الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السكة الإسلامية

السكة الإسلامية
عدد : 01-2018
بقلم الدكتور/ الشافعى محمد امين
مدير عام الحفاير الأثرية بوسط الدلتا

والسكة تعد مظهرًا من مظاهر سلطة الخليفة أو السلطان أو الحاكم، إلى جانب كونها وثائق رسمية لا يمكن الطعن فيها أو مصدرًا من مصادر التاريخ، تساعد على استنباط الحقائق التاريخية، سواء ما يتعلق منها بالأسماء أو العبارات الدينية المنقوشة عليها، إلى جانب كونها سجلاً للألقاب والنعوت التي تلقي الضوء على كثير من الأحداث السياسية التي تثبت أو تنفي تبعية الولاة أو السلاطين للخلافة أو للحكومات المركزية في التاريخ الإسلامي ولذلك تعد النقود التي سُكت في صدر الإسلام في دمشق وبغداد والقاهرة مستندات رسمية تؤكد على الوحدة السياسية والاقتصادية للعالم العربي.

ويقصد بلفظ السِّكة أحيانًا تلك النقوش التي تزين بها هذه النقود على اختلاف أنواعها. وأحيانًا أخرى يعني قوالب السك التي يُختم بها على العملة المتداولة سواء كانت دنانير ذهبية ودراهم فضية وفلوس نحاسية .، كانت النقود إحدى شارات الحكم والسلطان ، والتي يحرص كل حاكم على اتخاذها بمجرد توليه الحكم بعد أن يعتلي عرش دولته ، ،كما يطلق أيضًا على الوظيفة التي تقوم على سك العملة تحت إشراف الدولة.

ولأن النقود أكثر بقاء من الشعوب والأماكن التي مثلتها لذلك فهى تستطيع أن تعيد لمخيلتنا صوراً حية لإمبراطوريات ودول اندثرت منذ زمن بعيد، وذلك من خلال الصور والكتابات التي نُقشت عليها.

وهكذا تعد المسكوكات الإسلامية و تعتبر المسكوكات الإسلامية من أهم الوثائق التي تمدنا بمعلومات صادقة ودقيقة ، وهى مصدر مهم من مصادر التاريخ الإسلامي ، فهي وثائق صحيحة يصعب الشك فيها لكونها أحدى شارات الملك أو السلطان و تساعدنا في دراسة التاريخ الإسلامي من جميع جوانبه المختلفة الدينية ، والسياسية ، والاقتصادية ، وتعكس لنا بصدق مدى ما وصلت إليه الدولة الإسلامية من رقي وتقدم .

والنقود الإسلامية بما تحمله من أسماء الخلفاء والملوك والسلاطين إضافة إلى سنوات السك المدونة عليها، تساعدنا في تصحيح العديد من الهفوات ، وسد الثغرات في لوائح تسلسل الأسر الحاكمة لمعظم الدول الإسلامية وفي عصورها المختلفة، كذلك ضبط فترات حكمها بكل دقة ووضوح .ويمكننا من خلال أسماء مدن السك الواردة على النقود الإسلامية معرفة مدى امتداد النفوذ السياسي لكل دولة ، ولكل حاكم بعينه ، إضافة إلى ذلك فإن المسكوكات العربية الإسلامية باختلاف أنواعها تعد أهم مصدر لدراسة وتتبع مراحل تطور الخط العربي خلال العصور الإسلامية ، لا سيما و أن السكة إحدى شارات الملك الثلاث (السكة، الدعاء له في الخطب على المنابر، نقش اسمه على الطراز) وبالتالي فهي تفيدنا بمعرفة نوعية الخط الرسمي المعتمد من لدن ديوان الخلافة أو السلطنة أو نحوها، كذلك فإن المسكوكات الإسلامية تساعدنا في دراسة تطور العناصر الزخرفية؛ هندسية كانت أم نباتية ، إضافة إلى الرسوم الآدمية والحيوانية .

من هنا بدأ الاهتمام بدراسة النقود بصفة عامة والإسلامية بشكل خاص منذ نهاية القرن الثامن عشر، وظهر نتيجة لهذا الاهتمام الكبير العديد من الدراسات المتخصصة ، وأضحى هذا العلم من العلوم الأساسية التي ترتكز عليها معظم الدراسات التي تتناول مختلف أوجه الحياة البشرية .

وأصبح علم النميات ، وهو العلم الذي يبحث في النقود، والأنواط ، والأوسمة والأختام ، والأوزان . له رواده الذين أبدعوا في إبرازه ، وتدعيم أركانه ، وتسهيل العقبات أمام عشاقه وهم كثر. فمنهم من بذل المال والجهد لجمع مادته وهي العملات .

واستمرت النقود التي سكها خلفاء الدولة الإسلامية تسير جنباً إلى جنب مع النقود الأجنبية حتى ولي الخلافة عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي عام 65هـ/ 684 م فأبطل استعمال النقود البيزنطية والفارسية وسحبها من التداول وإعادة سكها على الطراز العربي حيث تم تعريب العملة تماماً عاماً 77 هجرية فأصدر عبد الملك بن مروان دنانيره الذهبية وعليها صورته مما أثار اعتراض بعض الصحابة في المدينة المنورة ولم يسمح إنتاج الدنانير العربية سوى في مصر وسوريا.

وتتجلى أهمية النقود من الناحية السياسية فيما سجل عليها من أسماء خلفاء وملوك وحكام وأمراء وولاة ، كما أن تصنيف هذه النقود يساعد على دراسة الأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ، وضبط تواريخ حكمها بصورة دقيقة . كما أن تسجيل مدن الضرب على هذه النقود يوضح امتداد نفوذ كل حاكم ، والأقاليم الخاضعة له .

حملت النقود العربية الإسلامية ملامح العقيدة الإسلامية منذ تعريبها على يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، حيث نقش عليها البسملة وشهادة التوحيد وآيات من سورة الإخلاص ، كما سجل على النقود العربية الإسلامية الشعارات الخاصة بالمذاهب الإسلامية المختلفة ، فعلى سبيل المثال : نجد ان حكام الدولة الفاطمية الشيعية المذهب قد سجلوا على نقودهم العديد من العبارات التي تعكس أفكار ومبادئ المذهب الشيعي مثل : ( عليّ ولي الله ) ، ( عليّ أفضل الوصيين ووزير خير المرسلين ).

وكانت النقود الذهبية كانت هي النقود الرئيسية في كثير من دول العالم الإسلامي وهي بذلك تعكس الحالة الاقتصادية للدول التي سكّتها ، لأن ارتفاع وزنها ونقاء عيارها كان دليلا على الازدهار الاقتصادي لتلك الدول كما هو الحال في العصرالطولوني والفاطمي ، كما أن انخفاض وزن النقود وتدهور عيارها كان دليلا على تدهور الحياة الاقتصادية في الفترة التي ضربت فيها كالذي حدث في العصر المملوكي الجركسي .وقدعبرت النقود الإسلامية عن الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية التي تشهدها حكومات الدول المختلفة مثل الزواج والمصاهرة وحالات المرض والوفاة والمصالحة ، حيث كانت تضرب هذه النقود تخليداً لتلك المناسبات المهمة ، وكانت توزع كنقود صلة وهدايا على أولي الأرحام وكبار القواد والأمراء ، وكان ذلك يتكرر بكثرة خلال عصر الدولة الفاطمية . ومن أمثلة النقود التي ضربت في مناسبة وفاة : نقوداُ نحاسية ضربها السلطان الظاهر برقوق حاكم المماليك الجركسية وذلك سنة 799 هـ سجل عليها ( كفى بالموت واعظاُ ) وذلك لوفاة أبنه الصغير الأمير شعبان في ذلك العام .

وأصبحت النقود الإسلامية خير سفير لعقيدة التوحيد بما تحمله من كتابات عربية وآيات قرآنية اكتسبت الثقة بين شعوب أوربا التي أطلقت عليها لفظ " المنقوشة" "Mancusus " كما وردت في النصوص اللاتينية. بل إن بعض ملوك انجلترا وهو الملك أوفا Mercia لم يقبل شعبه غير النقود التي ضربها تقليدا للنقود العربية المنقوشة، و ما زال بالمتحف البريطاني واحد من دنانير الملك أوفا Offa و عليها شهادة التوحيد و الرسالة المحمدية و التاريخ الهجري عام 157 هجري و اسم الملك باللاتينية .

و أخذت النقود الأوروبية المقلدة للنقود الإسلامية يزداد ضربها حتى القرن الثالث عشر الميلادي و لم يمنع ذلك من تعامل أوروبا بالنقود العربية ، كما استعارت أوروبا في معاملاتها التجارية كلمة (سكة ) لتصبح في الفرنسية Seguin و في الايطالية Zecca كما استعيرت من العربية كلمة ( صك ) لتصبح Cheque و في المصطلح الجمركي الأوروبي Tariff مشتقة من العربية "تعريفة".