الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الغناء والموسيقى في مصرالقديمـة

الغناء والموسيقى في مصرالقديمـة
عدد : 09-2017
بقلم الدكتور/ رضــا عبد الحليم
مدير عام بوزارة الآثار

يعتقد البعض من المصريين وغيرهم من زوار مصر و آثارها العظيمة التي تغطي أنحاء المعمورة وكذلك ممن يدرسون علم المصريات في بداياتهم وسنوات دراستهم في مرحلة الليسانس أن حياة كلها تعب و كد وكفاح , وهي نتيجة طبيعية لما شاهدوا من ثراء وضخامة المباني الأثرية التي تغطي كل مكان في مصر حالياَ من عمارة جنائزية مثل الأهرامات المصرية القديمة التي زاد عددها عن المائة والأربعين هرماً مصاحباً لكل هرم منها معبدين كبيرين عُرف أحدهما :-

1- معبد الوادي الذي يكون غالباً من أحجار الجرانيت الوردي وأرضيته من أحجار تشبه البازلت وكان غالباً مايقع في الناحية الشرقية للهرم ( وأصل هذه التسمية جاء لوقوع هذه المعابد على الوادي الأخضر وبعيدة قليلاً عن هرم الملك الذي غالباً مايكون في الصحراء وعلى ربوة تساعد على ظهوره مرتفعاً – و كانت وظيفة معبد الوادي هذا تجهيز و غسل و تحنيط جثمان الملك المتوفى أو الملكة أو أي من أفراد البيت الملكي من الأمراء و الأميرات ممن توفوا في حياة أبيهم و تكفينة وإقامة بعض الشعائر الدينية والتراتيل المصاحبة للكاهن المرتل بما في ذلك فرق العزف والغناء والإنشاد الديني والجنائزي ) .

وكان يرتبط هذا المعبد ( معبد الوادي ) بالهرم عن طريق مبنى في الغالب لايرتفع أكثر من مترين ممتد ممهد بالحجارة وهو ما عرف في الحضارة المصرية بالطريق الصاعد الذي ربما كان مسقوفاً أو مكشوفاً حسب إمكانيات الملك آنذاك و أحياناً أخرى كان منقوشاً بالنقوش الغائرة والبارزة أو مرسومة فقط بمناظر مختلطة بين المناظر الجنائزية الخاصة بصاحب الهرم مصحوبة ببعض مناظر التعزية والبكاء والعويل ولطم الخدود والإنشاد الديني بالفرق الموسيقية التي كانت لاتبرح المعابد المصرية القديمة والتي كانت تأتمر بأمر الكاهن الأعظم ( الملك ) وكهنة المعبد المرتلين أيضاً وكذلك تم العصور على بقايا نقوش مصرية قديمة تصور مناظر الحياة اليومية التي يتمنى الملك أن تنقلب إلى حقيقة في عالمة الآخر وليست مجرد نقوش لموائد الطعام المصحوبة بالفرق الموسيقية المختلفة و التي كانت تضفي روحاً من البهجة والسرور على قلب جلالته ( كما ورد في ترجمة إحدى النصوص الهيروغليفية ) وقد إختلف تفسيرات علماء المصريات فيما بينها في شأن مثل هذه النقوش نتناولها لاحقاً .

وأشهر هذه المعابد على سبيل المثال لا الحصر هو معبد الوادي للملك ( خعفرع ) رابع ملوك الأسرة الرابعة الفرعونية بهضبة الجيزة بمنطقة آثار الهرم - التي أشرف بالعمل بها منذ نعومة أظافري وبعد تخرجي في كلية الآثار / جامعة القاهرة عام 1985م وحتى كتابتي لهذه السطور أي خبرة من العمل الأثري بمنطقة آثار الهرم و ما حواليها بمدة تقدر ما يربو على الثلاثين عاماً من العمل العمل في ربوع منطقة تعد من أهم مناطق الآثار في العالم المعمور- وهو معبد ضخم ويشغل مساحة واسعة ممتدة ويتكون من الداخل من صالات ذات أعمدة جرانيتية ضخمة وكان يتخلل هذه الأعمدة العديد من التماثيل الملكية التي إختفت تماما في عصرنا الحديث .

ويُكتب إسم الملك ( خعفرع ) بالهيروغليفية HAa .f.Ra يعد تمثال الملك ( خعفرع ) صاحب الهرم الثاني بهضبة الجيزة والذي يقبع داخل المتحف المصري بالقاهرة درة النحت المصري القديم نظرا لصعوبة المادة المستخدمة وهي حجر( الجراكوية) وهي أشد أنواع احجار( الديوريت ) صلابة وقد برع الفنان في نحتة وتصوير الملك خعفرع في هيئة بشرية صارمة تنم عن عشق من النحات لصاحب التمثال .

2- المعبد الجنازي أو الجنائزي أو معبد الشعائر:

وهو العنصر الرابع الهام بعد الهرم الملكي والطريق الصاعد ومعبد الوادي وكانت وظيفته الأساسية القيام بعمل الشعائر الجنائزية للملك وفي الغالب يكون هو الأقرب للبناء الهرمي ولا يقل في ضخامته عن ضخامة معبد الوادي ويهمنا هنا أن تكوينة يشتمل على صالات وأفنية أكبرمن معابد الوادي وذلك للسماح لعدد أكبر من المشيعين بإقامة الشعائر في وداع الملك أو الملكة أو أي من أفراد البيت الملكي علاوة على اعتبار هذه البقع من البقاع المقدسة في مصر القديمة ولا يمكن الدخول إلى رحابها دون تطهر أو النزول إلى البركة المقدسة بصحبة الكاهن المطهر لضمان نقاء الجسم من الذنوب .

واستكمالاً للعناصر المقدسة المعمارية التي تصاحب البناء الهرمي الملكي - فلم يتبق غير عنصريين هامين حتى تكتمل المعلومة – فكانت المراكب بأنواعها المختلفة الأغراض من مكملات المجموعة الهرمية وكذا الهريم ( أو الهرم الجانبي ) او ما يعرف بالهرم الرمزي هو العنصر الأخير للمجموعة الهرمية الملكية منذ نشأة فكرة بناء هرم في مصر القديمة والتي مرت بمراحل عديدة لا يتسع الوقت لسردها وحتى لا نخرج عن سياق بحثنا هذا.

لقد تعددت أعياد المصريين القدماء منذ بداية التاريخ المصري القديم ( وبداية العصور التاريخية في مصر الديمة قد إرتبطت بمعرفة الكتابة حيث إتفق العلماء على أن الكتابة كانت حد فاصل بين العصور التاريخية وعصور ما قبل التاريخ ) وتزايدت هذه الأعياد في عصر الدولة الحديثة ( وينقسم التاريخ المصري القديم حسب تقسيم مانيتون السمنودي الذي كُلف بكتابة التاريخ المصري القديم إبان عصر البطالمة في مصر إلى عصر ماقبل الأسرات ثم العصر العتيق ويشتمل على الأسرة الأولى والثانية ثم عصر الدولة القديمة ويشتمل على عصر الأسرات من الثالثة إلى الأسرة السادسة ثم تلاها عصر إنتقال أو إضمحلال أول بدأ في عصر الأسرة السابعة وانتهي في نهاية عصر الاسرة العاشرة ، ثم بدأ عصر الدولة الوسطى مع بداية عهد الأسرة الحادية عشرة حتي نهاية عهد الأسرة الثانية عشرة الفرعونية ، ثم بدأ عصر الإنتقال أو الإضمحلال الثاني في عهد الأسرة الثالثة عشرة و حتي نهاية عصر الأسرة السادسة عشرة ، ثم بدأ عصر الدولة الحديثة مع بداية الأسرة السابعة عشرة وحتى نهاية الأسرة العشرين ، ثم بدأ عصر الإنتقال أو الإضمحلال الثالث مع بداية الأسرة الحادية والعشرين وحتى نهاية الأسرة النوبية وهي الأسرة الخامسة والعشرين ثم العصر المتأخر وهو الذي بدأ بعصر الأسرة السادسة والعشرين وحتي نهاية العصور الفرعونية ).

وكانت هناك أعياد كثيرة مثل الأعياد الزراعية كعيد رأس السنة الزراعية وعيد الحصاد وعيد الفيضان والذي كانت كلها مناسبات طيبة للتجمع والإحتفال بمثل هذه الأعياد .

وهناك أيضاً الأعياد الدينية للإحتفال بالمعبودات المصرية الأصيلة مثل مواكب آمون وعيد حورس وحتحور ومين وغيرهم من أصحاب الذكريات التي حُفرت في قلوب المصريين علاوة على أعياد الجبانة ثم أعياد الفرعون كالإحتفال بتتويجة والعيد الثلاثيني ( وه العيد الذي يتم فيه بعض المراسم التي تسمح للملك بالحكم لمدة ثلاثين عام أخرى )

ويحتمل أن تكون هذه الأعياد في البداية ذات طابع ديني ولكنها لم تلبث أن تحولت إلى فرص لإقامة الإحتفالات الكبيرة والمواكب الضخمة التي تساهم في إسعاد الناس بهذه الطقوس حتى وإن كانت دينية إلا أنها كانت تضفي عليهم روح البهجة والسرور .

وكان يشارك في مثل هذه المناسبات الدينية والأعياد الرسمية معظم طوائف الشعب دون إستثناء مما يوحد الصفوف وقت النداء وخاصة في الأعياد الوطنية التي كانت تنظم الدورات التثقيفية لشد عزم وهمم المصريين وقت سماع نفير الحرب على الأعداء .

ولذلك نؤكد دور الفن والموسيقى في الإحتفالات الدينية والدنيوية في مصر القديمة والحديثة حيث كان المصري قديماً يحرص على المساهمة في تلك الأعياد ويستقبلها بمظاهر البهجة والسرور و يشارك فيها بكل جوارحة يخرج مع أسرته لمشاهدة المواكب ويحمل معه مايعبر به عن فرحة من هدايا عينية و رمزية من زهور ولافتات ذات أعلام معبرة عليها رموز الأرباب التي يقدسونها آنذاك ، ويصلي صلوات الحمد و التهليل المصحوبة بالفرق الموسيقية التي كانت تزيد في ايقاع الإحتفالات في نفوس المصريين وتشيد بالملك الحاكم الذي كان بمثابة الإله أو نائبه على الأرض .

وقد إزدادت أعياد المصريين بازدياد المناسبات والإنتصارات و كان يصاحبها ألوان من الترف والتبرج والتمجيد إمعاناً في تمجيد الفرعون وإعلاء شأنه وربط حاضرة بماضيه من أمجاد الأجداد وإعلاء شأنه في نظر شعبه حتى يظل الترابط بين الشعب وحاكمة بإيعاز من الكهنة.

ولا شك أن من أهم هذه الأعياد الفرعونية كان عيد الإحتفال بتتويج فرعون وجلوسة على العرش التي كانت تتم بصلوات وطقوس خاصة دينية توارثتها الأجيال وصولاً لعصر الدولة الحديثة التي زادت فيها مساحة الإمبراطورية المصرية التي ترامت أطرافها بعد طرد الهكسوس في عصر الأسرة السابعة عشرة الفرعونية ، بقيادة الملوك والملكات العظام أمثال ( سقننرع وكامس وأحمس والملكة العظيمة تتي شري ) ثم زاد الأمر بعد إنتصارات وحروب الملك العظيم ( تحتمس الثالث – من خبر رع ) القائد الفذ المنتصر على الأعداء مما جعل الكهنة يحملون تماثيل الملوك السابقين أمثال الفرعنة ( مينا – منتوحتب الثاني نب حبت رع – أحمس ) تيمناً بما قدموة من إنتصارات في معارك سابقة وتأسياً بما حقق من إنتصارات في مد حدود مصر شمالاً إلى أقصي بلاد الأناضول وسوريا وجنوباً حتى أقصى الجندل الثالث فيما يعرف ببلاد النوبة العليا قديماً و زادوا علي ذلك بوضع تماثيل للملك الذي قارب مرحلة التأليه مثل أجداده السابقين في عصور سابقة مثل الملك العظيم المؤله ( أمنمحات الثالث ).

وكانت مثل هذه الإحتفالات بمثابة عيد لتوحيد القطرين حيث أن تتويج الملك كان بمثابة ضم الشمال مع الجنوب حيث أن الملك كان رمز لهذه القوة الموحدة بين شطري القطر المصري وهي عيد لتخليد الذكرى المرتبطة بقيام وحدة وادي النيل تحت تاج فراعنته .

وقد كان من مظاهر إهتمام فراعنة الدولة الحديثة قيامهم بتنظيم أعياد االنصر على الأعداء في آسيا وفي النوبة مقدمين أنواع القرابين المختلفة وذبخ الأضاحي شاكرين مهللين للمعبود الذي منحهم النصر على أعدائهم مصورين الملك الذي غالباً مايتقدم القادة في المعارك على عجلته الحربية في المقدمة ومن خلفه أسراب من الأسرى بلحية ممميزة لأهل آسيا وسكانها آنذاك ويكون في شرف إستقبال الملك المنتصر طاقم رسمي برئاسة رئيس الكهنة وكبار رجالات الدولة الذين ظلوا في الداحل لحماية وتأمين البلاد داخلياً وقد صورت النقوش أيضاً منظر المصريين المصطفين على جانبي الطريق حاملين تماثيل الملك المنتصر في منظر تكرر في عصور ملوك عديدة أشهرهم تحتمس الثالث من عصر الأسرة الثامنة عشرة المنظر الشهير للملك رمسيس الثاني من عصر الأسرة التاسعة عشرة بعد انتصارة في موقعة قادش الشهيرة والمسجلة جدران معظم المعابد المصرية الكبرى في الأقصر و غيرها .

وكانت مثل هذه الإنتصارات والإحتفالات تساعد في بث الروح الوطنية بين جموع الشعب المصري وتحفزه على المزيد من الإنتصارات كما أنها كانت بمثابة إشارات تحذيرية لجيران مصر المتاخمين لها في الشمال والغرب والجنوب وإسماعهم أصوات أبواق النصر المكللة بالموسيقى التي أشبه بالموسيقي العسكرية في وقتنا الحديث و المعاصر .
 
 
الصور :