بقلم الدكتور/ محيى الدين عبد السلام
باحث اقتصادي وخبير إدارة أصول الدولة
كنا قد ذكرنا فى المقال السابق اهميه القطاع السياحى فى مصر بصفه عامه ، وتكلمنا عن دور السياحه التعليميه فى تنميه الاقتصاد المصرى ،ودفع عجله النمو وخلق المزيد من فرص العمل وتحريك النشاط الاقتصادي في العديد من الخدمات والأنشطة الأخرى المرتبطة به .
واليوم نكمل حديثنا عن احد اهم القطاعات السياحيه فى مصر والتى يمكن ان تساهم فى التنميه الاقتصاديه والناتج الاجمالى المصرى الا وهى السياحه العلاجيه ، لما قد وهب الله مصر من خواص طبيعيه جعلها تتميز وتتفرد بها عن غيرها من الدول ،حيث تمتلك مصر تقريبا 16 موقعا داخليا وساحليا تتوافر فيها علاجات طبيعية للعديد من الامراض ،وعلى رأسها الأمراض الروماتيزمية والبهاق والصدفية ،وقدرت عدد العيون الموزعة في خريطة مصر بـ 1356 عينا تقريبا منها 5 عيون فى حلوان و3 في عين الصيرة و36 في الفيوم و4 في وادي الريان و33 في شبه جزيرة سيناء و315 في الواحة البحرية و106 في سيوة اضافة الى عدد هائل يقدر بـ 564 في الواحات الداخلة و188 في الخارجة و75 في الفرافرة والباقي ينتشر في خليج السويس والقطارة ووادي النطرون، وقد انتشرت في مصر العيون الكبريتية والمعدنية التي تمتاز بتركيبها الكيميائي الفريد والذي يفوق في نسبته جميع العيون الكبريتية والمعدنية في العالم علاوة علي توافر الطمي في برك هذه العيون الكبريتية بما له من خواص علاجية تشفي العديد من أمراض العظام وأمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأمراض الجلدية وغيرها ،كما شاع أيضا الاستشفاء لمرضي الروماتيزم المفصلي عن طريق الدفن في الرمال ،وأكدت الأبحاث أن مياه البحر الأحمر بمحتواها الكيميائي ووجود الشعاب المرجانية فيها تساعد علي الاستشفاء من مرض الصدفية وقد اعطى الله مصر جو خالى من الرطوبة حتى تربتها واراضيها جعلها صالحه لعلاج العديد من الامراض لما تحتويه من رمال وطمى صالح لعلاج الأمراض العديدة ، وتـعدد شواطئها ومياه بحارها بما لها من خواص طبيعية مميزة ايضا هناك العلاج بالاعشاب والعلاج البيئى والتى تتميز وتتفرد بها اهالى منطقه النوبه وتتعدد المناطق السياحية التى تتمتع بميزة السياحة العلاجية فى مصر وهى مناطق ذات شهرة تاريخية عريقة مثل }حلوان ، عين الصيرة ، العين السخنة ، الغردقة ، الفيوم ، منطقة الواحات ، اسوان ، سيناء ،سفاجا { علما بان مدينة سفاجا الكامنه على شاطىء البحر الاحمر والتى تمتلك جميع عناصر السياحة العلاجية تأتى شهرتها من الرمال السوداء والتى لها القدرة على التخلص من بعض الأمراض الجلدية .
لقد اصبحت السياحة العلاجية جزءاً لا يتجزأ من منظومة السياحة العالمية وعلى الرغم من توافر عناصر السياحة العلاجية بمصر إلا أن معالمها لم تكتمل حتى الآن رغم نجاحها بمناطق متعددة على البحر الأحمر مثل طور سيناء على خليج السويس وشرم الشيخ على خليج العقبة الا ان هذا النجاح لم يستثمر الاستثمار الامثل وما زال السائحون الراغبون فى العلاج يذهبون إلى البحر الميت فى إسرائيل نظراً للإمكانيات السياحية التى تقدم هناك على الرغم من أن البحر الميت ملئ بالملوثات المعدنية التى تتسبب فى تقليل نسبة نجاح العلاج المطلوب، وايضا غياب الشمس بالمنطقة أثناء فصلى الخريف والشتاء، وانخفاض منطقة البحر الميت عن سطح البحر 390متراً مما يجعله غير مناسب لمرضى القلب، وزيادة نسبة عنصر البرومين المسبب لمرض حساسية الجلد ، ومع ذلك نجحت اسرائيل فى ترويج البحر الميت ،ونحن لم ننجح حتى هذه اللحظه فى ترويج منتجاتنا العلاجيه الطبيعيه من الابار والبحيرات والرمال والاعشاب، ان مصر بكل ثقلها فى السياحه العلاجيه حتى الان لم تستفيد الاستفادة الكاملة والحقيقية من هذا النوع من السياحة والذى يمثل متوسط 10% من حجم السياحه العالميه واكدت العديد من الدراسات ان اجمالى المنفق فى عام 2015 من هذا النوع من السياحه تقريبا يوازى 100 مليار دولار ينفق العرب وحدهم 27 % من هذا المبلغ ،فى حين ان هناك دول عربيه واسلاميه لا يوجد عندها هذا النوع من الامكانيات المتاحه لمصر فى هذا المجال مثل دولة الاردن التى اهتمت بهذا المجال وتعاظم دورها فيه ،حيث أن دولة "الأردن" حققت فى عام 2015 عوائد اقتصادية تقدر بمليار دولار من الوافدين للعلاج، ومليار من المرافقين للمرضى واصبح نشاط السياحه العلاجيه يمثل نصيبا لديهم من الدخل القومى الاجمالى ، وايضا دوله تركيا حيث أعلنت الحكومة التركية أنها تهدف لكسب 9 مليارات و850 مليون دولار من السياحة العلاجية، وجذب أكثر من مليونين و350 ألف سائح خلال عام 2018.
ان مصر يوجد بها مئات بل الاف الاماكن الطبيعيه التى تصلح ان تكون اماكن علاجيه ،ولكن لايوجد لدينا اى اهتمام بوجود الخدمات المعاونه فى هذه الاماكن كاقامه مراكز للتأهيل، ومراكز حمامات الطين، خصوصا الطين الشمع، الذي له قدرة على علاج مرضى الروماتيزم وأمراض المفاصل والعظام، إضافة إلى انه يجب ان يكون هناك تطور ملموس في المعدات الطبية وان يكون هناك جودة فى الخدمات المقدمه وتوفير وسيله سهله للمواصلات وطرق ممهده نستطيع من خلالها ان نصل الى هذه المناطق بسهوله ويسر ، وتوفير مترجمين خاصين للمرضى الأجانب، ويجب ان تكون أسعار هذه الخدمات العلاجية منخفضة نسبيا مقارنة بالدول الآخرى حتى نتمكن ان نلحق بالدول التى سبقتنا فى هذا النوع من السياحه علما بانهم ليس لديهم مالدينا من ثروات طبيعيه وبيئيه ايضا يجب على وزاره السياحه والحكومة المصرية ، اعطاء السياحه العلاجيه اهتماما اكثر من ذلك واعتبارها أولويه أولى ، حيث ان قطاع السياحة يعتبر من القطاعات ذات الاولوية الوطنية ومحركا اساسيا للنمو الاقتصادي ، والترويج لهذا النوع من السياحة فى المحافل الدوليه واللقاءات والاجتماعات والندوات فى الخارج يعني نهوض مصر من كبوتها الاقتصاديه حيث يمكن من خلال هذا النوع فقط ان تحصل مصر على عائدات سنويه تساوى عائدات قناة السويس بالاضافه الى خلق فرص عمل جديدة وتوفير عملات اجنبيه وموارد تمكننا من سد عجز موازنة الدوله من هذا البند فقط.
علينا ان نقاوم فشلنا ونعترف به وان ننهض ونستفيد بما اعطاه ووهبه الله لنا من موارد فهى السبيل والخلاص نحو تقدم شعبنا ووطننا الحبيب، علما بان هذه المقترحات هى حلول اقتصاديه على المدى القصير يمكنها ان تنهض بنا فى وقت قصير الى مصاف الدول المتقدمه.
اقوال مأثوره
سقوط الإنسان ليس فشلاً .. و لكن الفشل أن يبقى حيث سقط "توماس اديسون"
والله الموفق
|