الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

خطايا ثورية

خطايا ثورية
عدد : 07-2013
بقلم الأديب /عبد الرازق أحمد الشاعر
Shaer129@me.com


تعرضت العقلية المصرية إلى تشوهات كثيرة بعد ثورة يناير، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية الحكومية منها والخاصة في ممارسة تدمير ممنهج للقيم الأصيلة التي تميز بها المصريون منذ فجر التاريخ، والتي حفظت عليهم وحدتهم من عهد مينا إلى عهد قريب. ومرشحة تلك التشوهات للتفاقم في ظل وجود قيادات سياسية هشة لا تمتلك رؤية قومية ولا منهجا إصلاحيا ولا عقيدة وطنية.

وقد ساهم المحللون السياسيون بتحيزاتهم الفكرية ومنطقهم المراوغ في تفكيك الثوابت الذهنية وتذويب القيم والمعتقدات عند الكثير من الشباب، مما دفعهم إلى ممارسة الشيء ونقيضة في آن دون استشعار أي حرج. وهناك الكثير والمثير من الأمثلة التي وصل فيها التناقض في الشخصية المصرية حد الانفصام.

ومع تولي الرئيس مرسي مقاليد الحكم في البلاد، زاد النخر في أسس المواطنة في بلادنا، وانقسم رواد التحرير على أنفسهم بين مؤيد للشرعية وخارج عليها، وهو أمر طبيعي يحدث في بلدان العالم كافة، لكن التنافر بين الفئتين زاد حدة مع شعور الكثير من المواطنين بأن رئيسهم الذي جاء عبر صندوق اختياراتهم لا يمثل إلا طيفا واحدا من قوس قزحهم الممتد. وساهمت قنوات فضائية بعينها في تكريس هذا المفهوم وتضخيمه، في حين لم يفعل الرئيس المصري شيئا يقنع المواطنين بعكس ذلك. ثم تحولت فكرة الاستحواذ شيئا فشيئا إلى عقيدة راسخة عند عامة المصريين بفضل تصريحات رجال حول الرئيس أساء الرئيس اختيارهم.

وبعد مرور عام من المظاهرات والإضرابات شلت حركة الوطن وأجهضت عملية البناء الموعودة، وجد المصريون أنفسهم بين ميدانين متباغضين لا ثالث لهما، كلاهما يريد إسقاط الآخر وإلقائه في سلة مهملات التاريخ. وبفضل فتاوى خرقاء ساهمت في تأجيج نار الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وتذكية نار الطائفية بينهم، تحولت الحروب السياسية إلى حروب عقائدية زائفة.

وأدت البغضاء بين الطرفين المتشاحنين إلى مزيد من التشوهات الفكرية لدى كثير من الكتاب الذين تحولوا فجأة من رسل محبة وتآلف بين يمين البلاد ويسارها إلى محرضين على العنف والنبذ والكراهية، داعين للعنف وداعمين لمرتكبيه بتوفير مظلة ثورة مجانية لهم، وإفساح مكان لأقدامهم الغليظة في ميادين الثورة. كما تحولت الفضائيات المستنفرة إلى ذخائر معدة للإطلاق ذات اليمين وذات الشمال، وأشهرت برامج التوك شو إفلاسها من المنطق بعدما ارتضت القيام بدور تحريضي وتنفيري وإقصائي بدلا من العمل على تنوير العقل المصري وتثقيفه وإشاعة روح الألفة والمحبة بين أقطابه المتنافرة.

وبدلا من تلقف الكرة من أيدي المعارضة التي أثبتت هشاشة عظامها السياسية أمام صناديق الاقتراع، اكتفى الإخوان بالحشد والاستقواء، مع تقديم بعض التنازلات المنهجية التي شكلت صلب دعوتهم الوسطية التي تميزوا بها على مدار عقود لبعض الوجوه ذات السوابق التاريخية المنفرة. وزاد الطين بلة، تراجع الجماعة التي روجت لمفهوم الشراكة ذات تحرير عن تعهداتها واتباعها منهج المحاصصة البغيض، مما أقام بينها وبين سائر المصريين ساترا من توجس لم تفلح تطميناتها المتكررة في اجتيازه.

وهكذا خرجت الحشود الثائرة على مفاهيم الميدان الأصيلة وقيمه النبيلة، واحتكمت إلى الحشود بدلا من تحكيم المنطق وتغليب لغة الحوار، حشدا بحشد ومليونية بمثلها، مما خلق نوعا من الاستقطاب المريب والتجاوز عن ممارسات غوغائية ودموية غير مسبوقة في تاريخ المصريين القديم والحديث. وهو ما ينذر، لولا أن يتداركنا الله برحمته، بسقوط البلاد في أتون فتن طائفية وعنصرية بغيضة بدت بوادرها في التعدي على المساجد وترويع الملتحين والمختمرات وحرق مقرات جماعة الإخوان.

أعود وأُذكر، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، بأن الإسلام ليس دين الإخوان وحدهم، وأن المساجد لله وليست لهم، والتعدي عليها يثير حفيظة المتدينين في هذا البلد كافة ويكرس فكرة الحرب العقائدية وينذر بانزلاق غير محمود نحو هاوية عنف شاملة. كما يكرس ربطا غير منطقي ولا موضوعي بين سقوط الإخوان كجماعة إسلامية وسقوط الإسلام فكرا وعقيدة. لهذا أناشد الحكماء من الكتاب والمثقفين بعدم خلط الأوراق لكسب معارك سياسية غبية الخاسر فيها الوطن والمواطنة.

يمكننا أن ننتمي كما نشاء، ولنا مطلق الحرية في اختيار العقيدة التي نرتضيها "{ لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين }"، وليس من حق أحد ادعاء العصمة أو النظر بعين احتقار لمن يخالفونه الرأي والمعتقد، حيث "{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}" ولا في الفكر ولا الهوى، ولا تباغض ولا تناجش بين أعضاء الجسد الواحد من المصريين. علينا جميعا في هذه المرحلة العصيبة من عمر الوطن أن نعلي من شأن المواطنة فكرا وعملا وأن نمارس على أرض الواقع ما أنستنا إياه السياسة من أبجديات وحدة، فلا مخرج من دائرة الكراهية إلا بإعلاء قيم التسامح والتعايش وتأصيل المفاهيم القومية التي ضعفت للغاية في الآونة الأخيرة. وبسلمية الثورة وتحديد بوصلتها، يمكننا أن نجهض كل ما يحاك بوطننا من مؤامرات وكل ما يحيط بنا من فتن. حفظ الله مصر للمصريين جميعا، وبارك الله وحدتنا.