الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

العقيدة القتالية للجيش في مصر القديمة

العقيدة القتالية للجيش في مصر القديمة
عدد : 04-2013
كانت شخصية المصري القديم تميل إلى السلم بفضل الحياة الزراعية الآمنة المستقرة التي كان يحياها على ضفاف نهر النيل ، وكان يميل إلى الاهتمام بتشييد وبناء أسس حضارته العظيمة في النواحي الفكرية والمادية ، أي أن المصري القديم بفطرته وبطبيعته السمحة الهادئة المسالمة لم يكن يميل إلى الحرب والقتال والتدمير ، ومن ثم لم يكن غريبا أن نشاهد النشاط الحربي في مصر قليلا خلال عصر الدولة القديمة ( 2686 – 2181 ق.م ) . فلم تمدنا النصوص المصرية بالكثير عن هذا النشاط باستثناء ما ذكره الموظف « ونى » عن قيامه بقيادة حملة حربية على غربي آسيا ، حيث بدأت تظهر بواكير أول جيش نظامي في مصر مكون من عشرات الآلاف من المجندين ، وذلك لمواجهة البدو القاطنون على حدود مصر الشرقية الذين قاموا بإحدى غاراتهم على الدلتا .. ومع نهاية عصر الدولة القديمة شهدت مصر خلال عصر الانتقال الأول صراعات حربية مسلحة داخلية بين الأقاليم المصرية بسبب ما عانته مصر من تمزق وفرقة وحرب أهلية خلال تلك الحقبة العصيبة في تاريخ مصر القديمة ، والتي انتهت بعودة الوحدة إلى مصر مرة أخرى بعد انتصار طيبة على إهناسيا على يد الملك « منتوحتب نب حبت رع » وتأسيسه للأسرة الحادية عشرة والدولة الوسطي .

ومع استعادة مصر لوحدتها وقوتها مرة أخرى خلال عصر الدولة الوسطي ( 2040 – 1795 ق.م ) ، عادت مصر إلى مزاولة دورها التاريخي والحضاري ، وعملت على تشييد الكثير من المنجزات الحضارية والفكرية الكبرى فى تاريخها ، وشهدت تلك الحقبة بعض النشاطات العسكرية في الجنوب على يد ملوك الأسرة الثانية عشرة الكبار « أمنمحات الأول » و« سنوسرت الأول » و« سنوسرت الثالث » بغرض تأمين حدود مصر الجنوبية من هجمات القبائل القاطنة في النوبة التي كانت تشكل تهديدا لأمن واستقرار مصر ، واستطاع ملوك الدولة الوسطي تكوين جيش من قوات الحرس الملكي ومن الفرق العسكرية التي كانـت يرسلها حكـام الأقاليـم يستطيـع مواجهـة هـذه التحديات في الجنـوب ، بـل وقامـوا بنشـاط عسكري فى حـدود مصـر الشمالية الشرقية بهدف تأمين حدود مصر من هجمات البدو في تلك المناطق . وقد أتفق المؤرخون على أن الملك « سنوسرت الثالث » كان شخصية عسكرية فذة في تاريخ مصر القديمة ، نظرا لحملاته الحربية الأربعة التي قادها في النوبة وانتصاراته الكبرى التي حققها هناك .

سقوط مصر فى أيدى الغزاة والتحول فى الشخصية المصرية

ومع سقوط ونهاية الدولة الوسطي تعرضت مصر وحضارتها لمحنة كبرى وقاسية ، حيث وقعت مصر خلال عصر الانتقال الثاني كفريسة للغزاة المتبربرين الهمج من الهكسوس الذين اجتاحوا مصر من حدودها الشمالية الشرقية ، فكانت المرة الأولى في تاريخ مصر التي تتعرض فيها للاحتلال الأجنبي على يد هؤلاء الغزاة الآسيويين المتبربرين ، الذين أذلوا مصر وشعبها كما وصفتهم النصوص المصرية .. وكان ذلك الأمر بمثابة صدمة وضربة كبرى حلت بمصر وبحضارتها الرفيعة ، ووجدت مصر نفسها أمة محتلة تحت الذل والهوان ، وهى تلك الأمة الشامخة العظيمة الحضارة ، والتي يسعى الجميع إليها لينهل من معين حضارتها تلك .. ومن ثم فقد أدرك المصريون وقتها ما للقوة الحربية من أهمية كبرى وبالغة في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار .. وكان ذلك الغزو البربري القادم من آسيا درسا قاسيا ليدرك المصريين أن حضارتهم ودولتهم وأمتهم لن يكون لها وجود إلا من خلال توافر القوة العسكرية اللازمة لحماية أمنهم ومنجزاتهم الحضارية .. فقد كان لهزيمة المصريين الحربية أمام الهكسوس أثر نفسي عميق في الشخصية المصرية ، خاصة إذا علمنا أن الهكسوس كانوا من الشعوب المحاربة الشرسة بالفطرة ، فجاء التحول الكبير والحاسم في شخصية المصري القديم ، الذي تحول من شخص مسالم منشغل بالاستقرار والزراعة والتشييد على ضفاف النيل إلى جندي محارب شديد البأس والقوة ، استطاع فرض قوته وسطوته العسكرية والقتالية على سائر شعوب وأمم العالم القديم .

المقاومة في نفوس الشعب المصري

كان بديهيا أن يدرك المصريون أن التخلص من الاحتلال الأسيوى لن يأتي إلا بإرادة شعبية عظمى وقوة عسكرية ضاربة ، فقضى المصريون وقتا طويلا في الإعداد لحرب التحرير ضد المحتلين الهكسوس ، وعمل ملوك الأسرة السابعة عشرة في طيبة على بث العقيدة القتالية القائمة على روح الجهاد والكفاح والمقاومة فى نفوس أبناء الشعب المصري استعدادا لخوض هذه الحرب المجيدة .. والجدير بالملاحظة أن العقيدة القتالية المصرية في حرب التحرير ضد الهكسوس لم تقم على العامل الوطني فحسب ، بل قامت على أساس متين من العقيدة الدينية ، وفى هذه الناحية وصفت لنا النصوص المصرية أن السبب المباشر فى اندلاع الحرب بين ملوك طيبة والغزاة الهكسوس كان الخلاف الديني والمذهبي بين المصريين والغزاة الهكسوس الذين اعتنقوا عبادة إله الشر ست .. وعملـت القيادة العسكريـة المصريـة على تكويـن جيـش وطنى قـوى مـدرب على أسـس علميـة رفيعة المستوى ، بل وعملوا كذلك على تطوير آلة الحرب المصرية بشكل كبير لمواجهة آلة الحرب المتفوقة للمحتل الأسيوى ، والتي كانت تتمثل فى استخدامهم للمركبات الحربية التى لم تكن تتوافر لدى المصريين ، فعمل المصريين على اقتباس ذلك السلاح الضارب من عدوهم ، ولم يكتفوا بذلك بل أضافوا إليه تقنيات متطورة ليتحقق لهم التفوق العسكري المنشود على عدوهم .. وبالفعل خاض ملوك الأسرة السابعة عشرة « سقنن رع تاعا الثانى » و« كامس » حرب التحرير المجيدة ضد الغزاة الهكسوس ، وحقق « كامس » انتصارات عسكرية حاسمة ضد أعداء مصر حدت من مناطق تواجدهم كثيرا ، حتى جاء الانتصار العسكرى الكبير والحاسم والتحرير على يد فرعون مصر الباسل « أحمس الأول » – مؤسس الدولة الحديثة – الذي استطاع طرد الهكسوس من مصر نهائيا ، بل ومطاردتهم وتتبعهم فى فلسطين ولبنان ، لتتخلص مصر نهائيا من ذلك المحتل البغيض ، ولتبدأ مرحلة جديدة ومجيدة فى تاريخها الشامخ ، وهو عصر الدولة الحديثة ( 1550 – 1069 ق.م ) .

أول مؤسسة عسكرية في تاريخ العالم

عمل الملوك الأوائل للدولة الحديثة على تكوين وتطوير الجيش المصري بشكل كبير ليكون الدرع الواقي والحامي لمصر في مواجهة أى غزو أو تهديد خارجي .. كذلك فقد ظهرت لدى الجندي المصري القديم أسس العقيدة القتالية التي اعتنقتها العسكرية المصرية خلال تلك الحقبة والتي نتجت عن الأثر النفسي الذي تركته تجربة مصر المريرة مع الغزاة الهكسوس ، الأمر الذي أدى فى النهاية إلى ظهور وتأسيس أول مؤسسة عسكرية في تاريخ العالم ، تتمتع بأعظم قدر من القوة الاستراتيجية .. وبالفعل شهدت النظم العسكرية المصرية تطورا مذهلا في كافة أفرع القوات المسلحة المصرية مع مطلع عصر الدولة الحديثة ، وقسم الجيش المصري إلى فرق من المشاة والمركبات الحربية والقوات البحرية ، بل شمل التطور كذلك نظم التسليح المختلفة داخل الجيش المصري .. ولقد تحقق التفوق في آلة الحرب المصرية ، والتفوق الهائل للجيش المصري ، منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر قبل الميلاد ، واستمر بلا انقطاع لمدة تصل إلى نحو مائتي سنة متصلة .. وإذا قمنا بمقارنة المستوى الحربي للجيـش المصري في عصر الدولة الحديثة بمستوييه الآخرين فى عصري الدولة القديمة و الوسطي للمسنا على الفور مدى التفوق الذي بلغه الجيش المصري خلال عصر الدولة الحديثة ، حيث كان أكبر قوة عسكرية ضاربة في التاريخ القديم ، واستطاع تكوين إمبراطورية مصر الكبرى خلال تلك الحقبة ، بعد أن فرض قوة ونفوذ وهيبة مصر السياسية والحربية الواسعة لتشمل تلك الإمبراطورية سوريا وفلسطين شمالا وبلاد النوبة حتى الجندل الرابع جنوبا بفضل انتصارات الجيش المصري .. وقد خاض الجيش المصري خلال تلك الحقبة عشرات المعارك الحربية الشرسة فى آسيا والنوبة والصحراء الغربية من أجل حماية أمن مصر واستقرارها وتوطيد نفوذها السياسي فى الشرق الأدنى القديم .. وأمدتنا نصوص عصر الدولة الحديثة بمعلومات غزيرة عن تاريخ وتنظيم الجيش المصري خلال تلك الحقبة وعن المعارك الحربية الشهيرة الحاسمة التي خاضها ذلك الجيش كموقعة "مجدو" في عهد « تحوتمس الثالث » ، وموقعة قادش فى عهد « رمسيس الثاني » ، وحروب الملك « رمسيس الثالث » ضد الليبيين وشعوب البحر .. وظهر خلال عصر الدولة الحديثة العديد من فراعنة مصر المحاربين العظام الذين شيدوا مجد مصر الحربى وسطروا تاريخ العسكرية المصرية بحروف من نور كـ « تحوتمس الثالث » و« أمنحتب الثاني » و« تحوتمس الرابع » من الأسرة الثامنة عشرة ، و« سيتى الأول » و« رمسيس الثاني » و« مرنبتاح » من الأسرة التاسعة عشرة ، و« رمسيس الثالث » من الأسرة العشرين .

"جيش مصر " الدرع الواقى وصاحب العقيدة القتالية الراسخة عبر العصور

وعلى المستوى الاستراتيجي أدرك المصريون خلال عصر الدولة أن حدودهم الشرقية تبدأ في سوريا ، وأن البوابة الفعلية تقع عند جبال طوروس ، وأن البلاء الذي قد يحل بمصر لابد أن يقضى في طريقه على بلاد الشام ، فهو بلاء مشترك لا تستطيع الدويلات السورية أن تصده وحدها ، حيث أن تلك الدويلات لم يكن لها الكيان السياسي للدولة الموحدة – كما كان الأمر في مصر منذ أكثر من ستة عشر قرنا – ومن ثم فهي ليست بقادرة على صد هجرات جديدة أو كسر شوكة الهجرات الموجودة على أطرافها ، دون دفع داخلي أو عون خارجي .. ومما لا شك فيه أن الجيش المصري القديم كان أقدم وأعرق مؤسسة عسكرية في التاريخ الإنسانى ، وكان ذلك الجيش هو الدرع والسيف الذي عمل على حماية مصر القديمة ومنجزاتها الحضارية العظيمة من قوى العدوان والتخريب والهجمات البربرية .. كان هذا الجيش هو الحصن الحصين والدرع الواقي لمصر القديمة ولحضارتها الشامخة فى مواجهة كل من تسول له نفسه الاعتداء على حدودها المقدسة ، والحامى لأمن مصر من أى تهديد قد يواجهها .. بل كان هذا الجيش في الكثير من الأحيان هو الدرع الحصين لحضارة الشرق الأدنى القديم بأكمله من الغزوات البربرية والهمجية المدمرة التى كانت تهدد حضارات تلك المنطقة ، والتى كانـت تقـوم بها شعـوب متخلفة حضاريـا بغرض الاستيطان والنهب والسلب .. وكانت العقيدة القتالية لهذا الجيش تقوم على حماية حدود مصر المقدسة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا من أى اعتداء أو غزو يهدد حدود مصر الآمنة من قبل أعداء مصر التقليديين ، من أجل الحفاظ على السلام الذي فرضه المصري القديم بقوته وبأسه على جيرانه الطامعين ، ومن أجل تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأدنى القديم .. ولم تقتصر العقيدة القتالية للجيش المصري عند ذلك الأمر فحسب ، بل كان للدين الذي مثل الجانب الأعظم والأهم في حياة المصريين القدامى أثره فى العقيدة القتالية لجيش مصر القديمة ، حيث رأى بعض المؤرخين أن حروب الجيش المصري خلال عصر الدولة الحديثة كانت حروبا دينية ، بقدر ما كانت حروبا وطنية ، فقد تبين من خلال النصوص الحربية المختلفة التي سجلها فراعنة مصر المحاربين أن تلك الحروب كانت تحت لواء الإله « آمون » ، وقد تجلى ذلك فى حرب التحرير ضد الهكسوس كما ذكرنا من قبل ، وفى الحملات العسكرية الكبرى على آسيا التي قادها الفرعون المحارب العظيم « تحوتمس الثالث » ، الذى بدأ نصوصه الحربية بقوله أنه يريد « أن يقهر العدو الخسيس ، وأن يمد حدود مصر ، وفق أوامر أبيه آمون » . كذلك فقد أعلن الفرعون المحارب « أمنحتب الثاني » أن الإله « آمون » قد ظهر له فى الحلم و بشره بالنصر المؤكد فى معاركه ضد البلاد الأسيوية .

ومما لا شك فيه أن تلك العقيدة القتالية قد ظل أمرها متوارثا جيلا بعد جيل فى ميراث العسكرية المصرية عبر القرون .. منذ حرب التحرير ضد الهكسوس وحتى حرب رمضان ضد العدو الصهيوني .. فالجندي المصري الذي عبر قناة السويس في السادس من أكتوبر من العام 1973م والذي أسقط أقوى حصن عسكري في التاريخ وهو خط بارليف الصهيوني ، كان يحمل نفس ما حمله الأجداد من الإيمان والعقيدة القتالية المتمثلة فى الدفاع عن حدود الوطن المقدسة والقتال تحت راية العقيدة الدينية .. فلم يكن غريبا أن يتردد هتاف "الله أكبر" فى ميدان القتال كالزلزال في وجه العدو الصهيوني الغادر من قبل جنود مصر ، كما فعلوا من قبل في قتالهم للتتار والصليبيين منذ قرون مضت .. وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى وصفه لجند مصر البواسل بأنهم خير أجناد الأرض ، وذلك قبل أن يدخل الإسلام الحنيف أرض مصر المباركة ، وتصير حصنه الحصين وقلعته المنيعة منذ أن شرفها الله به ..

ملحوظة هامة : المقال مهدى إلى أرواح شهداء الجيش المصري البواسل الذين استشهدوا برصاصات الغدر عند معبر رفح الحدودي .
 
 
بقلم: د. محمد رأفـت عباس
الصور :