة في دول الخليج وقارتي أوروبا وأمريكا ويكمن سر إنتشار الزليج في كل المجتمعات كون الصناع إستطاعوا التأقلم مع متغيرات العصر وفي نفس الوقت الإحتفاظ بطابعه سواء في صناعته أو شكله ونظرا لخصوصيته يستقطب الزليج إهتمام الفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين وعشاق الثرات والأصالة وقد عرفت هذه الصناعة إنتعاشا ملحوظا في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادى والعشرين بالرغم من إرتفاع تكلفة هذا الفن الذي قد يصل سعره إلى 600 دولار للمتر المربع منه في أصناف معينة .
 
 
الصور :